التصعيد العسكرى يهدد بإشعال النار في المنطقة

السبت، 20 أبريل 2024 06:49 م
التصعيد العسكرى يهدد بإشعال النار في المنطقة
يوسف أيوب يكتب:

إيران وإسرائيل يتجنبان المواجهة المفتوحة.. وواشنطن تحافظ على مصالحها بإبعاد طهران عن التدخل العسكرى

المناوشات بدأت هادئة لكنها تهدد بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة.. وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية سيسهم في التهدئة

كل يوم نتعلم جديد فى السياسة الدولية، فالأمور لا تتوقف عند القواميس القديمة التى يتدارسها طلاب السياسة الدولية فى الجامعات والمعاهد، لإن كل يوم يأتى لنا بجديد، وفى يوم واحد تعلمنا مصطلحين جديدين سيكون لهما شأن كبير فى المستقبل.

الاول هو الرد باتفاق مسبق، أما الثانى فهو الرد لحفظ ما وجه الجميع، المعتدى والمعتدى عليه.

تعلمنا المصطلحين من الرد الإيرانى مساء السبت الماضى، على الاعتداء الذى قامت به إسرائيل ضد السفارة الإيرانية فى سوريا، فمع استمرار التهديدات والوعيد الايرانى توقع كثيرون بداية حرب عالمية جديدة، وإن طهران ستتخلى عن نهجها السابق بدفع أحد اذرعها للرد، وانها هذه المرة ستقوم بما لا قبل لإسرائيل وحلفائها به، لكن فى فجر الاحد الماضى كان الرد الايرانى مدويا، لكن ليس فى سماء إسرائيل وإنما فى السوشيال ميديا الذى حول الرد إلى مادة للسخرية والتندر.

أرسلت طهران مئات المسيرات وبضعة صواريخ قالت انها باليستية تجاه تل أبيب، وهو أمر حقيقة يحدث للمرة الاولى فى تاريخ النقاش والتهديد المتبادل بين طهران وتل ابيب، ففى السابق كانت طهران تتجنب المواجهة او الرد المباشر، وكانت توكل الأمر لاحد اذرعها، لكن ولان هذه المرة الإصابة الاسرائيلية لها كانت صعبة ممثلة فى مبنى سفارتها بدمشق، فكان لزاما على طهران أن ترد هى وليس غيرها، لكن كيف وهناك تغيرات تحدث فى السياسة الخارجية الإيرانية، فكان القرار أن يكون الرد بحساب او باتفاق مسبق سواء، كان هذا الاتفاق مباشر او غير مباشر، لكنه اتفاق يجنب الجميع ويلات اللحظات اللاحقة لهذا الرد.

قبل ارسال المسيرات كانت إسرائيل على دراية تامة بما سيحدث والأهداف المحددة ايرانيا، وتوقيت وصول هذه المسيرات والصواريخ الإيرانية. كيف علمت تل ابيب؟.. لا احد يدرى، وكانت واشنطن ايضا على علم مسبق.

النتيجة ان المسيرات والصواريخ تم اعتراضها قبل ان تحقق اياً من أهدافها المعلنة، فلم تحدث خسائر تذكر، وكان الرد الايرانى بعدها انهم قاموا بالرد على اسرائيل، فيما اكدت تل ابيب ان الرسالة وصلت.

والغريب في الأمر أنه قبل أن تصل هذه المسيرات إلى إسرائيل، أعلنت البعثة الايرانية في الامم المتحدة، أن العمل العسكري الإيراني، الذي تم تنفيذه استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، كان "رداً على عدوان النظام الصهيوني على مبانينا الدبلوماسية في دمشق"، وأكملت: "يمكن اعتبار الأمر منتهيًا، ومع ذلك، إذا ارتكب النظام الصهيوني خطأً آخر، فإن رد إيران سيكون أكثر حدة بكثير".

معنى ذلك أن إيران كانت تريد فقط الحصول على اللقطة أو الصورة.

المهم أن الرسالة وصلت، فالرد كما كان واضحا متفق عليه مسبقا، وهدفه حفظ ماء الوجه للجميع، لإيران، لكى تظهر امام انصارها أنها ردت على العدو الصهيونى فى عقر داره وانها قادرة على الوصول اليه فى اى لحظة، ولإسرائيل بأن اعادت الكثير من التعاطف الغربى حولها بعدما فقدته فى حربها العدوانية ضد الشعب الفلسطينيين فى قطاع غزة.

بعض التفسيرات السوشيالية قالت أن ما حدث مجرد مسرحية متفق عليها، وأن هناك قنوات تواصل "غير مباشرة" بين طهران وتل أبيب، انتهت إلى هذا الشكل الذى وصل به الرد الإيراني، وهذه القنوات برعاية أمريكية، بدليل أن واشنطن كان ردها الدائم الطلب من إسرائيل عدم الرد، وأن تضعها دوماً في الصورة أذا ما قررت الرد، لكن بعيداً عن كل هذه الأمور، فلا إسرائيل سترد، ولا إيران ستكرر الأمر مجدداً، وحتى أذا قررت إسرائيل الرد، سيكون ردها هي الأخرى "لقطة" وليس ضربة موجعة.

لن يتكرر ذلك لأن ما حدث كما سبق القول "متفق عليه"، فالحقيقة إن إيران لم ترد، كما أن إسرائيل لم تستعد لشئ، ولم تحقق اى نصر، وحديثها عن مواجهة الهجمات الإيرانية هو حديث زائف، لأن ما حدث هو شبه متفق عليه، والصحيح الوحيد وفقاً لمجريات الأحداث أن الاثنان شاركا فى مسرحية هزلية عنوانها هو الرغبة فى البقاء وممارسة الشو الاعلامى والكسب الداخلى.

السؤال الأن، ما تأثير ذلك على المنطقة مستقبلاً؟

ما حدث قد يتطور بفعل عوامل داخلية وأخرى خارجية، ويهدد مرة أخرى باتساع دائرة الصراع في المنطقة، وهو ما سبق وحذرت منه القاهرة فور انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية البربرية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، وقال الرئيس السيسى صراحة في أكثر من مناسبة إن توسع دائرة الصراع في المنطقة بشكل يضر بالأمن والاستقرار الإقليميين، رابطاً ذلك بما يحدث في قطاع غزة، وأن استمرار الوضع الحالي سيؤدى إلى انتقال العمليات العسكرية من القطاع إلى مناطق وبؤر أخرى، بدأت ارهاصاتها في البحر الأحمر، ومن الممكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى.

استدعاء هذا التحذير ضرورى في الوقت الراهن، خاصة في ظل الأجواء التي تعيشها المنطقة حالياً، ارتباطاً بالعمليات الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، وصولاً إلى انتقال المناوشات الإسرائيلية الإيرانية التي يراها البعض أنها أخذت طابع الصدام المباشر، حتى وأن أخذ حتى الأن شكل "الصدام المتفق على حدوده".

نعم، فما حدث من رد إيرانى على الاستهداف الإسرائيلي لمبنى سفارة طهران في العاصمة السورية دمشق، يدخل ضمن إطار "الرد العسكرى المتفق عليه"، وهنا لا يعنى أن هناك اتفاق مباشر بين إيران وإسرائيل على الرد، وإنما من الواضح كما سبق الإشارة، أن هناك قنوات غير مباشرة، حملت الكثير من الرسائل المتبادلة بين الطرفين طيلة الأيام القليلة الماضية، أنتجت ما رأيناه وتابعناه من إطلاق إيران لمجموعة من المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل لأول مرة، كانت الدفاعات الإسرائيلية في انتظارها، حتى وان كانت كل الأطراف تنفى عن نفسها هذا الامر، لكن المجريات تؤكد أن هناك أموراً حدثت في الخفاء، وفى القنوات الدبلوماسية أنتجت ما رأيناه فجر الأحد الماضى.

والمعروف وفقاً لتتبع كافة المواقف الإيرانية إن طهران لا تسعى إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة التي تدرك أن عملية استدراج طهران لمواجهة إقليمية هو خطر يهدد مصالحها وسيقود إلى صراع شامل واسع النطاق في الشرق الأوسط، خاصة أن إيران أحد مصادر الطاقة الكبرى بالعالم، والمواجهة معها ستؤدي حتماً لاضطراب الأسواق العالمية في الوقت الذي لاتزال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على إمدادات الطاقة في العالم وتسبب اضطرابات بالأسواق العالمية، لذلك رأينا وتابعنا ما يمكن وصفه بالرد المتفق عليه.

هذا هو مفهوم الرد العسكرى المتفق عليه، والذى يبدو أن كان نتاج تفاهمات كثيرة، اعتمدت في مجملها على تحقيق رغبة كل طرف بحفظ ماء الوجه، سواء في الداخل أو في الخارج أيضاً، لكن السؤال الأن، هل يمكن أن تتطور الأمور إلى أبعد من هذه التفاهمات؟!

الأجابة تقتضى أولاً العودة إلى أسباب ما حدث.

ما حدث مرتبط باستهداف إسرائيلى مباشر للسفارة الإيرانية في دمشق، وليس للأمر علاقة بالوضع القائم في غزة، لكن بالتأكيد هناك أطراف ستسعى إلى استغلال ما حدث وربطه بالوضع العسكرى المتوتر في غزة، وإظهار الأمر وكأن هناك من تحمل مسئولية الرد المباشر على العدوان الإسرائيلي، رغم أن حقيقة الأمر تنفى ذلك مطلقاً، بدليل أن الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع مستمرة لأكثر من ستة أشهر، ولم تتحرك المسيرات الإيرانية للرد الا بعد استهداف سفارتها في دمشق، حتى ان الفترة الماضية، شهدت استهداف اسرائيلى مباشر لعناصر وقيادات إيرانية في دول مختلفة، لكن لم تتحرك طهران للرد المباشر، الا حينما تم استهداف مبنى السفارة في دمشق.

هذا هو السبب المباشر لما حدث، وكل المؤشرات تؤكد أنه لن يتلوه تحرك إيرانى أخر مباشر ولا رد إسرائيلى، وإنما سنعود مرة أخرى إلى مرحلة الردود غير المباشرة عبر الأذرع المختلفة لكلا الطرفين.

وبالعودة إلى التحذير من اتساع الصراع في المنطقة، فالامر هنا مرتبط حقيقة بالغليان الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط نتيجة للممارسات والانتهاكات الإسرائيلية وعدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وعدم الامتثال للقرارات والأعراف والمواثيق الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، فضلاً عن الدعم الأمريكي والغربى لهذه الانتهاكات، بما أظهر المعايير المزدوجة للغرب، الذى يتحدث على مدار الساعة عن احترام حقوق الإنسان، في حين أنه يبارك عمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها تل أبيب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقف العواصم الغربية صامتة أمام هذه الانتهاكات.

كل هذا يزيد من فرص اشتعال المنطقة، وقد يكون ما حدث من إيران، بداية كما سبق الإشارة إلى دخول أطراف أخرى أقليمية، او ما يطلق عليهم بـ"الأذرع" لتنفيذ خطط معينة، تؤدى في النهاية إلى توسيع الصراع، وهنا بات ضروريا على القوى الكبرى أن تتدخل وتعلى صوت الحكمة والعقل لتجنيب المنطقة ويلات تلك الحرب التي ستقضي على فرص السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، كما أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن عليهم دور قوى تجاه حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة من خلال اتخاذ قرارات تضمن امتثال إسرائيل لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، ووقف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية له، وفق الآليات الإلزامية التي يوفرها ميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أن ذلك هو الخطوة الأولى لتهدئة الأوضاع المشتعلة بالمنطقة خلال الوقت الحالي، أخذا في الاعتبار أن إفلات إسرائيل من المُساءلة والمحاسبة على جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتنفيذ عمليات عسكرية لأهداف بداخل دول الجوار، في تعد صريح على سيادة تلك البلدان، جعلها فوق القانون الدولي وأعطاها الضوء الأخضر للتمادي في سياستها المتهورة وعمليتها غير المدروسة التي تستدرج المنطقة لحرب إقليمية، وهو ما يتعين معه تحديداً على الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت دعماً لا محدوداً للحكومة الاسرائيلية في حربها ضد الفلسطينيين، أن تضاعف جهودها لإثناء تل أبيب عن الاستمرار في حربها ضد قطاع غزة ووقف توجيه ضربات داخل سوريا ولبنان للحفاظ على ما تبقى من أمن واستقرار في المنطقة، لإن غياب الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط سيوفر فرص لعودة ظهور جماعات مسلحة وارهابية مرة اخرى، علاوة على إنشاء تكتلات واستقطابات تضر بمصالح بلدان المنطقة وتورطها في صراعات وأزمات.

وهنا يجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهى أن الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة تسعى إلى توسيع نطاق المواجهة الإقليمية، لعدة أسباب، الأول هو إبعاد الأنظار عن الحرب في قطاع غزة عقب محاصرة موقفها وانحسار دعم شركائها وإدانتها بارتكاب جرائم ترقى للإبادة الجماعية، بل ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، ما يحدث في غزة بأنه انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.

لذلك فإن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تعمل على جذب الأنظار بعيداً عن الوضع في غزة، من خلال المناوشة مع إيران تارة ومع حزب الله تارة أخرى، على أمل كسب بعض الود الدولى، كما حدث اليوم من إعلان كثير من الدول الغربية وقوفها بجانب تل أبيب ضد الهجمات الإيرانية.

ولا يخفى علينا أن هذه المناوشات جاءت في وقت تنشط فيه التحركات الدبلوماسية المهمة في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، حيث يعتزم مجلس الأمن بحث قرار منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، وهو أمر لا تريده تل أبيب، لذلك فإنها تبذل جهود مضاعفة لأبعاد الأنظار عن هذه التحركات.

كل هذه الأمور تعيدنا مرة أخرى إلى أهمية الحديث عن ضرورة العمل على إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتوصل إلى هدنة مؤقتة تصل إلى اتفاق سلام، يقضى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار أن هذا هو الخيار الوحيد القادر على وقف اى تصعيد في المنطقة، لان استمرار الوضع على ما هو عليه، سيزيد من المناوشات، وربما تنفلت الأمور في بعضها بشكل يصعب السيطرة عليه، خاصة أن هناك أطرافاً إقليمية، وداخل كلاً من إسرائيل وإيران يهمها أن تتسع دائرة الصراع، لإن في أتساعها تحقيق مكاسب لها، وهو أمر تدركه جيداً القوى الكبرى في الإقليم، لذلك فإنها تسعى جاهدة لوقف أي تصعيد، ولتكن البداية من الوضع في غزة، بالعمل على وقف إطلاق النار وصولاً إلى تهدئة كاملة تعيد على أثرها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى مسارها، ومن بعدها يتم النظر في الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقة، والتي باتت شديدة الأهمية في الوقت الراهن، وزاد من أهميتها انفتاح ابواباً كانت في الماضى مغلقة بين دول اقليمية.

كما أن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، كما أنه سيسهم في تهدئة أقليمية سيكون لها شديد الأثر دولياً، فإنه ايضاً سيقضى على القميص الذى تحاول بعض الأطراف الإقليمية ارتدائه لتظهر شعبياً في مشهد المدافع الأول عن فلسطين وقضيتهم، لكنهم في حقيقة الأمر لا يستهدفون الا تحقيق مصالحهم الخاصة، وأن فلسطين وقضيتها ما هي الا ستار يتسترون به، للحصول على مزيد من الدعم والزخم الجماهيرى.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق