من بحر البقر إلى مجزرة الفجر.. إجرام إسرائيل لا ينتهي!

السبت، 17 أغسطس 2024 05:00 م
من بحر البقر إلى مجزرة الفجر.. إجرام إسرائيل لا ينتهي!
محمود على

- نقلا عن العدد الجديد من النسخة الورقية:
 
- الصمت والعجز الدولى على الجرائم الإسرائيلية بعد مذبحة الساجدين يزيد أوجاع الفلسطينيين فى غزة

- تل أبيب تضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط.. وتواصل مخطط القتل فى القطاع وتدمير البنية التحتية 

- القاهرة تقود اتصالات موسعة مع كل الأطراف لوقف الحرب والتوصل إلى هدنة طويلة.. ومستمرة فى ملحمتها البطولية لدعم الأشقاء
 
لا تزال الأوضاع فى قطاع غزة تسير من سيئ إلى أسوأ، فمع دخولنا الشهر العاشر للعدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع تكشف أرقام وإحصائيات الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطينى الأعزل عن حجم الكارثة والمعاناة، مجازر ترتقى إلى أن تكون جرائم حرب، فلا وجود للقانون الدولى مع كم الانتهاكات والممارسات غير الإنسانية التى ترتكبها آلة البطش الإسرائيلية، فى حق الأطفال الأبرياء، الأمهات والآباء، كبار السن، وذوى الاحتياجات الخاصة.
 
وكانت آخر تلك الجرائم الإسرائيلية «مذبحة الساجدين»، التى نفذتها قوات الاحتلال ضد مجموعة من المُصلين داخل إحدى المدارس بمدينة غزة والتى راح ضحيتها أكثر من 100 شخص أثناء صلاة الفجر؛ حيث لم تكن الصلاة شفيعا لدى إسرائيل التى باغتتهم بصواريخ شديدة الاحتراق فأشعلت النيران فى أرواحهم وهم ساجدون.
 
وشهدت غزة قبل هذه الجريمة ومنذ بدء العدوان الإسرائيلى على غزة الكثير من المجازر، كان أشدها عنفا بمدينة المواصى، وقبلها فى المغازى والمعمدانى وجباليا ومحرقة الخيام، مجازر وانتهاكات حملت كلها جرائم حرب وإبادة جماعية ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال أقل من عام وراح ضحيتها آلاف من الشهداء المدنيين، أكثرهم من الأطفال والسيدات وكبار سن، لتكشف استمرار المجازر الاسرائيلية فى غزة ضرب إسرائيل بجميع أحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى عرض الحائط، ويعد تصعيدا خطيرا فى جرائم كيان الاحتلال الوحشية وحرب الإبادة الجماعية التى تشنها على سكان غزة، من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
 
أعادت المجازر التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى، يوميا بحق المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة من استهداف المستشفيات والمدارس الآمنة إلى الأذهان، مجزرة مدرسة بحر البقر، التى ارتكبها الاحتلال الإسرائيلى، حيث تتشابه مجازر إسرائيل الحالية فى غزة مع مجرزتها فى 8 أبريل 1970 والتى تعد واحدة من الجرائم الكبيرة فى التاريخ الإنسانى، إذ ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى بالاعتداء على مدرسة بحر البقر فى محافظة الشرقية وقتل التلاميذ، وذلك فى اليوم الذى قامت 5 طائرات إسرائيلية من طراز إف -4 فانتوم، تزن 1000 رطل بقصف المدرسة وتدميرها على أجسام التلاميذ الصغار، واستشهد حينها 30 طفلا وأصيب أكثر من 50 آخرين.
 
وبالعودة إلى غزة، فما يحدث فى عالمنا الإقليمى الآن من مجازر يومية إسرائيلية لم يشهدها التاريخ القديم ولا الحديث، هو خارج إطار المنطق الإنسانى، حيث يشهد القطاع معاناة بشرية فى مساحة لا تتخطى عدة كيلومترات ربما لم نسمع عنها من قبل فى كل الحروب، فبشاعة الشر والإجرام الذى يشهده قطاع غزة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى خلال الـ10 أشهر الماضية، يجعلنا نشعر أن تل أبيب تخطت كل الخطوط الحمراء، وبدأت تفكر بشكل أكثر تطرفا عبر قادتها فى كيفية إزالة غزة من الوجود.
 
تفكير متطرف لا يمكن توقع حدود إجرامه، فجريمة حى الدرج وتفاصيلها باستهداف مدرسة التابعين التى تؤوى النازحين بقطاع غزة، كشفت عن عقلية الاحتلال الإجرامية، وبالأحرى عكست كيف يفكر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وقادة الاحتلال وينظرون إلى الأوضاع فى غزة بشكل شيطانى.
فى هذه الجريمة النكراء، لم يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو ليعتذر عما بدر من قواته، أو يدعى كذبا إنها غارات وجهت بالخطأ كما فعل سابقا فى الكثير من المجازر التى أثارت ضجة عالمية، بل تخطى كل ذلك وبات يضرب يمينا ويسارا بالقانون الدولى عرض الحائط، دون أدنى تخوف من المساءلة الدولية، ليعلن مسئوليته عن المجزرة، ووصل الحال بجيش الاحتلال الإسرائيلى إلى تأكيده ارتكابه الجريمة بزعمه إن كان يريد استهداف مجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية.
 
هذه المجازر تضع العالم فى محل انتقاد دائم الآن، فرغم ما يقدم من جهود للحد من المأساة الإنسانية إلا إنها لم تكن كافية لتخفيف المعاناة التى يعيشها أهالى غزة، فنجد مرضى يعانون من السرطان، وجرحى يحتاجون للعلاج، ومواطنين يفترشون الأرض، فى شوارع شاعت وانتشرت بها الأمراض المعدية، جميعهم يواجهون خطر الموت، فى ظل استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلى، البينة التحتية للمستشفيات للمراكز الصحية، وسيارات الإسعاف والمدارس، وكل ما هو خدمى ويقدم المعونة فى قطاع غزة يتعرض للقصف للإبادة للدمار، ولنا فى استهداف أعضاء الطواقم الطبية دليلا على قباحة المشهد، فنحن أمام احتلال مات منذ زمن طويل ضميره وأبصاره امتلأت غشاوة.
 
وبعد استهداف واسع للأحياء السكنية بشمال وجنوب وغرب وشرق القطاع، وضرب محطات المياه وشبكات الكهرباء وخطوط الاتصالات والانترنت فى مخطط لإجبار سكان غزة على النزوح من أماكن إقامتهم المعتادة، زاد الاحتلال من جرائمه ولم تسلم مراكز الإيواء ومخيمات النازحين من القصف والاستهداف الممنهج لها، الأمر الذى يكشف عن هدف إسرائيل فى تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين القابعين فى غزة إلى خارج القطاع، وخاصة دول الجوار، لتصفية القضية الفلسطينية.
 
صراحة أن التاريخ سيكون شاهد على هذه المأساة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، وخاصة سكان قطاع غزة الـ2.4 مليون شخص، بالفعل نحن أمام قصة صمود ستحكى فى صفحات ومجلدات لعقود وقرون مقبلة سطرت بدماء الشهداء، ولكن لن يتغافل التاريخ أيضا عن كم التخاذل والصمت الدولى الذى كان شاهدا على كل هذه المعاناة دون أن يحرك ما فى يده من أدوات لوقف هذا الجرم.
 
فهذه الجرائم الإسرائيلية وضعت العالم الغربى بأجمعه أمام موقف محرج نظير الصمت الدولى وتخاذل مجلس الأمن، خاصة مع استمرار الولايات المتحدة الأمريكية فى إرسال معدات عسكرية وأسلحة إلى تل أبيب لمواصلة حربها الغاشمة بالقطاع دون النظر إلى أى معاناة يعيشها أهالى غزة، فضلا عن العرقلة الأمريكية المستمرة للقرارات العربية المقدمة فى مجلس الأمن الداعية إلى وقف إطلاق النار فى غزة.
 
التخاذل الدولى دفع العالم العربى وكثيرا من دول العالم إلى المطالبة بانتهاج موقف واضح إزاء ما ترتكبه سلطات الاحتلال من انتهاكات وصلت إلى حد جرائم الحرب، داعين إلى تطبيق القانون الدولى والتعامل بإنسانية مع الوضع فى غزة، حيث ترصد عدسات كاميرات وكالات الأنباء الدولية والقنوات التليفزيونية الأوضاع الإنسانية الصعبة وحالة الدمار التى يشهدها القطاع يوميا.
 
انتقادات عديدة وجهت إلى الموقف الغربى المتناقض مع الأحداث فى غزة الذى أظهر عن خلل فى قيم المجتمع الدولى، فبينما نرى هرولة وتنافسا على سرعة إدانة قتل الأبرياء فى مكان، نجد ترددا غير مفهوم فى إدانة نفس الفعل فى مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطينى أقل أهمية من حياة باقى البشر، وهو ما ظهر فى فشل مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة خلال الشهور الماضية فى عدة جلسات حول الوضع فى غزة، فى تبنى مشروع قرار لوقف إطلاق النار فى القطاع بسبب الاعتراض الأمريكى.
 
كنا نأمل أن تحدث انفراجة توقف هذا الكم من الدمار، وتحد من هذه المأساة الإنسانية المتفاقمة فى القطاع، فالكارثة ما زالت تتحدث عن نفسها، مئات من الشهداء يقتلون بدم بارد بشكل يومى، وجثثهم الطاهرة تملأ الشوارع، وقدرت الإحصائيات والأرقام أكثر من ثلثى ضحايا غزة من النساء والأطفال، حيث وقع منذ بداية الحرب فى 7 أكتوبر الماضى، 40 ألف شهيد، وقالت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 60 ألف فلسطينى اضطروا للنزوح مجددا بعد قرار الإخلاء الأخير الذى أعلنه جيش الاحتلال الإسرائيلى قبل أيام.
 
وكانت أعلنت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية قبل أسابيع أن قرابة 21 ألف طفل بقطاع غزة ظلوا تحت الأنقاض أو اعتُقلوا أو دُفنوا فى مقابر مجهولة أو جماعية، مؤكدة أن عدد الأطفال المنفصلين عن أهاليهم، ارتفع بسبب الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة على مدينة رفح جنوب القطاع، وأن الذين يقومون بحماية الأطفال غير المحميين يتعرضون لضغوط، مشيرة إلى أن نحو 17 ألف طفل انفصلوا عن أسرهم أو فُقدوا فى غزة، ونحو 4 آلاف طفل ما زالوا تحت الأنقاض أو فى مقابر جماعية أو مقابر مجهولة.
 
وأكدت منظمة إنقاذ الطفولة، أنه تم اعتقال عدد غير معروف من الأطفال، مشيرة إلى احتمال إخراجهم من قطاع غزة، ولفتت إلى أن جثامين الذين دُفنوا تحت الأنقاض أو احترقوا حتى الموت فى الخيام خلال الهجمات الإسرائيلية بات من الصعب التعرف إليها.
 
وتلعب مصر دورا محوريا ومهما، لوقف تلك المجازر الإسرائيلية، ونظرا لأنها القوة الإقليمية الأبرز والداعم الأقوى للقضية الفلسطينية، قامت بجهود دبلوماسية متواصلة عبر الحدود واتخذت قرارات سياسية تدعم القضية الفلسطينية منذ نشأتها. وقد تجلت هذه الجهود فى مواقف القيادة المصرية فى المحافل والمؤتمرات الإقليمية والدولية.
 
وظلت القضية الفلسطينية أولوية قصوى خلال أحاديث الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الشهور الماضية، وفى إطار مواصلة مصر جهودها الدبلوماسية والإنسانية لوقف آلة الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يؤكد الرئيس السيسى دائما «تضامن مصر مع الأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة»، مشددا على أن «مصر لن تتوانى عن بذل أقصى الجهد لإيقاف القتال والعمل على إنفاذ المساعدات إلى القطاع وقد أكد الرئيس السيسى موقف مصر الراسخ بالسعى بلا كلل أو ملل نحو حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
 
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة فى 7 أكتوبر 2023، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتكثيف الاتصالات المصرية مع جميع الأطراف المعنية، بما فى ذلك الأطراف الإقليمية والدولية، بهدف وقف الحرب وتجنب تصعيدها، واستضافت مصر عددا كبيرا من الاجتماعات من أجل للتفاوض حول النقاط الخلافية للوصول إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار فى غزة، كما كثفت جهودها لعقد اجتماعات مع جميع الأطراف لدعم مساعى التوصل إلى تهدئة فى القطاع.
 
وتعكس تصريحات الرئيس الذى لم يفوت مناسبة إلا ويستغلها للتأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار فى غزة، أن فلسطين قضية مصر الأولى، ومحور اهتمام الدولة المصرية، ليس على مدار الأيام الحالية فقط وإنما على مر التاريخ، وأن الملحمة التى تقدمها مصر على المستوى السياسى والإنسانى الآن تأتى استكمالا للدور التاريخى الكبير لمصر وشعبها فى دعم حقوق الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، حيث تشكل مصر ركيزة أساسية ورمانة ميزان للأمن فى منطقة الشرق الأوسط والإقليم بأكمله.
 
على الساحة الدولية، ومنذ دعوة مصر لعقد «قمة القاهرة للسلام» فى أكتوبر 2023، تبعت العديد من المنظمات والدول هذا النهج، ما أعاد ترتيب الأولويات فى القضية الفلسطينية، معتمدة القاهرة على خلق رأى عام عالمى مؤيد لحل الدولتين ومناهض لمخططات التهجير الإسرائيلية.
 
واستمرت الوساطة المصرية بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، بلا انقطاع للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولإتمام صفقة لتبادل الأسرى بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وفى بيان مشترك، دعت مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل وحركة حماس إلى استئناف المحادثات «الملحة» لسد كل الثغرات المتبقية فى اتفاق مقترح لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، والبدء فى تنفيذه بدون أى تأجيل.
 
وكشف البيان المشترك الصادر عن الرئيس السيسى وأمير قطر الشيخ حمد بن جاسم والرئيس الأمريكى جو بايدن عن مساعى الدول الثلاث على مدار عدة أشهر للتوصل إلى إطار اتفاق مطروح حاليا على الطاولة لوقف إطلاق النار على غزة، مشيرين أنه «لا يتبقى فقط سوى وضع التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ، مستندا الاتفاق إلى المبادئ التى طرحها الرئيس بايدن فى 31 مايو 2024 وتمت المصادقة عليها فى قرار مجلس الأمن رقم 2735».
 
ودعا الزعماء الثلاثة إلى «عدم إضاعة مزيد من الوقت كما يجب ألا تكون هناك ذرائع من قبل أى طرف لتأجيل آخر.
 
 حان الوقت الآن للإفراج عن الرهائن وبدء وقف اطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق (...) ونحن - كوسطاء - مستعدون - إذا اقتضت الضرورة - لطرح مقترح نهائى للتغلب على الثغرات وحل الأمور المتبقية المتعلقة بالتنفيذ وعلى النحو الذى يلبى توقعات كافة الأطراف».
 
ولاقت الدعوات المصرية ترحيبا واسعا من المجتمع الدولى، حيث أعلنت المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا عن «الدعم الكامل للجهود الجارية لتهدئة التوترات والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن فى غزة»، معبرة فى هذا السياق عن دعمها للدعوة.
 
وبالإضافة إلى جهود السياسية، قدمت القاهرة الكثير من المساعدات لتخفيف العب على سكان غزة، فبينما تؤكد مصر أن المسئولية الإنسانية والقيم الأخلاقية العالمية تفرض على الجميع تقديم الدعم للشعب الفلسطينى الذى يواجه مخاطر كبيرة فى الوقت الراهن، أظهرت بالأفعال لا بالأقوال أنها تسير على هذا النهج، فخلال الشهور العشرة الماضية، لعبت مصر دورا محوريا فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث كانت غالبية تلك المساعدات تمر عبر معبر رفح، وقد تم تحويل مطار العريش الدولى إلى مركز لاستقبال المساعدات الإنسانية.
 
وفيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، كانت مصر دائما تعمل على توحيد الصف الفلسطينى من خلال استضافة اجتماعات للفصائل بهدف تعزيز الوحدة الوطنية كخطوة أساسية فى أى مساعٍ مصرية أو عربية لتحقيق السلام وإنشاء سلطة موحدة بين الضفة وغزة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق