المواطن فاهم..

يوسف أيوب يكتب: المصارحة المطلوبة في ملف الدعم

السبت، 01 يونيو 2024 10:00 م
يوسف أيوب يكتب: المصارحة المطلوبة في ملف الدعم

«الناس لو فهمت هتكون سند قوى»..

الدولة استطاعت بالمكاشفة وتشغيل قنوات التواصل الشعبى عبر الإعلام بناء جدار صلب من الثقة مع المواطنين

رئيس الوزراء يبدأ المصارحة بإعلان تفاصيل منظومة الدعم وضمان كيفية وصوله حقيقة لمستحقيه

الدولة لا تزال تدعم كل رغيف خبز بـ105 قروش رغم زيادة سعره إلى 20 قرشا

التزام حكومى بوجود الدعم خاصة فى السلع الأساسية التى تمس حياة المواطن.. وتوجيه الدعوة للحوار الوطنى لوضع تصور التحول من الدعم العينى إلى النقدى

مدبولى يكشف بالأرقام:

 • شغلنا الشاغل تقليص الفجوة الدولارية.. وأن تكفى مواردنا مصروفاتنا خلال 3 سنوات

 • 115 مليار جنيه تكلفة انتاج الخبز سنويا.. ونحصل مقابلها على 5 مليارات جنيه فقط

 •  60% من الغاز الطبيعى يذهب لاستهلاك الكهرباء.. وفاتورة الاحتياج تزيد سنويا

 • 140 مليار جنيه تخسرها الدولة سنويا بسبب سعر الكهرباء الحالى وأسعار توريد الوقود

 • سنظل ندعم أول ثلاث شرائح من الاستهلاك المنزلى.. وسنوقف تخفيف الأحمال بانتهاء التوقيت الصيفى

 • الفاتورة الشهرية لوزارة الكهرباء المفترض دفعها لوزارة البترول 15 مليار جنيه تدفع منها 4 مليارات فقط على قدر متحصلاتها

 • سيظل السولار حتى بعد 2025 مدعما.. ومنتجات البنزين ستعوض الفارق

 • فاتورة الدعم للعام المقبل ستصل إلى 636 مليار جنيه بزيادة 20% عن العام الجارى

 • خبراء نصحونا بالتحول لمنظومة الدعم النقدى وليس العينى وإعطاء مبلغ نقدى للمواطن

هل كان الوزراء فى انتظار توجيه رئاسى لإدراك دور الإعلام فى توصيل المعلومات للمواطنين؟ بالتأكيد الوزراء يدركون جيدا دور الإعلام، ويتابعون أحاديث الرئيس السيسى المتكررة عن أهمية توصيل كل المعلومات وتفاصيل المشروعات الوطنية، ووضع الصورة كاملة أمام كل المصريين، من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمرئى، بل إن الرئيس السيسى - منذ 2014 - وهو يسير على منهج واحد لم يبدله أبدا، هو منهج المكاشفة والمصارحة، فلماذا لا يسير الوزراء خلف الرئيس فى هذا الأمر؟

تفسيرات عدة ومبررات كثيرة يمكن أن يرتكن إليها الوزراء، لكنها ليست كافية، حتى وإن اعتبروا أنهم يؤدون دورهم من خلال بيانات يصدرونها على مدار اليوم، فالحقيقة أن الحياة ليست فقط بيانات، إنما هى شرح، وأرقام، وتفهيم، وكل فنون التواصل مع الجمهور المستهدف، وهو ما كنا نفتقده الفترة الماضية، وكانت النتيجة أن العبء كان يقع دوما على الرئيس الذى كان يستغل أى مناسبة أو فعالية ليتحدث باستفاضة عن المشروعات وأدق التفاصيل الخاصة بكل مشروع، وأيضا حجم التحديات وكيف نتغلب عليها، لدرجة أنه حينما تولى الرئيس السيسى المسئولية فى 2014، كان أول ما فعله أن صارح المصريين بحقيقة الوضع، مؤمنا بأن المواطن لو علم وعرف سيكون شريكا فى المسئولية، وهو ما حدث بالفعل، فالمواطن علم تفاصيل كثيرة من الرئيس، لذلك حينما راهن الرئيس فى مواقف عدة على الوعى الشعبى، ربح دوما الرهان، حتى فى أصعب الظروف، لأنه منذ البداية أشرك المصريين فى المسئولية من خلال إتاحة المعلومات أمامه.

ولعلنا نتذكر جميعا قرارات الإصلاح الاقتصادى الجرئية فى 2016، والتى كان وزراء فى الحكومة وقتها يتخوفون من ردة الفعل الشعبية عليها، لكن الرئيس كان الوحيد الواثق من تقبل المصريين لهذه القرارات، لأنه كان يراهن على الوعى الشعبى، وبالفعل حدث ما توقعه الرئيس، المصريين تقبلوا القرارات رغم صعوبتها وقسوتها، وهو أمر لازال الرئيس يذكره فى مناسبات عدة للتدليل أولا على أهمية الوعى، وثانيا لتوجيه الشكر للمصريين على صمودهم حتى فى أصعب الأوقات.

ربما يقول البعض أن الوزراء يخشون من المواجهة مع الشارع، أو أن المواجهة عن طريق الإعلام تؤثر على شعبيتهم، قد يكون ذلك صحيحا، لكن ألا يدرك هؤلاء أن رئيس الدولة نفسه قالها أكثر من مرة، أن الشعبية لا تهم إذا كان الهدف هو إنقاذ البلد، ألم تصل الرسالة جيدا لمن يعنيهم الأمر؟

الحقيقة أن الدولة تشهد على مدار اليوم افتتاح مشروعات قومية كبرى، وفى الوقت ذاته تواجه تحديات ومخاطر شديدة الصعوبة، لكن فى الوقت نفسه لا يجد المواطن من يشرح له تفاصيل ما يحدث، وهنا يبرز دور الإعلام، الذى يعول عليه الرئيس كثيرا، ويدرك أهميته وأيضا قدرته على أن يكون قناة نقل جيدة للمعلومة ولكل التفاصيل، لكن المهم أن يكون لديه المعلومة والتفاصيل، التى دوما ما ينتظرها من الرئيس وأحاديثه، بعدما فقد الأمل فى الحصول عليها من الوزراء او المعنيين.

هذا لا يعنى أن الكل سواء، فهناك وزراء كثر يتحدثون، وفى مقدمتهم رئيس الوزراء الذى فى كل مؤتمراته الصحفية يتحدث عن التحديات والمواجهة، ويمنحنا معلومات كثيرة، لكن العقبة أو المشكلة ليست فى إتاحة المعلومة فقط، إنما فى توقيتها وأيضا طريقة شرحها، وهو أمر شديد الأهمية لتوصيل الأمر بدقة للمواطن.

«خلوا الناس تعرف»

السبت الماضى، وخلال افتتاحه عددا من المشروعات التنموية بجنوب الوادى، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن الدولة تعمل على زيادة حجم الإنتاج فى المشروعات الزراعية، ووجه الرئيس السيسى حديثه المباشر للوزراء وقال لهم: «اتكلموا وقولوا الحكاية إيه للناس»، وفى الوقت ذاته طلب من المعنيين بالإعلام أن يتناولوا كل هذه الأمور بتفاصيل أكبر، مؤكدا أن «الناس لو فهمت هتكون سند قوى للدولة».

فى حديثه ضرب الرئيس السيسى مثالين، الأول حينما تحدث عن دعم الدولة لرغيف الخبز، وقال إن رغيف الخبز المدعوم الذى يشتريه المواطن بخمسة قروش يكلف الدولة جنيها وربع الجنيه، فبعدما كانت الدولة تدعمه بمبلغ يتراوح بين 20 إلى 30 مليار جنيه، أصبحت تدعمه الآن بنحو 120 إلى 130 مليار جنيه، مشيرا إلى أن رغيف اليوم إذا تم بيعه بسعر من 3 إلى 5 جنيهات، سيجد من يتحمل قدرة شرائه ولكن هناك آخرين لا يستطيعون شراءه، والدولة لا يمكن أن تتخلى عن هؤلاء.

الموضوع الثانى متعلق بدعم الكهرباء، وقال الرئيس السيسى «إننا لو أخذنا ثمن تكلفة الكهرباء الحقيقية سوف يتضاعف ثمنها مرتين، الأمر الذى سيؤثر على المواطن البسيط، لكن الدولة لا تفعل ذلك تخفيفا لأى أعباء عليه»، مؤكدا أن ما يدفعه المواطن مقابل استهلاكه للكهرباء أقل بكثير مما تتكبده الدولة من المشتقات النفطية اللازمة لتوليد الكهرباء.

وفى استكمال لشرحه، قال الرئيس السيسى إن هذا الكلام ليس وليد اليوم، وإنما هو ناتج عن ممارسات نسير عليها منذ سنوات، مشيرا إلى أنه كان قد تم إعداد خطة فى عام 2016 من أجل توفير السلع والخدمات بسعر التكلفة الحقيقية، لكن كان من الضرورى الوضع فى الاعتبار التحديات التى واجهتنا مثل أزمة كورونا والأزمة العالمية والحروب التى تحيط بنا وتأثيراتها على مصر، مؤكدا أن «مواردنا ليست كثيرة، وتسمح لنا إننا نقابل هذه التحديات بدون جهد ومن غير تحمل، وأنا أعيب على المعنيين حتى فى التقارير الصحفية والمقالات التى تكتب، فليس هناك من يتناول هذا الموضوع بشكل موضوعى،  إن الدول تدار بالجدية والمسئولية والفهم، ولو أن الناس فهمت ذلك ستقف بجانبك»، مشيرا إلى أن محطات الكهرباء موجودة، ومن الممكن أن تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، لكن عندما يريد وزير الكهرباء الحصول على الوقود لا بد من دفع فاتورته بعد دعم وزارة المالية له أيضا.

ووجه الرئيس السيسى حديثه للمصريين قائلا: «لا بد من أن تضعوا أيديكم فى أيدى بعضكم البعض وأن تتفهموا حجم التحديات الموجودة»، مشددا فى هذا الإطار على أن حديثه ليس عن زيادة منتظرة فى أسعار الكهرباء وإنما لإيضاح حجم التحديات والأعباء التى تتحمها الدولة فى سبيل تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، منوها أيضا إلى استمرار دعم الدولة للوقود.

ما قاله الرئيس السيسى صحيحا، فالمصريون اذا فهموا سيكونون أكبر سند ودعم للدولة فى كل قراراتها، أيا كانت درجة صعوبتها، لذلك فالمهم أن يدرك المسئولين قيمة الإعلام كما يدركها جيدا الرئيس السيسى، الذى لا يترك مناسبة إلا ويتحدث عن الإعلام ويدعو الحكومة للانفتاح عليه، وتنظيم زيارات وجوالات ميدانية على كل المشروعات سواء التى تم افتتاحها او تلك التى لاتزال فى طور التجهيز، لينقلوا الصورة كاملة للشعب، وفى الوقت ذاته، يتولى المسئولون شرح كل الأزمات والمشاكل للإعلام، مدعومة بالأرقام ليتولى الإعلام توضيحها للشعب، وهو دور الإعلام والجاهز دوما للقيام به.

الرئيس السيسى دوما لديه رغبة أن يكون الشعب والناس والإعلام حاضرين فى المشهد، ومطلعين على كل شىء، وما قاله السبت الماضى، يمكن اعتباره وضعا للنقط فوق الحروف فى العلاقة بين الحكومة والإعلام، ومسارا جديدا لهذه العلاقة، التى نراها مستمرة، لأن هدفها واضح هو الصالح العام للدولة.

الحكومة تتحرك وتبدأ المصارحة

بعد حديث الرئيس السيسى، بدأت الحكومة السير فى سياسة المصارحة مع المواطنين، وظهروا فى وسائل الإعلام، لشرح ما حدث وتحدثوا عما سيحدث مستقبلا، فوزير الكهرباء اعتذر عن تخفيف الأحمال، مؤكدا أنه جار حل هذه المشكلة حلا جذريا، ورأينا وتابعنا وزراء عدة على شاشات فضائياتنا، ومن الإسكندرية خاطب الدكتور مصطفى مدبولى المصريين بما يمكن تسميته حديث المصارحة الذى كنا فى حاجة إليه، وبعدها بيوم عقد مؤتمرا صحفيا أعلن خلاله زيادة سعر رغيف الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا من الأول من يونيو الجارى، موضحا أن المجلس ناقش منظومة الخبز المدعم، والذى لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 عاما، مشيرا إلى أن تكلفة رغيف الخبز 1،25 جنيه والدولة تبيعه بـ5 قروش.

فى مؤتمرى مدبولى بالإسكندرية والعاصمة الإدارية الجديدة، كانت هناك الكثير من التفاصيل المهمة والتى يمكن أجمالها فى النقاط التالية:

 • الدولة ستظل مُلتزمة بوجود الدعم، خاصة فى السلع الأساسية التى تمس حياة المواطن، وكل محاولاتنا تستهدف ترشيد هذا الدعم، حتى تتسنى لنا ك- دولة - استدامة تقديمه.

 • كل الخبراء الاقتصاديين الذين تحدثت إليهم وقابلتهم واستمعت منهم، يؤكدون أنه «لضمان استدامة منظومة الدعم ووصوله لمستحقيه لا سبيل لذلك إلا من خلال التحول من دعم عينى إلى دعم نقدى يمكن أن تستفيد منه الأسر المستحقة لهذا الدعم»، لهذا أؤكد من خلال هذا المؤتمر توجيه الدعوة من خلال آلية الحوار الوطنى وكل الخبراء للبدء فى مناقشات جادة جدا، تضع خطة واضحة للدولة وللحكومة إذا ثبتت جدوى هذا الموضوع، بكيفية التحول لمنظومة الدعم النقدى بدلا من الدعم العينى.

 • قيمة الدعم لن تظل ثابتة، بل بالعكس سوف تكون هناك معادلات سعرية مرتبطة بالتضخم وزيادة بعض الأسعار عالميا تُمكن الدولة من زيادة مبلغ هذا الدعم، بما يضمن استمرار استفادة المواطن من هذا الدعم ولا يتحول مع مرور الوقت إلى رقم قليل.

 • فى إطار قدرات الدولة المصرية تمكّنا على مدار العامين الماضيين من تحمل أقصى قدر ممكن، ولكن اليوم ينبغى ببساطة شديدة وبهدوء وتدرج؛ التحرك فى بعض السلع والخدمات لنكون قادرين على استدامة تقديم الدعم والخدمات بأفضل صورة مُمكنة للمواطن المصرى.

 • لم يتم تحريك سعر الخبز المُدعم منذ أكثر من ثلاثين سنة، وعلى مدار هذه الفترة تضاعَف سعر الخبز على الدولة عشرات المرات تقريبا، وبالتالى هذا الأمر حمّل الدولة أعباء مالية أصبحت مُتزايدة بصورة كبيرة جدا، وبالتالى كان كل هدفنا مجرد تقليص هذا الدعم بصورة قليلة.

 • الدولة لا تزال تدعم كل رغيف خبز بـ105 قروش، وهو ما يعنى أن الدولة ستتحمل 105 مليارات جنيه سنويا، مشيرا إلى أن كل ما تقوم به الحكومة فى هذا الشأن هو الترشيد قليلا من حجم الدعم المُلقى على عاتق الخزانة العامة للدولة، من أجل ضمان استدامة تقديم الخدمة والدعم.

 • نعى تماما كحكومة أن هذا الأمر قد لا يلقى قبولا، لكن هذا الملف شائك، وهناك عدد كبير من الحكومات كان يتحاشى أن تتحرك بصدده، إلا أننا اليوم ونحن نرى حجم فاتورة الدعم التى تتحملها الدولة، كان لا بد لنا من أن نتحرك بأقل قدر ممكن حتى نضمن استدامة الخدمة.

 • الدولة ستظل مُنحازة للفئات المستحقة للدعم، وسيظل الدعم قائما، ولدينا رغبة فى أن تكون هناك منظومة أكثر كفاءة واستدامة»، مشيرا إلى أن الحكومة لديها تصور لبدء التحرك فى بعض السلع والخدمات، وبدأنا فى هذا الصدد بالخبز المُدعم.

 • الدولة تركز حاليا على تقليص الفجوة الدولارية، التى كانت دائما هى المرض المزمن للاقتصاد المصرى، ودائما ما كان إجمالى فاتورة الاستيراد الخاصة بمصر أكبر من الصادرات، أو مواردنا أقل من استهلاكنا فى العملة الصعبة، ونتيجة لذلك مصر تتعرض كل فترة لأزمة اقتصادية، ونضطر لاتخاذ إجراءات لتحرير سعر الصرف، لأنه من غير تحقيق التوازن فيما يخص مواردنا من العملة الصعبة والاستهلاك، سيظل هذا التحدى قائما، لذلك فإن شغلنا الشاغل هو تحقيق هدف أن تكفى مواردنا مصروفاتنا خلال فترة زمنية فى حدود 3 سنوات.

 • إذا نحينا جانبا فاتورة المواد البترولية التى يتم استيرادها للوفاء باحتياجات الدولة، فنحن بالفعل نحقق توازنا فيما يخص مواردنا كدولة مقارنة بمصروفاتنا، ولكن تبقى معضلة فاتورة استيراد المواد البترولية.

 • الحكومة وضعت خطة - بمستهدفات وأرقام واضحة - تستطيع من خلالها فى الفترة المقبلة زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، وزيادة صادراتها وتقليل فاتورة الاستيراد من خلال حوكمة عملية الاستيراد، وبما يجنب مصر التعرض مرة أخرى لهذه النوعية من الهزات الاقتصادية.

 • مصر تُنتج 100 مليار رغيف مُدعم سنويا، تبيع الدولة الرغيف بـ5 قروش، ليكون إجمالى ما تتحصل عليه الدولة من هذه الكمية 5 مليارات جنيه فقط.

 • الدولة تُشجع استخدام القمح المُنتج محليا، وتحفز الفلاح للمصرى على توريد القمح، لتقليل فاتورة الاستيراد وخفض الضغط على الدولار، وجزء من التحفيز أن الدولة تزيد بصورة كبيرة جدا سعر توريد إردب القمح، والسعر فى موازنة السنة المالية الماضية، كان مقررا أن يكون 1100 جنيه للإردب، لكن واجهنا ظروفا اقتصادية عالمية، وتضخما، وأسعارا مرتفعة للقمح العالمى، حيث كنا نستورد قمحا بنحو 270 دولارا، قفز إلى 549 دولارا عالميا مع بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، وكانت فترات شديدة الصعوبة، لذا اتخذنا قرارا بحافز استثنائى للتوريد، أضفنا من خلاله مبلغ 400 جنيه، لينتهى موسم العام الماضى بأن يكون سعر توريد إردب القمح 1500 جنيه.

 • هذا العام بدأنا فى خطة الموازنة بسعر توريد 1250 جنيها كمقترح من وزارة المالية طبقا للأسعار والمستهدفات، وقبل بداية موسم الزراعة وبهدف التحفيز أعلنا زيادة سعر التوريد للإردب إلى 1600 جنيه، مع إعادة النظر قبل موسم الحصاد والاسترشاد بالأسعار العالمية، وذلك لأن كل هدفنا هو تشجيع الفلاح على التوريد للدولة لما يمثله هذا الأمر من أهمية، حيث يمثل إجمالى ما يتم توريده ما بين 35% إلى 40% تقريبا من احتياجات القمح للخبز المدعم فقط، وليس الخبز العادى، ثم رفعنا سعر التوريد من 1600 إلى 2000 جنيه، وبذلك نكون رفعنا السعر من 1250 جنيها إلى 2000 جنيه، ونحن الآن فى نهاية موسم الحصاد وأرقام التوريد جيدة جدا، واليوم يصل اجمالى ما تم دفعه للفلاح المصرى وباقى على انتهاء الموسم حوالى شهر تقريبا، ما يقارب 40 مليار جنيه، بخلاف القمح الذى يتم استيراده بالدولار لاستكمال احتياجات منظومة الخبز.

 • نحن نتحدث عن حجم دعم لرغيف الخبز يتخطى 100 مليار جنيه، ليصل إلى 110 أو 115 مليار جنيه دعما حقيقيا لرغيف الخبز، وبالتالى كانت الدولة حريصة خلال الفترة الماضية فى خضم الأزمة غير المسبوقة على عدم تحميل أعباء إضافية على المواطن، وبالتالى تحملت الدولة كل هذه الأعباء.

 • الدولة حريصة على أن تتحمل جانبا كبيرا من العبء، ولكن لا يمكنها تحمل ذلك للأبد، وبالتالى كان ضروريا الحديث عن أهمية أن يحدث تحرك فى سعر الخبز، من أجل تقليل الحجم الرهيب للدعم فى هذا القطاع وحده.

 • إنتاج الكهرباء يعتمد بصورة أساسية على الوقود التقليدى، وهو الغاز الطبيعى والمازوت، ومعه الطاقة الجديدة والمتجددة، ولدينا منها حصة ثابتة من السد العالى، كانت تمثل فى وقت ما الغالبية العظمى من احتياجات مصر، إلا أنه نظرا للنمو السكانى والعمرانى أصبحت تمثل أقل بكثير من 10% من إنتاج مصر من الطاقة الجديدة، حيث اتجهت الدولة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولديها خطط كبيرة فى هذا المجال.

 • الدولة لم تتمكن من التوسع فى ملف الطاقة المتجددة خلال السنوات الماضية، نظرا لتكلفة الإنتاج المرتفعة، إلى جانب أن هذه المشروعات ينفذها القطاع الخاص، باستثمارات خارجية، ويطلب من الدولة دفع مقابل هذه الخدمة بالدولار، ولذا كانت الدولة حريصة على ألا تنجرف فى مشروعات تُحملها فاتورة كبيرة، ومع انخفاض الأسعار حاليا، توسعت الدولة فى توقيع العقود فى قطاع الطاقة المتجددة، إلا أن أى مشروع يتم توقيع عقوده الآن يتطلب عامين أو ثلاثة أعوام ليدخل حيز التشغيل والإنتاج الفعلى.

 • فيما يتعلق بمسألة أسعار المحروقات التى تدخل فى إنتاج الكهرباء، فإن مصر لديها حجم محدد من المواد البترولية والغاز الطبيعى، وأكثر من 60% من الغاز الطبيعى الذى تنتجه مصر يذهب لاستهلاك الكهرباء، وتكلفة استخراج الغاز الطبيعى دون حساب أى أعباء أخرى يكلف الدولة حوالى 4.25 دولار للوحدة، ويتم إعطاؤه لوزارة الكهرباء لاستخدامه فى محطات الكهرباء بسعر 3 دولارات للوحدة.

 • توليد الكهرباء يحتاج أيضا إلى مازوت وكميات أخرى من الغاز حتى يمكن الوفاء باحتياجات الدولة التى تزيد كل عام، فكل عام هناك نسبة نمو سكانى كبيرة، والنمو السكانى تتم ترجمته إلى وحدات سكنية لتوفير السكن الملائم للمواطنين، كما تتم ترجمته إلى زيادة عدد المصانع لتوفير فرص عمل مناسبة للمواطنين، فضلا عن إنشاء مناطق ومدن جديدة لاستيعاب هذه الزيادة السكنية.

 • استهلاكنا من الكهرباء يزيد ولا يقل ولا يثبُت، وبالتالى فإن فاتورة احتياج الكهرباء من المواد البترولية تزيد كل عام، وتحاول الحكومة تسريع الخطى من خلال استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة لتعويض نقص الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدى، حيث إن العالم كله متجه حاليا إلى مصادر الطاقة النظيفة.

 • مشروع إنشاء المحطة النووية فى الضبعة يهدف فى الأساس إلى زيادة إمكانيات مصر من الطاقة النظيفة لتدخل ضمن باقة مصادر الطاقة فى مصر.

 • المازوت جزء منه مكون محلى، وجزء آخر يتم استيراده، ويتم إعطاؤه لوزارة الكهرباء بقيمة أقل ثلاثة أضعاف من قيمته الحقيقية.

 • الحكومة تتحمل أعباء كبيرة فى سبيل تلبية احتياجات الدولة المتزايدة، فعلى سبيل المثال، فى عام 2020/2021 كان متوسط سعر برميل البترول يبلغ 54 دولارا، وفى عام 2021\ 2022 عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية فى منتصف هذا العام، كان متوسط هذا السعر 92 دولارا للبرميل، حيث تحرك السعر من 54 إلى 92 دولار، وفى العامين التاليين تصل المتوسطات ما بين 85 إلى 87 دولارا، فهناك قفزة فى سعر برميل خام برنت بأرقام كبيرة جدا، وهذه نبذة عن حجم التحدى القائم.

 • هيئة البترول وشركات الكهرباء هى هيئات اقتصادية بالكامل فمن المفترض كونها هيئة اقتصادية على الأقل لا تحقق خسائر تتحملها الدولة، ولكن ماذا حدث؟.. ما حدث يمكن تذكره من فترة عندما قام وزير الكهرباء بوضع خطة تستهدف الوصول إلى رفع الدعم بشكل كامل خلال خمس سنوات، ثم فوجئنا بالصدمات العالمية العنيفة التى حدثت والتى يتحدث عنها ويئن منها كل العالم، وما استتبع ذلك من موجة تضخم كبيرة عالميا، وهو ما أدى إلى اختلال هذه المنظومة المخططة للكهرباء للوصول إلى صفر دعم بحلول عام 2023، وعندما بدأت هذه الأزمة الكبيرة فى الحدوث، كان من الطبيعى أن يتم تعديل الخطة ويتم زيادة الأسعار، ولكن ما حدث أننا اتخذنا قرارا فى خضم هذه الأزمة بتثبيت الأسعار على مدار عام ونصف العام، وخلال هذه المدة من تحمل الفاتورة؟ الدولة هى من تحملت الفاتورة بأرقام كبيرة جدا تم اقتراضها بالدولار وليس بالجنيه، فى وقت كانت فيه الفائدة على الدولار وصلت إلى 5.5% و6% و7% و8%، بدلا من 1% أو 2%، وهذا مثال لكى يعرف المواطن حجم ما تحملته الدولة فى الفترة الماضية، وقيمة تحمل فاتورة الدعم، وهو ما لم تتحمله أى دولة خلال هذه الفترة بحجم صدمات غير مسبوق كل عدة أشهر بصدمة جديدة.

 • لم تتخذ وزارة الكهرباء هذا الإجراء، ونتيجة لذلك قال وزير الكهرباء إنه وفق سعر الكهرباء اليوم وبسعر توريد الوقود المحدد من البترول، ستكون هناك خسائر تقدر بحوالى 140 مليار جنيه.

 • شركات الكهرباء هى شركات اقتصادية، ومن المفترض ألا تتدخل الدولة لدعم شركات الكهرباء، وإنتاج الكيلو وات/ساعة من الكهرباء يكلف الدولة نحو 223 قرشا كتكلفة لإنتاج الكيلو وات ساعة.

 • الدولة دائما ما تدعم أول ثلاث شرائح من الاستهلاك المنزلى، وسنظل ندعمها بصورة كبيرة جدا، والشريحة الأولى حاليا سعر الكيلو وات ساعة فيها 58 قرشا مقابل 223 قرشا التكلفة الفعلية على الدولة.

 • الفكرة فى الدعم المتبادل، من خلال تحميل الشرائح الأكثر استهلاكا أرقاما أعلى، وكذا الأنشطة الأخرى التجارية غير السكنية، والاستثمارية، كما يتم مراعاة القطاعات الصناعية، وهذه محددات، وأصبحت المشكلة أن الفاتورة الشهرية لوزارة الكهرباء المفترض دفعها لوزارة البترول، من أجل الحصول على المواد البترولية، هى 15 مليار جنيه، كفاتورة شهرية، تدفع الكهرباء منها 4 مليارات، على قدر متحصلاتها، وكان البديل هو ضرورة إيجاد حل لتدبير هذه الموارد، وهو ما قامت به الدولة على مدار الفترة الماضية.

 • مع زيادة معدلات الاستهلاك والاحتياج لموارد أكبر، كان أمام الدولة خياران، الأول رفع أسعار الخدمة بصورة كبيرة بعد عام ونصف العام من إيقاف زيادة الاسعار، ليتوافر لوزارة الكهرباء موارد تقدمها لوزارة البترول للحصول على المواد البترولية لتشغيل المحطات، ولكن الدولة لم تقم بذلك، وكان الحل الآخر هو الاضطرار لتخفيف الأحمال لساعتين أو ساعتين وربع التى تحدث حاليا، مؤكدا أن الدولة تشعر بمعاناة المواطن نتيجة هذا القرار، ولكنها فضلت عدم تحميل المواطن أعباء اضافية كما حرصت خلال العام ونصف العام التى لم تحرك فيها أسعار الكهرباء مراعاة لظروف ارتفاع أسعار السلع وتغييرها نتيجة أزمة الدولار، والسوق الموازى، حيث كانت السلع يتم تسعيرها بناء على أسعار الدولار فى السوق الموازى، ولم تكن بالإمكان زيادة الاسعار، وقبلنا كدولة أن نتحمل هذه الأرقام.

 • هذه الأرقام تعدُ دَينا، تسدده الدولة بفائدة، وكان هدف الدولة تقليل هذه الفاتورة، وخفض فاتورة الدين، والعودة للتوازن.

 • استجابة لردود أفعال المواطنين تجاه تخفيف الأحمال، والتى تحرص الحكومة على رصدها ومتابعتها، ومناشدتهم بوضع نهاية لانقطاع الكهرباء، فقد تم تكليف وزيرىّ الكهرباء والبترول، بوضع سيناريو واضح لكيفية وقف تخفيف الأحمال مع انتهاء التوقيت الصيفى، بحد أقصى شهر نوفمبر أو ديسمبر المقبل، وهذا الموضوع سيتطلب وجود موارد، لكى نستطيع جلب كميات المواد البترولية التى تُمكننا من أن نُحقق هذا المُستهدف.

 • تم تكليف وزير الكهرباء بإعداد خطة أخرى لمدة 4 سنوات، لكى يتم تدريجيا تحريك أسعار الكهرباء، بحيث تكون الفئات البسيطة دائما مدعومة بصورة كبيرة، ولكن على الأقل أن تبدأ بعض الأنشطة الاخرى فى تغطية هذا الفارق.

 • لا بد أن نتحرك حثيثا فى هذه الإجراءات، لإعادة الاستقرار إلى المنظومة من جديد، فالدولة لا يمكن أن تتحمل هذه الفاتورة المتزايدة من الدعم للأبد.

 • نجحت الدولة منذ تبنى برنامج الاصلاح الاقتصادى عام 2016 حتى وصلت فى 2021 إلى أنه لم يعد هناك دعم للمنتجات البترولية بخلاف أنبوبة البوتاجاز والمازوت الذى تستخدمه أفران الخبز المدعم، وسيظل بهما نوعٌ من الدعم، وكانت فاتورة الدعم وقتها 19 مليار جنيه، لكن مع حدوث الأزمة بدأت أسعار برميل النفط ترتفع، وصاحب ذلك الأزمة الاقتصادية، وتحريك أسعار الدولار، فأصبح لدينا عاملان مؤثران، سعر الدولار العالمى، وفرق السعر، والحل هو أن نرجع للوضع فى عام 2021 حينما كانت كل المنتجات البترولية قادرة على تغطية تكلفتها، والمشكلة دائما تكمن فى السولار لأنه يدخل فى تشغيل العديد من المجالات مثل ماكينات الرى والتروسيكل والسرفيس والميكروباصات وعربات النقل التى تقوم بنقل البضائع، لذلك فإن الحكومة تتحسب لزيادة قيمته، لأنها تدرك جيدا تداعياته على ارتفاع الأسعار.

 • قمنا بوضع خطة واضحة للعودة مرة أخرى لمرحلة التوازن بنهاية عام 2025 بطريقة متدرجة، حتى تمكننا العودة مرة أخرى للتوازن فى أسعار المواد البترولية، لكن سيظل السولار حتى بعد 2025 مدعما وليس بسعره الحقيقى، ولكن منتجات البنزين سوف تعوّض الفارق.

 • استهلاك الدولة وما تحتاجه من مواد بترولية وغاز طبيعى للوفاء باحتياجات دولة بها 106 ملايين مواطن يقدر بنحو 55 مليار دولار سنويا، وهذا ما تحملته الدولة خلال العام الماضى، واستطعنا تدبير 33 مليار دولار من تلك الفاتورة من الأرض المصرية، من خلال منتجاتنا من البترول، وهى أيضا تشكل تكلفة ولكن يتم سدادها بالجنيه وليس بالدولار، لكن اليوم 33 مليار دولار من المنتجات التى تخرج من أرض مصر تستهلك كاحتياجات للدولة، ويتبقى مبلغ 22 مليار دولار وهو فاتورة لأمرين هما: الأمر الأول مستحقات الشريك الأجنبى صاحب حق الامتياز والتنقيب فى حقل «ظهر» وخلافه من المشروعات، وهى مستحقات واجبة السداد، والأمر الثانى هو ما يتم استيراده من منتجات، لذا نحتاج لـ22 مليارا.

 • يبقى رقم الدعم الكبير جدا الموجود اليوم، الذى وصل إلى 155 مليار جنيه دعما للمواد البترولية فى موازنة العام المقبل، ونعمل على وضع خطة من الآن حتى ديسمبر 2025 نحاول من خلالها تحقيق التوازن إن شاء الله، ولكن حتى ذلك الحين يجب على الدولة أن تستمر فى الدعم، ونضطر إلى وضع هذا الرقم كدعم إضافى حتى نتمكن من تجاوز تلك الأزمة.

 • فاتورة الدعم للعام المقبل ستصل الى 636 مليار جنيه، بزيادة 20% عن العام الجارى المنتهى فى 30 يونيو الجارى، حيث مثلت تلك الفاتورة 530 مليار جنيه، وهذا يؤكد أن الدعم يزيد.

 • هناك آراء وجيهة تقول إن الدولة المصرية تحتاج إلى أن تتحول إلى منظومة للدعم النقدى وليس الدعم العينى، بمعنى إعطاء مبلغ نقدى للمواطن بحيث يُمثل ذلك المبلغ متوسط ما تتحمله الدولة من دعم له، وذلك بدلا من دعم رغيف الخبز والسلع التموينية وبعض الخدمات، وبالتالى تحصل الأسرة على الدعم النقدى لعدد أفرادها جميعا، لتلبى احتياجاتها بناء على ذلك وفقا لأولوياتها، أتابع هذه الآراء مع الخبراء فى هذا الشأن، واعتقد أنه على المدى المتوسط سيكون هذا الدعم هو الحل الحقيقى لمصر، بحيث تظل منظومة الدعم قائمة، ولكن تصبح أكثر حوكمة، ويكون مبلغ الدعم محددا ومعروفا، بل وقابلا للزيادة كل عام مع حدوث التضخم وفى ظل مؤشرات معينة، وسأحدد نهاية عام 2024 كمهلة حتى يصل هؤلاء الى تصور يفيد بما إذا كان الدعم النقدى هو النموذج الأفضل لمصر أم لا؟ وإذا كان هو الأفضل فما هى آليات تنفيذه، وإذا تم التوافق يمكن بدء التطبيق تدريجيا بدءا من العام المالى 2025/2026، ومصر تحتاج أن تتحرك فى تلك المنظومات كلها بثبات فى طريق إصلاح اقتصادى حقيقى.

الأرقام والتفاصيل التى قالها الدكتور مدبولى مهمة، لكى يعرف المصريون أين نحن الآن، وأين نقف، وكان من المهم أن يقولها، نعم جاءت متاخرة لكن المهم أنه قالها، أو كما أكد «مدبولى» نفسه: «أوضح تلك الأرقام الآن، حتى يدرك المواطن ما تقوم به الدولة فى إطار التحديات، وكيف تحاول وستستمر فى التخفيف من الأعباء قدر الإمكان».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق