وبدأت الحرب الشاملة..

إسرائيل تشعل لبنان بعد تدمير غزة.. وتستنسخ سياسة الأرض المحروقة

السبت، 28 سبتمبر 2024 01:41 م
إسرائيل تشعل لبنان بعد تدمير غزة.. وتستنسخ سياسة الأرض المحروقة
محمود علي

مصر توجه بدعم بيروت.. وتؤكد: المساس بأمن لبنان مساس بأمن المنطقة
 
دخل الصراع بين حزب الله اللبناني والاحتلال الإسرائيلي منعطف آخر، فبعد أن قضت آلة البطش الإسرائيلية على البنية التحتية في قطاع غزة، مخلفة وراءها عشرات آلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، تتركز انتهاكاتها الآن في الجبهة الشمالية لها حيث جنوب لبنان، المنطقة التي باتت مشتعلة أكثر من أي وقت مضى، جراء التصعيد الإسرائيلي اللا محدود، حيث تبع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سياسة الأرض المحروقة بإدخال المنطقة في مزيد من الفوضى، وجرها إلى حرب واسعة نظير هدف واحد وهو البحث عن طوق نجاة له بعد الفشل المتتالي خلال العدوان على غزة، مسجلاً خسائر سياسية واقتصادية كبيرة لإسرائيل.
 
وبينما بدأ العدوان على غزة يهدأ نسبياً، بعد أن وصلت الانتهاكات الإسرائيلية مداها وقتلت قوات الاحتلال ما فاق 41 ألف فلسطيني وأصابت نحو 96 ألفا؛ اتجهت إسرائيل إلى شن عدوان آخر بتكثيف التصعيد في جبهة لبنان، وبينما كانت تحترم تل أبيب في السابق ما يعرف بقواعد الاشتباك مع حزب الله، بدأت تنتهكه رويداً رويداً، وكانت هجماتها السيبرانية على أجهزة الاتصال البيجر القشة التي قصمت ظهر البعير، ووضعت الصراع مع حزب الله في نطاق آخر، ودفعته لأن يكون أوسع وأشد نطاقاً ما ينذر باتساع رقعة الحرب وأمدها وهو ما حذر منه الجميع وعلى رأسهم الدولة المصرية.
 
وفي الوقت الذي أخذت فيه هجمات البيجر بلبنان حجمها، إذ لاقت اهتمام دولي واسع وردود فعل مستنكرة لها، حيث قتل 37 شخصاً وأصيب المئات في جريمة وصفت بانها انتهاك واسع للقانون الدولي، شهد جنوب لبنان الأسبوع الماضي غارات مكثفة للاحتلال الإسرائيلي على مناطق عدة، أسفرت عن استشهاد وإصابة آلاف المواطنين بينهم أطفال وسيدات وكبار سن، في أكبر حصيلة شهداء وجرحى منذ بدء الصراع بين حزب الله وإسرائيل إثر استمرار الأخيرة في عدونها على قطاع غزة.
 
وتتجاهل قوات الاحتلال نداءات ودعوات المجتمعين الإقليمي والدولي، لوقف العنف في المنطقة، حيث تستمر في توجيه ضرباتها نحو لبنان،  وسط تهديد وتلويح إسرائيلي بالدخول بريا إلى الأراضي اللبنانية، ونزوح واسع من الجنوب إلى العاصمة بيروت، معلنا جيش الاحتلال أن دفاعاته الجوية في حالة تأهب قصوى، ومشيرًا إلى أن هذه الضربات ستستمر وستتزايد.
 
وبينما طالت الغارات الإسرائيلية مناطق مختلفة في الجنوب مثل عيترون والخيام وجبل الريحان ومناطق أخرى، تترقب الأوساط الدولية واللبنانية والإقليمية كيفية رد حزب الله اللبناني، حيث يتوقع المراقبون أن تكثيف تل أبيب من غاراتها بعد هجمات البيجر والتلويح بالدخول برياً، قد تدفع الحزب للبحث عن استراتيجيات جديدة لاستعادة التوازن في معادلة الردع. 
 
التصعيد الراهن يشي باشتعال الوضع أكثر فأكثر، ولكن وفق مراقبون ومحللون لبنانيون فأن الوضع في جبهة لبنان قد لا يتجه نحو حرب شاملة، حيث يُعتقد أن تل أبيب لن تنفذ تهديداتها ولن تقدم على اجتياح بري واسع النطاق للبنان.

وزير الخارجية: أمن واستقرار لبنان من أمن واستقرار مصر 
وفي ظل هذا التصعيد واستمرار نوايا إسرائيل جر المنطقة إلى الفوضى، تقدم مصر كل ما في وسعها من أجل تهدئة الأوضاع مقدمة كافة الجهود لمساعدة الشعب اللبناني في هذه الظروف، وأكد وزير الصحة اللبناني أن مصر كانت دائمًا داعمة للبنان في الماضي والحاضر، مشيرًا إلى أن وزير الصحة المصري، الدكتور خالد عبد الغفار، كان أول من اتصل لتقديم المساعدة من خلال الأدوية والمستلزمات الطبية.
 
وقال الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، إن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي واضحة تماماً فيما يخص لبنان بالتضامن الكامل وتقديم كل أشكال الدعم الممكنة للأشقاء في لبنان فنحن نخشى على لبنان من هذا التصعيد الإسرائيلي غير المقبول وغير المبرر وغير الشرعي، مضيفا أن المساس بسيادة لبنان مرفوض تماما وندينه ونستهجنه بقوة، وأكد أن مصر على تواصل مع كل مؤسسات الدولة اللبنانية للإعراب عن الوقوف إلى جانبهم والتضامن معهم، وعرضنا كل الدعم الممكن، مشدداً على أن مصر لن تتوقف عن تقديم كل أِكال الدعم للأشقاء في لبنان لأن أمن واستقرار لبنان من أمن واستقرار مصر وأمن واستقرار المنطقة كلها.
 
وفي بيان مصري لبناني مشترك، أدان وزيرا خارجية مصر ولبنان، العدوان على الأراضي اللبنانية، ودعيا لاحترام سيادة وسلامة لبنان. ومن جانبه أكد الوزير عبد العاطي على أن المساس بأمن لبنان هو مساس بأمن المنطقة. كما شكر الوزير اللبناني عبد الله بو حبيب نظيره المصري على موقف مصر الداعم للبنان وحكومته في مواجهة العدوان والتهديدات الإسرائيلية بالاجتياح البري.
 
وعلى هامش أعمال الشق رفيع المستوى للدورة ٧٩ للجمعية العامة للأمم المتحدة، ناقش الوزيران التطورات الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي اللبنانية، واستمرار الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
 
 واتفق الوزيران على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي المستمر واضطلاع الدول الفاعلة بدورها في هذا الصدد، وللحيلولة دون توسع المواجهات وتحولها إلى صراع إقليمي واسع النطاق. وشددا على أهمية تحرك المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتنفيذ قرارات كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن وإصدار قرار ملزم لإسرائيل من مجلس الأمن لوقف عدوانها على كل من الأراضي الفلسطينية واللبنانية بشكل فوري، كما أكدا على ضرورة امتثال إسرائيل لالتزاماتها وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات ذات الصلة، خاصة اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية، بما يوفر للمدنيين الحماية التي تكفلها المواثيق الدولية من تبعات العدوان الذي تشنه إسرائيل.
 
وشدد الوزيران على أنه لا سبيل لحل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط سوى من خلال تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، ووقف العدوان على قطاع غزة ولبنان واللجوء إلى السبل السلمية لوقف التصعيد وحل المسائل العالقة بين إسرائيل ولبنان عبر تطبيق قرار مجلس الأمن ١٧٠١، بما يؤمن عودة النازحين لقراهم، واستئناف مسار العملية السياسية الخاص بحل الدولتين، وإنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
 
ودوليًا، صدرت تحذيرات من تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية شاملة، حيث أشار مجلس الأمن الدولي إلى مخاطر نشوب حرب في المنطقة، وأكدت الحكومة الألمانية على ضرورة تنفيذ القرار 1701 في لبنان بسرعة، بينما وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تصرفات إسرائيل بأنها استفزازية وتهدف إلى دفع الولايات المتحدة للتدخل في الصراع.
 
في الوقت ذاته، دعت الصين إسرائيل إلى وقف استخدام القوة والاعتداء على سيادة لبنان، بينما أكد نائب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة تجمع المعلومات حول الوضع في لبنان وتؤكد أن التصعيد ليس في مصلحة أي طرف، وفي خطاب له عبر الفيديو، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المسار الدبلوماسي ما زال قائمًا وأن الحرب ليست حتمية، مشددًا على وقوف فرنسا إلى جانب الشعب اللبناني.

الأمم المتحدة: انتهاك مرعب للقانون الدولي
في سياق متصل أدان خبراء حقوق الإنسان تابعين للأمم المتحدة "التلاعب الخبيث" بأجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي التي تم تفجيرها بشكل متزامن في لبنان وسوريا، واصفين ذلك بأنه "انتهاك صارخ" للقانون الدولي، فوفقًا لتقارير واردة في بيان صحفي صادر عن الخبراء، أدت تلك الهجمات إصابة وتشويه 3,250 آخرين، من بينهم 200 حالة حرجة، كما شملت الضحايا صبيًا وفتاة، وعددًا من أفراد الطاقم الطبي، وأصيب حوالي 500 شخص بجروح خطيرة في العين، بما في ذلك دبلوماسي، بينما تعرض آخرون لجروح في وجوههم وأيديهم وأجسادهم.
 
أوضح الخبراء المستقلون أن هذه الهجمات تنتهك الحق الإنساني في الحياة، مشيرين إلى أنه لم يكن هناك دليل على أن الضحايا شكلوا تهديدًا وشيكًا في ذلك الوقت. كما طالب الخبراء بفتح تحقيق سريع ومستقل لتحديد الحقائق وتحقيق العدالة، وبحسب التقارير، تم توزيع أجهزة البيجر واللاسلكي بين أفراد يُزعم ارتباطهم بحزب الله، الذي يضم مدنيين وعسكريين، وأكد الخبراء أن هذه الهجمات لم تميز بين المدنيين والمقاتلين، مما قد يجعلها "جرائم حرب"، نظرًا لعدم التحقق من هوية من يحمل هذه الأجهزة وقت الهجمات، مما يمثل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.
 
وأوضح الخبراء أن استخدام الأفخاخ المتفجرة، مثل تلك المرتبطة بأجهزة البيجر المعدلة، يعد محظورًا بموجب القانون الإنساني الدولي، حيث تهدف إلى قتل أو إصابة الأشخاص بشكل غير متوقع، مشيرين إلى أن العنف المتعمد بهدف نشر الرعب بين المدنيين يعد أيضًا جريمة حرب، وحذروا من أن الحياة اليومية في لبنان تعيش تحت وطأة مناخ من الخوف المستمر.
 
ودعا الخبراء الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق شامل وفعال وشفاف حول هذه الهجمات، وأعربوا عن استعدادهم لتقديم المساعدة في هذا السياق. كما دعوا الدول إلى تقديم المسؤولين عن هذه الهجمات إلى العدالة، وممارسة الولاية القضائية العالمية على جرائم الحرب.
 
وفي ختام بيانهم، حث الخبراء جميع الأطراف على احترام القانون الإنساني الدولي وحل النزاعات بطرق سلمية، محذرين من أن تصاعد العنف يهدد استقرار المنطقة بأسرها، ودعوا مجلس الأمن والجمعية العامة إلى التحرك لاستعادة السلام والعدالة.

سكان غزة يتخوفون من التجاهل
على جنبات الإقليم الأخر يعيش سكان قطاع غزة في حالة من الرعب المتزايد، ويشعرون بالقلق من تراجع الاهتمام الدولي بأوضاعهم المأساوية. ووفقا لتقرير نشره موقع "أسوشيتد برس" يواجه السكان هناك احتمالًا مريرًا يتمثل في إمكانية تجاهل المجتمع الدولي لمعاناتهم، وأبدوا تخوفهم من أن تصرف الحرب على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية الأنظار عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة والجهود الرامية إلى التفاوض على وقف إطلاق النار. 
 
وفي وقت أصبح 90% من سكان غزة بلا مأوى، ويعيش مئات الآلاف في مخيمات غير صحية، يعانون من نقص الطعام والمياه النظيفة، تتزايد مخاوف الفلسطينيين من أن تتحول أوضاعهم البائسة إلى حالة دائمة. حيث أدت هجمات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة إلى تدمير أجزاء كبيرة من غزة، حيث تشير تقديرات الباحثين المعتمدين على صور الأقمار الصناعية إلى أن نحو 60% من المباني في القطاع قد تعرضت لأضرار منذ اندلاع الحرب.
 
ومع تزايد احتمالات اتساع الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، قلصت تل أبيب وجودها العسكري في غزة، ونقلت وحدات رئيسية إلى الحدود الشمالية مع لبنان، ورغم ذلك تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية اليومية على القطاع المحاصر، ومؤخراً أسفرت إحدى الغارات التي استهدفت مدرسة تُستخدم كمأوى في شمال القطاع عن مقتل وإصابة العشرات معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لتقارير وزارة الصحة في غزة.
 
ولا تزال تنفذ عدد من الوحدات العسكرية الإسرائيلية عمليات داخل غزة، ويمنعون الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، حيث يتواجد آلاف من جنود الاحتلال  في غزة وينفذون عمليات تزيد من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، حيث جعلت الأمطار الأخيرة الحياة في القطاع أكثر صعوبة، مما زاد من معاناة النازحين الذين يعيشون في ظروف صعبة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق