شيزوفرينيا

الجمعة، 21 يونيو 2024 04:00 م
شيزوفرينيا
شيرين سيف الدين تكتب:

لايزال البعض يعاني من ازدواجية المعايير، وعدم الاتساق مع الذات، سواء على المستوى الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي، فتجد الكثيرين يرددون مبادئ الدين وقال الله وقال الرسول وحين تعاشرهم أو تبحث عنهم وعن أخلاقهم وحياتهم الشخصية وسلوكياتهم وأهل بيوتهم تنتابك حالة صدمة!
 
شعارات رنانة تعج بها صفحات البعض الشخصية على رأسها المطالبة بإرساء قواعد الديمقراطية، وفتح المجال لحرية التعبير عن الرأي أيا كان دون حجر على الأفكار والقناعات، وبالطبع هي مطالبات مشروعة ويؤيدها كل عاقل سوي، إلا أن المشكلة تكمن في أنهم أبعد ما يكون عن تطبيقها.
 
المراقب لهؤلاء يستطيع اكتشاف حقيقتهم فأغلب من يحجرون على آراء المخالفين لهم هم أصحاب تلك الشعارات، وهم أكثر من يكيلون الاتهامات وينصبون المحاكم للآخرين، وتجد أغلبهم حادا في نقاشاته وقد يصل الأمر ببعضهم لاستخدام ألفاظا خارجة، وأساليب سخرية لمهاجمة من يختلف معهم في الرأي، بعكس ما يدعُون إليه تماما!
 
إنه حقا لأمر مثيرا للعجب والشفقة ويستحق الدراسة، فكيف لي أن أطالب بإرساء مبادئ لا أستطيع بشكل شخصي أن أطبقها على نفسي، وكيف لي أن أقنع العامة بأفكار وأنا أبعد ما أكون عنها ؟
 
يؤسفني أن أجد العديد من أصحاب الآراء المختلفة عن ما هو سائد على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا يخشون التعبير عن آراءهم، تجنبا للهجوم والنقاشات الحادة، واعتزل الكثير منهم مواقع السوشيال ميديا التي احتكرها "الديكتاتوريون" الجدد من رعاة الديمقراطية والحرية التي تخدم أفكارهم وآراءهم فقط !
 
أشعر أننا نعيش حالة "شيزوفرينيا" مفرطة فمن يقنعني بضرورة الحرية هو ذاته من يحجر على حريتي، ومن يحاول تلقيني دروسا في أهمية التعبير عن الرأي هو أول من يحاول إخراس أصوات الآراء المعارضة له حتى تسود أفكاره ومن يوافقه الرأي فقط، وفي النهاية يكتشف أن الأغلبية العامة لم تنفذ حرفا واحدا من مخططاته وأفكاره ومطالباته، وأن الكثيرين اختاروا طريقا مغايرا لطريقه لأنهم ببساطة أحرار، بل أنهم قرروا ممارسة حرياتهم والتعبير عنها وعن رغباتهم بالفعل وليس بالقول ومنشورات الفيس بوك وغيره.
 
وأخيرا وإن كان هناك من يؤثرون الصمت ويتجنبون الدخول في جدل سفسطائي ومهاترات مزعجة ويكتفون بدور المراقبين والمتفرجين على ملاعب السوشيال ميديا، إلا أنهم من يقرون الواقع وينفذون رغباتهم على الأرض،  ليُفجع مرضى الشيزوفرينيا والبارانويا بأن أفكارهم لا تمثل غيرهم وأنهم مهما حاولوا إرهاب الآخرين لن يستطيعون فرض سيطرتهم أو إجبار المخالفين على تنفيذ مخططاتهم وتحقيق أمانيهم الفردية عُنوَة.
 
ورسالتي إلى كل إنسان هي قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
 
فإن أردت حقا إرساء أي مبدأ فعليك أن تبدأ بنفسك أولا حتى يتبعك الباقيين، وإن لم يتبعونك فعلى الأقل ستكون قد كسبت احترامك لنفسك واحترام الآخرين لك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق