هل أنت «أزهري» لتتحدث؟

الأحد، 14 يوليو 2024 04:19 م
هل أنت «أزهري» لتتحدث؟

في كل مناقشة أو خلاف حول فهم وتأويل النصوص الدينية، والآراء المغايرة والجديدة التي قد يطرحها ويقدمها باحثون ومفكرون وحتى شيوخ وأستاذة، يستخدم كثيرون جملة: «هل أنت أزهري حتى تتحدث في الدين؟» بشكل دائم، حتى باتت تلك الجملة، وكأنها سيف مسلط على كل العقول والألسنة، وسلاح فعال- في ظنهم- ليس قادر وحسب على إنهاء النقاش المحتدم، بل وإفحام الأعداء والخصوم وطرحهم أرضا، في مشهد بائس حزين، يبعث- في رأيي- على السخرية، فقد نال هذا السلاح من الأزهريين أنفسهم، وأستاذتهم ومعلميهم وباحثيهم، ما قد نال.
 
البعض، أو إحقاقا للحق كثر، يعتقدون بل ويؤمنون، أن مشيخة الأزهر- وبالتبعية منتسبيها- وحدها لا شريك لها، هي الوحيدة المؤهلة القادرة على تفسير الدين، وتعاليم الدين، وأن كل ما سواها لا يعدو كونه خروج على الدين نفسه، وشذوذ عن القاعدة، لا يعول عليه أو يؤخذ منه، فرأي «الأزهر» في رأيهم هو الحق، كل الحق، ولما لا فهم وكلاء الله- حاشاه جل جلاله- على أرضه، يتحدثون باسمه ويأمرون بأمره، وتلك هي المشكل الخطير، إذ إن «جامعة الأزهر» مسئولة وحدها، عن تعليم وتخريج آلاف الإرهابيين، الذين عاثوا في الأرض فسادا، وأرعبوا البلاد والعباد، بل أن بعض قادة التنظيمات والجماعات الإرهابية بالمنطقة وحول العالم، كانوا من خريجي الجامعة الموقرة.
 
من أفتى بالجهاد ضد الدولة وحمل السلاح في وجه المواطنين والشرطة والقوات المسلحة، كان أزهريا يدعى «عبد الرحمن البر» وهو مفتي الإخوان وعميد كلية أصول الدين الأسبق بالمنصورة، وأحد أعضاء هيئة كبار العلماء السابقين، ومن شغل مهمة الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، كان أزهريا يدعى «عمر عبد الرحمن»، وهو خريج كلية أصول الدين، وأحد مدرسيها لاحقا. 
 
ليس هذا وحسب، بل أن الإرهابي الشهير «أبو بكر شيكاو»، قائد جماعة بوكو حرام النيجيرية الإرهابية، التي ارتكبت الجرائم والمجازر الدموية بحق المدنيين والنساء والأطفال، تخرج في جامعة الأزهر بالقاهرة بعد أن حصل على بكالوريوس شريعة وقانون.. وهناك أيضا أسماء أخرى كثيرة، تعلمت وتتلمذت في حضرة الرواق الأزهري.
 
قد يتساءل البعض، وماذا يعيب الأزهر في أن يخرج من بين صفوفه مثل تلك النماذج؟ ولماذا تذكر تلك الأسماء فقط ولا تشير إلى القامات الأزهرية الأخرى؟ حسنا، سأجاوب ولكن بطريقة أخرى، ماذا لو قولت لكم، إن كل تلك الأسماء الإرهابية وغيرها الكثير، هناك ملايين من المسلمين يحترمون آرائهم ويقدسونها ويدافعون عنها، ويعتبرونها من الدين ومن صحيح الدين.
 
ماذا لو قولت لكم، إن مناهج الأزهر السابقة والحالية توافق وتدعم كل تلك الآراء، وإن اختلفت لا تختلف أبدا في الجوهر، بل في الفروع، مثلما فعل الإمام محمد الغزالي، حين اعتبر الكاتب الكبير فرج فودة «كافرًا ومرتدًا» ويجب قتله، لكنه اعتبر قتله فقط «افتئات على حق السلطة»، قبل أن يجيز بالأخير في شهادته أثناء محاكمة القاتل حينها، أن يقوم «أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها»، وأيضا أن «هذا ليس عليه عقوبة، وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة».
 
ماذا لو قولت لكم، إن غالبية الجمهور الإسلامي، الذي لا ينفك عن تأييد ودعم ومساندة كل الآراء المتطرفة التي تحض على الكراهية، وقتل وتعذيب غير المسلمين، والسبي واغتصاب النساء، والتدخل في شؤون المواطنين الشخصية بدعوى الأمر والنهي عن المنكر، وتحريم فوائد البنوك والفن والغناء، وحتى تحريم ترديد السلام الوطني والوقوف احتراما له، والذي أيضا يتهم أغلب المشايخ والعلماء أنهم علماء السلاطين وآرائهم وفتاويهم مسيسة وموجهة، بل لم تسلم المؤسسات الدينية الرسمية، من هجوم الجمهور «المتدين بطبعه»، ليس لشيء سوى أنها فقط تبيح تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، والاحتفال بشم النسيم والمولد النبوي وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام.
 
تخيل أن هذا الجمهور، يقول عن الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه «سعد الضلالي». ماذا لو قولت لكم، إن كل الإرهابين، وكل الإرهابين المحتملين، الذين لم يحملوا السلاح حتى الآن، لم ينلهم أي هجوم من «الأزهر» وقادته مثلما نال «الهلالي»- وهو الأستاذ الأزهري الجليل- الذي واجه ولا يزال حملة شعواء وهجوم من قبل الأزهر نفسه، فقط لأنه يقدم منتجا وأفكارا أخرى، غير تلك الأفكار «السلفية الوهابية»، التي دأبت جامعة الأزهر على تدريسها وتعليمها للتلاميذ والطلاب منذ مئات السنين، والتحدث بها سرا وعلانية.
 
ماذا لو قولت لكم، إن «الأزهر» وقادته، اعتبروا آراءه وأفكاره- أي سعد الهلالي- وهو أستاذ الفقه المقارن، «ضالة ومنحرفة ولا يصح نسبتها إلى الثقات من أهل العلم ولا التعويل عليها»، فقط لأنه يريد إنهاء «الوصاية الدينية» التي لا تزال تمارسها بعض المؤسسات الدينية على المسلمين وتستميت للدفاع عنها، وفقط لأنه يدعو لإعادة قراءة الدين «قراءة إنسانية»، إذ إن الشارع قد ترك للمسلمين فهم نصوصه بآليات إنسانية.. ويكفيك أن تعرف أن «الأزهر»، تسبب قديما في إشعال شوارع القاهرة وتحطيم المقاهي وسقوط قتلى، بعد أن حرم شرب القهوة (البن) تحريما نهائيا.. وأخيرا: هل أنت «أزهري» حتى تتحدث في الدين؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق