متى ستنتهي ثقافة المذابح؟

الأحد، 21 أبريل 2024 10:00 ص
متى ستنتهي ثقافة المذابح؟
حمدي عبد الرحيم يكتب:

 
لقد حاربت مصر بعد مذبحة بحر البقر وانتصرت وسيحارب الفلسطينيون بعد كل المذابح التي تعرضوا لها وسينتصرون وإن غدًا لناظره قريب
 
 
كان صباح الأربعاء الثامن من أبريل من العام 1970 سيمضي كما مضى سابقه، ولكن كان لجيش الاحتلال رأي آخر.
ففي تمام الساعة التاسعة حلّقت خمس طائرات إسرائيلية من طراز فانتوم على ارتفاع منخفض لتتفادى محطات الرصد المصرية، وتوجهت رأسًا إلى قرية بحر البقر التابعة لمركز الحسينية، بمحافظة الشرقية.
كانت الطائرات المغيرة تعرف هدفها جيدًا، وقد تدرب طياروها كثيرًا على قصف مثل تلك الأهداف.
كان الهدف الاستراتيجي الذي قصفه العدو هو مدرسة بحر البقر الابتدائية!
عندما جاءت التاسعة والدقيقة العشرون كان الدرس قد بدأ، لقد قصف الطيران المغير المدرسة بخمس قنابل زنة الواحدة منها ألف رطل، وللتأكد من تدمير كل شيء فقد أطلقوا صاروخين على حطام المدرسة.
تقارير الجهات المصرية المسئولة قالت: تتكون المدرسة من دور واحد وتضم ثلاثة فصول بالإضافة إلى غرفة المدير، وعدد تلاميذها مائة وثلاثون طفلا أعمارهم تتراوح بين ستة أعوام إلى اثني عشر عاماً، وكان عدد التلاميذ الذين حضروا تلك المجزرة ستة وثمانون تلميذًا فقط.
استشهد منهم ثلاثون تلميذًا وسقط الآخرون جرحى، وكانت إصابات بعضهم خطيرة.
جيش العدو كان يعرف أن قصف مدرسة لن يمر، وستكون هناك تنديدات دولية، وسيكون مطالبًا بتقديم رد، أي رد، فالمهم أن يقول كلامًا مرتبًا منظمًا، ثم سيقوم رعاته بترويج ذلك الكلام، والتعامل معه كأنه الحقيقة الوحيدة المطلقة.
شاعر الشعب الأستاذ صلاح جاهين وضع الأمر في سياقه عندما سارع بكتابة ونشر قصيدة قال في مطلعها:
"الدرس انتهى لموا الكراريس
بالدم اللي على ورقهم سـال
فى قصـر الأمم المتــحدة
مسـابقة لرسـوم الأطـفال
ايه رأيك فى البقع الحمـرا
يا ضمير العالم يا عزيزي
دي لطفـلة مصرية وسمرا
كانت من أشـطر تلاميذي
دمها راسم زهرة
راسم رايـة ثورة
راسم وجه مؤامرة
راسم خلق جبارة
راسم نـار
راسم عار
ع الصهيونية والاستعمار
والدنيا اللي عليهم صابرة
وساكته على فعل الأباليس
الدرس انتـهى
لموا الكراريس".
لماذا تصبر الدنيا على أفعال الأبالسة؟
هذا سؤال نوجهه إلى الدنيا!
بعد بدء طوفان التنديد الدولي بما فعله الأبالسة، أدرك العدو أن سكوته سيزيد طين جرائمه بلة.
لقد سكت منذ التاسعة صباحًا ولكنه تحدث في الثالثة عصرًا.
كل المصادر التي رجعت إليها قالت ما ملخصه: في الساعة الثالثة من عصر اليوم الأربعاء الثامن من أبريل صرّح المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي بـ"أنهم يحققون في الأمر".
كم مرة قالوا هذا التصريح؟
كم مرة سمعنا هذا التصريح؟
هذه خطوات هم مدربون عليها وقد أصبحوا يتقنونها، فبعد تلك الخطوة التمهيدية صرح نفس المتحدث قائلًا: إن الطائرات الإسرائيلية لم تضرب سوى أهداف عسكرية في غارتها على الأراضي المصرية.
مدرسة بريف مصر، تلاميذها من الأطفال، أصبحت هدفًا عسكريًا، بعدها ستصبح سيارات الإسعاف اللبنانية، هدفًا عسكريًا، ثم المستشفى المعمداني، ثم مجمع الشفاء ثم كل مساجد وكنائس غزة، ثم أي شيء لا يروق لجيش العدو، هو هدف عسكري يجب تحطيمه!
الخطوة الثالثة قطعها موشى ديان وزير الحرب الإسرائيلي وقتها الذي قال: المدرسة المصرية التي ضربتها طائرات الفانتوم هي هدف عسكري لأنها كانت قاعدة عسكرية، والمصريون يضعون الأطفال فيها للتمويه.
كل هؤلاء هم تربية يد جوبلز وزير الدعاية النازية، الذي ينسبون إليه أنه قال: "اكذب ثم اكذب ثم اكذب، وحتمًا سيبقى شيء!
كرة الأكاذيب تلقفها يوسف تكواه، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة الذي قال في رسالة وجهها إلى المنظمة الأممية: رسالة للمنظمة تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري!".
خاتمة المطاف كانت مع راديو إسرائيل الذي قال عن الضحايا: إنهم كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية.
ماذا فعل ضمير العالم؟
هل تصدق أن للعالم ضميرًا؟
لقد فعل ما يفعله دائمًا، بعد الإدانة اللفظية البسيطة، طالب بضبط النفس!
القصة كلها من الألف إلى الياء ليست عند مصر أو غيرها، القصة والعقدة ومربط الفرس لدى الآخر، الذي تبيح له ثقافته، بل توجب عليه أن يقتل لوجه القتل، ثم يبحث عن مبرر مضحك، ثم سيذهب كل شيء إلى زوايا النسيان!
درس بحر البقر لم ينته رغم مرور أربع وخمسون سنة، إنه درس متواصل ومستمر ما بقيت ثقافة القتل تلك الثقافة القائمة على "كي الوعي" أو ترعيب الوعي، حسب وصف الكاتب الأستاذ نظير مجلي.
وصورة ترعيب الوعي هي، قتل كل طفل سيرمي دبابة لهم بحجر!.
ثم قتل والديه وقتل كل أهله وقتل كل أصحابه، كل هذا القتل لكي يرسخ في أذهان الأطفال أن قذف دبابة بحجر صغير فعل مجرم سيكون القتل عقابًا له!
هل أفلحت تلك السياسة؟
لم تفلح ولن تفلح، لقد حاربت مصر بعد مذبحة بحر البقر وانتصرت، وسيحارب الفلسطينيون بعد كل المذابح التي تعرضوا لها وسينتصرون وإن غدًا لناظره قريب.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق