ما الحكم الشرعي في الموسيقى منفردة؟ دار الافتاء تجيب

السبت، 14 سبتمبر 2024 12:46 م
ما الحكم الشرعي في الموسيقى منفردة؟ دار الافتاء تجيب
منال القاضي

أجابت دار الافتاء على سائل يقول ،ما الحكم الشرعي في الموسيقى منفردة معزولة عن أي لون من ألوان الفنون التي تصاحبها عادة بعد أن أُثير هذا واختلف بين محرم ومبيح؟
 
الجواب
يجوز شرعًا الاستماع إلى الموسيقى بسائر أشكالها بشرط ألا يقارنها ما هو محرمٌ شرعًا كشرب الخمر أو الغناء الماجن، وبشرط ألَّا تكون مما يحرك الغرائز المحرمة ويبعث على الفسوق، وقد ورد في جوازها بهذه الشروط جملة من الآثار والروايات في كتب السنَّة ونُقُول الأئمة، حتى إن بعض الأئمة أفرد التصنيف بجوازها، وعلى ذلك يدل ظاهر النصوص القرآنية؛ كنحو قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32]، وقوله تعالى في الآية التي بعدها: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ إلى آخر الآية الكريمة [الأعراف: 32-33].
 

حكم استخدام الدف فى عهد النبي" ص "
 
وقالت دار الإفتاء لقد كان استخدام الدف في عصر النبوة أمرًا مشهورًا للإعلان عن الفرح والسرور في المناسبات الاجتماعية، وكان مستخدمًا في كثير من الاحتفالات بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالعيدين مثلًا ولم ينكره النبي، أما غير ذلك من الآلات فلم يكن معروفًا أو مشهورًا. ومع ذلك، فإن تلك الآلات الموسيقية المذكورة أو غيرها هي مجرد جمادات تصدر أصواتًا بفعل مستخدمها، فهل قال أحد يومًا إن تلك الآلات أو أصواتها أمر محرم شرعًا؟!
 
إن غاية ما هنالك أنه إن استُخدمت تلك الآلات في غناء مشتمل على محرم كتهييج الغرائز أو إثارة الشهوات مع مقارعة الخمور أو المسكرات ومشاهدة المحرمات، فالأمر كله حرام شرعًا، لا لذات الآلات، بل لما اشتمل عليه فِعل الناس من المحرمات، أما إذا ما استخدمت فيما أحلَّه الله كالمدائح النبوية أو الإنشاد الديني أو الأغاني الوطنية وما يماثلها فلا مانع من ذلك شرعًا، لا لذات الآلات أيضًا بل لما اشتمل عليه فعل الناس من المباحات، فظهر بذلك أن الآلات في ذاتها لا حكم لها إنما الحكم يتعلق بفعل المكلف نفسه.

 

فتوى شيخ الازهر الاسبق الضرب بالدف

 

وفي فتوى للإمام الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت (ص375-385، ط. الإدارة الثقافية بالأزهر) في تعلم الموسيقى وسماعها: [إن الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التي يجد لها أثرًا في نفسه، به يهدأ وبه يرتاح، وبه ينشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة: كالخضرة المنسقة، والماء الصافي، والوجه الحسن، والروائح الزكيَّة، وإن الشرائع لا تقضي على الغرائز بل تنظمها، والتوسط في الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الجزئيات، منها قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: 31]، وبهذا كانت شريعة الإسلام موجهة الإنسان في مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فلم تنزل لانتزاع الغريزة في حب المناظر الطيبة ولا المسموعات المستلذة، وإنما جاءت بتهذيبها وتعديلها إلى ما لا ضرر فيه ولا شر... وأضاف الإمام الأكبر في هذه الفتوى، أنه قرأ في الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادي عشر المعروفين فيه بالورع والتقوى رسالة هي "إيضاح الدلالات في سماع الآلات" للشيخ عبد الغني البابلي الحنفي، قرر فيها أن الأحاديث التي استند إليها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهي، وبذكر الخمر والقينات والفسوق والفجور، ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده في سماع الأصوات والآلات المطربة أنه إذا اقترن بشيء من المحرمات، أو اتخذ وسيلة للمحرمات، أو أوقع في المحرمات؛ كان حرامًا، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحًا في حضوره وسماعه وتعلمه، وقد نُقِلَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرَّم، وذهب إلى مثل هذا كثيرون من الفقهاء، وانتهت الفتوى إلى أن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرَّم باعتباره صوت آلة، وإنما يحرَّم إذا استعين به على محرم، أو اتخذ وسيلة إلى محرم، أو أَلْهى عن واجب] اهـ.
 
خلاصه 
ونخلص من هذه النقول من كتب فقه المذاهب وأحكام القرآن والسنة إلى أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق في الحداء، وفي تحريض الجند على القتال، وفي العرس، وفي العيد، وقدوم الغائب، وللتنشيط على الأعمال الهامة، وأن الاختلاف الذي ثار بين الفقهاء وجرى في كتبهم كان في حل أو عدم حلِّ الاشتغال بالموسيقى سماعًا وحضورًا وتعلُّمًا إذا صاحَبَهَا محرَّمٌ؛ كشرب الخمر أو غناء ماجن أو غزل أو كانت الموسيقى مما يحرك الغرائز ويبعث على الهوى والفسوق، كتلك التي تستثير في سامعها الرقص والخلاعة، وتلك التي تستعمل في المنكرات المحرمات كالزار وأفعاله، أو فوَّتَتْ واجبًا، وهذا ظاهر مما قاله فقهاء المذهب الحنفي من أن الضرب غير المستشنع لا بأس به، ولا يسقط العدالة، وفسروا المستشنع بأن يرقصوا به فيدخل في حد الكبائر.
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق