لا يفل الفكر إلا الفكر.. ولا الانحراف إلا العلم

"صوت الأمة" تستقصي خلاصة تجارب علماء وخبراء في مواجهة مثلث الشر "الشذوذ والتطرف والإلحاد"

السبت، 28 سبتمبر 2024 10:00 ص
"صوت الأمة" تستقصي خلاصة تجارب علماء وخبراء في مواجهة مثلث الشر "الشذوذ والتطرف والإلحاد"
طلال رسلان

التفنيد والدراسات العلمية والمناقشات الحوارية.. أفضل الأساليب لمواجهة الظواهر الدخيلة على المجتمع وحماية الشباب
 
رغم التحديات التي يفرضها العصر الحديث والتطور التكنولوجي بما يحمله من مخاطر على المجتمعات، تعمل مصر بفضل تنوع مؤسساتها الدينية، الإعلامية، التعليمية، والقانونية على مواجهة الظواهر الدخيلة مثل الشذوذ والإلحاد والتطرف. بفضل هذا التعاون بين مختلف المؤسسات، تحافظ الدولة على تماسك المجتمع وتعزز مناعته ضد تلك الأفكار التي تهدد استقراره.
 
مصر التي تمتلك تاريخاً حضارياً وثقافياً عريقاً، مستندة إلى قيم وتقاليد دينية واجتماعية راسخة. ومع تطور المجتمعات، تواجه كباقي الدول ظواهر دخيلة على المجتمع تتعارض مع هذه القيم. ومع تزايد تأثير العولمة والاتصال الرقمي المفتوح، أصبحت هذه الظواهر تمثل تحديات اجتماعية وثقافية.
 
ومن خلال التجارب العالمية والسابقة، عندما ألقينا نظرة على أفضل الأساليب لمواجهة ثلاثي الشر على المجتمع (الشذوذ والإلحاد والتطرف)، تبين أن أفضلها وأكثرها تأثيرا هو استخدام المناهج العلمية التي تعتمد على نظريات التوثيق والتفنيد والمواجهة بالمناقشات والخطوات القائمة على دراسات السلوك الإنساني، فإنها بالتأكيد تدفع إلى نتائج ملموسة وأكثر واقعية.
 
النتيجة الأكثر تأكيدا أن الانحراف النفسي قد يلعب دورًا في ظهورها وتطورها، ومن المهم التوجه إلى العلاج النفسي والوقائي لحماية الأفراد والمجتمعات من آثار هذه الظواهر، والبحث عن حلول عملية ترتكز على الفهم العلمي والنفسي العميق.
 
تحدثنا مع متخصصين في مواجهة تلك الظواهر الدخيلة على المجتمع، واتضحت الصورة كاملة وخاصة أن هؤلاء المتخصصين لهم تجارب شخصية مع حالات وقعت في فخ تلك الظواهر، وظهر مع النقاشات مدى أهمية الحوار والتفنيد بشكل علمي مدروس جنبا إلى جنب لتحركات المؤسسات الدينية.
 
بعد عدة حوارات مع الخبراء كل في مجاله وجدنا أن الجميع اتفق على مبدأ أن المواجهة العلمية المدروسة لظواهر الشذوذ والإلحاد والتطرف ما هي إلى نتاج لجلسات حوارية بشكل أوسع زمنيا، وتراكم خبرات بالعمل مع تلك الحالات لمعالجة مواطن الخلل، حتى أن تلك النقاشات العلمية دارت في مستوى ثقافي عال وبالتالي كانت النتائج مبشرة في عدول أعداد كبيرة عن تلك الأفكار.
 
مثلا إحدى الشخصيات التي تحدثنا معها كان الدكتور أحمد عياد أستاذ علم النفس في جامعة طنطا والذي كانت له تجارب علمية مع شباب انجر إلى دائرة الإلحاد، ووقع تحت تأثير مخدر تدمير العقول بأفكار خارجة عن المجتمع، تحدث عياد عن أنها ظواهر نفسية أكثر منها مجتمعية، وتعامل معها على هذا الأساس ومن ثم اتجه إلى علاج الخلل النفسي أولا قبل إعادة الثقة في المجتمع لدى الحالات، ومن هنا كانت تجربته الناجحة التي حدثنا عنها باستفاضة قد تؤدي إلى اتباع نظام يؤكد على أنه أحد أهم أجزاء حلول تلك الأزمات.
 
علميا، هناك نظريات ترى أن الشذوذ قد يكون نتيجة عوامل بيولوجية أو نفسية نشأت في مراحل مبكرة من الحياة، مثل: الاضطرابات النفسية في الطفولة. ودراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يمرون بتجارب نفسية قاسية مثل الإهمال أو الاعتداء الجنسي يكونون أكثر عرضة لتفاقم ميول جنسية غير نمطية.
والبيئة الأسرية: البيئة الأسرية المختلة أو التفكك الأسري قد يفرزان إلى انحرافات نفسية تشمل الشذوذ الجنسي، حيث يؤثر غياب العلاقة الأسرية الصحية على تكوين الهوية الجنسية.
 
في علم النفس التحليلي، يعتبر فرويد أن التوجه الجنسي هو نتيجة لمراحل تطور نفسية معقدة، وأنه قد ينحرف عن مساره الطبيعي إذا تعرض الطفل لتجارب صادمة أو مؤثرات سلبية.
 
والإلحاد، بمعنى إنكار وجود الإله أو الأديان، يُنظر إليه في بعض المجتمعات على أنه أحد أشكال الانحراف عن القيم الدينية الموروثة. من المنظور النفسي، يمكن للإلحاد أن يكون نتيجة لتجارب شخصية أو اضطرابات نفسية تفقد الثقة في الأديان أو في المعاني الروحية.
 
بعض الأسباب النفسية وراء الإلحاد تشمل:
تجارب صادمة مع الدين: أفراد قد يتعرضون لتجارب سلبية مع المؤسسات الدينية أو المجتمع الديني، ما يدفعهم إلى رفض الدين ككل.
الاغتراب الاجتماعي: شعور الفرد بالاغتراب عن مجتمعه أو الأسرة، ما يجعله يبحث عن هوية جديدة من خلال إنكار الدين والتوجه نحو الفكر المادي.
الرغبة في التمرد: في بعض الحالات، يُعتبر الإلحاد تعبيرًا عن رغبة نفسية في التمرد على القواعد المجتمعية والدينية، خاصة في المجتمعات التي تفرض قيودًا صارمة.
 
من ناحية علم النفس الإكلينيكي، هناك آراء تقول بأن الإلحاد قد يكون تعبيرًا عن حالات نفسية معقدة مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق، حيث يبحث الأفراد عن تفسيرات مختلفة للوجود ومعنى الحياة بعيدًا عن الإيمان الديني التقليدي.
 
حتى في نقاشاتنا مع علماء دين ومن داخل المؤسسات الدينية لجأنا إلى علماء لديهم قدر عال من الثقافة والخلفيات العلمية ما يمكنهم من الخوض في نقاشات حوارية قائمة على الأسس العلمية والدراسات للتعامل مع تلك الظواهر، إضافة إلى دور الأزهر كمرجعية إسلامية عالمية، المحوري في نشر الفكر الوسطي للإسلام والتوعية بمخاطر الظواهر الدخيلة مثل الشذوذ الجنسي والإلحاد، وكذلك الكنيسة بدورها تقوم بتوجيه شعبها وتحذيرهم من الأفكار المتطرفة أو الدخيلة على التعاليم المسيحية. كما تشارك في برامج تهدف إلى تقوية الروابط العائلية والاجتماعية التي تحمي المجتمع من هذه الظواهر.
 
ولا يمكن إغفال الإعلام المصري الذي يلعب دورًا مهمًا في التوعية والتصدي للظواهر الدخيلة. من خلال البرامج الحوارية والأفلام الوثائقية والتقارير الإخبارية، يطرح الإعلام المصري قضايا الشذوذ الجنسي، الإلحاد، والتطرف للنقاش بأسلوب علمي يبرز مخاطرها ويشدد على القيم المجتمعية الراسخة.
 
ولذلك كان تركيزنا أيضا في مواجهة الملف كاملا على دور النظام التعليمي في ودوره المهم في تشكيل وعي الأجيال الناشئة تجاه القيم المجتمعية والمعتقدات الدينية. من خلال المناهج الدراسية، يتم التركيز على أهمية الأسرة، الأخلاق، والاحترام المتبادل. والمناهج التعليمية التي تتضمن دروساً عن الدين والأخلاق، وتشرح موقف الإسلام والمسيحية من ظواهر مثل الشذوذ والإلحاد والتطرف. كما تُعرِّف الطلاب بأهمية التمسك بالقيم الوطنية والدينية.
 
أما المدارس فعليها تنظم أنشطة تربوية وبرامج لزيادة الوعي بالمخاطر التي تشكلها هذه الظواهر، وذلك عبر المحاضرات التوعوية والمسابقات الثقافية التي تركز على تعزيز القيم الوطنية.
 
أما الأسرة فتعد الحصن الأول في حماية أفرادها من تبني الأفكار الدخيلة. تلعب الأسر دوراً مهماً في تنشئة الأبناء على القيم الدينية والأخلاقية التي تحميهم من الانجراف وراء هذه الظواهر.
 
وبعدها المؤسسات الأهلية ودورها الفعال في نشر التوعية بين أفراد المجتمع، حيث تقوم بعقد ورش عمل ومحاضرات لتعزيز القيم الدينية والاجتماعية.
 
وصولا إلى التوعية عبر الإنترنت نظرًا لأن الإنترنت يعد مصدراً رئيسياً للتأثير، تعمل بعض المؤسسات على تقديم محتوى رقمي يستهدف الشباب ويشرح لهم كيفية التعامل مع هذه الظواهر والتصدي لها.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق