يوسف أيوب يكتب: أطمئنوا.. تفائلوا.. نملك قوتنا ونملك قرارانا

السبت، 18 مايو 2024 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: أطمئنوا.. تفائلوا.. نملك قوتنا ونملك قرارانا

- الأزمة الروسية الأوكرانية أكدت صحة مسار الدولة فى 2014 بتوفير غذائها بإنتاج محلى 

- مشروع «مستقبل مصر» قاطرة زراعية لتحقيق الاكتفاء وإضافة 4.5 مليون فدان للرقعة الزراعية فى 2027

- توفير الأمن الغذائى التحدى الذى واجهته الدولة ونجحت فيه بخطوات واثقة بمشروعات قومية منتشرة فى كل المحافظات
 
من لا يملك قوته لا يملك قراراه، هى سياسة عمل وعقيدة تسير عليها الدولة منذ 2014، عقيدة ترتبط أرتباطا وثيقا بالأمن القومى المصرى، فالغذاء والمحاصيل الاستراتيجية من ضمن أضلاع الأمن القومى، والحفاظ عليها وتوفيرها للمواطنين ضرورة وليس رفاهية، وغيابها أكبر مهدد يواجه أى دولة.
 
فى مصر بعد 2014، كان التحدى الأكبر، هو كيفية الوصول إلى تحقيق اكتفاء ذاتى من المحاصيل الاستراتيجية، خاصة القمح والذرة، ليس فقط لتوفير العملة الأجنبية المستخدمة فى استيراد هذه المحاصيل، وإنما لهدف آخر أكثر أهمية، وهو ألا نكون تحت رحمة أحد، أو مرتبطين بتوترات وأوضاع أقليمية ودولية، وجاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتؤكد أن المسار الذى اتخذته الدولة فى 2014 بتوفير غذائها بإنتاج محلى، كان قرارا صائبا، فهذه الحرب كشفت لنا الخلل الذى أصاب المنظومة الاقتصادية العالمية، وأدى إلى اضطراب فى سلاسل الإمداد الدولية، بما أثر على توفير القمح عالميا، أخذا فى الأعتبار أن روسيا وأوكرانيا يعدان أكبر مصدر للقمح والذرة عالميا، وبالنسبة لنا فى مصر هما أحد المصادر الرئيسية، وتسببت الحرب فى اضطرابات فى سوق القمح والذرة، بل وارتفاع أسعارهما عالميا بمعدلات تفوق أى خيال.
 
ربما كانت هذه الأزمة أكبر محفز للدولة فى السير بقوة نحو توفير الأمن الغذائى داخليا، والعمل بأقصى سرعة لتنفيذ ما كلف به الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة لتوسيع الرقعة الزراعية، والاعتماد على الأساليب الحديثة فى الزراعة والرى، وصولا إلى تحقيق المستهدف من اكتفاء ذاتى فى محاصيل معينة خلال فترة وجيزة، وأخرى خلال فترة قد تمتد لسنوات، لظروف خارجة عن إرادة الدولة، سيجىء الحديث عنها.
 
الاثنين الماضى، كنا فى واحد من المشروعات التى كانت حلما، واليوم باتت حقيقة ماثلة أمامنا جميعا، وهو مشروع «مستقبل مصر»، الذى بدأ بـ30 ألف فدان فى عام 2018، ثم ارتفع إلى 600 ألف فدان فى 2023، واليوم وصل لـ800 ألف فدان، ومخطط أن يصل إلى 1.6 مليون فدان فى 2025، وصولا إلى 4.5 مليون فدان فى 2027، وهو الرقم المستهدف الذى تم إعلانه فور الكشف عن المشروع فى 2018.
 
فى هذا اليوم افتتح الرئيس السيسى، المرحلة الأولى من موسم الحصاد لمشروع «مستقبل مصر» للتنمية المستدامة، والذى يقع على امتداد طريق محور روض الفرج - الضبعة الجديدة، وهذا المشروع يعد قاطرة مصر الزراعية، وباكورة مشروع الدلتا الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتى، وتصدير الفائض إلى الخارج ويسهم فى تقليل فاتورة الاستيراد بتوفير العملة الصعبة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أخذا فى الاعتبار أن جهاز مستقبل مصر يمتلك عدة مشروعات زراعية فى سيناء والسادات والمنيا وبنى سويف والكفرة والداخلة والعوينات والصحراء الغربية، وتعد الباكورة مشروع «الدلتا الجديدة» الذى يمثل 2.2 مليون فدان، وبدأ من محور «تحيا مصر».
 
لماذا مستقبل مصر؟
 
هذا سؤال مهم، والإجابة عليه، تكمن فى الأرقام التى تقول أن القطاع الزراعى يمثل 15% من الناتج القومى المصرى، ويضم 25% من الأيدى العاملة فى مصر، وأن إجمالى صادرات الحاصلات الزراعية والتصنيع الزراعى يقدر بـ 9 مليارات دولار.
 
والمشروع هدفه أضافة 4.5 مليون فدان إلى الرقعة الزراعية بحلول 2027، أى حوالى 40% من المساحة المزروعة فى مصر، مما يساهم فى توفير المحاصيل الاستراتيجية، وتخفيف العبء عن الدولة فى الاستيراد بخلاف مساهمته فى حل مشكلة البطالة بعد توفير أكثر من 2.5 مليون فرصة عمل.
 
الأمر الآخر، أن المشروع من واقع ما شاهدناه جميعا، يعد قاطرة تنمية تعبر بالفكر والعلم فى الصناعة، وتحمل آلاف المهندسين والمشرفين الزراعيين الذين يعملون فى مجال البحث والتطوير وتأهيل الأيدى العاملة للتوسع رأسيا فى الزراعة، حيث تم تطبيق الأنظمة الحديثة للرى فى عدة مشروعات بمدينة السادات والمنيا وبنى سويف ومشروع سنابل فى أسوان وفى سيناء، كما أنه يعد مشروع متكامل، ليس فى الزراعة فقط، وإنما التصنيع الزراعى وإنشاء مصانع عدة، ومجمعات مثل مجمع الصوامع لاستيعاب خيرات مصر من الغلة ومشروعات تنمية الثروة الحيوانية، حتى التنمية العمرانية، لتتحول المنطقة المحيطة بالمشروع إلى تجمعات سكنية متكاملة.
 
يضاف إلى ذلك أمر آخر مهم، وهو تحقيق المكاسب وتوفير فرص عمل للشباب، فكما قال الرئيس السيسى، فإن افتتاح مشروعات ذات مكسب قليل لكنها توفر فرص عمل للشباب يجعلها ذات أهمية كبيرة وإنجازا للدولة، وأن هذا يعد ربحا غير منظور، حيث يتم توفير فرص عمل وبالتالى تستطيع العديد من الأسر العيش من هذه الوظائف.
 
هذا عن فائدة المشروع، فماذا عن التحديات التى تواجهه؟
 
بالتأكيد هناك العديد من التحديات التىى واجهت ولا تزال تواجه المشروع، لعل أبرزها توفير المياه، وهنا أحيل إلى ما قاله الرئيس السيسى فى هذه الجزئية تحديدا، كونه تحدث فيها باستفاضة، شارحا التحدى وكيفية التغلب عليه، والرؤية المستقبلية لاستمرار الحلول.
 
الرئيس السيسى قال، إن المياه لا تتوفر ببساطة ولا بد من الاستفادة من كل نقطة مياه، وتطوير نظم الزراعة والرى، واستخدام التقاوى والبذور المناسبة، مشيرا إلى أن مياه الصرف بعد إعادة معالجتها تستخدم فى زراعة محاصيل مناسبة لاستخدام هذه المياه بشكل أكثر كفاءة، موضحا أن تدوير ومعالجة مياه الصرف الزراعى لاستخدامها مرة أخرى ينتج عنه ارتفاع نسبة الملوحة التى لا تنسجم مع بعض المحاصيل الزراعية التى تحتاج إلى الرى بمياه النيل والآبار لزراعتها بجودة عالية، كما أشار إلى أن مصر تواجه تحديا كبيرا فى مسألة توفير المياه التى تكلف الدولة مبالغ ضخمة من أجل إنشاء محطات لتحلية المياه، موضحا أن استثمارات الدولة عالية جدا من خلال الجهود التى تبذلها لتوفير مياه الرى للمحاصيل الزراعية، فى حين أن هناك دولا أخرى تعتمد فقط على مياه الأمطار فى رى المحاصيل، مؤكدا أن هذه الجهود تساهم بشكل كبير فى زيادة الرقعة الزراعة.
 
وأكمل الرئيس السيسى حديثه عن هذا التحدى بقوله: «لو لدينا مياه تكفى زراعة 100 مليون فدان، كنا سنتحرك لزراعتها ولكن ليس لدينا ذلك»، مؤكدا هنا على أهمية المشروعات التى تنفذها الدولة فى مجال المياه، من أجل توفير محاصيل ومنتجات زراعية لسد الفجوة الغذائية الراهنة، مشيرا إلى أن الدولة لم يكن لها خيار ثان سوى إنشاء محطات رفع المياه لاستصلاح الأراضى للاستفادة من 7.5 مليون متر مياه، موضحا أن تكلفة إنشاء محطات رفع المياه لنقلها إلى الأراضى الزراعية المستصلحة فى الصحراء بلغت حوالى 300 مليار جنيه، لافتا إلى أن هناك من ينتقد صرف هذه التكاليف على محطات المياه، دون النظر إلى الأهمية البالغة لهذه المشروعات حتى تستطيع الدولة أن تعيش.
 
وأكد الرئيس السيسى أن الأراضى الزراعية الموجودة فى الدلتا حجمها محدود وتتآكل نظرا للتعديات التى تحدث عليها، وأن الاتجاه للزراعة وتوسيع الرقعة الزراعية كان أمرا ضروريا، مشيرا إلى أن التحدى كان إما بالعمل على إنشاء محطات معالجة المياه ومآخذ بالتكلفة المذكورة، أو عدم إنشائها وكان ذلك سيؤدى إلى خراب البلاد، منوها إلى أن كل المشروعات التى يتم تنفيذها تتم عقب استشارة خبراء وعلماء.
 
وأوضح الرئيس السيسى أنه تم إنفاق مبالغ ضخمة من أجل توفير 6 مليارات متر مياه من خلال محطات الرفع الثلاث «سواء محطة بحر البقر أو المحسمة أو محطة الحمام» لأنها البديل لتعويض نقص المياه الذى نعانى منه ولمجابهة النمو السكانى، لافتا إلى أن كافة محطات المياه بدءا من محافظة أسوان حتى الإسكندرية كانت محطات معالجة أولية وأصبحت ثلاثية متطورة، وهى خطة يتم العمل عليها منذ 7 سنوات، لأن المياه قبل ذلك كان يتم إهدارها فى الجبال، واليوم بعد أن تمت معالجتها معالجة ثلاثية يتم إعادة توجيهها إلى النيل والترع.
 
الرئيس السيسى هنا شرح التحدى وكيفية التغلب عليه، بتعاون وثيق بين الدولة والقطاع الخاص، وصولا إلى توسيع الرقعة الزراعية باساليب رى وزراعة حديثة.
 
هذا المشروع فى مجمله يعبر عن رؤية مستقبلية لدى الدولة، ليس فقط لتوفير المحاصيل والسلع الإستراتيجية، وإنما لتوفير فرص عمل، وزيادة الرقعة الزراعية، وأيضا إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة، ويبقى هنا السؤال.. ماذا عن دور القطاع الخاص، ولماذا لا يكون له تواجد ف مثل هذه المشروعات؟
هذا السؤال دائم التكرار فى كل مشروع تفتحه الدولة، والغريب أن اغلب رجال الاعمال المصريين ومعهم مستثمرين أجانب يكونوا حاضرين فى هذه الافتتاحات ويستمعون لما يقوله الرئيس السيسى من الفوائد التى توفرها هذه المشروعات، وقدرتها على أن تدر دخلا مناسبا للمستثمرين، وأن الدولة حينما قررت الدخول فى هذا الملف، كان هدفها تذليل العقبات وتشجيع المستثمرين، وإنها مستعدة بل جاهزة للخروج وتسليم هذه المشروعات للقطاع الخاص سواء المصرى أو الأجنبي، حال أرادوا ذلك، بل أن الدولة عازمة على ذلك فعليا، لكن للأسف الشديد ما زال لدى بعض رجال أعمالنا حالة من التردد غير المفهوم وغير المبرر أيضا، وكأنهم فقدوا الرغبة فى الاستثمار، وأرادوا فقط البقاء على مقاعد المتفرجين، فى حين أن مستثمرين أجانب يطرقون الأبواب المصرية يوميا بحثا عن فرصة استثمار جديدة، ويطلبون الشراكة فى مشروعات حكومية او الاستحواذ عليها.
 
الرسالة المصرية فى هذا الموضوع تحديدا واضحة وحاسمة، أكدها الرئيس السيسى، حينما قال إن «القطاع الخاص أمر مهم جدا على ضوء معدلات الأداء المتقدمة والكفاءة فى الإدارة، والتى هى محل اعتبار فى أى عمل يقومون به»، لكنه طالب المستثمرين بتقديم أسعار عادلة للمشروعات من قبل القطاع الخاص والالتزام بالمسارات التى تحددها الدولة فى الزراعة وكميات المياه حتى لا يكلف الدولة أموالا كثيرة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق