القاهرة وبكين.. عقد ذهبي وتطلعات لمستوى أعمق من الشراكة الاستراتيجية

السبت، 01 يونيو 2024 09:00 م
القاهرة وبكين.. عقد ذهبي وتطلعات لمستوى أعمق من الشراكة الاستراتيجية
دينا الحسينى

- الاستثمارات الصينية وصلت لـ8 مليارات دولار.. والتبادل التجارى قفز إلى 13.9 مليار دولار فى 2023

تعد مصر من أوائل الدول العربية، التي أقامت علاقات استراتيجية وسياسية كبرى مع الصين، على مدار 68 عاما، منذ أن اتخذ قادة كل من البلدين قرارا استشرافيا بإقامة علاقات رسمية بينهما، وتحديدا فى 30 مايو 1956، وكان هذا التاريخ بداية انطلاق العصر الذهبى للعلاقات المصرية الصينية، التى شهدت تناغما دبلوماسيا على الأصعدة كافة، فبكين ترى فى مصر لاعبا رئيسيا ومؤثرا فى الشرق الأوسط، والشريك الأهم فى المنطقة.

تاريخيا، للصين حضارة عريقة، ولمصر أيضا حضارة عريقة، وكلتا الحضارتين تتشاركان فى زاويتين، الأولى هى أن الصين لم تقم ببناء الأهرامات، ولكن من ناحية أخرى بنوا شيئا مماثلا، وهو سور الصين العظيم، وبالتالى فإن الحضارتين متشابهتان إلى حد ما، أما الزاوية الثانية، فتتعلق بالعلاقات بين البلدين، وكانت الصين قبل الميلاد دولة تنتج كل سلع العالم، لكنها كانت تفتقر إلى صبغة الملابس التى اكتشفتها الحضارة الفرعونية القديمة فى مصر، ولذلك فإن أول سفير صينى جاء إلى القاهرة كان فى عهد الملكة كليوباترا للحصول على الصبغة الثابتة، ومن هنا كانت العلاقات بين البلدين مبنية على المصالح الاقتصادية المشتركة، والمنافع المتبادلة.

فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الصينى شى جين بينغ، توجت هذه الصداقة التاريخية بين البلدين بإطلاق حقبة جديدة من التعاون الاستراتيجى الشامل، وظهر ذلك من خلال تبادل الزيارات بين مسئولى البلدين، والتى كانت لها دلالات مختلفة، إذ زار الرئيس السيسى الصين 6 مرات، والتقى بالرئيس الصينى بينغ أكثر من ثمانى مرات أيضًا، ما يعطى تأملات ورسائل حول عمق العلاقات المصرية الصينية.

لا تتوقف العلاقات المصرية الصينية عند قضايا بعينها، إذ توجت العلاقة بينهما بشراكات اقتصادية مهمة، فبكين أكبر شريك تجارى لمصر فى السنوات العشر الأخيرة، ومنذ عام 2014، وقع البلدان أكثر من 65 اتفاقية ثنائية، ووصل حجم التبادل التجارى بينهما إلى نحو 16 مليار دولار بنهاية عام 2022بحسب تصريحات أحمد سمير، وزير التجارة والصناعة، خلال مشاركته فى فعاليات الاحتفال بالذكرى الـ74 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وفى العام الجارى، وصل حجم الاستثمارات الصينية إلى 8 مليارات دولار من خلال أكثر من 2600 شركة ذات المساهمة الصينية، فضلا عن قيمة تحويلات المصريين العاملين بالصين 19.5 مليون دولار خلال العام المالى 2022 /2023، مقابل 13.2 مليون دولار خلال العام المالى 2021 / 2022.

وذكر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى أحدث بياناته، أن حجم التبادل التجارى بين مصر والصين بلغ 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، موضحا أن حجم الصادرات المصرية إلى الصين بلغ 909 ملايين دولار خلال 2023، مقابل 1.9 مليار دولار خلال عام 2022، بينما بلغ حجم الواردات المصرية من الصين 12.9 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 14.8 مليار دولار خلال عام 2022.

وحول أهم مجموعات سلعية صدرتها مصر إلى الصين خلال عام 2023، أشار الجهاز إلى أن مصر صدرت «وقود وزيوت معدنية ومنتجات تقطيرها» بقيمة 414 مليون دولار، فيما بلغت صادرات مصنوعات من «أحجار وأسمنت» نحو 116 مليون دولار، مشيرا إلى أن قيمة الاستثمارات الصينية فى مصر، بلغت 956.7 مليون دولار خلال العام المالى 2022/ 2023، مقابل 563.4 مليون دولار خلال العام المالى 2021/ 2022 بينما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية فى الصين 208.4 مليون دولار خلال العام المالى 2022/ 2023، مقابل 126.5 مليون دولار خلال العام المالى 2021/ 2022 .

وبلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بالصين 19.5 مليون دولار خلال العام المالى 2022 /2023، مقابل 13.2 مليون دولار خلال العام المالى 2021 / 2022.

كل هذه الارتباطات الثنائية، تؤكد  تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فمصر، طوال تاريخها، لم تتم دعوتها لحضور قمة مجموعة العشرين، وكانت الدعوة الأولى للرئيس السيسى من نظيره الصينى بينغ فى مدينة هانغتشو فى سبتمبر 2016، وكانت مصر ضيف شرف قوى اختارته الصين من بين الدول المشاركة.

وعلى مستوى العلاقات السياسية، فإن العلاقات المصرية الصينية، تقوم على الاحترام المتبادل على مستوى قادة البلدين وشعبيهما، ودعمت الصين الشعب المصرى فى اختيار قيادته الوطنية خلال ثورة 30 يونيو 2013، وأعربت عن رفضها لأى تدخل خارجى فى الشئون الداخلية المصرية، كما تؤيد الصين خطوات مصر نحو التنمية الشاملة ومكافحة الإرهاب، لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، وفى المقابل، أكدت مصر التزامها بمبدأ الصين الواحدة ودعمها لسيادة الصين ووحدة أراضيها، ولعل هذه هى السمة الأهم التى تميز العلاقات بين البلدين، وهى موضع احترام وتقدير دولى وشعبى.

وبقراءة سريعة لمسار الأحداث على الساحة الدولية، نجد أن هناك فرصا واعدة فى مستقبل العلاقات المصرية الصينية، رغم تغير الواقع الدولى منذ الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولات ظهور عالم متعدد الأقطاب، بما فى ذلك التعاون فى مواجهة المشروعات العالمية الكبرى، مثل ممر التنمية، وفرص الاستثمار المستقبلية، التى يمكن أن تقدمها مصر للصين، والمبادرات التى يمكن أن تطرحها الصين بالتعاون مع مصر، وتعزيز التعاون الثنائى بين البلدين فى المجال الأمنى والقضائى، إمكانية التنسيق المشترك فى إدارة أو حل الأزمات العالقة فى فلسطين وليبيا والسودان وسوريا.

هذه الفرص الإيجابية، تصب جميعها فى مصلحة التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وفى مصلحة البلدين، وإذا نظرنا إلى مبادرة الحزام والطريق، نجد أنها تستحق أن تتوج بمبادرة القرن الحادى والعشرين، لأنها لن تكتمل قبل عام 2049، كما يتصور بعض الخبراء، وهى مبادرة مهمة للغاية لربط قارات العالم، رغم محاولات بعض الأطراف تسييسها، لكنها مبادرة تنمية فى المقام الأول، وتلعب مصر دورا محوريا من خلال قناة السويس والمنطقة الاقتصادية فى هذه المبادرة العالمية.

وأخيرا، يمكن القول إنه على الرغم من القفزات الهائلة التى شهدتها العلاقات المصرية الصينية، فإنه لا تزال هناك العديد من المجالات التى تتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين البلدين، لتحفيز التعاون والتبادل الثنائى، وإجراء حوار فعال ومستدام بين مجتمع الأعمال فى البلدين الصديقين، بهدف استكشاف المزيد من الفرص الاستثمارية فى المجالات الواعدة التى تدعم التحول الأخضر، بما فى ذلك الطاقة المتجددة، وأنشطة البحث العلمى، ونقل تكنولوجيا الصناعات الدوائية، والتوصل إلى اتفاق يضمن دخول مصر إلى سلاسل الإنتاج الصينية، خاصة بعد إعلان الرئيس الصينى نيته إنشاء مراكز لوجستية وفروع لكبرى شركاتها الصناعية فى المنطقتين العربية والأفريقية.

ومن الضرورى أن تقوم وزارة المالية المصرية بالإسراع فى تفعيل بنود اتفاقية 2016 الموقعة بين مصر والصين لإصدار سندات مصرية بـ(اليوان) الصينى فى البنوك المحلية فى إطار تنويع مصادر التمويل، وجذب الاستثمارات التنموية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق