الصفقة الملعونة.. المتطرفون الإسرائيليون يربطون استمرار نتانياهو على كرسى الحكومة باستمرار قتل الفلسطينيين

السبت، 20 أبريل 2024 08:30 م
الصفقة الملعونة.. المتطرفون الإسرائيليون يربطون استمرار نتانياهو على كرسى الحكومة باستمرار قتل الفلسطينيين
محمود علي

حكومة إسرائيل المتطرفة تعرقل مفاوضات الهدنة وتصمم على دخول مدينة رفح الفلسطينية خوفاً من المحاكمة والطرد

تل أبيب لم تتخلى عن حلم إفراغ غزة وتهجير سكانها قسريا خارج القطاع.. وتلجأ لسياسة الحصار والتجويع والتعطيش

 

 

لماذا تعرقل إسرائيل مفاوضات التهدئة؟.. ولماذا تصمم على دخول رفح الفلسطينية؟.ز ومتى تتخلى عن حلم التهجير؟.. أسئلة عديدة مطروحة على الساحة في الفترة الأخيرة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة للشهر السابع على التوالي، في حرب وصفت بإنها إبادة جماعية خلفت أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

ويبقى السؤال الأبرز الآن، ماذا تريد إسرائيل من كل هذا؟.. فهى تمارس سياسة العرقلة المستمرة لجهود وقف إطلاق النار، بل والاستمرار في التصعيد وارتفاع حدة الضربات الموجهة إلى الأحياء المكتظة بالسكان في قطاع غزة، بما يدل على نوايا الاحتلال "المبيتة" بأنها لا تسعى إلى التهدئة في المرحلة القريبة المقبلة، ليذهب كثيرون إلى التأكيد بأن الدافع الرئيسي من الاستمرار في ارتكاب جرائم حرب في غزة وإطالة أمد العدوان، هو بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، الذي يتخوف من المحاسبة والمحاكمة جراء فشله في إدارة العمليات العسكرية في غزة، وتحقيق أي نتائج إيجابية بل والأحرى الفشل الاستخباراتي والعسكري الذي لحق بقوات الاحتلال في عملية 7 أكتوبر، التي كشفت عن إنهيار تام لمنظومة الأمن الإسرائيلية.

لماذا تعرقل إسرائيل مفاوضات التهدئة؟

ظهرت سياسة إسرائيل المعرقلة للمفاوضات في الفترة الأخيرة، من خلال كم المعوقات التي تضعها للتصدي لأي محاولات وجهود ساعية لوقف إطلاق النار في غزة، أو حتى إطلاق هدنة لاحتواء الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، بعد أن ظلت معاناة أهالي غزة تراوح مكانها، وما يؤكد التحركات المعرقلة من جانب الاحتلال هي تصريحات الوفد الإسرائيلي المفاوض الذي خرج عنه تسريب مؤخراً يؤكد أن نتنياهو يعوق صفقة التبادل، وأن المفاوضات بشكلها الحالي قد تستمر عاما، ونقلت القناة 12 العبرية تسريبات عن الوفد الإسرائيلي أكد خلالها أنه كان هناك فرصة للتوصل لصفقة قبل شهرين، لكن نتنياهو لم يصغ و"خسرنا أرواح أسرى"، مضيفا:كنا نحصل على التفويض صباحا ثم يتصل نتنياهو مساء ليعرقل التفاوض.

تصريحات الوفد الإسرائيلي التي نشرتها وسائل الإعلام العبرية قبل أيام قليلة عكست موقف نتنياهو الرافض لوقف إطلاق النار في تلك المرحلة، لاسيما وأنه وفق الكثير من التقارير المحلية غير مستعد لتبرير فشله في الصدمة التي تلقاها جهاز مخابراته بعد هجوم 7 أكتوبر، وما تلاه من سياسات أدت إلى تورط الاحتلال الإسرائيلي في مزيد من المعارك بغزة وخارجها دون تحقيق أي نتائج إيجابية، لاسيما مع عدم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، لذا كان واضحاً أن السبب الرئيسي في عرقلة المفاوضات ووضع المعوقات لإفشال أي اتفاق يؤدي إلى وقف العدوان الإسرائيلي هو نتنياهو ذاته، الذي يعطي مبررات واهية من أجل الاستمرار في العدوان، حتى ولو لم يضمن تحقيق أي نتائج له ولحكومته، فمنذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية يؤكد نتانياهو أن الهدف الأول والأخير له من تلك الحرب هو القضاء على الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، لكن مع دخولنا الشهر السابع يبدو أن هذا الهدف بعيد المنال، فبخلاف تخوفه من المحاكمة القريبة يحاول نتنياهو الاستمرار في إرضاء اليمين المتطرف بالمواصلة في تلك الحرب الواهية.

ويعتبر موقف اليمين المتطرف الأكثر تشدداً ضمن مواقف القوى السياسية والحزبية داخل إسرائيل، الرافضة لأي مقترحات قد تؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، فمنذ أشهر وتهدد الأحزاب اليمينية بإسقاط حكومة نتنياهو وربما محاكمة رئيسها في حال وافقت على الاقتراح بوقف الحرب في قطاع غزة، وإبرام صفقة تبادل أسرى كبيرة تؤدي إلى إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

هذه التهديدات لليمين المتطرف دائماً ما تظهر على السطح كلما خرجت تسريبات تؤكد وجود تفاهمات للوصول إلى هدنة، وهو ما يجعل نتنياهو يصرح ويؤكد أن الحرب مستمرة في غزة ولا نوايا مطلقاً لوقفها، فقبل أسابيع قليلة قال رئيس الوزراء الإسرائيلي لأعضاء جمهوريين بمجلس الشيوخ الأمريكي إن "الاحتلال الإسرائيلي سيواصل حربه في غزة لإلحاق الهزيمة بحركة حماس".

عراقيل إسرائيل المستمرة للمسارات المقدمة على الطاولة لوضع حد لهذه المعاناة في غزة، لم تقلل من الجهود المصرية، بل دفعت القاهرة إلى تكثيف التحركات من أجل الضغط على المجتمع الدولي لوقف العدوان، فعلى مدار الأشهر الماضية لم تدخر القاهرة جهدا في توفير الأجواء من أجل وقف إطلاق النار في غزة، فبعد نجاح وساطتها بالفعل في وقف إطلاق النار بالقطاع لمدة 4 أيام، وتمديدها يومين آخرين، استمرت القاهرة في استضافة عددا كبيراً من اجتماعات التفاوض بهدف التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل ووقف الحرب الدائرة بشكل دائم في القطاع خلال الفترة المقبلة.

وانتقلت مفاوضات التهدئة من باريس إلى القاهرة والدوحة، على أمل التوصل إلى هدنة لكنها حتى الآن لم تسفر عن اتفاق، أغلبها كانت بعرقلة من الاحتلال الإسرائيلي، حتى أن الفصائل الفلسطينية اتهمت إسرائيل بإنها تعمل على إفشال أي جهود وساطة لإبرام صفقة تبادل أسرى، وهو ما أكده تجمع "القوى الوطنية والإسلامية الذي أكد أن "الإرهاب والإجرام الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية لا زالت متواصلة على شعب فلسطين في كل مكان".

وتتمسك الفصائل الفلسطينية في مفاوضات الهدنة على عودة النازحين إلى شمالي القطاع وانسحاب الجيش الإسرائيلي، ضمن شروط أخرى لإبرام صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل، وصولا إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل حيث اعتبر جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) الذي يتولى المفاوضات إن رد حماس هو رفض للهدنة.

ومع مرور أكثر من 200 يوم على العدوان الإسرائيلي يبدو أننا أمام مفترق طرق في هذه الحرب، بعد أن أطلقت القيادات الإسرائيلية تصريحات مستفزة نرى فيها تصميماً على دخول رفح الفلسطينية، وارتكاب جرائم ومجازر جديدة سيندى لها الجبين، على خلفية أن المدينة الصغيرة باتت موطنا قسريا للنازحين الفلسطينيين من جميع أنحاء القطاع، ووصل عددهم إلى أكثر من مليون، يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، وتحت ضغوط إسرائيلية تهدف لتهجيرهم إلى خارج القطاع.

وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي، عدوانا مدمراً على غزة، خلف أكثر من 100 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء وكبار سن، في جريمة حرب تحذر كافة المنظمات الدولية الإنسانية من إن استمرارها سينتج عنها أكبر أزمة إنسانية في التاريخ، بعد أن أودت المجاعة هناك بحياة أطفال ومسنين.

ورغم صدور قرارات من الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في غزة لوصول المساعدات الإنسانية، وكذلك رغم مثول إسرائيل للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية"، إلا أن إسرائيل تواصل حربها وعدوانها مهددة بدخول مدينة رفح الفلسطينية، معززة تلك التحركات بدوافع عدة أولها تصريحات اليمين المتطرف الذي يستمر في ضغطه على الحكومة الإسرائيلية من أجل اتخاذ هذه الخطوة.

تحذير وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قبل أيام لرئيس الوزراء نتنياهو بأنه لن يستمر في منصبه دون الهجوم على رفح، كفيل بوضع نتانياهو في موقف لا يحسد عليه، فإما أن ينفذ ما يطلبه منه غفير خوفاً على منصبه أو يواصل المجازر ويطلق عملية في رفح ربما تؤدي إلى مزيد من الانتقادات الدولية لإسرائيل، حيث يرفض المجتمع الدولي ودول الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر أي هجمات إسرائيلية محتملة على رفح، محذرة من أنها قد تؤدي إلى مخاطر واسعة على المنطقة والإقليم وسيكون لها تداعيات خطيرة في المستقبل على الأمن والاستقرار الإقليمي.

وكتب بن غفير على منصة "اكس" قبل أيام محذراً: "إذا قرر رئيس الوزراء (نتنياهو) إنهاء الحرب دون شن هجوم واسع النطاق على رفح من أجل هزيمة حماس، فلن يكون لديه تفويض لمواصلة العمل كرئيس للوزراء"، ووجه بن غفير إنذارا نهائيا لنتنياهو لمواصلة الحرب ضد حماس، رافضاً أي تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار.

وترتبط الإجابة على هذا السؤال بشكل صريح، بسؤال آخر وهو، لماذا تريد إسرائيل تهجير الفلسطينيين ولماذا حتى الآن لم تتخل عن حلم إجبار سكان غزة على النزوح خارج القطاع؟.. ففكرة اجتياح رفح بالأساس وشن عملية برية لقوات الاحتلال الإسرائيلي على هذه المدينة الفلسطينية المجاورة للحدود المصرية هي هدفها بالأساس التهجير، وهو الحلم الذي ربما يكون السبب الرئيسي في استمرار العدوان حتى الآن.

ورغم التحذيرات الدولية من أن اجتياح إسرائيل على رفح بريا وهي المنطقة المكدسة بالسكان والنازحين إليها من شمال ووسط القطاع، سيؤدي إلى عواقب وخيمة، إلا أن الاحتلال يصر على المضي قدما نحو تنفيذ تلك العملية، وهو ما أكده رئيس الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام، بقوله إن "الجيش سيدخل رفح في جنوب غزة"، بل أنه تحدى الرفض الدولى وقال إن هذه الضغوط لن تثنى إسرائيل عن هدفها، في حين يرى البعض أن ما سربته هيئة البث الإسرائيلية حول قرار تأجيل العملية العسكرية في رفح ما هو إلا تشتيت حول الأمر، وربما يكون تمويهاً للدخول في عملية تنذر تنفيذها بكارثة جديدة، ويدفع نحو موجة تهجير جديدة من المنطقة، خاصة وأن رفح يسكنها الآن ما يقدر بـ 1.5 مليون فلسطيني يبحثون حاليا عن ملجأ من القتال الدائر في مناطق أخرى من قطاع غزة في ظل أوضاع متدهورة؛ ليبقى السؤال الأهم لماذا يصر الاحتلال على محاصرة سكان غزة ومحاولات تهجيرهم؟.

ويعتبر المخطط الذي تقوم به حكومة الاحتلال، هو استنساخ لمخططات قديمة وفق آليات جديدة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، حيث تعمل تل أبيب وفق الاستراتيجية التي وضعتها الحركات الصهيونية منذ عقود طويلة لإخلاء غزة من سكانها، واستبدال سكانها بمستوطنين ومهاجرين يهود نقلوا إلى فلسطين المحتلة مطلع القرن العشرين، وهنا نرى أسباب تكثيف جيش الاحتلال الإسرائيلي من عملياته العسكرية في شمال القطاع، والانتقال إلى ما هو أبعد بشن عمليات برية على جنوبه، ليظل هدف جيش الاحتلال الأساسي هو إفراغ قطاع غزة من سكانه، في ظل سياسة الحصار والتجويع والتعطيش التي تمارسها إسرائيل مع حرب نفسية شرسة هدفها في النهاية دفع الفلسطينيين للتخلي عن منازلهم والنزوح قسريا خارج القطاع.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق