أوهام إسرائيلية لنسف القضية الفلسطينية
حكومة تل أبيب تكشف عن خطة خبيثة الوضع القائم بالمسجد الأقصى.. بعد فشل مخطط التهجير
السبت، 31 أغسطس 2024 01:30 ممحمود على
الوزير المتطرف بن غفير يتزعم مطلبا فى بناء كنيس يهودي داخل الأقصى.. ويبدأ التنفيذ باقتحامات المستوطنين للمسجد
اعتاد وزير أمن الاحتلال الإسرائيلى إيتمار بن غفيرإطلاق تصريحات متطرفة وعنصرية معادية للفلسطينيين، ضمن سلسلة من التحركات المستفزة لليمين المتطرف، كان آخرها ما أعلنه الأسبوع الماضى عن رغبته فى بناء كنيس يهود داخل المسجد الأقصى، ما أثار ردود فعل عربية وإسلامية ودولية غاضبة، ودفع البعض إلى طرح تساؤلات مهمة، ما الذى يريده اليمين المتطرف الإسرائيلى فى الوقت الراهن؟ وما وراء تصريحات الوزير اليمينى المتطرف بشأن الأقصى؟ وما الذى فى يد الفلسطينيين والعرب من أجل وضع حد لهذه الممارسات؟
فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والجرائم المرتكبة يوميا بحق الشعب الفلسطينى منذ ما يقارب الـ11 شهرا، يبدو أننا أمام محاولات مستميتة من جانب اليمين الإسرائيلى المتطرف، لاستغلال التصعيد المستمر فى لهجة الحكومة الإسرائيلية، من أجل تغيير الوضع التاريخى القائم للقدس المحتلة، وجاء ذلك فى أعقاب فشل المخطط الإسرائيلى لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة فى سبيل التحركات الإسرائيلية لنسف القضية الفلسطينية، وهو ما تصدت له مصر بقوة.
ورغم كثرة التصريحات المستفزة والمعادية للفلسطينيين من جانب إيتمار بن غفير خلال الفترات القليلة الماضية، وجولات الاقتحام المستمرة للمسجد الأقصى، إلا أن إعلانه النية فى بناء كنيس يهودى فى المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، مختلف شكلا وموضوعا عن الاستفزازات السابقة، وتنم عن رغبة حقيقية لدى تل أبيب وحكومتها المتطرفة بأن تجعل للمستوطنين حقا كاملا فى العبادة بداخل المسجد للأقصى بالمخالفة لوضع المسجد التاريخى.
ولنا فى رد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على تصريح بن غفير خير دليل على نوايا الاحتلال المبيتة، فلم يكن الرد حاسما ورافضا لتلك الاستفزازات، بل اكتفى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتغريد بأنه «لا تغيير» على الوضع القانونى فى المسجد الأقصى، ما يثير شكوك حول نوايا الاحتلال فى الفترة المقبلة، خاصة مع ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية مؤخرا بأن حكومة نتنياهو قادمة لأول مرة فى تمويل اقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى المبارك.
ومن خلال وزارة التراث الإسرائيلية، ستقوم حكومة الاحتلال بتمويل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى الشريف، فى صورة جولات إرشادية وسط تأمين واسع من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، الأمر الذى يعكس أيضا طبيعة النوايا الخطيرة لحكومة نتنياهو تجاه الأقصى.
وتوالت ردود الفعل العربية والفلسطينية الغاضبة تجاه التصريحات المستفزة لوزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير تجاه الأقصى، والتى عكست أيضا مدى خطورة مخططات إسرائيل واليمين المتطرف الساعية إلى تغيير الوضع القائم فى المسجد الأقصى، لا سيما بعد تبرير بن غفير لما وصفه بـ«القانون الإسرائيلى» مدعيا أن الأخير يساوى بين حقوق المسلمين واليهود فى إقامة الصلوات بالمسجد الأقصى، مضيفا «لو فعلت كل ما أردت ولو أتيحت لى الفرصة، لكان علم إسرائيل قد رفع هناك».
ولا يخفى بن غفير تحركاته المعادية للفلسطينيين بشكل عام، فهو يعتبر رأس حربة مشروع التهجير، والمروج الرئيسى لعمليات التوسع الاستيطانى بالأراضى الفلسطينية المحتلة، بخلاف أنه يتزعم حزب «القوة اليهودية» المناهض لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة، ويعد إحدى العقبات الرئيسية فى إتمام اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة يقضى بإنجاز صفقة تبادل للمحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وتعددت اقتحامات بن غفير للمسجد الأقصى، منذ أن تولى حقيبة وزارة الأمن الإسرائيلية مستغلا منصبه فى استفزاز مشاعر الفلسطينيين والمسلمين حول العالم، وكانت 3 مرات من تلك الاقتحامات منذ السابع من أكتوبر الماضى، حيث بدأ العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وفى كل مرة اقتحم فيها المسجد الأقصى أطلق فيها تصريحات عنترية تثير ضجة إعلامية، فسبق أن زعم «إن إعادة المختطفين يجب أن تتم عبر زيادة الضغط العسكرى فى غزة» مبررا اقتحامه للمسجد فى أكثر من مناسبة بأنه لإعادة المحتجزين الإسرائيليين من دون صفقة».
وتخترق إسرائيل بهذه الممارسات الاستفزازية الوضع القائم فى القدس، حيث يفيد قانون الـ«ستاتيكو» بأن المسجد بساحاته ومصلياته ومدارسه ومعالمه المسقوفة وغير المسقوفة هو ملك خالص للمسلمين، ولهم إدارته فى كل ما يتعلق بالسياحة والزيارة لهذا المكان المقدس، حيث يعتبر هذا القانون الذى سن خلال حكم الدولة العثمانية أى إجراء أو تغيرات على المواقع الإسلامية والمسيحية خرقا وبموجبه لا يمكن تغير الوضع القائم فى المواقع الدينية على الإطلاق.
ورغم ما ينص عليه قانون «ستاتيكو» بضرورة الحفاظ على الوضع القائم بالمسجد الأقصى، إلا أن لا شىء مما ينص عليه هذا القانون الدولى يستمر حيث يمس المسجد بشكل يومى، وتتصاعد الانتهاكات والممارسات الاستفزازية الإسرائيلية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى، مستمرة الاقتحامات التى تنفذها جماعات ما تعرف بالهيكل بالأقصى ومن ضمن الانتهاكات محاولة تغيير الأمر القائم حيث تقوم الجماعات المتطرقة بالاغتسال قبل اقتحام المسجد الأقصى فيما يعرف ببركة الطهارة ويخلعون أحذيتهم الجلدية لتأدية طقوسهم وصلاوتهم التوارتية باعتباره المسجد الأقصى «مقدسا يهوديا» كما يزعمون، وبينما كانت فيه شرطة الاحتلال تمنع هؤلاء المتطرفون من أداء الطقوس الدينية اليهودية فى المسجد، الآن تعمل على حمايتهم وبلغ هذا التطرف مداه خاصة بعدما أصبح المسئول عن جهاز الأمن القومى الإسرائيلى هو إيتمار بن غفير.
ولاقت تصريحات بن غفير المستفزة، استنكارات واسعة من جانب الدول العربية، إذ أدانت مصر بأشد العبارات التصريحات الصادرة عن وزير الأمن القومى الإسرائيلى، محملة إسرائيل المسئولية القانونية عن الالتزام بالوضع القائم فى المسجد الأقصى، وعدم المساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، مطالبة بامتثالها لالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، ووقف التصريحات الاستفزازية التى تهدف إلى مزيد من التصعيد والتوتر فى المنطقة.
وأكدت مصر أن تلك التصريحات غير المسئولة فى حق المقدسات الإسلامية والمسيحية بالأراضى الفلسطينية تزيد الوضع فى الأراضى الفلسطينية تعقيدا واحتقانا، وتعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى التهدئة ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتشكل خطرا كبيرا على مستقبل التسوية النهائية للقضية الفلسطينية القائم على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
واستمرت الاتصالات المصرية من أجل وضع حد للممارسات الإسرائيلية المستفزة والمعادية للفلسطينيين والتى تثير شكوكا حول نوايا تل أبيب بتغيير الوضع القائم بالقدس المحتلة، حيث بحث الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشئون المغتربين الأردنى أيمن الصفدى، التصعيد الإسرائيلى الخطير فى الضفة الغربية المحتلة، وحذرا من خطورة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات فى القدس، وشددا على ضرورة احترام الوضع القانونى والتاريخى القائم فى المقدسات، وأن المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسى الشريف بكامل مساحته البالغة ١٤٤ دونما هو مكان عبادة خالص للمسلمين، وأن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية الأردنية هى الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصرى بإدارة شئون الحرم القدسى الشريف كافة وتنظيم الدخول إليه.
وأدان الوزيران بأشد العبارات التصريحات المتطرفة لوزير الأمن القومى الإسرائيلى، حول إقامة كنيس يهودى فى المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسى الشريف باعتبارها انتهاكا للقانون الدولى، وتحريضا مرفوضا يتطلب موقفا دوليا واضحا بإدانته والتصدى له. وعبر الوزيران عن رفض بلادهما المطلق لهذه السياسات المتطرفة التى تعمل على تغيير الوضع التاريخى والقانونى فى القدس ومقدساتها عبر سياسة فرض الأمر الواقع.
ولم تقف الإدانات العربية والإسلامية هنا، حيث أعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى، عن «إدانتها الشديدة لتصريحات الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الداعية لإنشاء كنيس داخل المسجد الأقصى المبارك، واستمرار مجموعات المستوطنين المتطرفين ووزراء فى حكومة الاحتلال الإسرائيلى باقتحام وتدنيس باحات المسجد الأقصى المبارك بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلى»، معتبرة «ذلك امتدادا لانتهاكات إسرائيل، قوة الاحتلال، المتكررة لحرمة الأماكن المقدسة وحرية العبادة، وخرقا صارخا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولى».
وأكدت المنظمة أن «مدينة القدس هى جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمة دولة فلسطين، وأن جميع القرارات والإجراءات التى يقوم بها الاحتلال الإسرائيلى لتهويد مدينة القدس المحتلة ليس لها أثر قانونى وتعتبر ملغاة وباطلة بموجب القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية»، كما حمّلت المنظمة «حكومة الاحتلال الإسرائيلى المسئولية الكاملة عن تبعات استمرار هذه الانتهاكات والاعتداءات الممنهجة التى تشكل استفزازا لمشاعر المسلمين فى كل أنحاء العالم، ومن شأنها أن تغذى الصراع الدينى والتطرف وعدم الاستقرار فى المنطقة».
فى الوقت نفسه، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة لتصريح بن غفير، وأكدت السعودية فى بيان لوزارة خارجيتها رفضها القاطع لهذه التصريحات المتطرفة والتحريضية، ورفضها الاستفزازات المتواصلة لمشاعر المسلمين حول العالم، مشددة على ضرورة احترام الوضعين التاريخى والقانونى للمسجد الأقصى المبارك، وجددت السعودية دعوتها للمجتمع الدولى للاضطلاع بمسئولياته فى وضع حد للكارثة الإنسانية التى يشهدها الشعب الفلسطينى الشقيق، وتفعيل آليات جادة لمساءلة المسؤولين الإسرائيليين على الانتهاكات المتواصلة للقوانين والأعراف والقرارات الدولية.
كما أعربت الإمارات عن إدانتها واستنكارها الشديدين لتصريحات بن غفير، مشدّدة على «ضرورة احترام إسرائيل للوضعين التاريخى والقانونى القائمين فى القدس وعدم المساس بهما»، كذلك، أدانت قطر تصريحات الوزير الإسرائيلى، معتبرة إياها «امتدادا لمحاولات تغيير الوضعين التاريخى والقانونى للمسجد الأقصى، واستفزازا لمشاعر المسلمين فى العالم»، محذّرة من «تأثير هذه التصريحات المستفزة على الجهود الجارية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة».
وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة، إن دعوات «المتطرف بن غفير لإقامة كنيس داخل المسجد الأقصى المبارك، خطيرة جدا، هذه الدعوات المرفوضة والمدانة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك، هى محاولات لجر المنطقة إلى حرب دينية ستحرق الجميع»، ودعا أبوردينة، المجتمع الدولى وخاصة الإدارة الأمريكية إلى التحرك الفورى لإجبار الحكومة الإسرائيلية على «الالتزام بالوضع القانونى والتاريخى السائد فى الحرم الشريف».
كما حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من دعوة الوزير الإسرائيلى، فى حين قالت وزارة الأوقاف والشئون الدينية الفلسطينية، إن ما يمارسه الاحتلال، سواء من خلال قواته التى تقوم بحماية المستوطنين، من تجاوز الوضع داخل المسجد الأقصى من خلال «السجود الملحمى» أصبح يوميا «ضاربا عرض الحائط فى الادعاءات الإسرائيلية التى تقول إنها تحافظ على الوضع القائم»، وقالت إن تصريحات بن غفير - الذى يهدد بهدم المسجد الأقصى وبناء كنيس يهودى مكانه - تأتى ضمن الكراهية والعداء للأديان التى تشكِّل هوية القدس وروحها منذ قرون عديدة».