استفاقة أوروبية قوية ضد الجماعة الإرهابية..
دول أوروبية تطارد العناصر الإخوانية بقوانين الإرهاب بعدما اكتوت بنار التفجيرات والخطاب المتطرف والتكفيري
السبت، 11 مايو 2024 08:00 مطلال رسلان
- منظمات تطلق حملة شعبية ورسمية للتوقيع على عريضة تطالب بحظر الجماعة فى دول الاتحاد الأوروبى وتحذر من استمرارية الدعم المالى
- فرنسا تبدأ تحقيقا فى أنشطة الإخوان وتسلل عناصرها داخل قطاعات الرياضة والتعليم والطب والعدالة والمنظمات الطلابية والنقابية
- بريطانيا تضع الجماعة على رأس قائمة التطرف وتحاصر تغلغلها داخل قيادات المجتمع وتبدأ تنفيذ خطة مراقبة طرق التمويل
ضربة أخرى وقوية لجماعة الإخوان الإرهابية فى أوروبا، تدق مسمارا جديدا فى نعش الجماعة وتضيق الخناق على الهاربين إلى بلاد الديمقراطية، كما يزعمون، لعلهم يختبئون وسط منظمات ومؤسسات شعارها الدين، وباطنها فرصة لإعادة الصفوف بعد انهيارات كشفت عنها ممارسات الجماعة من أعمال عنف وأيادٍ ملطخة بالدماء.
موقف الدول الأوروبية الحاضن للجماعة فى البداية، حتى صار منبع خروج المخططات إلى العالم، تبدل إلى مطاردات للجماعة بقوانين الإرهاب، عندما اكتوت هذه الدول بنار التفجيرات والعمليات الإرهابية التى تقوض أمنها.
فى البداية، كشف نظام الشفافية المالية لدى المفوضية الأوروبية أن الجمعيات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، خُصص لها أكثر من 52 مليون يورو من الأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر بين عامى 2007 و2020.
وفقا للتقرير الرسمى للمفوضية، تلقت الجماعة ما يقرب من 80 مليون يورو على شكل تمويل من الحكومات الأوروبية خلال العقد الماضى، فى شكل تبرعات مُنحت لجماعات ذات صلات بجماعة الإخوان المسلمين من قبل الاتحاد الأوروبى ومجلس أوروبا ومختلف الحكومات الوطنية منذ عام 2004.
وعلى مدار سنوات مضت، أبقت أجهزة الأمن الأوروبية الجماعة الإرهابية، تحت المراقبة، وفعّلوا ذلك على نطاق أوسع فى جميع أنحاء أوروبا، وفى كل بلد، اعتمادا على رصد وجود تهديدات أمنية تورطت فيها الجماعة أو أحد قياداتها الفارين من الشرق الأوسط.
جميع الأجهزة الأمنية الأوروبية، دون استثناء، تؤكد أن جماعة الإخوان لديها شبكة واسعة ومتطورة مرتبطة بها تعمل سرا فى أوروبا، سواء على المستوى الوطنى أو عموم أوروبا، من خلال منظمتها الجامعة والشركات التابعة، وقد أنشأ المرتبطون بالإخوان المقيمين فى أوروبا منظمات واجهة، تسمح لهم بالعمل داخل المجتمع وتعزز أجندتهم دون أن يسهل التعرف عليهم على أنهم جزء من الإخوان.
وكشفت العديد من التقارير الأمنية الأوروبية أن شبكات الإخوان فى أوروبا تلتصق بها اتهامات الإرهاب، ولديها أهداف، وتخريبية، بعيدة عن ادعاءات الدين أو الديمقراطية، وتتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية والمجتمع الغربى.
بريطانيا استضافتهم.. واكتوت بنارهم.. فأعلنت حربا عليهم
بعد أعوام من تغلغل الجماعة بقياداتها فى المجتمع، متخفين فى مؤسسات، وضعت بريطانيا، الإخوان على رأس قائمة التطرف وفق مقاييس التعريف الحكومى الجديد للتطرف، فى ارتباط مباشر بحركات وأحداث إرهابية فى العالم.
وأعلن وزير المجتمعات المحلية مايكل غوف أن «منظمات مثل الرابطة الإسلامية فى بريطانيا، وهى الفرع البريطانى لجماعة الإخوان، ومجموعات أخرى مثل كيج وميند تثير التوجس من توجهاتها»، وأضاف: «سنحاسب هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبى تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب»، موضحا أن «الانتشار الشامل للأيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر ويشكل خطرا حقيقيا على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا».
ويُفترض أن يؤدى التعريف الجديد للتطرف الذى طبقته بريطانيا مارس الماضى، إلى إدراج المنظمات المعنية على لائحة سوداء وحرمانها من الأموال العامة.
ويهدف التعريف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك بأنه «سم» للديمقراطية، محذرا من «زيادة مروعة فى الاضطرابات المتطرفة والإجرام تهدد البلاد بالانتقال إلى حكم الغوغاء».
وكانت لندن تعرف التطرف بأنه «معارضة صريحة أو فعلية لقيمنا الأساسية»، مثل الاحترام المتبادل والتسامح، وهو التعريف الذى سمح لجماعة بتجذير حضورها فى بريطانيا عبر أشكال مختلفة، منها النشاط السياسى الذى لا يتعارض مع توجهات الحكومة والأنشطة الشبابية والمنظمات الجامعية.
وتحظر بريطانيا بالفعل جماعات تقول إنها متورطة فى الإرهاب، ويعد دعم هذه المنظمات أو الانضمام إليها جريمة جنائية، وتعتبر حركة حماس من بين 80 منظمة دولية محظورة فى بريطانيا.
ولن تخضع الجماعات التى سيتم تحديدها على أنها متطرفة بعد تقييم «صارم» خلال الأسابيع القليلة المقبلة لأى إجراء بموجب القوانين الجنائية، وسيظل مسموحا لها بتنظيم المظاهرات، لكن الحكومة لن تقدم لها أى تمويل أو أى شكل آخر من أشكال التعامل.
فرنسا على خطى بريطانيا
حرب شاملة على جماعة الإخوان الإرهابية، تبدأها فرنسا بقيادة وزير داخليتها جيرالد دارمانين، تنفيذا لتوجيهات الرئيس إيمانويل ماكرون، داخل مجلس دفاع، أشار فيه إلى خطورة تسلل جماعة الإخوان فى البلاد، والذى ظهر فى الكثير من الأنشطة سواء فى المدارس أو الجامعات، وحتى المنظمات والمؤسسات الخيرية.
وأصدر وزير الداخلية الفرنسى جيرالد درامانين، بيانا أشار فيه إلى فتح تحقيق حول الإسلام السياسى فى فرنسا، حيث قامت الحكومة بتكليف وزير أوروبا للشئون الخارجية السفير فرانسوا غوييت والمحافظ باسكال كورتاد بمهمة تقييم حركة الإخوان فى فرنسا، وعلاقاتها مع الفروع الأوروبية الأخرى، بعد أن تبين أنها تلعب دورا رئيسيا فى نشر هذا النظام الفكرى.
وفى البيان، أشارت الحكومة الفرنسية إلى أنها مهمة رسمية للدولة الفرنسية أسندت لوزير الداخلية للتثبت فى جماعة الإخوان المسلمين فى فرنسا، من حيث خطابها وروابطها وهياكلها وأنشطتها، على أن يتم تسليم التقرير لرئيس الجمهورية الخريف القادم.
وستكون البعثة مسؤولة عن إصدار تقرير فى الخريف لتقييم تأثير الإسلام السياسى فى فرنسا، كما سيتم تحليل الأهداف والأساليب التى تستخدمها حركة الإخوان فى هذا السياق، ومواءمة الوسائل الحالية لسياسة مكافحة النزعات الانفصالية للرد عليها.
ونشرت صحيفة 20 مينتس الفرنسية، أن وزير الداخلية الفرنسية، أشار إلى مبادرات أمنية سابقة، لمواجهة ما تم التعبير عنه بـ«الغزو الإسلامى لفرنسا»، من بينها إغلاق مساجد أو مدارس دينية ومصادرة أصول وطرد الأئمة والسيطرة على التمويل الأجنبي، فى وقت لا بد فيه من توعية السكان ممن يتعاونون أحيانا مع الإخوان من دون إداركهم لذلك.
وأوضح الوزير الفرنسى، ما أسماها إستراتيجية التسلل لجماعة الإخوان المستهدفة لجميع قطاعات المجتمع مثل الرياضة والتعليم والطب والعدالة والمنظمات الطلابية والنقابية والمنظمات غير الحكومية والحياة السياسية والثقافية والاقتصادية، فضلا عن استخدامهم خطابات مناهضة لفرنسا.
وأوضح وزير الداخلية، أن الإخوان ينتهجون إستراتيجية الإيذاء لزعزعة استقرار فرنسا، ما يحتم التصدى لهم والتمييز الدقيق بين الإسلام وفكر الجماعة، مشيرا إلى أن عددا من الدول العربية - من بينها مصر وتونس - جرمت جماعة الإخوان لتصرفاتها التى تهدد الاستقرار، وقال وزير الداخلية الفرنسى، إن الحديث عن حركة الإخوان ليس من قبيل الصدفة، بل لأننا نواجه صعوبة فى تحديد ما يمثلونه حقا، كمنظمة أخطبوطية تمتد نفوذها إلى عشرات المساجد والجمعيات الخيرية، وحتى بعض المسئولين المنتخبين.
وأوكل وزير الداخلية مهمة التحقيق إلى المحافظ باسكال كورتاد، مندوب تكافؤ الفرص لعمالة إيفلين، وإلى السفير فرانسوا غوييت المكلف بالجزائر إلى غاية 2023، حيث طلب تقرير حول وضع جماعة الإخوان فى الدولة، وهو ما من شأنه أن يجعل من الممكن وضع حد لتأثير الإسلام السياسى فى فرنسا، بعد نتيجة التقرير المتوقعة بحلول الخريف.
وأكد وزير الداخلية أن الأمر خطير لأن هذا الطلب يأتى من رئيس الدولة نفسه، والذى قدمه خلال مجلس الدفاع الأخير، ولا شك أن كثرة العباءات فى المدارس الحكومية، والتسلل الدينى إلى ساحات المدارس، بهدف زعزعة الاستقرار، وكذلك رفض الأولاد فى المدرسة الابتدائية مصافحة الفتيات الصغيرات فى سنهم، أو رسم تماثيل بشرية، أو أن بعض الطلاب يغطون ملابسهم، وآذانهم عند تشغيل الموسيقى فى الفصل، مع تهديدات ضد المؤسسات مصحوبة بتهديدات كاذبة بالقنابل، لها دور فى إطلاق هذه عملية التحقيق.
وستستفيد البعثة من دعم مصالح الدولة المختصة والتواصل مع الخبراء والباحثين والمنظمات المؤهلة فى هذا الموضوع، وتحليل الأمثلة الأجنبية فى أوروبا والشرق الأدنى والأوسط التى تواجه الظواهر ذاتها.
ودعا الرئيس الفرنسى إيمانويول ماكرون فى وقت سابق أيضا إلى «فهم أفضل للإسلام» وتعليم اللغة العربية، كما تمنى «إسلاما يكون فى سلام مع الجمهورية»، وخاليا من «التأثيرات الخارجية».
كما قال ماكرون إنه سيتم تعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، من خلال تشجيع الجمعيات الدينية الإسلامية على تغيير نظامها، ووضع حد لما وصفه بأنه «نظام التعتيم»، وقال «إن المسألة ليست مسألة حظر «التمويل الخارجى»، «بل تنظيمه»، وأضاف أنه سيتم تضمين القانون «آلية تمنع الانقلاب» لمنع استيلاء متطرفين على المساجد.
كذلك، فى العام الماضى، أطلقت شخصيات سياسية وبرلمانية وإعلامية ومنظمات غير حكومية فرنسية، دعوات وحملات تهدف إلى حظر نهائى للجماعة الإرهابية فى فرنسا ودول الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى حلّ جميع الجمعيات المرتبطة بتلك الجماعة، محذرين من قدرة الجماعة على إشعال نيران الفتنة فى الضواحى الفرنسية.
وأطلقت عدة منظمات أوروبية، منها منظمة «كريتيانتى - سوليداريتى» الفرنسية السويسرية، حملة شعبية ورسمية للتوقيع على عريضة تطالب بحظر الجماعة الإرهابية فى كل دول الاتحاد الأوروبى، محذرة من استمرارية الدعم المالى الذى تقدمه مؤسسات بروكسل لمنظمات وشبكات تتبع الجماعة الإرهابية فى أوروبا.
ودعا المشاركون فى الحملة إلى فصل تلك الجماعة الإرهابية عن الاتحاد الأوروبى، وإلى أن يكون ذلك بمثابة التزام واضح من المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات الأوروبية المقبلة، بالإضافة إلى منع تقديم أى أموال أو تسهيلات لأى جمعية يُشرف عليها التنظيم الإرهابى.
وبمطالعة المشهد نجد أن التنظيم الإرهابى كان قد تمكن من الانتشار والتوسع بشكل كبير بعد خروج عدد من عناصرهم فى فترة الستينيات إلى الدول الأوروبية، وتزايدت أعداد المنتمين إلى التنظيم «الإرهابى» داخل المجتمعات الأوروبية منذ النصف الثانى من القرن العشرين، حيث شكلت الجماعة ما يسمى بالكيانات الموازية التى تسعى لتكون بديلا للدولة والمجتمع بالنسبة لأفرادها، بهدف الاستحواذ على القوة والضغط على صانع القرار لتلبية طلبات الجماعة، واستطاعت الجماعة بالفعل الوصول إلى حد السيطرة على المساجد والمدارس الإسلامية فى أوروبا، وتدريب أئمة من الشباب على العمل الدعوى باللغات المحلية، وتنظيم توطين المهاجرين إلى المجتمع الأوروبى.
وتمكنت الجماعة من تأسيس شبكة واسعة للسيطرة على عدة مفاصل فى أوروبا، عبر مراكز دينية وأخرى تعليمية لنشر التطرف بين المسلمين والعرب والتأثير على السياسة والمجتمع فى أوروبا، إلا أن الهجمات الإرهابية التى حدثت مؤخرا فى مختلف العواصم الأوروبية كان لها الأثر الأكبر فى دفع أوروبا باتخاذ إجراءات شديدة وجديدة ضد المنظمات والجمعيات المتعلقة بالإسلام السياسى، حيث أصدرت قوانين تفرض رقابة شديدة على تحركات هذه الجماعات بجانب فرض عقوبات وحظر على شخصيات عديدة لها علاقات أو ارتباطات بتنظيمات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط.