اللي بنى مصر.. لطيفة النادي: كابتن طيار طارت بأحلام المصريات للسماء (الحلقة الثالثة)
السبت، 25 مايو 2024 08:00 ممحمد الشرقاوى
- تعلمت الطيران فى 67 يوما فقط وقادت الطائرة «جيبت موث» وطارت بمفردها 13 ساعة لتصبح ثانى امرأة عالميا وأول مصرية وعربية وأفريقية تقود طائرة منفردة
- الرئيس السيسى كرمها بإطلاق اسمها على أحد المحاور الرئيسية بالقاهرة الكبرى تخليدا لذكراها وتقديرا لما قدمته فى خدمة الدولة المصرية
- الرئيس السيسى كرمها بإطلاق اسمها على أحد المحاور الرئيسية بالقاهرة الكبرى تخليدا لذكراها وتقديرا لما قدمته فى خدمة الدولة المصرية
يزخر تاريخ مصر الحديث ببناة النهضة والحضارة، أحفاد بناة الأهرامات، أولئك الذين كتبوا بآمالهم تاريخا جديدا، حملوا الرسالة كالأنبياء، ورسموا طريقا للمستقبل، نراهم ونعرفهم وكأنهم بيننا الآن، صورهم على جدران المؤسسات الوطنية، وأسماؤهم على لافتات الميادين العامة والمدارس والمؤسسات، والمحاور، والمدن أيضا.
نشأ بناة الحضارة الجدد بيننا، وعاشوا خفافا على مقربة منا، فى بيوتنا، وفى حارتنا، وهذه القرية المجاورة، وتلك البعيدة، أتقنوا تخصصاتهم، حتى صاروا آباء لها، ونحن فى «صوت الأمة» وضمن سلسلة «اللى بنى مصر» نكتب للتاريخ، ولهذه الأجيال، نحيى فيهم الأمل، ونخط لهم مسارات المستقبل.
فى العشرينيات من عمرك بإمكانك صنع أى شىء، فعنفوان الشباب يدفعك، وطاقتك للانطلاق كبيرة، حتى لو وصل الأمر لتحدى المستحيل - من وجهة نظر العصر - لكن أن تصبح مثالا يحتذى به على مدار السنين هو أحد المستحيلات، كذلك هى لطيفة النادى.
لطيفة هى أول امرأة مصرية وعربية أفريقية تقود طائرة، وتحصل على إجازة الطيران، ولدت فى القاهرة فى 29 أكتوبر 1907، حصلت على الرقم 34 من خريجى مدرسة الطيران بالمملكة المصرية، سبقها 33 طيارا من الرجال، وهى الفتاة الوحيدة لتحصل على لقب وظيفة كابتن طيار.
عرف التاريخ لطيفة بشجاعتها وإصرارها على تحقيق حلمها فى الطيران، رغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التى واجهتها فى ذلك الوقت.
نشأة الأيقونة
فى 29 أكتوبر 1907 ولدت لطيفة، لأب يعمل موظفا بالمطابع الأميرية وكان يرى أن تعليم البنت يجب أن يتوقف عند الشهادة الابتدائية فقط، لكن الأم السويسرية أصرت على ضرورة استكمال فتاتها للتعليم، وقد كان.
تقول لطفية النادى، لمجلة العروسة فى عدد خاص عنها: «كنت طالبة بالأمريكان كوليدج وقرأت يوما عن تأسيس مدرسة لتدريس الطيران ولن ينشر الإعلان قصر الدراسة على الرجال فقط، وسألت نفسى: لماذا لا أتقدم للدراسة بمدرسة الطيران ويكون لى شرف أن أكون أول فتاة تدرس الطيران وتحترفه».
وتابعت: «لقد رفض والدى أن امتهن الطيران، وفى الوقت ذاته كنت لا أملك نقودا لدفع رسوم الدراسة، فلجأت إلى الكاتب الصحفى أحمد الصاوى محمد صاحب عمود «ما قل ودل» بجريدة الأهرام، وقلت له «عاوزة أتعلم طيران» فقال لازم موافقة الأهل، فاصطحبت أمى التى شجعتنى إلى الأستاذ أحمد الصاوى محمد لتخبره موافقتها على التحاق ابنتها بمدرسة الطيران بشرط عدم دفع مليم واحد، حيث إنها لا يمكنها إخبار والدها بالأمر، فاعتذر الأستاذ الصاوى عن المساعدة واشترط موافقة الوالد.
تكمل لطفية: «طرقت جميع الأبواب ثم ذهبت إلى الأستاذ كمال علوى مدير عام مصر للطيران وعرضت عليه الأمر فرحب بالفكرة لتكون فاتحة خير لالتحاق أخريات بمدرسة الطيران وتكون دعاية جديدة وطيبة للمدرسة بالتحاق فتيات بها، واقترح أن أعمل موظفة فى مدرسة الطيران وتسدد رسوم الدراسة من المرتب وأصدر قرارا بأن أعمل عاملة تليفون وسكرتيرة بالمدرسة، وبالفعل واظبت على العمل وكانت الدراسة يومين فقط فى الأسبوع حتى حصلت على إجازة الطيران وعمرى 21 عاما».
غادرت لطفية النادى وهى فى السادسة والعشرين من عمرها لتحقق حلمها بالطيران بمفردها، ونشرت الصحف هذا الخبر بالصور التى أزعجت والدها، وأخذها على متن طائرة وحلّق بها فوق القاهرة والأهرامات لإرضائه. وسرعان ما أصبح من أكبر المعجبين بها، وقالت عنه عندما كانت صغيرة: «لقد كان خائفا جدا منى، وأضافت: «لا تريد أن تكون متعجرفا بعد أن أصبحت أول فتاة مصرية تتعلم الطيران، لا تتصرف مثل إيمى جونسون، التى نشأت مع والديها بعد أن أصبحت طيارا».
بداية الإنجاز والظهور
بدأت لطيفة حياتها العملية سكرتيرة فى مدرسة الطيران، وما أن سنحت لها الفرصة، تعلمت الطيران فى 67 يوما فقط، وقادت الطائرة ماركة «جيبت موث» الخفيفة ذات المحرك الواحد، وطارت بها بمفردها مدة 13 ساعة لتصبح ثانى امرأة عالميا وأول مصرية وعربية وأفريقية تقود طائرة منفردة بعد صديقتها إميليا هارت.
ولم تتوقف عند الحصول على رخصة الطيران، بل استمرت فى تحقيق العديد من الإنجازات فى هذا المجال، أصبحت مدربة طيران فى مدرسة مصر للطيران، حيث دربت العديد من الطيارين الجدد، وأسهمت فى نشر ثقافة الطيران بين النساء فى مصر.
قام نادى الطيران بدعوة مؤتمر الطيران الدولى للانعقاد فى مصر ليناقش أحوال الطيران وقوانينه ولوائحه، ثم يقوم بامتحان مهارات الطيار ومدى كفاءته واشترك فى هذا السباق 62 طيارا من مختلف الجنسيات بطائراتهم الخاصة وكان منهم مصريان أحمد سالم ومحمد صادق. شاركت لطفية فى الجزء الثانى من سباق الطيران الدولى وهو سباق سرعة بين القاهرة والإسكندرية.
وبدأ السباق فى 19 ديسمبر 1933 وخلال هذا السباق تربعت لطفية على طائرة من طراز جيت موث الخفيفة بمحرك واحد ومتوسط سرعة 100 ميل فى الساعة، وكانت أول من وصل إلى نقطة النهاية رغم وجود طائرات أكثر منها سرعة، ومع ذلك فازت لطفية النادى بالمركز الأول فى سباق الإسكندرية، ولكن تعسف لجنة التحكيم التى كان معظمها إنجليز سحبوا منها النتيجة بحجة أن الطائرة لم تمر إلا على خيمة واحدة فى المكان المحدد للعودة من الإسكندرية.
وظل الملك فؤاد الأول ملك مصر حينذاك منتظرا النتيجة وأغضبه بشدة تعسف لجنة التحكيم ليحزن عندما عرف بعدم تأهلها وقال لها: هذه أول مرة يحدث فى مصر هذا، وقدمت لجنة التحكيم جائزة شرفية فأعطوها مبلغ قيمته 200 جنيه مصرى، كذلك أرسلت لها هدى شعراوى برقية تهنئة تقول فيها: شرّفت وطنكِ ورفعت رأسنا وتوجت نهضتنا بتاج الفخر بارك الله فيكِ.
لم تتوقف لطفية عن المشاركة فى مسابقات الطيران، وكان من بينها سباق دولى أقيم فى مصر عام 1937 من القاهرة إلى الواحات اشترك فيها 14 طيارا وطيارة من مختلف جنسيات العالم، وجاء ترتيب لطفية فى المرتبة «الثالثة» بين السيدات المشتركات.
المصريون يحتفون بها
وفى عام 1933 أصدرت مجلة «العروسة» المصرية عددا كاملا خاصا حول «لطفية النادى» كنموذج فريد فى تحدى العقبات، لإثبات أن الفتاة المصرية لا تقل عن مثيلتها فى أوروبا فى أى شىء وأنها تستطيع أن تثبت ذاتها فى جميع المهن.
فى حفل أقيم بمطار ألماظة الجوى حضره محمد طلعت حرب، والسيدة هدى شعراوى أهدت الأخيرة كلمة لـ«لطفية النادى» قالت فيها: «شرفت وطنك ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفجر، بارك الله لنا فيك».
تولت هدى شعراوى مشروع اكتتاب من أجل شراء طائرة خاصة للطفية لتكون سفيرة لبنات مصر فى البلاد التى تمر بأجوائها أو تنزل بها، وتظهر للجميع مقدرة المرأة المصرية على خوض جميع المجالات، وكانت لطفية النادى قد فتحت الباب لبنات جنسها لخوض التجربة التى لم يسبقها أحد فى هذه التجربة، فلحقت بها دينا الصاوى وزهرة رجب ونفيسة الغمراوى ولندا مسعود أول معلمة طيران مصرية.
وأيضا بلانش فتوش وعزيزة محرم وعايدة تكلا وليلى مسعود وعائشة عبد المقصود وقدرية طليمات، فكان عددا لا بأس به اقتادوا بالكابتن لطيفة النادى ثم أحجمت فتيات مصر عن الطيران بصفة نهائية فلم تدخل مجال الطيران فتاة مصرية منذ عام 1945، وهكذا توالت إنجازات كابتن لطفية أول كابتن طيار مصرية إلى أن تقاعدت عن الطيران وعينت بمنصب سكرتير عام نادى الطيران المصرى، بعدما ساهمت فى تأسيسه وإدارته بكفاءة عالية إلى أن هاجرت إلى سويسرا.
أميليا نارى إيرهات والهجرة إلى سويسرا
على مدار سنوات توطدت علاقة لطفية النادى بالكاتبة الأمريكية أميليا مارى إيرهارت، الرائدة المتفوقة فى الطيران الأمريكى، وكانت إيرهارت أول امرأة تحصل على صليب الطيران الفخرى نظرا لكونها أول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسى، وحققت العديد من الأرقام القياسية الأخرى وكتب عن تجربتها فى الطيران فى جميع وسائل الإعلان لديهم، وحققت مبيعات كبيرة وكان لها دور أساسى فى إنشاء التاسعة والتسعين وهى منظمة طيارى.
وعلاقة لطفية النادى بأيمليا إيرهارت الأمريكية بالرغم أنهما لم يلتقيا، لكن جمعتهما صداقة المراسلات حيث إنهما يشتركون فى خوض أغرب وأصعب تجربة على مستوى العالم.
وقد تم التواصل بينهما عن طريق الخطابات يتحدثان عن مغامراتهما فى رحلاتهما إنجازات متوالية لم تتوقف لطفية عن المشاركة فى مسابقات الطيران، وكان من بينها سباق دولى أقيم فى مصر عام 1937 من القاهرة إلى الواحات اشترك فيها 14 طيارا وطيارة من مختلف جنسيات العالم وجاء ترتيب لطفية فى المرتبة الثالثة بين السيدات المشتركات.
وفى عام 1996 تم إنتاج فيلم وثائقى تناول قصة كفاح لطفية النادى بعنوان الإقلاع من الرمل، وفى هذا الفيلم سُئلت عن السبب الحقيقى وراء رغبتها فى الطيران فقالت إنها كانت تريد أن تكون حرة، وفى عام 1997 حصل الفيلم على الجائزة الأولى للمجلس الأعلى للثقافة فى سويسرا، وفى 2014 احتفى جوجل فى نسخته العربية بوضع صورتها على صفحته الرئيسية فى ذكرى مولدها.
ويذكر أن لطفية لم تتزوج قط وعاشت جزءا كبيرا من حياتها فى سويسرا، حيث منحت الجنسية السويسرية تكريما لها، وتوفيت عن عمر يناهز الخامسة والتسعين فى القاهرة عام 2002.
وبعد سنوات من الرحيل كرم الرئيس عبدالفتاح السيسى اسمها بإطلاقه على أحد المحاور الرئيسية بالقاهرة الكبرى، تخليدا لذكراها وتقديرا لما قدمته فى خدمة الدولة المصرية وقطاع الطيران على مر السنين.