يوسف أيوب يكتب: خطوات استباقية جعلت مصر آمنة من العطل التقني

السبت، 27 يوليو 2024 02:30 م
يوسف أيوب يكتب: خطوات استباقية جعلت مصر آمنة من العطل التقني

  • مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية وخطط التعامل مع الهجمات السيبرانية وقفا حائط صد أمام أى اختراق للأنظمة الإلكترونية 
  • الدولة وضعت التقدم التكنولوجى هدفا.. ونفذت مشروعات وبرامج لتأهيل أكبر عدد من الفنيين التقنيين المصريين
     
فى ٢٨ أبريل الماضى، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى، مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية P1 بطريق العين السخنة، وقتها وصفت المركز بالعقل الجامع لحفظ بيانات الدولة والشعب المصرى، فبدخول المركز العمل، دخلت معه مصر عالم السحب الفضائية التكنولوجية، بما يمكنها من تجميع أجهزة الحكومة والخوادم الخاصة بالجهاز الحكومى والمؤسسات والشركات والجهات المعنية داخل مركز وطنى، بدلا من الاعتماد على خوادم خارجية، مع استعداد لحفظ بيانات القطاع الخاص كشق استثمارى.
 
مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، أول ما طرأ على ذهنى، الجمعة الماضية، بالإعلان عن إصابة العالم بسكتة تقنية، بسبب خلل فى شركة ميكروسوفت العالمية، أدى إلى توقف تام فى كثير من الخدمات التقنية والمرتبطة بالإنترنت، فالمطارات توقفت، والبورصات أصيبت بالشلل، والبنوك لم تكن أحسن حظا من الجميع، حتى الصحف والمواقع الإلكترونية، الجميع أصيب بالشلل التام، وكأن العالم كله توقف.
 
فى هذا التوقيت الحرج، كانت مصر مع دول أخرى، محصنة من الخلل التقنى، الذى أصاب العالم، ورغم ذلك شكلت الحكومة خلية أزمة لمتابعة التطورات أولا بأول، والتدخل السريع إن لزم الأمر، لكن ولله الحمد، مرت الأزمة علينا دون خسائر، فالمنظومة البنكية، لم تصاب بأى خلل، ومطاراتنا كانت تعمل بكامل قوتها وطاقتها، ولم تصب بشىء، اللهم إلا تأخير فى بعض خطوط الطيران، ارتباطا بالدول التى أصيبت بالعطل التقنى، ورغم ذلك لم تهدأ الدولة المصرية، فخلية الأزمة، ظلت تعمل حتى بعد إعلان مايكروسوفت إصلاح الخلل، وعودة العمل التدريجى، فالجميع فى مصر، كان متحسبا لتبعات قد تكون أكثر وطأة من الحدث نفسه، لكن مرت الساعات العصيبة، وبقيت مصر آمنة من الخلل التقنى، الذى أدى إلى شلل فى العالم.
 
بالتأكيد لم تمر مصر هذا المرور الآمن من الأزمة التقنية العالمية إلا لعدة أسباب، أهمها من وجهة نطرى، ووفق خبراء تقنيين موثوق فى أرائهم، أن مصر أتخذت قبل سنوات خطوات استباقية، لتأمين أنظمتها من أى خلل قد يطرأ، أو هجمات سيبرانية، فى ظل انتشار هذه الهجمات، واتخاذها كأداة جديدة للحروب بين القوى المتناطحة، فلم تقف مصر مكتوفة الأيدى، بل بدأت منذ سنوات التخطيط والعمل لتأمين أنظمتها الإلكترونية، أمام أى اختراقات أو هجمات سيبرانية، أو حتى أخطاء تقنية من جانب الشركات العالمية الكبرى، التى تسيطر على سوق التكنولوجيا فى العالم.
 
وهذا لا يعنى أن مصر آمنة 100%، لأنه لا توجد دولة فى العالم مهما وصل تقدمها، أن تصل إلى درجة الأمان التقنى بنسبة 100%، ولا حتى 80%، لكن أن تأخذ بالأسباب وتحتاط، وتضع الخطط البديلة، وتعتمد على الأفكار والأيادى المصرية فى تأمين الأنظمة الإلكترونية، فهذا ما جعلنا نعبر هذا العبور الآمن، الذى أعتقد، بل أنى متيقن، أن الدولة بجميع أجهزتها ومؤسساتها، لم تترك ما حدث الجمعة الماضية، يمر مرور الكرام، بل أنها تدرسه جيدا للاستفادة من تلك الأخطاء، وتفادى حدوثها مستقبلا، حتى وأن لم نُصب بأذى من ورائها، لكن التعلم من أخطاء الآخرين، هو أول الطريق لاستمرار النجاة.
 
ويعد مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، أحد الخطط التى نفذتها الدولة خلال العالمين الماضيين، للوصول إلى تأمين كامل للمعلومات والبيانات فى مصر، كما أنه يرسخ مكانة مصر كممر رقمى لنقل البيانات وقيادة أسواق مراكز البيانات فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ارتباطا بموقع مصر الذى يتوسط العالم، وقصة هذا المركز بدأت العام الماضى «2023» حينما وجه الرئيس السيسى، بالبدء فى إنشاء مركز البيانات والحوسبة السحابية P1، كأول مركز يقدم خدمات «تحليل ومعالجة البيانات الضخمة - الذكاء الاصطناعى» فى مصر وشمال أفريقيا، طبقا لأحدث التقنيات العالمية، ولم يمر عام إلا وكان التكليف منفذا على أرض الواقع، بمركز عالمى، على مساحة 23 ألفا و500 متر، منها 10 آلاف متر، استغلت للإنشاءات الحالية، والباقى للتوسعات المستقبلية، بمشاركة أكثر من 15 شركة محلية وعالمية، وأكثر من 1200 مهندس وعامل، استغرقوا أكثر من 5 آلاف ساعة عمل.
 
هذا المركز بوضعه الحالى، خير تأكيد على المسار الذى تتخذه الدولة بقوة نحو التحول الرقمى، لتحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، حيث يعد المركز دمجا مع الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة من الجيل الرابع والخامس، التى تقدم الخدمات الحكومية على منصة واحدة، التى تم إطلاق خدماتها خلال عام 2022، بهدف الخروج بنموذج أكثر نجاحا واستكمالا لنفس المحور التكنولوجى باستحداث خدمات الذكاء الاصطناعى والبيانات الضخمة، ومنصة إنترنت الأشياء، وتوصيلها بطريقة مؤمنة وسريعة إلى متخذى القرار لإرضاء المواطنين.
 
وجاء قرار إنشاء المركز بهدف العمل على تقديم التطبيقات الحرجة والمدفوعات والتطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعى، وتحليل البيانات الضخمة لصناعة القرار على جميع المستويات، بالإضافة إلى عمله كبديل نشط لمركز البيانات الحكومى بالعاصمة الإدارية، مع استخدام تكنولوجيا الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعى والبيانات الضخمة فى تحليل البيانات الحكومية، والعمل كمركز وطنى موحد لبيانات التعافى من الكوارث، وتوطين استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى القطاع الحكومى، والأهم هو توفير جميع البيانات الدقيقة والموقوتة للجهات الحكومية، وتحليل البيانات الضخمة للجهات الحكومية، وتوفير الإدارة والتشغيل الذاتى، والحفاظ على الخصوصية المصرية كمشروعات الموانئ الذكية، التى تساعد على تسهيل حركة الاستيراد والتصدير.
 
وتكمن أهمية مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية P1 فى النظرة العلمية لمراكز البيانات والحوسبات السحابية، باعتبارها جوهر التحول الرقمى، وأحد أهم الأعمدة، التى يرتكز عليها الاقتصاد العالمى حاليا، بعدما أضافت آفاقا جديدة لريادة الأعمال فى جميع المجالات والصناعات، خلق فرص جديدة للجمع بين عدة مجالات فى بيئة عمل واحدة، حيث تتميز الحوسبات السحابية عن مراكز البيانات التقليدية بقدرتها على مشاركة الموارد افتراضيا، وتوفير التقنيات الحديثة، لتقديم خدمات أكثر وسعات تخزين مرنة.
ويتكون مركز P1 من: مبنى الإدارة والتشغيل والتأمين، معدات الحوسبة السحابية، قاعة الحلول الفنية وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، مركز التحكم التبادلى للشبكة الوطنية للطوارئ، ووفقا لنظام العمل داخل المركز، فإنه يقدم خدماته، طبقا لثلاث مناطق للبيانات: منطقة البيانات الخاصة وعالية الحساسية، منطقة البيانات الحكومية، منطقة البيانات العامة، لتكون منصة لتفاعل المواطنين فى تقديم خدمات الجهات الحكومية، كما تتنوع خدمات المركز، ما بين أكثر من 40 خدمة سحابية حديثة، تحليل الكم الهائل من البيانات، الذكاء الاصطناعى، منصة إنترنت الأشياء، تبادل البيانات الحكومية، التعاون مع الشركاء فى مجال التدريب والابتكار المشترك، ومنها منصة تعليمية رقمية شاملة لأكثر من 30 مسارا ومواد تعليمية واعتماد أكثر من 15 تقنية مختلفة، برنامج تدريبى لأكثر من 1300 ساعة لتقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعى، الابتكار والتطوير المشترك «أكثر من 90%» لنموذج ASR المـصرى «تحويل الصوت إلى نص» مكتوب باستخدام أكثر من 40 لهجة مصرية، وأكثر من 4 خوارزميات تحليلية ذكية للفيديو، منصة تبادل البيانات لدعم متخذى القرار.
 
كما يشارك المركز فى دعم وتطوير أداء القطاع الصحى، مثل نظام المعلومات الصحية وإدارة المستشفيات مركزيا، لتسهيل دورة المرضى داخل المستشفيات، وتنفيذ ملف طبى موحد للمرضى، وتحويل الإشاعات من ثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد، لتسهيل أعمال التشخيص ومساعدة الفرق الطبية، واستخدام منصة إنترنت الأشياء للسيطرة على أسرة الرعايات والحضانات، والتقارير المميكنة، كما يساعد فى ميكنة سيارات الإسعاف، لتحسين الخدمات الإسعافية المقدمة للمواطنين، من خلال متابعة أسلوب السائقين والمسعفين باستخدام كاميرات التعرف على السلوك الخاطئ وإرسالها فورا وأتوماتيكيا لغرفة العمليات المركزية، وحصر واستدامة الأصول، وتسهيل دورة عمل القوافل الطبية، وربطها بالمستشفيات فى ذات نطاق العمل.
 
 وفيما يخص قطاع العدل، يساهم المركز فى تسهيل إجراءات التقاضى، وتحويل المحاكم الاقتصادية والمدنية إلى محاكم ذكية، كما يساهم فى تسهيل إجراءات العدالة المصرية وإجراءات التقاضى.
أيضا يساعد المركز فى مجال المدن الذكية، فى تحسين قدرات إدارة المدينة ومستويات خدمة المواطنين، وبناء شبكة فيديو وطنية، لتقليل معدل الجريمة والحوادث المرورية، كما يساهم فى إدارة الأزمات والطوارئ، وتحسين القدرات الوطنية للاستجابة للطوارئ والحد من الخسائر.
 
ويتميز المركز بقدرته على تجميع البيانات من مصادرها المختلفة، مثل بيانات الحركة للصادرات والواردات القادمة من الموانئ، وبيانات المنظومة الصحية، وبيانات التشغيل لمنظومة النقل، وبيانات طاقة الكهرباء والبترول وغيرها، وتجميع كافة البيانات من خلال شبكات الألياف الضوئية أو من خلال تكنولوجيا الجيل الرابع والخامس المقدمة من الشبكة الوطنية، باستخدام منصات الذكاء الاصطناعى، وتحليل البيانات الهائلة ومعالجة البيانات، ووضعها بصورة تصلح للاستخدام سواء أكانت على صورة مؤشرات بتحسن دورة العمل داخل المؤسسات الحكومية أو فى صورة توصيات لمتخذى القرار.
 
وفى تعليقه على إنشاء مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، حينها، أكد الرئيس السيسى، أهمية الحفاظ على دور مصر كنقطة رئيسية لنقل البيانات فى العالم، وقال: «إن الدولة أنفقت مليارات الدولارات من أجل تجهيز بنية أساسية متكاملة فى هذا الشأن، وأن افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية، يجهز مصر، لكى تأخذ مكانها فى عالم يتقدم بشكل كبير ومتسارع»، مؤكدا أن فكرة إنشاء المركز، تعتمد على الموقع الجيد لمصر، ولابد أن نستفيد منه على ضوء أن 90 % من الكابلات البحرية الموجودة بالعالم، تمر بمصر بوصفها محورا رئيسيا لنقل البيانات والاتصالات بالعالم، وقد بذلت الدولة المصرية سابقا جهودا كبيرة فى هذا المجال، وسنواصل العمل فى هذا الاتجاه، ومن الضرورى، أن نعمل على تجهيز بنية أساسية متكاملة، للحفاظ على مصر كنقطة رئيسية لنقل البيانات بين الشرق والغرب، وقد تم إنفاق مليارات الدولارات فى هذا المجال، رغم حالة الغلاء التى نعانى منها، بهدف المشاركة فى المستقبل الذى يتقدم فيه العالم بشكل كبير، إننا نجهز مصر لانطلاقة حقيقية بمنتهى السرعة فى هذا المجال.
 
ولأن للمركز أدوار مهمة، نعود إلى ما قاله حينها الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذى قال إن تقديم خدمات سهلة وميسرة للمواطن المصرى، هو محور استراتيجية مصر الرقمية، التى تضم 3 أهداف رئيسية، وهى: تقديم خدمات حكومية سهلة وميسرة للمواطن المصرى، ومساندة شبابنا للمنافسة بفعالية واقتدار فى سوق العمل المحلى والعالمى، وتشجيع ريادة الأعمال وتحفيز الابتكار، ومن خلال هذه الأهداف الثلاثة، انبثقت محاور للعمل، وهى التحول الرقمى، وبناء القدرات الرقمية، ودعم الابتكار الرقمى، كما أشار إلى أن التحول الرقمى، يعنى ميكنة جميع أعمال الدولة وإجراءاتها للتمكن من تقديمها بشكل ميسر، حيث تم فى عام 2020 اكتمال بناء البنية المعلوماتية المصرية، وربط كل قواعد بيانات الحكومة المصرية، وأكثر من 100 قاعدة بيانات.
وقال طلعت أيضا، إن وزارة الاتصالات، بدأت فى العمل على 3 عناصر رئيسية فى البنية التحتية الرقمية، فى مقدمتها الإنترنت الثابت، وبدأت منذ عام 2018 فى تنفيذ مشروع لرفع كفاءة الإنترنت الثابت بتكلفة استثمارية قدرها 2.5 مليار دولار، ونجحت بالفعل فى مضاعفة متوسط سرعة الإنترنت الثابت إلى 11 مرة حاليا، موضحا أن مصر تحتل منذ عام 2022 المركز الأول بأفريقيا فى متوسط سرعة الإنترنت الثابت، بالإضافة إلى مضاعفة عدد أبراج شبكات الهاتف المحمول، وإتاحة أطياف ترددية للشركات العاملة بأكثر من 2 مليار دولار.
 
المهندس عمر الإمام، مدير مركز البيانات الرئيسى للدولة، قال من جانبه إن المركز تم تنفيذه بكوادر مصرية من شركات ومسئولى التحول الرقمى بالدولة، كما تمت الاستعانة بما يزيد على 30 شركة عالمية متخصصة ورائدة فى مجال تكنولوجيا الحوسبة السحابية ومراكز البيانات، وذلك لتطبيق أحدث التقنيات عالميا والتدريب عليها، مؤكدا أنه «لتحقيق أعلى معايير التأمين المادى، تم إنشاء المركز بموقع محصن على مساحة تزيد على 23 ألف متر مربع، مجهز بأحدث الأنظمة لضمان استمرارية الخدمات المقدمة، ويشتمل على مركزين فرعيين: الأول يتضمن البنية التحتية التكنولوجية الخاصة بالسحابة المغلقة، وذلك لخدمة المستخدمين بالوزارات والجهات الحكومية بالعاصمة الإدارية، والثانى خاص بالسحابة العامة، لإتاحة الخدمات الحكومية الرقمية للمواطن من خلال قواعد البيانات والتطبيقات التخصصية للوزارات والجهات الحكومية المستضافة بالمركز».
 
هذا المركز، جزء من الوعى الاستباقى من جانب الدولة لأهمية التعاطى السريع مع التقدم التكنولوجى، ووع جميع الخطط البديلة لأى تدخلات خارجية أو داخلية قد تؤثر على الأداء التقنى للمؤسسات والمصالح الحكومية والشركات الخاصة، وجاء ذلك بالتوازى مع حركة دؤوبة ومستمرة لمواجهة الهجمات السيبرانية، سواء من خلال القوانين، التى تجرم هذه الهجمات وتعاقب المسئولين عنها، أو بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لرصد أى اختراق والتعامل معه بسرعة كبيرة، والأهم من ذلك توفير جيل من المهندسين المصريين القادرين على التعامل السريع مع أى طارئ قد يحدث، فالدولة وكما أكد الرئيس السيسى، وضعت التقدم التكنولوجى كهدف أمامها، ولكى تصل إليه، وضعت خططا بدأت فى تنفيذهاا تستهدف تأهيل أكبر عدد من المبرمجين والتقنيين المصريين ممن لديهم القدرة والكفاءة على إدارة المنظومة التقنية المصرية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة