عصام عبد القادر يكتب عن مثلث تدمير الشعوب: آثار الإلحاد المعاصر السلبية على الوجدان البشري.. العدائية والكراهية.. التطرف والإرهاب.. فقدان الاستقرار المجتمعي.. إفقار الشعوب.. تقويض مسارات التنمية
الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024 07:29 م
فطر الله تعالى النفس البشرية على التفكير والتساؤل، عما وفيما وكيف ولماذا يجري في الكون من مجريات وأحداث، وتغيرات متوالية، ومتزامنة، ومتلاحقة؟ فقد بات الإنسان يسأل سؤاله المشروع بعيدًا عن أي توجيه أو تعريف أو تعليم وهو لماذا خلقنا وما الهدف والمغزى من حياة مليئة بالفرح والحزن وحب اللقاء وغدر الفراق؟ لذا من الطبيعي أنه يعاني من حالة الصراع المعرفي لغياب الإجابة عما يجول في الوجدان وما يرد في الخاطر؛ ومن ثم كان أول الآثار التي يخلقها الإلحاد المعاصر في النفس يتمثل في القلق والصراع النفسي الحاد.
وما يواجهه الفرد مع نفسه ومع مجتمعه، يؤكد لديه التشكيك في منهجية الإلحاد ومزاعمه الباطلة، وفي المقابل قد يجد المتعة والسعادة في ترك التكليفات التي تحد من تحرره وتجعله منضبطًا في سلوكه بشتى أنماطه، وبالطبع هذا يخص من يفتقد ماهية الإيمان الحقيقي الذي ينبري عن عقيدة وسطية، لا يشوبها التحريف، ولا ينال منها مغرض، مهما بلغت أمانيه وإمكانياته وعلا صيته وامتدت قوته وجبروته وسلطانه، سواءً أكان ماديًا أم معنويًا.
ونرصد آثار الإلحاد المعاصر على الملحد، ما بين نفس أمارة وأخرى لوامة؛ حيث إن تفكير الإنسان دومًا لا يتوقف حيال مستقبله الذي دمرته عقيدة الإلحاد المعاصرة؛ فتبدو له أن حياته غير ذي مغزى، وأن مصيره للفناء المطلق، فلا داعي لفعل الخير والعمل به، وهذا ما يزيده حيرة، ويطمس من هويته، طبيعته السمحة التي جبلت على الإعمار والتعمير، وكراهية الدمار والتخريب وصور الفساد والإفساد، وشجب الظلم والعدوان والقهر والطغيان؛ فيظل كابوس التباين والتعارض يتصارع مع نفس تهوى التحرر، ونفس تميل للخير ومساراته؛ فمن يشفي غليل النفس المعذبة بما جلبته فكرة الإلحاد في ثيابها الجديد.
والمنهج الإلحادي المعاصر يعضد صورة الأنانية، بل ويجعلها كشعار رئيس له؛ كونه يحض الفرد إلى التحرر من كافة الضوابط الاجتماعية التي تقوم على التكافل، كما أن الإلحاد المعاصر لا يؤمن بماهية عباءة الخير المشفوع بالعطاء والتضحية، ولم الشمل والمثابرة من أجل تحقيق الغايات المنشودة حيال إعمار الأرض؛ بالإضافة إلى أن الإلحاد المعاصر لا يرغب البتة في شيوع السلم والسلام والمحبة والوئام داخل المجتمعات وفيما بينها.
ونوقن بأن الأنانية مبدأ الإلحاد المعاصر، الذي يخدم الفرد تطلعاته ويفي بمتطلبات شهواته ونزواته؛ فلا منزع لدى الملحدين الجدد ولا مجال للتفكير في إفادة الآخرين وتقديم ما ينفعهم أو يسعدهم؛ حيث إن الفقراء والمحتاجين وماهية التكافل والتضامن من أجلهم غائبة تمامًا، ليست في قاموس الملحدين الجدد؛ ومن ثم ندرك جليًا بأن الأنانية من لوازم منهجية الإلحاد المعاصر التي تساعد في تكوين الإنسان النفعي.
ومن سمات الإلحاد المعاصر صورة العدائية والكراهية في مكون ومكنون الخطاب الإلحادي المعاصر تجاه قضية الإيمان بالله؛ فقد بات الخطاب الإلحادي حاملًا في صيغته المتشددة كرهًا وبغضًا تجاه الدين، وصار الإيحاء بأن الدين مكمن الشرور في الأرض ويجب التخلص منه للأبد، بل وأضحت قضية الإلحاد مساندة من مليشيات تبث البغض والكره الممنهج تجاه العقيدة، وتحض بصورة مبالغ فيها على الإلحاد كسفينة نجاة للعالم بأسره، ناهيك عن وصف ووصم التدين بعبارات ومصطلحات شديدة العدائية؛ حيث إثبات أن الإلحاد ليس بديلًا عن التدين، بل الحل الأمثل والأوحد من وجهة نظر الملحدين وميليشياتهم، خاصة في الغرب.
وتوظيف ماهية التطرف والإرهاب في مجابهة ومعارضة ومحاربة الأديان والتشكيك فيها أحد سمات منهج الإلحاد في صورته المعاصرة؛ فالخطاب الإلحادي يحاول إثبات أن التدين يؤدي بالفرد لانتهاج العصبية؛ ومن ثم يصبح متطرفًا في سلوكه وأقواله، كما أن الخطاب الإلحادي يدور جله حول إثارة الشبهات في الدين من خلال المواقف التي تبدر من فئات بعينها في بقاع العالم وربوعه، ويصل الأمر بالخطاب الإلحادي تأكيده على ضرورة التخلص من كل الأماكن المقدسة على وجه الأرض؛ كي يتخلص الإنسان من العبودية والربوبية التي يدعيها أقطاب الأديان في مشارق الأرض ومغاربها.
وثمة اتفاق على أن الاستقرار المجتمعي لا يتحقق في المنهج الإلحادي، الذي يعمل وفق منهجية بث الفتن وتعظيم الخلافات وتعضيد النزاعات والانقسامات؛ فتصبح الحياة يكسوها التوتر والضغوط اللامتناهية، كما يخدم المشروع الإلحادي فلسفة إثارة الشعوب لتقوم بثورات موجهة؛ فتسقط أنظمة ومعها يسقط الأمن والأمان ويحدث التفتت المجتمعي بصورة مستدامة، ويندلع أثر ذلك صراعات مسلحة لا تنتهي، فتغييب العقول وتصبح فريسة لغايات الملحدون الجدد في عصر غياب الضمير الأخلاقي بالكلية.
ويوطن المنهج الإلحادي فكرة إفقار الشعوب بغية التحكم في هويتها؛ فلاحظنا أن الاستعباد يتلوه تدميرًا لحضارة البشرية، وسلب الثروات من أولويات هذا الفكر كما أن إثارة الفتن وتأجيج الصراعات تخدم الفكر الإلحادي بصورة مباشرة وقوية؛ حيث تنشغل المجتمعات بلقمة العيش تاركة وراءها ما تؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاق سامية، ومن ثم يصبح القلق والضغط والتوتر المناخ السائد في المجتمعات المحتلة والمستعبدة من قوى الشر.
ويساعد الإلحاد المعاصر على تفشي الفساد من خلال فتح أبوابه على مصراعيها؛ فيولي أصحاب النفوذ والمال أمور إدارة المشهد؛ ليتحكموا في بث أفكارهم الإلحادية بطرائق ميسرة، كما أن غياب الشفافية والمعيارية أمر طبيعي لدى أصحاب الفكر الإلحادي؛ فالاستثمار من وجهة نظرهم يقوم على استغلال الفرص بشتى الوسائل؛ فمن خلال الثروة يتحكمون في مجريات الأمور، ويسوقون الأفكار التي تخدم مشروعهم في ظل استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها المجتمعات المستهدفة بالفكر الإلحادي.
وتعظيم الاستبداد من قبل المنهج الإلحادي يشمل تقويض مسارات التنمية وإضعاف الاقتصاد بكافة تنوعاته، وهذا يخدم المشروع الإلحادي بقوة؛ حيث إن ضعف التنمية الشاملة في مجالاتها المختلفة يحدث حالة من العوز تؤدي إلى تدهور المجتمعات؛ فلا معيشة كريمة ولا تعليم جيد ولا وظائف تستوعب القوى البشرية القادرة على العمل، وهذا كله يؤدي إلى اعتماد الشعوب على منح ومساعدات تجعلها تابعة وخاضعة لمن يقدم لها المعونة، وذلك مكمن الخطورة؛ حيث فرض اشتراطات من شأنها تنفيذ إملاءات بعينها قد تطال مجالات الحياة العلمية والتعليمية والعملية والمعيشية؛ ومن ثم يسهل بث السم في العسل؛ فتتدفق أفكارهم الإلحادية فيما ذكر من مجالات تغزو الفكر وتحدث الغاية التي ينشدها المنهج الإلحادي.
ويسعى المنهج الإلحادي إلى النيل من الجانب العقدي لدى الفرد والمجتمع؛ حيث إن حالة الاستبداد المشار إليها تجعل مناخ الخنوع والخضوع يقبل ما يبث من فكر مستورد، ولا يعارض المتناقضات رغم تبيان مخاطرها على الجانب الأخلاقي، وهذا يحفز الملحدون الجدد على تعضيد الاستبداد بكل أنواعه؛ وخاصة في الجانب السياسي الذي يفرض حالة القمع والسيطرة في صورتها المفرطة.
ورغم ذلك نمتلك آليات فاعلة في دحر الإلحاد المعاصر؛ تتمثل في مقدرتنا على تعضيد الوعي الصحيح، وتنمية الفكر بصورة مخططة تقوم على برامج تعليمية وتثقيفية ودراما تتسم بالعرض الإبداعي الذي يستثير الوجدان ويحيطه بسياج يقيه شر مدخلات ومآرب الفكر الإلحادي المعاصر؛ ومن ثم نذكر بأنه يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يبذل من جهود ومحاولات باغية تستهدف شباب الأمة وتستقطبهم أو تستميلهم نحو هذا الفكر المنحرف ذي النتيجة المحتومة، وهي الدمار والخراب وانهيار المجتمعات واندثار الحضارات؛ فلا تاريخ ولا ثقافة ولا جغرافيا يبقي عليها الملحدون الجدد؛ فهم سرطان هذا الزمان وكل زمان؛ فرغباتهم حيوانية وسعيهم إلى تلبية غرائزهم أباحت لهم كل الموبقات دون أدنى مراعاة لماهية الطبيعة الإنسانية صاحبة الفطرة النقية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.