أب للإيجار
الأربعاء، 17 أبريل 2024 04:20 م
لأول مرة ومنذ سنوات عديدة ينجح مسلسل كوميدي في تقديم رسائل اجتماعية مهمة، وفي نفس الوقت يستطيع أضحاك المشاهد بعيدا عن الابتذال والاستخفاف بعقول المشاهدين.
وكان هذا المسلسل هو "بابا جه"، بطولة "أكرم حسني" الذي قام بدور هشام الأب الذي فقد عمله في أحداث كورونا، وبعد أن كان مدير فندق ناجح أصبح عاطل كل ما يملكه سيارة يقودها ابن عمته ياسر، لأن هشام رفض فكرة العمل كسائق سيارة أجرة، وتوضح الأحداث أن زوجة هشام وتقوم بدورها الفنانة "نسرين أمين" تشارك بمعظم راتبها من عملها كمدرسة في شراء وسداد احتياجات المنزل، وتتصاعد الأحداث عندما يحضر هشام حفل لابنته وتخبر الجميع إنها ليست بحاجة لوالدها، ومن يرغب فليأخذه، وبالفعل يطلب الطفل زياد اليتيم الأب أن يصطحب "هشام" معه إلى البيت لأنه يحتاجه.
وتتوالي الأحداث عندما ينشيء ياسر صفحة بعنوان "بابا جه" لتضع خدمات "هشام" كأب تحت الطلب، وهنا يبدع الكاتبان وائل حمدي ومحمد إسماعيل أمين في صناعة مسلسل يعبر عن الواقع الاجتماعي للمجتمع من خلال عدة أسر تستخدم هشام كأب أو حاضنة في بعض الأحيان، وفي إحد الحالات خطيب لسيدة.
وعلى مدار خمس عشرة حلقة نشاهد مشاكل المجتمع مرة أزمة الأب الغير قادر على رعاية أولاده، ويلقي كل الحمل على زوجته ويتسبب هذا العدد الكبير في عدم قدرتهم على إعطاء كل إطفالهم الأهتمام الكافي، ولم يلاحظ أي من الأب أو الأم إن ابنتهم لا تذهب للدروس حتى تخرج مع حبيبها، وفي عائلة أخرى نرى تورط الأبن الاكبر في جرائم على الانترنت، على الرغم من أن العائلة توفر له كل شئ والبنت تتعاطى المهدئات، وفي عائلة أخرى تعبر الطفلة عن حرمانها العاطفي في التنمر بأصدقائها أم عائلة هشام نفسها، فيؤدي ضعف الثقة إلى تعرض الأسرة إلى إنهيار كاد أن يحطمها لولا محاولة هشام لإصلاح الوضع والعقلانية الكبيرة التي تتمتع بها زوجته وصبرها عليه.
ويكرر المسلسل الرسالة أكثر من مرة وهي أن ثقة الأطفال في أمهاتهم وأبائهم هو الحل للكثير من المشاكل، بل حائط صد لمنعها والتعامل معها من الأساس، ففي كل قصة كان هناك رسالة تعبر عن ثغرة في كيان الأسرة وبالتالي رتق في ثوب المجتمع يحتاج إلى اهتمام وإلى علاج حتى لا يتمزق هذا الثوب وتتفسخ أعضائه.
وفي ختام المسلسل يرفض هشام بيع الفكرة وتحويل الصفحة إلى تطبيق عربي واسع الانتشار ليقول بالحرف "لا يوجد أب للإيجار"، فلا بديل للأب في كل عائلة وكل أب وعائلة هي حالة خاصة لا يمكن استبدالها.
ينتمي العمل بالأساس إلى فئة الكوميديا، لكن ذلك لا ينفي حساسية القضية التي يتناولها، وتحديدا إهمال الآباء احتياجات أولادهم العاطفية والنفسية، وهو ما ينتج عنه تعرّضهم إلى كثير من المشكلات ويؤثر بدوره على سلوكياتهم واختياراتهم الحياتية.
واستطاع المسلسل أن يقدم اكثر من رسالة سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية بين أفراد الأسرة وضرورة الاحترام وتربية الأطفال على الاستقامة وحب عائلاتهم والاهتمام بالأخوة والترابط فيما بينهم وهو ما يحتاجه المجتمع في كل وقت.