المؤلف يسرى الجندى يفتح قلبه لـ«صوت الأمة».. السيسى محاصر داخل دائرة من اعداء ثورة 25 يناير.. مبادىء الثورة لم تتحقق لأن الحكومة لا تمتلك رؤية.. الرئيس فشل في القضاء على الفساد بإستخدام شعبيته
الثلاثاء، 02 فبراير 2016 06:38 ص
"النوستالجيا" كلمة استخدمها الشعب اليونانى القديم فى وصف الحنين الى الماضي، وقبل عام تقريبا بدا المصريون يستخدمون هذا المصطلح، ويحققوه بقوة على مستوى الدراما تحديدًا.. فمع حالة الخواء الفكرى الموجودة حاليا وعجز الكثير من مؤلفى الدراما الصاعدين فى إشباع مشاعر الجمهور، بدا هذا الجمهور يبحث عن البديل ولم يجد خير من اعمال التسعينات ليستدعيها بما فيه من حنين وشجن، لتثبت هذه الحقبة أنها الوحيدة التى حظت بتقديم دراما تهز الوجدان.
ويعد الكاتب الكبير يسرى الجندى، أحد الذين قدموا لنا اعمالا هامة فى تلك الفترة مثل "علي الزيبق" وصاحب السيناريو والحوار لمسلسل "حارة المواردي"، وهو كاتب "السيرة الهلالية بأجزائها الثلاثة، وجمهورية زفتى، والتوأم، وجحا المصري، والطارق، وناصر، وسقوط الخلافة، وخيبر، وسامحوني ماكانش قصدي، ومن أطلق الرصاص على هند علام" وجميعها من أعمال الدراما الرمضانية المميزة والتي لاقت نجاحا جماهيريا أثناء عرضها كما كتب لرمضان أيضا "فوازير ألف ليلة وليلة، معروف الإسكافي، والشاطر حسن، وعلي بابا والأربعين حرامي".
بل زاد الجندى عن أبناء جيله من المؤلفين، بأنه اهم من قدموا التراث الشعبى للجمهور عبر الدراما التليفزيونية، بإطار يحمل رؤى سياسية بالغة الدقة، فإما ان يكون طرحه يحاكى الواقع عبر أزمنة ماضية، كإسقاط سياسى، أو عملًا يتوقع ما يحدث فى المستقبل وهو ماحدث كثيرًا.
ووسط كل الغث الذى يقدم الآن، إختفى المؤلف يسرى الجندي، وأعماله واكتفى بمقال اسبوعى بالزميلة "الاخبار"، وهذه مساحة تواجد حتى وإن كانت ترضيه، ولكنها لا تناسب بكل حال من الاحوال، جمهور الكاتب والمفكر الكبير الذى تعمد الإختفاء طوعًُا وطالت غيبته لذا كان لنا معه هذا الحوار فى العديد من القضايا.
كنت من قادة الصف الأول، لدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل ثلاثة أعوام، فلم إختلف الوضع الآن؟
نعم كنت من الاوائل الذين اعلنوا ترحيبهم ودعمهم للرئيس السيسى، وكان هذا عام اغسطس عام 2013، وكان مع هذا الترحيب وجود بعض التحفظات، وأهمها وضع الاسس السليمة للدولة، وهنا تكمن المشكلة التى جعلت السيسى يتعثر.
هل تقصد أن خطى الرئيس السيسى، رغم أنها حميدة إلا أنها على نفس أسس النظم السابقة البالية ؟
لا أقصد هذا، اقصد ان هناك مبادىء لثورة 25 يناير 2011، خرج من أجلها الناس وثاروا من أجلها، وهى مبادىء أراها بسيطة وواضحة، وهى " عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة انسانية"، وكان يجب ان تترجم هذه المبادىء، الى نهج وخارطة طريق حقيقية، ولا أقصد خارطة الطريق التى تتمثل فى ثلاث مراحل نعبر للبرلمان، اقصد ترجمة هذه المبادىء والاهداف لبرنامج عمل واضح، عبر المطالب التى خرجت من اجلها الناس فى ثورة وهذا لم يحدث.
وما اثر ذلك من وجهة نظرك على الرئيس والدولة ؟
الاثر واضح للغاية وهو تآكل شعبية الرئيس تدريجيًا، وهذا واقع لابد من الاعتراف به، وليس معناه عداء الرئيس، ولكن محصلة لنهج إبتعد عن تحقيق الاهداف التى يريدها الشعب الذى اوكل للرئيس السلطة لتحقيقها وهى اهداف ثورة 25 يناير والتى لم تتحقق وتعثرت
يرى الكثيرون ان وجهة نظرك، وغيرك ممن يؤمنون بها فيها تعجل للنتائج، رغم أن الرئيس لم يكمل العامين على راس السلطة المصرية، وربما المح الرئيس السيسى نفسه بأن هناك تعجل فى النتائج لا يتوافق مع فترة وجوده فى منصبه كرئيسًا للجمهورية؟
سأصل معك لابعد من ذلك، حينما قال الرئيس مصارحًا الشعب بأنه تسلم البلد "خرابة"، وبالفعل هو تسلم تركة ثقيلة جدًا، ولكن هذا لا يمنع أن أقوم بالإصلاح وفق الخريطة، التى خرج من أجلها الناس، وبتلك الأولويات "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة انسانية" فهذا لم يتحقق، وما يحدث الآن، ان هناك اختيارات خاطئة للغاية تبتعد وتزيد بالفجوة بين النظام والناس.
بماذا تقصد وعلى اى مستوى ان الاختيارات خاطئة ؟
اختيارات الحكومات المتعاقبة خاطئة للغاية، وهى الجهاز التنفيذى للدولة والذى لم يحقق اى شىء يذكر من المنشود، والحقيقة أن الاختيارات غريبة للغاية، منذ تولى السيسى للسلطة فلم يأت بحكومة تلبى اى شىء من مطالب الناس، وأنا لا أقصد المطالب اليومية، فأنا أعني أهداف ثورة 25 يناير 2011 البسيطة وخاصة العدالة الاجتماعية، والتى لم يتحقق منها أي شىء حتى الآن، ولكن على جانب آخر، نجد أنه بعد قيام ثورة يوليو 1952 بعدة أيام، أطلق عبد الناصر قانون الإصلاح الزراعي، وأطلق كذلك قوانين تحمي العمال، فتوجه للعدالة الاجتماعية، التى كانت سند شعبيته الحقيقى وهذا لم يحدث حتى الان بعد ثورة 25 يناير.
ولكن حديثك الان لا يتسق مع اعلانك ترحيبك بالسيسى كرئيس للدولة ؟
لا هو يتسق جدًا فى ظل معطيات لم تتحقق ومبادىء للثورة لم تلتزم بها الدولة، وبالفعل كنت من الداعمين للسيسى جدًا، لأننا كنا مقيدين بالظرف، فالثورة كانت مختطفة، والاخوان بدأوا يبيعوا سيناء وهوية الشعب المصرى، كانت مهددة، فكان وجود السيسي وقتها يذكرنا بعبد الناصر، وإلتفت الناس حول السيسى وقتها، كما فعل ناصر والغرب "اترعبوا من ذلك وعملوا له الف حساب"، ولكن ناصر كان فى ظروف أصعب، ورغم ذلك حقق السند الحقيقى فى استمرار ثورة 23 يوليو، وهو العدالة الاجتماعية من خلال عدة قوانين صدرت بشكل سريع للغاية، عقب الثورة وهو ما لم يحققه السيسى فى حكمه قرابة العام والنصف.
كيف تقول ان التركة ثقيلة على الرجل، ولا تلتمس له الاعذار فى وطن تسلمه خرب، كما إعترفت أنت، ألا ترى أن هناك تناقضًا بعض الشىء فى الامر؟
ومن قال ذلك بل انا مقدر للغاية لجهوده، ولكنى كنت قد حذرت منذ فترة ان الرجل الذى تفائلنا به، وهو السيسى سيواجه أعباء ثقيلة للغاية، ولن يقدر وثبتت صحة وجهة نظرى فللأسف إلتف عليه بسرعة من هم معادون، فى جوهر فكرهم وسلوكهم لثورة 25 يناير، وهم نفس الناس الذين يرتبوا للهجوم المستمر على تلك، فتلك القوى توحشت للغاية وتغولت مع مبارك مما ادى لسقوط نظامه، وخرج الشعب وحدد أهدافه التى ضاعت بسبب المحيطين بدولاب السلطة كلهم معادين، ومن جانب آخر نجد أن أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة تخلو مفاصلها من كوادر الفلول، أو المتطرفين كما أن الجهاز الحكومى ليس لديه توجه سياسى، وهذه كارثة ان تغيب الرؤية عن الحكومة بعد ثورة فى حجم 25 يناير، فهل لك أن تتقبل وزير يخرج على الناس ويعلن انه ليس سياسي، هذه مصيبة، وبالفعل فإن الحكمة الحالية على سبيل المثال ليس بها سوى وزيران يفهمان فى السياسة، وهما منير فخرى عبد النور، وحلمى النمنم، ولكنهما فى دولاب "خربان" لحكومة لا تملك رؤية، فهم لا ينفذون قرارت الرئيس، ويخسفوا بها الارض، كما أن قراراتهم كلها عشوائية، حتى الامل الخاص بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، أجهضوه والى الآن قوانين الإستثمار لم تنطلق، وهناك الكثير من رجال الأعمال هربوا للإستثمار فى دول أخرى، ومازال العفن القديم موجود وهذه كلها عوامل ضد الرئيس السيسي، الذى أرى أنه يعمل بمفرده فى مصر، ولكن عليه أيضا أن يصدر قرارات سياسية صارمة تجاه كل المعوقات، وخاصة الفساد الذى فوجىء به الرئيس نفسه ويشكو منه.
هناك بعض من يريد أن يكون الإصلاح تدريجيًا، وليس مفاجئًا حتى لا تنهار الدولة، ويكون الإحلال والتجديد مقبولًا، وربما تكون هذه وجهة نظر منطقية لحد كبير؟
معك ومع وجهة النظر التى طرحتها، ولكن حتى هذا التدريجى لم نراه او نشعر به، فالفساد خلق معركة مع هشام جنينة، وانا لا اعرف هذا الرجل، ولكن الواضح بشدة أنه يكشف فساد ونفس القوى التى تسببت وتحكمت فى الفساد، هى التى تشن عليه هذا الهجوم الكاسح، والتى لا تريد ان يكشفها أحد، وهذه كارثة فلو انت سألت الناس فى الشارع: هل تشعرون بالفساد؟ سيكون الرد: ىمال هو احنا بنشحت ليه، ومش لاقيين ناكل ليه؟ ولماذا زاد خط الفقر زاد؟، ولو نظرت للتاريخ ستجد أن ثورة يوليو كانت أسرع كثيرًا فى إتخاذ مواقف مع "الغلابة"، ومع تحقيق حياة كريمة لهم، فالأمر كما قلت يحتاج قرارات سياسية صارمة، وانا حزين أن الرئيس لم يستغل الظهير الشعبى المساند له كما ينبغى فى ذبح الفساد.
وما الحل من وجهة نظرك ؟
انا لا أشكك إطلاقا فى وطنية الرئيس، ولكن المؤكد والواضح للجميع، أنه يختار معاونون له لا يصلحوا لأى شىء، واختياراته سيئة، وحينما تنظر للنهضة الصناعية فى مصر ستجد أن عبد الناصر لم يقم بها بمفرده، بل كان هناك قرار ثم إختيار جيد لكوادر تخدم القرارات الصادرة، مثل عزيز صدقى وغيره وكان هناك توجه واضح أثر لنتيجة، ولكن التوجه الآن غائب فالرئيس محاصر داخل دائرة من المعادين لثورة 25 يناير، لذا أعلن خيبة أملى فى حدوث التغيير الذى كان يتمناه المصريين، ولكن الرئيس مازال يستطيع أن يفعل ذلك، وعليه أن يفعل.