صدام الحقائق والأوهام

السبت، 27 يوليو 2024 04:16 م
صدام الحقائق والأوهام
حمدى عبدالرحيم

نتنياهو رجل حرب لن يجنح لأى سلام حتى لو كان سلامًا شفهيًا.. لا يريد «حماس» ولا يريد «فتح» ولا أى جهة فلسطينية تعامله معاملة الند للند
 
فى كل أمور الدنيا، لا بد أن تأتى ساعة الحقيقة، تلك الساعة التى تضع كل النقاط فوق كل الحروف، وقد جاءت ساعة الحقيقة الخاصة بالقضية الفلسطينية صباح الخميس الثامن عشر من يوليو 2024، فقد اجتمع الكنيست الإسرائيلى للتصويت على السماح بقيام دولة فلسطينية.
 
كانت نتيجة التصويت هى ساعة الحقيقة فمن أصل مئة وعشرين عضوًا فى الكنيست، أعلن ثمانية وستون عضوًا رفضهم قيام دولة فلسطينية فى أى مرحلة زمنية كانت!
 
أما الذين قبلوا بقيام دولة فلسطينية فقد بلغ عددهم تسعة أعضاء فقط لا غير، وتغيب بقية الأعضاء عن التصويت!
 
من جملة الملاحظات على عملية التصويت أن مؤيدى نتنياهو ومعارضيه، اتفقوا على رفض قيام دولة للفلسطينيين، يعنى الأمر هو أمر وطنى جامع لا خلاف فيه بين مؤيد ومعارض!
 
نتيجة التصويت جاءت بوصفها ضربة على أم رأس النظام العربى والعالمى، فكأن نتنياهو والذين معه من مؤيدين أو معارضين يقررون بملء أفواههم وبأعلى أصواتهم الحقائق الآتية.
 
أولًا: كل ما تسمعونه وكل ما تطالعونه وكل ما يداعب أحلامكم عن قيام دولة فلسطين هو محض أوهام تخصكم فعالجوا أنفسكم من الأوهام والخيالات.
ثانيًا: إذا وافق العالم كله على حل الدولتين، فنحن لن نوافق، فلا دولة سوى دولتنا، والقرار بأيدينا نحن ولن نسمع لأحد ولن نسمح لأحد أن يملى علينا قراراتنا المصيرية.
 
ثالثًا: المبدأ العربى القائل بعودة الأرض مقابل السلام، سقط وانتهى مفعوله، ولن نقبل لا بالمبادرة العربية ولا بمبادرة بايدن ولا بأى مبادرة تضمن للفلسطينيين دولة!
 
رابعًا وأخيرًا: أنت لن تحصل على مكسب لا تصل إليه مدافعك، ومدافعنا تصل إلى النقطة التى نريدها فى كل الشرق الأوسط، فلماذا نرهق أنفسنا فى مفاوضات تنتهى بقيام دولة عدوة على حدودنا؟
 
رفض كيان الاحتلال لقيام دولة فلسطينية يحمل أكثر من إشارة.
 
قرار الرفض كان يستبق اجتماع محكمة العدل الدولية، التى قالت ظهيرة الجمعة 19 يوليو ببطلان الاحتلال الصهيونى للأرض الفلسطينية. 
 
وكان القرار يستبق أيضًا زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية، فأمريكا تشيع منذ زمن بعيد أنها تعمل على إنجاح حل الدولتين، الآن ما الموقف؟
 
لقد انسحب بايدن من السباق الرئاسى، فبأى وجه سيقول لنتنياهو اقبل بحل الدولتين؟
 
وحتى لو قالها فلن يسمع له نتنياهو لأن القرار أصبح قرار أمة وليس حكومة!
 
 وقد جاء قرار رفض قيام دولة فلسطينية ردًا على اعتراف خمس دول أوروبية، هى النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا وأرمينيا، خلال الأسابيع الأخيرة بالدولة الفلسطينية التى أُعلنت فى الجزائر، عام 1988.
 
هل نتنياهو رجل مجنون، حتى يرفض كل حل وأى حل لوقف نزيف الدماء الذى بدأ قبل مئة عام ولا يزال جاريًا حتى لحظتنا هذه؟
 
لقد أسقط نتنياهو كل كلام نظرى يتعلق بعدم قدرة دولته على الصمود فى حرب لأسابيع، فها هى الحرب ذات الجبهات السبع (كما يقول هو) تدخل شهرها العاشر، وها هم أسراه فى قبضة المقاومة وهو لا يلين ولا يقبل بأى صفقة.
 
الرجل وهو متعنت يراهن على قدرته وقدرة دولته على تحويل الصراع إلى صراع كونى أممى يخرج هو منه منتصرًا مؤسسًا لإسرائيل الخالدة التى لا يوجد على أرضها فلسطينى واحد.
 
هذا التحليل قال به بعض أهم قادة أجهزة نتنياهو الأمنية، وهؤلاء تتكدس المعلومات الحقيقية والخطط السرية فوق مكاتبهم، أعنى أنهم لا يرسلون الكلام إرسالًا ولا يتحدثون من فراغ، نتنياهو يحلم بصدام حقيقى وقوى مع قوى إقليمية يجر إليه الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها الراعية الأولى للمشروع الصهيونى، وساعتها سيفرض كلمته ويحقق حمله.
 
قد ترى أنت وأرى أنا أن أحلام نتنياهو هى محض عبث، ولكن كلامنا ليس مهمًا، المهم الآن قبل الغد أن يتخلى العالم كله عن معاقرة الأحلام والأمنيات، نتنياهو رجل حرب لن يجنح لأى سلام حتى لو كان سلامًا شفهيًا، هو لا يريد «حماس» ولا يريد «فتح» ولا يريد أى جهة فلسطينية تعامله معاملة الند للند، هو لا يريد طاولة مفاوضات ولا مراسلات ولا حتى مناشدات، لقد أسقط بضربة واحدة كل الاتفاقيات - من جنيف حتى أوسلو - محتكما للرصاص وحده، والكرة الآن فى ملعب المتعلقين بأوهام قيام الدولتين.
 
كيف سيكون ردهم على قرار واضح لا لبس فيه قرره الكنيست بأغلبية ساحقة؟
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق