المتحدة وهيئة الترفيه.. استثمار لقوة مصر الناعمة

الإثنين، 08 يوليو 2024 06:30 ص
المتحدة وهيئة الترفيه.. استثمار لقوة مصر الناعمة
أمل غريب

أكد إعلان الشراكة والتعاون بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والمستشار تركي أل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، أنه لا صوت يعلو فوق صوت "القوة الناعمة"، التي من خلالها يمكن استخدام كافة أشكال الفنون من أجل تطوير الشعوب وبناء ثقافت،ها وتشكيل وعيها وترتيب أولوياتها وتحديد احتياجاتها.

بدأت السينما في أوروبا وأمريكا، ثم اتجهت إلى مصر مباشرة، بواسطة الأخوة لومير، وبحلول القرن التاسع عشر، اتجه المنتجين وكبار صناع السينما الفرنسيين والإيطاليين لتدشين الصناعة الجديدة، في مصر، فكانت  تعد أول بلد عربي يشهد انتاجا سينمائيا ناضجا، وبنهاية الخمسينات كانت ولا زالت هي المهيمنة على صناعة الأفلام العربية، ثم دخلت السينما إلى معظم البلدان العربية، مما أدى إلى دمج العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، الاتفاقيات المصرية في أفلامها الخاصة.

ومنذ إطلاق صناعة السينما في مصر، خلال القرن التاسع عشر، شيدت قلاع صناعية كبرى، لهذه الصناعة الوليدة الواعدة، لما كان لمصر، حينها من طبيعة خاصة، فقد كان يسكنها الأوروبيين من أبناء اليونان وإيطاليا واسبانيا وقبرص، علاوة على الأتراك والانجليز، مما شجع الاستثمار في هذه الصناعة، كون السوق المصرية لا مثيل له بين البلدان العربية، مما جعل مصر، تحتل المركز الأول على مدار أكثر من 100 عاما، من الريادة في السينما والدراما والمسرح والأغاني والموسيقى والطرب.

ولعل القاصي والداني في الوطن العربي، يعلم تمام العلم أن مصر، هي قبلة الفن في العالم العربي، والجامعة التي يتخرج منها الفنانين العرب من المحيط إلى الخليج، ولا ينكر أحدا أنها كانت ولاتزال طموح أي فنان عربي يطمح إلى اقتحام عالم الشهرة، عليه المجيء إلى "أم الدنيا"، حتى أنهم وصفوها بـ "بوابة على بابا" التي إذا فتحت أبوابها ضمن النجومية حتى وإن كان غير معروفا في بلده، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر، المطربة الراحلة فايزة أحمد وفهد لبنان وموفق بهجت من سوريا، وصباح وفريد الأطرش وأسمهان ونور الهدى من لبنان، وردة الجزائرية، عليا التونسية، محمد عبده، عتاب، عبادي الجوهر وطلال المداح قديما، وراغب علامة واليسا ونانسي عجرم وهيفاء وهبي، وظافر عابدين وإياد نصار وجمال سليمان من سوريا وهند صبري ودرة من تونس...إلخ.

كانت قوة مصر الناعمة، هي اليد الطولى التي استطاعت النفاذ إلى كل الأقطار العربية وترسيخ مفهوم الوطن والوطنية، وهي المدرسة التي تممت أخلاق الشعوب العربية، حتى أنها استطاعت خلال حقبة الخمسينات والستينات من تشكيل وعيهم وقوميتهم وطورت من فكرهم، قبل حتى أن يُعرف مفهوم "القوة الناعمة" التي أطلقه "جوزي ناي" أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية، عام 1990.

كانت الدراما المصرية خلال سنوات كثيرة، هي المحرك الأول لمشاعر كافة أبناء القطر العربي، فتربت أجيال كاملة من الأطفال على فوازير شريهان ونيلي وحكايات عمو فؤاد وفطوطة، وكبرت على مسلسلات رأفت الهجان وجمعة الشوان وليالي الحلمية وأرابيسك والمال والبنون وذئاب الجبل والراية البيضاء والبخيل وأنا.. إلخ، وغيرها من كنوز الدراما المصرية، التي كان ينتظرها ملايين المشاهدين في كل الدول العربية، واستطاعت أن تربي وتهذب وجدان أجيال من أطفال وشباب الوطن العربي، فقط على مدار 30 حلقة ليس أكثر.  

وعلى الرغم من حالة الفتور التي حدثت للقوة الناعمة في مصر، وتحديدا منذ عام 2008، وغياب دورها التثقيفي الذي كانت تتبناه، بل وكانت تضعه على رأس أولوياتها، وحل محله الإسفاف والقبح وتدني الأخلاق والسوقية والانحلال، وتصدير صورة العشوائية عن شوارع مصر وسوء سلوكيات شعبها بشكل متعمد، ولا يمكن أن تجد أي دولة في العالم تصدر مثل هذه الصورة السلبية عنها وعن شوارعها وشعبها، حتى وإن تأمرت على ذاتها لن تكون بمثل هذه الصورة الممسوخة التي خرجت لتشوه أم الدنيا لحساب أخرين، من شأنهم أن تغوص مصر في ظلام الجهل وانتشار القبح  وتعظيم صور البلطجة، وأنا على ثقة أنه كانت هناك مؤامرات خفية لم يحن الوقت بعد للإفصاح عن أسماء أبطالها الذين شاركوا في تنفيذها هنا على أرض مصر، لصالح دولا أخرى، قد تكون أقل منا بكثير في أمور عدة، ولا تملك ربع ما تمتلكه مصر، من قوة ناعمة وإمكانيات بشرية وخبرات فنية رائدة.

والأن بعدما استردت مصر، عافيتها وخرجت من نفق "شبه الدولة" ووصلت مرحلتها النهائية في إقامة "الدولة" ومؤسساتها الرسمية والسياسية، وبلغت مبتغاها من الجمهورية الجديدة، كان من الهام الالتفات إلى ضرورة وحتمية إعادة "القوة الناعمة" المصرية إلى الساحة العربية من جديد، فقد تأكدت الدولة المصرية أنه لا يمكن للتنمية أن تأخذ محلها دون دور للفن والثقافة، فحاولت رأب الصدع الكبير الذي حدث داخل وعي المواطن المصري، وقررت أن تهيل التراب على الخندق الذي شق صف المصريين، من خلال عدة إجراءات هامة، استندت على ركائز قوية، كان في مقدمتها قرار إنشاء الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي وضعت في مقدمتها الاهتمام بالثقافة الأصيلة، وتبنَّي أجندة وطنية، فضلا عن "بناء الإنسان المصري والعربي"، من أجل الحفاظ على الأجيال الحالية والاستثمار الإنساني في الجيل القادم، وبناء نشئ دون تشوهات سلوكية ونفسية وحضارية، وتسليط الضوء على الفن الحقيقي، والاهتمام بنشر الأعمال الأدبية الثرية (ذات الفكرة والإبداع)، ودعمها لتكون في كل بيت مصري،  واستعادة الدور المصري الرائد في المنطقة، من خلال تعزيز صناعة الدراما والسينما، عبر دخول القطاع الخاص في هذه الصناعات، وإعادتها إلى سابق عهدها، بما يُسهم في تعزيز الدور المصري الإقليمي والدولي، فدور الفن كقوة ناعمة، لا يمكن أن يعمل بمعزل أو منأ عن القوى الأخرى، بل يجب بالضرورة  أن يشارك في تعزيز النمو الاقتصادي، ويكون ظهيرًا لعمليات التنمية، خاصة أن مصر تحظى بجاذبية بين الدول العربية بسبب قيم التسامح والأخلاق التي تحظى بها، فضلا عن القوة الناعمة المصرية لها أبعاد ثلاثية تتمثل في "التاريخ واللغة والثقافة" ولا يمكن لأي دولة في المحيط الإقليمي، منافسة  مصر في هذا المجال تحديدا، خاصة لما لها من قبول شديد بين أبناء القطر العربي.

هذا، فقد آن الأوان لأن تستعيد مصر قوتها الناعمة، حيث تمتلك بفضل قوتها البشرية أكثر عناصر القوة الناعمة في الإقليم حتى الآن، فلا تزال اللهجة المصرية هي الأوسع انتشارا وجذبا بين اللهجات العربية، كما أنها تنتج أكبر عدد من الأفلام السينمائية والوثائقية والدراما التلفزيونية والمسرحيات والبرامج التليفزيونية.

وأخيرا، فإن التعاون والشراكة بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وهيئة الترفيه السعودية، تبنيان على عمق العلاقات المصرية السعودية، ويعود بكل النفع على المتلقي العربي بشكل عام، وللصناعة بشكل خاص، نظرا لخصوصية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين الكبيرين.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق