أبطال رغم أنف الحاقدين
الإثنين، 29 يوليو 2024 05:26 م
يبدو أن البعض أصبح يعشق التنمر على الآخرين والتشفي في المتفوقين والناجحين والأبطال حين يخفقون، كي يداري على خيبته ويريح ضميره فيما يخص فشله الشخصي في تحقيق أي نجاح يذكر في الحياة، وهو ما ظهر جلياً تجاه أبطال مصر المشاركين في منافسات أولمبياد باريس 2024 الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على ميداليات أو تحقيق مراكز متقدمة.
على سبيل المثال تجد شاباً يجلس على المقهى أغلب يومه ممسكاً بهاتفه المحمول يقوم بالسخرية من بطل رياضي قضى عمره وأيامه في تدريبات قاسية وحرم نفسه من متع الحياة، سواء كانت نزه أو سفر أو أطعمة ومشروبات كي يحافظ على لياقته ويواظب على مواعيد تماريناته منذ الطفولة، بطل لم يضيع وقته يوما في السهر والجلوس على المقاهي وفي الطرقات مع الأصدقاء لتدخين الشيشة ولعب الطاولة حتى الصباح، شاب كرس وقته ومجهوده لهدف سامي ومشروع، حتى أصبح بطلا متميزا رغم أنف الجميع وحصل على ميداليات في بطولات محلية وتفوق في منافسات دولية أهلته للمشاركة في حدث رياضي عالمي لا يشارك فيه سوى أبطال العالم ومن يعتبرون خلاصة الخلاصة، وأفضل لاعبي العالم على مستوى رياضاتهم.
بالطبع كنا نتمنى لكل مشارك إحراز تقدم وبالتأكيد كان هو يسعى ويجتهد ويتمنى أكثر مني ومن غيري الحصول على ميدالية، إلا أن عدم تحقيقه الهدف لا ينفي حقيقة كونه بطل، وحتى من حصل على المركز الـ64 والأخير مثلا لا يستحق السخرية والتنمر، لأنه بالفعل تفوق على مليارات البشر ممن يعيشون على أراضي العالم أجمع في الرياضة التي اختار أن يفني حياته من أجلها.
فبالله عليكم هل يستحق إنسان مجتهد ومثابر وناجح بالفعل ولديه حلم أكبر سعى إليه بعناء وتعب ولم يوَفَق في تحيققه الفخر والتشجيع أم التأنيب وتكسير المجاديف؟.. وكأننا نصدر حالة من الإحباط العامة ونبث الرعب في قلوب الطموحين بألا يبذلوا الجهد وألا يقدموا على التجربة وأن يكفوا عن مجرد المحاولة في تحقيق حلم النجاح تجنبا للسخرية والإهانة من قِبَل هواة التنظير على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن فتشت عن أغلب هؤلاء المتنمرين لن تجد أحدهم تميز أو تفوق في أي مجال، وربما اكتشفت أيضا أنه مجرد عالة على مجتمعه ومحيطه وأشبه بقنبلة محملة بالغيظ والحقد والكراهية!.
من المعروف أن الرياضة مكسب وخسارة، وهناك من سيحصل على المركز الأول وآخر على المركز الأخير، وبالطبع يزداد الأمر صعوبة ضمن منافسات لم يتأهل لها سوى أبطال العالم، وعلينا أن نفخر بأبناء وطننا لتحقيقهم الفوز في بطولات دولية سابقة بالفعل، أوصلتهم لخوض منافسات الأولمبياد، قد يكون من المفهوم أن ينتقدهم منافسيهم أو حتى أبناء الدول المتفوقة عليهم ويسخروا من هزيمتهم، ومن الطبيعي أن تعم حالة داخلية من الحزن والغضب، أما الغير مفهوم إطلاقا والغريب فرحة البعض في هؤلاء المجتهدين من أبناء وطنهم!
المحاولة ليست جريمة أو فعلة مشينة يوصمون بها، المشين حقا هو الكسل والتوقف عن الحلم وإنعدام الطموح والشغف. الفشل الحقيقي يكمن في محاسبة الآخرين قبل محاسبة أنفسنا والنظر لاخفاقات الناجحين في بعض الأحيان ونسيان إخفاقاتنا الدائمة، والعار كل العار يكمن في الغل والدونية وكره الخير للغير وبخاصة من أبناء وطننا الناجحين رغم أنف الجميع، من المحزن أن البعض لا يبدو عليه الحزن بل أنه أظهر الشماتة والتشفي وكأن الهزيمة أسعدته، ومنحته فرصة للشعور بالسعادة لإحساسه بأنه ليس الفاشل الوحيد .
منذ بداية منافسات الأولمبياد لفت نظري ظهور صفحة خاصة بشخص يبدو أنه طبيب من افتخاره بنفسه وإضافة رمز "د" قبل اسمه، لا شاغل له سوى السخرية من أبطالنا الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على ميداليات بطريقة فجة!
وددت حقا لو سألته عما حققه عالميا أو حتى محليا في مجال الطب؟.. وهل يجوز لنا السخرية منه كونه مجرد طبيب مجهول على مستوى العالم أو حتى في بلده؟.. هل يمكننا أن نقلل من شأنه ومجهوداته ونجاحه في الوصول لهدفه في أن يصبح طبيبا مع علمنا بصعوبة الأمر واقتصاره على المجتهدين؟.. هل يعيبه أنه حتى الآن لم يحصل على جائزة عالمية في الطب أو أو أو؟.. بالطبع لا.
من الغريب أيضا التسرع في تصديق الشائعات وإعادة نشرها دون التحقق من صحتها وكأن مروج الإشاعة ومرددها وجد مبتغاه في تهمة يلقي بها على المشاركين والجهات المسؤولة، كالشائعة المنتشرة باستبعاد لاعبة تجديف مصرية من المنافسات بسبب ضياعها في طريق السباق، وهو ما نفاه الاتحاد المصري للتجديف مع تأكيده على عدم وجود لاعبة من الأساس تمثل مصر في رياضة التجديف.
هل يعلم الساخرون من الأبطال مدى معاناة وتعب الرياضي وأسرته على مدار سنوات عمره؟.. هل يعلم هؤلاء كم الإنفاق المادي والجهد البدني الذي بذلوه من أجل الوصول للمشاركة في هذا الحدث العالمي؟.. هل يعلمون أن أغلب جهودهم هي جهود شخصية ومن أموالهم الخاصة وبرعاية أسرهم فقط؟.. هل يعلمون أن الإنفاق عليهم ورعايتهم بعد ظهور نبوغهم في اللعبة يكون من قبل رعاة وليس من المال العام؟.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكننا السخرية والتقليل من شأن وقيمة أي شخص ناجح ومجتهد وواصل لمركز متقدم في مجاله كونه لم يصل لما وصل إليه من هم أعلى منه في المراكز؟.. بالطبع لا لأن الوصول في النهاية يحتاج لتوفيق من الله ويحتاج للمزيد من الجهد والبذل ومعرفة الأخطاء ونقاط الضعف لتفاديها مستقبلا وتحقيق إنجاز أكبر .
حقا لا يوجد مبرر للتقليل من شأن الأبطال المشاركين في البطولة وتدمير معنوياتهم بالشكل المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهم أجرموا، وإن كان يحق للجميع النقد البناء على أن يكون للناقد دراية كافية بالتفاصيل ومعلومات حقيقية حول أخطاء تسببت في الهزيمة، ومن حق الجميع التساؤل عن الأسباب والتأكد من عدم وجود أي شبهة للفساد أو التقصير أو إهدار المال العام دون رمي التهم بالباطل أو إهانة لأي بطل من الأبطال .
مما لا شك فيه أننا كنا ولازلنا نتمنى وبشدة حصول أبطالنا على ميداليات وتحقيقهم لمراكز متقدمة كي نشعر بالفخر لرفع علم مصر عاليا، ولا ننكر أبدا شعورنا بالحزن مع هزيمة كل بطل من أبطالنا والأسى على ضياع مجهوده .
ولكن إن تعقلنا وفكرنا قليلا سنجد أننا نطالب غيرنا بتحقيق أحلامنا الشخصية، ونقوم أحيانا بتدمير نفسياتهم ومحاسبتهم حساب الملكين لعدم تمكنهم من تحقيق مالم نسعى نحن شخصيا للوصول إليه، فما أسهل النقد والتنكيل بالآخرين ونحن جالسين على الأريكة نشبه قطعة الأنتيكة .