ماذا لو؟.. سؤال عبثي خالد!

الجمعة، 13 سبتمبر 2024 07:54 م
ماذا لو؟.. سؤال عبثي خالد!
عنتر عبداللطيف

 
تناولت أعمال أدبية وسينمائية كثيرة إشكالية ومأزق اختيار الإنسان بين ما يتمناه وما هو واقع «الواقع والمأمول»!
 
فى رواية «اللص والكلاب» لأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ تمنى «سعيد مهران» بطل الرواية الانتقام من زوجته التى خانته مع «صبيه» وتزوجته بعدما دخل السجن بوشاية حقيرة من «الأندال» كما أطلق عليهم.
 
اصطدمت أمنية البطل بقناعات الشيخ الصوفي، والذي رأى السعادة الحقيقية في الدين لذلك نصح «مهران» بعدما هرب الأخير من مطاردات الشرطة واعتاد ارتكاب الجرائم انتقاما من «زوجته وصبيه»، وكذلك صحفي حرض عليه بعدما أغواه بطريق الشر وأقنعه أنه الملاذ الوحيد لأمثاله من الفقراء، ثم تاجر بقضيته.
 
الصحفى الانتهازي «رؤوف علوان»، الذى تنكر لمبادئه، مثل صدمة حقيقية من وجهة نظرى لـ«اللص» بطل الرواية، لذلك وضعه ضمن قائمة «الاغتيالات».
 
اعتاد «رؤوف علوان» منح «سعيد مهران» الكتب، حتى أدمنها، لدرجة أنه أثار سخرية الحاضرين بعدما طلب كتبه من زوجته الخائنة، تاركا خلفه كل شىء حتى ابنته «سناء»، التي أنكرته، لتظلم الدنيا من حوله، ويمنى عدم خروجه من السجن، وأن يظل هناك خلف جدران تحجب عنه واقع الخيانة المرير.
 
الشيخ الصوفي قدم «روشتة» فربما تطفئ الغضب المشتعل في صدر «اللص الموتور»، فكلما اشتكى له «مهران» بحرقة من قسوة الخيانة ورغبته في الانتقام اكتفى بقوله «توضأ واقرأ».
 
لم يجد «مهران» الحل عند الشيخ «الصوفي»، والذي لم يقدم له جديدا، مجرد نصائح دينية رآها الأول بعيدة عن واقعه المرير.
 
فماذا لو ابتعد «مهران» عن رغبة الثأر، او اكتفى بما سقط جراء رصاصاته الطائشة من ضحايا أبرياء؟
 
فماذا لو؟.. إشكالية ناقشها كذلك فيلم «الفرح»، فشخصيات العمل راحت تبحث ربما عن الكمال في حل أزمات واقعها المأزوم فوقعت ضحية الواقع وضاعت وضلت الطريق.
 
من ينسى مشهد خالد الصاوي «زينهم»، وهو ينوح فوق جثمان والدته «كريمة مختار» بعدما فقد كل شىء، وضاعت حصيلة النقود - الجمعية كما يسموها في المناطق الشعبية- بعدما رفض إعلان وفاة والدته ليستكمل العرس الزائف المصطنع حتى «يلم» نقود «النقطة» من محبيه ومجامليه في منطقته وما حولها.
 
ضاع حلم «زينهم» في امتلاك ميكروباص، وقد يظل مشهد والدته وهى مسجاة داخل غرفة مغلقة يطاردة طوال حياته!
 
لم يكن «زينهم» عاق بوالدته، لكن رغبة الهروب من الواقع إلى الإمام جعلته في لحظة ضعف أمام خيارين - صراع إقدام إقدام- الأبشع في علم النفس من وجهة نظري، فالإختيار الصعب بين أمرين كلاهما مر ربما أسوأ من الكوابيس ذاتها.
 
ذات التيمة تكررت في فيلم «كبارية»، فقد افتقد خميس «ماجد الكدواني» احترامه لنفسه وتمنى أن يعود مديرا للصالة - الكباريه- بعدما أجبره شقيقه صلاح عبد الله «فؤاد حامد»  صاحب الكباريه على العمل في حمام الكباريه واستولى عن ميراثه.
 
وربما ندم «خميس» على المشاجرة التى دافع فيها عن شقيقه إذ فقد ساقه ليهتف «رماني زى الكلب في الحمام»!
 
الواقع المرير ربما يكون أشد قسوة من الأعمال الدرامية فشخصية أحمد بدير في الفيلم شاهدتها بنفسى وأنا أمر يوما من أمام أحد مقاهي تقديم البيرة الشعبية، رجل ستيني يعمل ماسح أحذية يصلى خاشعا أمام صناديق بيرة وبالقرب من السكارى.
 
أحمد بدير «علام»، والذي يقدم البيرة للزبائن، لا يقربها لأنها حرام، لكنه مجبر على العمل جرسونا في المكان الموبوء للوفاء بالتزاماته الأسرية.
 
فى رواية «المسيح يصلب من جديد» يذهب «مانولي» بطل الرواية إلى حتفه بقدميه، بعدما تقمص شخصية المسيح ليؤدى دورا مسرحيا اعتاد أهل القرية سنويا على محاكاة واقعة صلب المسيح من منظور دينى مسيحي.
 
افتدى «مانولي» أتباعه المستضعفين فيما نثر القس دماءه فوق رؤوس الحاضرين المهللين لموته على مذبح الكنيسة.
 
فماذا لو رفض «مانولي» تقمص شخصية المسيح، ليجد نفسه غارقا في مواجهة مفاسد أهل قريته وجشع بعض الأثرياء الذين يستغلون فقراء القرية من أجل أهدافهم.
 
تحولت المشاهد التمثيلية إلى واقع مرير واجهه «مانولي» - راعي الغنم- بشجاعة ليسير على درب المسيح وكأن «المسيح يصلب من جديد».
 
فماذا لو رفض الرجل القبيح، أداء دور  يهوذا خوفا من العار العار الذي سيلاحقة بقية عمره؟
 
وماذا لو رفض «مانولي» أداء شخصية المسيح أو خضع لمواءمات حتى يمسك العصى من المنتصف؟
 
تظل مرجعات الإنسان، وقدرته على تحديد أهدافه، وسعيه نحو تحقيقها، واستعداده للتضحية على المستوى الشخصى أو الجمعى، جميعها عوامل قد تجيب على السؤال العبثي الخالد.. ماذا لو؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق