«وساوس الشيطان».. لماذا أنا ملحد؟
الخميس، 19 سبتمبر 2024 08:42 م
انتشار موجات «الإلحاد»، بين بعض الشباب، ربما جاء بسبب ما انتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي من أفكار سلسلة، تستهدف عقولهم بعدما كان اقتصار الظاهرة عما يطلق عليهم «النخبة» فقط.
مواجهة الظاهرة من خلال علماء الدين والاجتماع ليست بالجديدة ففي العقود الأولى من القرن الماضي، شهد المجتمع المصري، قصة مثيرة، بطلها أكاديمي، جاهر بإعلان إلحاده هو الراحل إسماعيل أدهم.
نشأ إسماعيل أدهم الكاتب المصري بالإسكندرية وتعلم بها، وهو من من أصول تركية، وحصل على الدكتوراة من إحدى الجامعات بموسكو عام 1931م ليعمل مدرسًا للرياضيات في جامعة سان بطرسبرج.
وتذهب آراء أخرى إلى أنه عمل بمعامل لبحث الطبيعي في ليننجراد واستاذا مساعدا للطبيعيات النظرية بمعهد الطبيعيات السوفيتي الملحق بجامعة ليينجراد، وباللغة الروسية كتب مؤلفة عن «نظرية النسبية» ليتضمن مقدمة باللغة الألمانية.
«أدهم» المولود في مصر عام 1911 م لأم مسيحية بروتستانتية وأب مسلم، ربما تأثر بفكر «كمال أتاتورك» بعدما سافر إلى تركيا للعمل كمدرس في معهد أتاتورك بأنقرة.
ما يؤكد الفرضية السابقة قول سامي الكيالي في كتابه «الراحلون»: «وقد عرفنا أن أدهم أتم دراسته الثانوية في أنقرة والعالية في ليننغراد، أي حين كانت الثورة الكمالية في احتدام فورانها والروسية في بدء تكاملها فعب من رحيقهما ما جعله في طليعة المؤمنين برسالتيهما، ومن هنا جاءت آراؤه المتطرفة في الكثير من القضايا الاجتماعية والدينية.
عقب عودته إلى مصر اتجه إلى تأليف الكتب وذلك في عام 1936 لينصرف إلى الفكر والتأليف، وظهرت النزعة الإلحادية في فكره عام 1937 عندما نشر رسالة أحدثت دويا في المجتمع وقتها بعنوان «لماذا أنا ملحد؟»، وجاءت الرسالة ردًا على محاضرة صديقه الشاعر أحمد زكى أبوشادى «عقيدة الألوهية».
ألقى «أبوشادي» محاضرته في ندوة ثقافية خلال شهر رمضان بالقاهرة كاشفا عن طرية للتوفيق بين الدين وحقائق العلم، قائلا: «فإني بروحي المتصوفة المتدينة التي تتغذى في الوقت ذاته على العلم أميل إلى الإدماج وكلما تشرب الإسلام العلم –وهذه طبيعته الأصلية- ازداد نفعا وعظمة وتألقا وقوة على مسايرة القرون.
مبرر «أدهم» أن الوحيد هو إيمانه المطلق بالعلم، وجاهر بأن إلهه الوحيد هو العلم فقط، وعُثر على جثته طافية في إحدى ترع الإسكندرية عام 1940م لتجد الشرطة وقتها ورقه بمعطفه مضمونها إنه انتحر لزهده في الحياة وكراهيته لها، وأوصى في ورقته بتشريح مخة لاكتشاف ما يتميز به من عبقرية، مشددا على حرق جثمانه وعدم دفنه في مقابر المسلمين.
رفض أدهم قول أحمد زكي أبو شادي أن التدين جبلة يفطر الإنسان عليها، مؤكدا أنه منذ طفولته كان يضيق ذرعا بحفظ القرآن والصلاة والصوم، وغير ذلك من تعاليم إسلامية تلقاها على يد زوج عمته، ذاهبا إلى أن كتابات «إسبينوزا» في نقد الكتب المقدسة وشكوك «هيوم» في عقيدة الألوهية وآراء «داروين» و«أوجست كونت» استهوته ليجد فيها ردا على أسئلة كانت تؤرقة.
طفولة «أدهم» شابها الكثير من التناقضات، فكما يقول الكاتب الصحفي لمعي المطيعي المترجم وكاتب السير الراحل، فإن الأول عاش طفولة مرهقة، فوالدته مسيحية، لذلك اعتاد على تأدية شعائر وطقوس المسيحية فضلا عن حفظه للقرآن الكريم، والصلوات الخمس، وسط أجواء منعزلة إذا كان يخشى عليه والديه من الاختلاط من أقرانه!
ترك «أدهم» خلفه مقالات مهمة ربما لم تتطرق إليها الكثير من الدراسات النقدية مثل «الزهاوي الشاعر» بالعربية، و«أبو شادي الشاعر» بالإنجليزية، و«طه حسين»، و«توفيق الحكيم»، و«علم الإنسان العربية»، و«عبد الحق حامد الشاعر التركي.
قال «أدهم » إن إنكار وجود الله، وفق تعريفات فلاسفة الإلحاد تعريف سلبي، ذاهبا إلى أن: «الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته، وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم.
ورد «أبو شادي» في رسالته «لماذا أنا مؤمن؟» ذاهبا فيها إلى أن الإحساس بالألوهية إحساس فطري شبه غريزي وهو انجذاب الجزء نحو الكل، مؤكدا أن إلحاد أدهم وسخطه على الأديان بعامة والدين الإسلامي بخاصة يتعارض مع الحرية والعقل والتقدم والنظرة العلمية للكون التي ينشدها الأخير، فيما رأى عملاق الأدب العربي «عباس محمود العقاد» أن مضمون أفكار أدهم منقول عن رسالة فيلسوف إنجليزي هو «برتراند رسل».
فكر إسماعيل أدهم، موجود لدى البعض، وهو ما استدعى التعامل معه بالفكر والعلم أيضاً، وهنا تدخلت دار الإفتاء المصرية، وفسرت أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد بقولها إنه يرجع إلى «انبهار بعض الناس بالثورة العلمية والتكنولوجية جعلهم يظنون أن المادة هي كل شيء، وأنها هي التي خلقت الأشياء من قبل»، مؤكدة في دراسة لها أن انتشار تلاقح الأفكار والرؤى ووجهات النظر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والإنترنت، فقد تأثر بها البعض بحيث أصبح العالم قرية صغيرة، محذرة من «لاستسلام لوساوس الشيطان، فقد تعهد الشيطان بغواية البشرية».
نحن هنا أمام أمر لا يمكن التعامل معها بالا بالفكر والعلم، وهو ما تقوم به المؤسسات الدينية في مصر خاصة الأزهر الشريف والكنيسة، ومؤسسات أخرى.