يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة

السبت، 08 يونيو 2024 05:24 م
يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة

8 تكليفات رئاسية لحكومة مدبولى.. وخطاب الرئيس في الولاية الجديدة يحدد خارطة طريق للوزراء

الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري.. وملف بناء الإنسان أولوية.. وتطوير المشاركة السياسية والخطاب الديني المعتدل

الحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق.. ومواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي وزيادة الاستثمارات المحلية وتشجيع نمو القطاع الخاص

 

لا خلاف على ارتكاب الحكومة أخطاء، لكنها ايضا انجزت الكثير وسط ازمات وتحديات متلاحقة، البعض منها كفيل بافشال اى حكومة، فما بالكم بهذا الكم من التحديات الداخلية والخارجية، والتي فرضت على مصر ظروفاً غير عادية، وأدت إلى تحويل مسار الكثير من الخطط، التى اذا ما استمرت وفق المخطط لها لكان وضعنا اليوم مختلف تماماً.

حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، التي قدمت استقالتها إلى الرئيس السيسى، الأسبوع الماضى واجهت ظروفاً غاية في الصعوبة، بدأ بجائحة كورونا، وصولاً إلى الوضع المتوتر حالياً في الشرق الأوسط، وما بينهما الحرب الروسية الأوكرانية، وهى أحداث فرضت علينا أعباءا إضافية، استطاعت الحكومة بجد واجتهاد أن تتعامل معها والعبور منها بأقل الخسائر.

وفي يونيو 2018 تم تكليف الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة والتي بدأت أداء مهامها في 7 يونيو 2018، بالتوازي مع الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السيسي، وجاءت تلك الحكومة لتستكمل المشروعات القومية التي بدأت بمبادرات رئاسية في العديد من المجالات، لكن حكومة مدبولي وقتها واجهت تحديات عالمية ألقت بظلالها على العالم أجمع وليس مصر وحدها، فجاءت جائحة كورونا لتبدأ الأزمة الاقتصادية العالمية في الاحتدام، ثم أعقب ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تنته بعد ليطل علي العالم الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلية على الفلسطينيين بقطاع غزة.

وفي ديسمبر عام 2019 أجري تعديل وزاري شمل تغيير 10 وزراء، من بينهم وزراء السياحة، والتعليم، والصحة، مع التركيز على تحسين الأداء في هذه القطاعات، وفي ديسمبر عام 2020 أجري تعديل وزاري شمل تغيير، وزراء قطاع الأعمال، والطيران المدني والإسكان، والتنمية المحلية، ثم تبعه تعديل آخر في أغسطس 2022 شمل تغيير 13 وزيرا من بينهم التعليم، والنقل، والصناعة، ومنذ ذلك الوقت، تتولى الحكومة مسئولية استكمال المشروعات القومية وتنمية الاستثمارات وتوطين الصناعة والكثير من الملفات الهامة كالتعليم والصحة، ومن منطلق الرؤية التنموية للدولة حتى 2030، والتي ركزت على محاور عدة منها تغيير وجه الحياة، وبناء بنية تحتية متطورة جاذبة للاستثمارات والاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير الاحتياجات الأساسية وتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية، وبرنامج طموح لإصلاح الهيكل الاقتصادي، بجانب ضخ استثمارات بنسبة 22% من الناتج السنوي على مدار السنوات التسع الماضية، بقيمة تتجاوز 9 تريليونات جنيه، وتم توزيعها توزيعا عادلاً على المحافظات وأقاليم الجمهورية، بجانب تطوير مشروعات التنمية العمرانية وبناء مدن جديدة وتطوير المناطق العشوائية غير الآمنة عبر تنفيذ مشروعات إسكان اجتماعي لفئات المجتمع المختلفة بلغت 1.5مليون وحدة سكنية في إطار المبادرات الرئاسية " يكن لكل المصريين، وحياة كريمة، والاسكان الاجتماعي" وغيرها من المبادرات التي نفذتها الدولة لتوفير حياة أفضل للشعب.

هذا جزء مما حققته الحكومة على مدار السنوات الماضية، وهو ما كان محل تقدير من الجميع، خاصة من البرلمان، وهو ما أكد عليه الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، الذى وجه الشكر والتقدير للحكومة المستقيلة "لما بذلته من جهود في ظل فترة شهدت العديد من الأحداث والمتغيرات والتحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتي كان لها بالغ الأثر في إظهار ما لدى هذه الحكومة من قدرات وإمكانات كما أنها كانت خير مثال للتعاون مع البرلمان المصري".

اليوم، ومع إعادة تكليف الرئيس السيسى، للدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة "كفاءات" جديدة، ومن ذوى الخبرات والقدرات المتميزة، يمكن القول أن ملامح هذه الحكومة وفق التكليف الرئاسي، تشير إلى تغيير كبير في تشكيلة الحكومة الحالية، المكلفة بتسيير الأعمال إلى حين الإعلان عن الحكومة الجديدة، ويكثر الحديث عن نسبة تغيير تفوق الـ70%، في ظل أن التكليف الرئاسي جاء محدداً بمهما معينة، تدخل ضمن اختصاصات وزارات متعددة، بما يفيد أن التغيير سيطال هذه الوزارات.

وفى البداية، فإن الرئيس السيسى، حدد للحكومة الجديدة 8 تكليفات واضحة، وهى:

- الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية

- وضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات خاصة في الصحة والتعليم

- مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية

- تطوير ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه

- تطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل وترسيخ مفاهيم المواطنة

- مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي وزيادة الاستثمارات المحلية وتشجيع نمو القطاع الخاص

- الحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق

- تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات.

من واقع هذه التكليفات، يمكن فهم البيان أو خطة عمل الحكومة الجديدة، وهى الخطة المرتبطة أيضاً، بخطاب الرئيس السيسى، الذى القاه في الثانى من إبريل الماضى، أمام مجلس النواب، بعد أدائه اليمين الدستورية، لولاية رئاسية جديدة، والذى أكد خلاله تجديد العهد مع المصريين على استكمال مسيرة بناء الوطن وتحقيق تطلعات الأمة المصرية العظيمة فى بناء دولة حديثة ديمقراطية، متقدمة فى العلوم والصناعة والعمران والزراعة والآداب والفنون، محدداً ما اسماه الرئيس السيسى ملامح ومستهدفات العمل الوطنى.. خلال المرحلة المقبلة وهى:

أولا: على صعيد علاقات مصر الخارجية أولوية حماية وصون أمن مصر القومى فى محيط إقليمى ودولى مضطرب، ومواصلة العمل على تعزيز العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف فى عالم جديد تتشكل ملامحه، وتقوم فيه مصر بدور لا غنى عنه لترسيخ الاستقرار، والأمن، والسلام، والتنمية.

ثانيا: على الصعيد السياسى استكمال وتعميق الحوار الوطنى خلال المرحلة المقبلة، وتنفيذ التوصيات التى يتم التوافق عليها على مختلف الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها فى إطار تعزيز دعائم المشاركة السياسية والديمقراطية خاصة للشباب.

ثالثا: تبنى استراتيجيات تعظم من قدرات وموارد مصر الاقتصادية، وتعزز من صلابة ومرونة الاقتصاد المصرى فى مواجهة الأزمات مع تحقيق نمو اقتصادى قوى ومستدام ومتوازن، وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسى فى قيادة التنمية، والتركيز على قطاعات الزراعة، والصناعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة، وزيادة مساهمتها فـى الناتـج المحلـى الإجمالـى تدريجيـا، وكذلك زيادة مساحة الرقعة الزراعية والإنتاجية للمساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى لمصر، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، لتوفير الملايين من فرص العمل المستدامة، مع إعطاء الأولوية لبرامج التصنيع المحلى لزيادة الصادرات ومتحصلات مصر من النقد الأجنبى.

رابعا: تبنى إصلاح مؤسسى شامل يهدف إلى ضمان الانضباط المالى وتحقيق الحوكمة السليمة، من خلال ترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات العامة، والتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام وكذلك تحويل مصر لمركز إقليمى للنقل وتجارة الترانزيت والطاقة الجديدة والمتجددة، والهيدروجين الأخضر ومشتقاته، إلى جانب تعظيم الدور الاقتصادى لقناة السويس.

خامسا: تعظيم الاستفادة من ثروات مصر البشرية من خلال زيادة جودة التعليم لأبنائنا، وكذا مواصلة تفعيل البرامج والـمبادرات الرامية إلى الارتقاء بالصحة العامة للمواطنين، واستكمال مراحل مشروع التأمين الصحى الشامل.

سادسا: دعم شبكات الأمان الاجتماعى وزيادة نسبة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وزيادة مخصصات برنامج الدعم النقدى "تكافل وكرامة"، وكذلك إنجاز كامل لمراحل مبادرة "حياة كريمة" التى تعد أكبر المبادرات التنموية فى تاريخ مصر، بما سيحقق تحسنا هائلا فى مستوى معيشة المواطنين فى القرى المستهدفة.

سابعا: الاستمرار فى تنفيذ المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية واستكمال إنشاء المدن الجديدة من الجيل الرابع، مع تطوير المناطق الكبرى غير المخططة واستكمال برنامج "سكن لكل المصريين"، الذى يستهدف بالأساس الشباب والأسر محدودة الدخل.

ومن ينظر لهذه المهام ومن قبلها التكليفات الرئاسية للحكومة الجديدة، فسيجد ان الرئيس السيسى، بجانب تركيزه على الجانب الاقتصادى والسياسى، والحفاظ على الأمن القومى، فإنه يولى أهمية خاصة بقضية بناء الإنسان المصري، وهنا الأمر مرتبط بالصحة والتعليم والسكن والرياضة، وكل ما له دور في توفير حياة كريمة للمصريين، وتخريج أجيال قادرة على حمل راية الوطن، وهو الهدف الذى يسعى له دوماً الرئيس السيسى، في كل خطوة يخطوها.

ويؤكد الواقع أن الحكومة الجديدة ستكون امام مهام شديدة الصعوبة، أولاً لتكليف التوجيهات والتكليفات الرئاسية، التي تحدد خطة عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن التعامل مع الأزمات الأقليمية المتلاحقة والتي تلقى بظلال كثيفة على الوضع الداخلى.

كما ان الحكومة المقبلة، سيكون عليها التفاعل بشكل كبير مع مخرجات الحوار الوطنى في فروعه الثلاثة "السياسى والاقتصادي والمجتمعى"، ومن هنا يمكن فهم استقراء الدولة لأراء الأحزاب والقوى السياسية وأعضاء الحوار الوطنى في شكل الحكومة الجديدة، لان الدولة تسير وفق خطة وواضحة، وهى فتح المجال أمام الجميع للأدلاء بالرأى والنقاش، واختيار الأنسب منها، وهو ما فعلته الدولة خلال الأشهر الماضية، حينما طلب الرئيس السيسى من الحكومة الاهتمام بمخرجات الحوار الوطنى، والعمل على تنفيذها.

ومن واقع قراءة تصريحات الأحزاب السياسية، في أعقاب إعادة تكليف الدكتور مدبولى بتشكيل الحكومة الجديدة، سنجد انها جميعاً تصب في اتجاه واحد، وهو ان الهدف من إعادة التكليف ليس  تغيير أسماء فقط، بل تغيير السياسات من خلال التركيز على محاور أساسية وضع خطوطها الرئيس السيسي، وتشمل بناء المواطن صحيًا وتعليميًا وثقافيًا مع الحفاظ التام على الهوية الوطنية المصرية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات والرقابة على الأسعار وضبط الأسواق.

ومع تأكيد الأحزاب والقوى السياسية على أن حكومة مدبولى المستقيلة، أدت دورها باتقان شديد في ظل أوضاع شديدة الصعوبة، لكنهم جميعاً، يعولون على أن تقدم الحكومة أفكارًا خارج الصندوق لتحقيق النمو الاقتصادي، ومواجهة كافة التحديات التي تواجه الدولة، خاصة في ظل التكليف الرئاسي بأن تضم الحكومة الجديدة الكفاءات وأصحاب الخبرات والقدرات المتميزة؛ لتنفيذ استراتيجية الدولة نحو البناء والتنمية، وبما يدعم بناء الإنسان ورؤية مصر 2030 وبناء الجمهورية الجديدة.

لكل ذلك فإن كل المؤشرات تؤكد ان الحكومة الجديدة ستكون أمام مهمة صعبة، ولكن ليست مستحيلة، وصعوبتها تكمن في متوالية الأحداث الدولية غير المتوقعة، والتي تؤثر على المسار الاقتصادى، وتحتاج إلى مرونة في التعامل والتعاطى معها، وهو ما يحتاج إلى قيادات وزارية لديها القدرة على التعامل، والتخطيط والتفكير السريع، وهو ما نتوقع من الدكتور مصطفى مدبولى أن يضعه في اعتباره وهو يختار التشكيلة الحكومية الجديدة.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق