الإلحاد خطر يهدد شباب الأمة.. كيف تصدت له المؤسسات الدينية؟

الجمعة، 20 سبتمبر 2024 12:43 م
الإلحاد خطر يهدد شباب الأمة.. كيف تصدت له المؤسسات الدينية؟

يتلقى عالمنا العربي موجات من الإلحاد والتشكيك تستهدف شبابنا، فبعد أن كان الفكر الإلحادى مقتصرًا على دوائر ضيقة من يطلقون على نفسهم النخبة، انتقل إلى الشباب بعد سلسلة من الأفكار التى تم تبسيطها بحيث يسهل على الشباب تلقفها والإيمان بها.
 
قال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، إن دار الإفتاء تؤكد على أهمية التمسك بالدين الإسلامى وتجنب الانزلاق نحو الإلحاد والشذوذ الجنسى، حيث ترى أن هذه الظواهر تمثل تهديدًا للأخلاق والقيم المجتمعية.
 
وأوضح الدكتور إبراهيم نجم، أن هناك العديد من العوامل التى تسببت فى انتشار الإلحاد والشذوذ الجنسى، يأتى فى مقدمتها ضعف الإيمان وعدم التمسك بالأصول الدينية والتأثر الأفكار بالتيارات الغربية.
 
وأضاف دكتور نجم، أن الجهل بالدين، وعدم الفهم الصحيح لمبادئ الإسلام وأحكامه، وجمود الخطاب الدينى لسنوات له أثر كبير فى تزايد تلك الظواهر التى يرفضها الإسلام، فيما تعد المشاكل الاجتماعية، والضغوط النفسية، والانحرافات السلوكية، عنصرا أساسيا فى البيئة التى تحتضن تلك الظواهر.
 
وأشار دكتور نجم، إلى استراتيجية دار الإفتاء المصرية الرامية إلى تفعيل ثقافة الحوار بوصفه واحدًا من أهم أدوات التواصل الفكرى والدينى والثقافى والاجتماعى، وفى سبيل ذلك أنشأت وحدة حوار وهى وحده تهتم بالبحث العقدى والمعرفى والفكرى وما يتقاطع معهما من إشكالات نفسية واجتماعية"، حيث تم التوسع فى مجال عمل الوحدة لتعمل على تقديم رؤية جديدة فى كثير من القضايا والإشكالات المعرفية، وكذلك تقديم المشورة، مثل قضايا الانتحار، والهوية الجندرية، والعنف الأسرى، والاندماج، والتطرف الدينى، والإلحاد، والحوار مع الآخر، وسائر القضايا الإشكالية التى أساسها ومنبعها دينى وتتخذ أشكالًا مختلفة.
 
100 ألف فتوى تتعلق بقضية الإلحاد في 2023 فقط
 
 
كما أوضح أن الإدارة عقدت 922 جلسة حوارية تتراوح بين ساعة و5 ساعات للجلسة الواحدة، بما يقارب حوالى 100 سؤال فى الجلسة وبما يوازى 100,000 فتوى ضمن الجلسات التى نعقدها داخل الدار وذلك خلال عام 2023 فقط.
 
وأوضح أن تصنيف الجلسات تمحور حول الأسئلة الكبرى (مثل: نشأة الكون، ووجود الله، وصدق الرسالة، وصوابية الدين)، وإشكالات فلسفية (مثل: معضلة الشرِّ، مفهوم الإرادة الحرَّة، نظرية الخلق المستمرِّ.. وهكذا.
 
وتابع دكتور نجم أن دار الإفتاء المصرية تعتبر أحد أهم المرجعيات الدينية فى العالم الإسلامى، وهى تبذل جهودًا كبيرة لمواجهة ظاهرة الإلحاد المتزايدة فى المجتمعات المعاصرة. حيث تتميز حوارات دار الإفتاء حول الإلحاد بالتركيز على الحجة والعقل وتسعى إلى تقديم حجج عقلية وقائمة على الأدلة الشرعية والعلمية لإثبات وجود الله تعالى، وبيان حكمة الشريعة الإسلامية.
 
وأردف أن دار الإفتاء تقوم بتحليل الشبهات التى يطرحها الملحدون، وتقديم إجابات شافية ووافية عليها فى إطار الرد على الشبهات وذلك من خلال أمناء الفتوى والخبراء المتخصصين فى علم النفس والاجتماع.
 
 
فيما أكد مستشار مفتى الجمهورية أن دار الإفتاء تعنى بالحوار البناء والهادئ مع الملحدين، وتقديم الحلول العملية لمواجهة ظاهرة الإلحاد، من خلال تعزيز القيم الدينية، وتطوير البرامج التعليمية، والدعوة إلى التسامح والوسطية.
 
وحذر دكتور نجم من خطورة الإلحاد على الفرد والمجتمع، من حيث فقدان القيم الأخلاقية، وانهيار الروابط الاجتماعية، وانتشار الجريمة، موضحا أن للأسرة والمجتمع دور ذو أهمية فى تربية الأجيال على القيم الدينية والأخلاقية، وحماية الشباب من الأفكار المنحرفة.
 
مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية أكد أن ما ينتشر -فى هذه الآونة- من أفكار وطقوس وإيحاءات تدعم الخرافات والوساوس والتخيلات؛ وما يدعو إليه كثير من مدربيها، من قدرة الإنسان على معرفة الغيب، أو جذب كل ما أراد من الأرزاق بمجرد التفكير فيها دون سعى إليها من خلال ما يسمى بـ «قانون الجذب»، أو قدرته على خوض تجربة الاقتراب من الموت وترك جسمه المادى والطيران بجسمه الأثيرى ومقابلة أشخاص فى أزمان غابرة ورؤية أجسام ملائكية أو شيطانية من خلال ما يسمى بـ«الإسقاط النجمي»، أو أن النجوم فاعلة مُدبرة مؤثرة فى مستقبل الإنسان ومصيره؛ لهى أفكار ضالة مُضِلَّة أودت بعقول كثير من الناس، بل وبحياتهم، وأدخلت الكثير منهم فى أنفاق مظلمة من الإلحاد والاكتئاب والفقر والفشل والجريمة، أو فى نوبات مزمنة من الاضطراب العقلى والنفسى والسلوكى، وقد ينتهى المطاف بأحدهم إلى إيذاء نفسه أو أهله، وقد تدفعه هذه الخرافات إلى قتل النفس التى حرّم الله؛ بزعم الراحة من الدنيا وعناءاتها.
 
 
مفتى الجمهورية يضع روشتة مواجهة الإلحاد
 
الدكتور نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية، سبق وأن شخص الداء وكشف عن الدواء فى فعاليات افتتاح الملتقى الفقهى الثالث والذى كان قد عقد بعنوان: (الفتوى ودورها فى مواجهة الإلحاد) الذى نظمه ((مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية))، وأكد أن أمر الفتوى عظيم القدر، جليل الخطر، كبير الموقع، حيث كانت الفتوى – وما زالت – أهم وسائل تبليغ الإسلام، وبيان صحيح الدين فى الماضى والحاضر، ولجلاتها وعظيم قدرها نجد الصحابة - رضوان الله عليهم - يتورعون عنها، فعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله ﷺ - أراه قال: فى المسجد - فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا».
 
وأضاف لم يقتصر نشاط منظرى الإلحاد المعاصر على محاولة تفكيك ((الدين)) من حيث (أصوله وقضايا الاعتقاد فيه)، بل امتد ليشمل محاولة تفكيك وتحليل ونقد ((التشريع، وتاريخه، ونظامه، وأهدافه))، حتى يصل فى النهاية لإنكار الوجود الإلهى فى هذا الكون.
 
لذا روج الملاحدة لفكرة (عبثية التشريعات الدينية)، وخلوها من الحكمة، ونظروا إلى الصلاة بوصفها خطابا للعدم، يضيع الوقت، ويعطل الإنتاج، ونظروا إلى الصيام بوصفه تجويعا غير مبرر، وعذابا للإنسان بلا فائدة، وهكذا فى سائر التشريعات.
 
وروج الملاحدة – أيضا – لفكرة خبيثة لبابها: أن (المحرمات) فى الأنظمة التشريعية ما هى إلا قيود ثقيلة غير مبررة على حرية الإنسان؛ لذا يقولون: أن تحريم (الربا، والخمر، والميسر، والزنا)، إنما هو انتهاك لحرية الفرد الخاصة.
 
وغير ذلك كثير مما يروج له هؤلاء للتشكيك فى الدين وتشريعاته؛ فإذا كنا نؤكد على أهمية الفتوى الصحيحة ودورها فى مواجهة الإلحاد فإننا نحذر من خطورة الفتاوى الشاذة والهدامة، التى ينتج عنها إما التحلل والإلحاد، أو التطرف والإرهاب، فهذه الفتاوى قد أدت إلى تشويه صورة الدين وأهله فى نظر المجتمع، وأوقعت الناس فى حيرة وريبة فى الأحكام والتشريعات، وهزت ثقة الناس فى علماء الشريعة، وزعزعت استقرار المجتمعات، وأضرمت كثيرا من الفتن والصراعات؛ لذا يصدق فى أصحابها قول ربيعة الرأى (شيخ الإمام مالك -رحمهما الله-): «استفتى من لا علم له، وظهر فى الإسلام أمر عظيم، وبعض من يفتى ههنا أحق بالسجن من السراق».
 
ونقصد بالفتاوى الشاذة هنا: تلك الفتاوى التى أهملت نصوص الشريعة، أو تأولتها على غير مقاصدها، أو حملتها ما لا تحتمل، أو انطلقت فى بنائها على مجرد إرضاء ((الرغبات والأهواء، واقتفاء الرخص وزلات العلماء، وأغفلت الواقع ومقتضياته)).
 
أو تلك الفتاوى المتشددة الجامدة، التى تتمسك بظواهر النصوص، أو تحملها على غير مقصود الدين، وهى فتاوى تتعارض طبيعتها وطبيعة الإنسان، بل وطبيعة الدين، ولذلك حذر منها النبى الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا»، وقال : «يا أيها الناس إياكم والغلو فى الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين».وعلى كل حال فإنه لا يجوز العمل بهذه الفتاوى، أو تصديرها لجمهور المستفتين باسم الدين، كما لا يصح اعتمادها خلافا فى المسائل الشرعية، على نحو ما قرره الأصوليون فى هذا الباب.
 
ودعا مفتى الجمهورية إلى إحياء ما يمكن أن يطلق عليه اسم: (الفقيه المفكر)، أو (الفقيه الفيلسوف)، إذ التصدر لمواجهة الإلحاد والفكر اللا ديني؛ يحتاج إلى فطنة وحكمة وفلسفة وذكاء بجانب التفقه فى الدين. وللتحلى بهذه الصفة يجب على المفتى أن يكون على دراية عميقة بالعلوم الإنسانية ومناهجها الحديثة التى تبحث الظاهرة الدينية، كعلمى النفس والاجتماع، وكذلك المناهج الجديدة فى بحث الظاهرة الدينية كالمنهج التفكيكى، والمنهج البنيوى، وفحص كل ذلك، وبحث إمكانية توظيفه فى صياغة خطاب إفتائى جديد وصناعته صناعة بديعة.
 
ووضع مفتى الجمهورية عدة مقترحات لمواجهة الإلحاد منها :أولا: يجب على المعنيين بالإفتاء فى العالم، تجديد وسائل الخطاب الإفتائى وتطويرها لنقد الخطابات الإلحادية، لتشمل المحتويات الهادفة عبر الوسائل الفنية، كالرواية، والدراما، والسينما، والمسرح، سيما وأن هذه الأدوات نفسها يوظفها الملحدون ببراعة لترويج أفكارهم.
 
- ثانيا: ضرورة تعاون المؤسسات الدينية والإفتائية فى إنشاء كيان علمى بحثى، يضم باحثين فى (الفقه والفلسفة، وعلمى النفس والاجتماع، وعلوم الطبيعة والحياة)، هدفه: استقراء أشهر المؤلفات الإلحادية، وتفكيكها. وتقديم نقد علمى وموضوعى لها.
 
- ثالثا: الإلحاد يعادى كل الأديان؛ ولذلك أخرجت لنا الثقافة العالمية عددا كبيرا من (المؤلفات والأبحاث)، فى تعزيز اليقين الدينى ونقد الخطابات الإلحادية، ومن ثم فهناك ضرورة لتشكيل فريق من المترجمين البارعين، لنقل هذه المؤلفات إلى المكتبة العربية، ونقل ما أنتجه المفكرون والفلاسفة العرب إلى اللغات الأخرى.
 
- رابعا: ضرورة تعاون المؤسسات العلمية والدينية والإفتائية، فى إعداد برامج تعليمية متخصصة، تضم حزمة من المقررات المناسبة، التى تستهدف تأهيل الأذكياء من (الطلاب، والباحثين، والوعاظ، والمفتين) لنقد الخطابات الإلحادية، ومن أهم هذه المقررات المقترحة، مقرر لتناول (النظريات العلمية الحديثة وأبعادها الدينية والفلسفية)، ومقرر لنقد الأسس (الفلسفية، والتاريخية، والنفسية، والاجتماعية للإلحاد).
 
- خامسا: ضرورة تشكيل المؤسسات الإفتائية لبرامج تأهيلية متخصصة، تستهدف أولئك الذين أصابتهم لوثات (الفكر الإلحادي)، بتقديم الدعم (النفسى والمعرفي) لهم، وفق دراسات ومنهجية محكمة.
 
- سادسا: ضرورة توسع المؤسسات الدينية فى إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل، التى تستهدف تعزيز اليقين، وتشكيل لجان مؤهلة من (العلماء والباحثين والوعاظ والمفتين) لتوعية الشباب بمغالطات هذا الفكر الهدام.
 
- سابعا: تتأثر الثقافة الشعبية المعاصرة بالصورة عن المكتوب، ومن ثم فمن الضرورى على المؤسسات والهيئات المعنية بنقد الخطابات الإلحادية، التوسع فى إعداد المحتويات المرئية، والتقريرات والأفلام الوثائقية، وتسويقها باحترافية عالية عبر وسائل التواصل والإعلام المختلفة.

الكنيسة تحارب الإلحاد
 
تتخوف الكنيسة المصرية من انتشارً الإلحاد بين شبابها، وتحاول السيطرة على تلك الموجة بعقد مؤتمرات يحاضر فيها كبار الأساقفة والآباء الكهنة لحث الشباب على العودة إلى الله وحضن الكنيسة، وتتبنى خطابًا موحدًا يتطابق فى كثير من الأحيان مع الخطاب الذى يتبناه الأزهر مع اختلاف المصطلحات الدينية.
 
فى نفس السياق، تجتهد الكنيسة فى مجال النشر، وأصدرت أكثر من كتيب لمحاربة الإلحاد من بينها الكتاب الذى وزعته على هامش مؤتمر الإلحاد بعنوان حوار مع الملحد، ألفه الأب داوود لمعى كاهن كنيسة العذراء بمصر الجديدة والدكتور هانى صبحى.
 
ويشرح الكتاب ويفسر أسباب الإلحاد ويجرى حوارًا تخيليًا مع ملحد، وفى صفحة 12 عدد الكتاب أسباب الإلحاد وقال إنها تختلف من ملحد وآخر، قائلا: "هناك ملحدون فى غاية الأمانة والاستقامة ولا نملك إلا أن ننحنى احترامًا لنبل أخلاقهم، والانبهار بالتقدم العلمى جعلهم يعتبرون العلم هو مرجعهم الأول، فإذا ما عجزوا عن التوفيق بين الكتاب المقدس والنظريات العلمية، يعتبرون هذا دليلًا على خطأ الكتاب المقدس"، أما السبب الثانى وفقًا للكتاب، هو العثرات بأنواعها، بعض الملحدين عاشوا فى حضن الكنيسة عمرًا طويلًا ثم أعثرتهم تصرفات بعض الخدام والآباء الكهنة أو حتى الأساقفة فاعتبروا هذا سببًا فى فقدان الثقة فى كل الأمور الروحية بما فيها وجود الله نفسه.
 
ويواصل الكتاب: "فى كثير من الدول تنتشر موجات الإلحاد عقب الثورات التى يقاوم فيها الشباب الكثير، مما كانوا يعتبرونه مسلمات بديهية يقبلونها دون مجادلة، وتمتد ثورتهم لتقاوم الحقائق الروحية، وتعانى مصر حاليًا من هذه الموجة الالحادية عقب ثورتى يناير و30 يونيو، وتنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى مجموعات للملحدين يتبادلون فيها الآراء التى تنكر وجود الله بل ويعقدون اجتماعات تبشيرية للإلحاد، وبالإضافة إلى كل ما سبق فلا نغفل دور مافيا المخدرات والجنس والسلاح فى الترويج للإلحاد".
 
كتاب آخر، بعنوان وهم الإلحاد، كتبه القس إبراهيم عازر المعيد بالكلية الإكليريكية بالدير المحرق، وراجعه الأنبا موسى أسقف الشباب، يرى أن ثورة يناير أحد أهم أسباب الإلحاد ويقول فلا مقدمة كتابه "فى مصر سرت وسط شبابنا موجة إلحادية كبيرة وبدأ شبابنا يتساءلون عن أدلة تثبت وجود الله، ولماذا لا يتدخل الله لمنع الظلم، ويبدو أن الظروف السياسية وانكسار حاجز الخوف الأمنى واتساع هامش الحرية بعد ثورة 25 يناير، ومع محاولات الضغط الدينى من الجماعات السياسية التى تصدرت المشهد السياسى والإعلامى بعد الثورة والانغماس فى مواقع التواصل الاجتماعى أوجد بيئة مناسبة لنمو هذا الفكر.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق