الحشاشين بيننا.. السمع والطاعة أول الطريق للقتل باسم الدين (الحلقة الخامسة)

 كيف سار البنا والبغدادى على طريق حسن الصباح لإغراء الشباب بوعد الجنة والحور العين 
البيعة وصناعة الرمز قاسم مشترك بين كل التنظيمات الإرهابية.. والتيارات المتطرفة الجديدة تستخدم السوشيال ميديا للترويج والتجنيد

 

«قال الله وقال الرسول».. تكفي هذه المقولة لحل العقد، والمشكلات، ومسائل الخلاف، والتنازع، في الدين، وفي أمور الدنيا، ولكنا قبل رد الأمر لها، اشترط الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الطاعة، فقال تعالى في سورة النساء: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)[.

 

لكن ابتُلي المسلمون بالخلاف في «أولي الأمر»، ودخل المدلسون للعوام من باب الطاعة، وجعلوا من أنفسهم ولاة أمر، بل وتمادوا بأن لهم حق الطاعة، فأنزلوا أنفسهم منزلة وجوه الله في أرضه، وبل ويده التي يبطش بها، حماة الدين، وحملة الرسالات بعد الأنبياء، في مشهد عبثي، كالحشاش دخّن سيجارة فعلاً لا صفةً.

 

المتتبع لتاريخ جماعات الإسلام السياسي المعاصرة، يجدها جميعاً في "سلة" واحدة، كافة قواسمها مشتركة، حتى مع تلك التي كانت في عصور الضلال من الخوارج والحشاشين والقرامطة، كل أولئك الذين استباحوا دماء المسلمين من أبناء دينهم بـ«حق الطاعة».

 

جميعهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ونادوا بدفع الظلم والجور، رافعين بذلك راية الدين، وجميعهم أيضاً خرجوا على أئمة المسلمين وجماعاتهم، ورفعوا شعارات ضلال كـ «الإسلام هو الحل» وهي حق أريد بها باطل، قتلوا باسم الله، وأسالوا الدماء في المساجد والطرقات، وأمسكوا بمفاتيح الجنة، وكأن الله لم يخلق سواهم. 

 

حديثنا مع «الحشاشين» مستمر، وحلقتنا هذه سنتناول فيها «الحشاشين الجدد»، أولئك الذين ساروا على نهج الأجداد، فأقروا البيعة لأميرهم، وطوعوا الدين لأغراضهم، فمنهم من بغى، ومنهم من نشر البغاء؛ بحجة تطويع الشباب، وأسكرهم والخمر حرام، حتى يروا الجنة التي وعدوا بها، ويغيب عقلهم. 

من هم الحشاشين الجدد؟
طائفة الحشاشين الإسماعيلية أمة قد خلت، لكن الإخوان أعادوا الكرة، وخرج من رحمهم الجماعة الإسلامية، التي غذت مقاتلي الشيشان وأفغانستان، فأسسوا تنظيم القاعدة، ليخرج جيل جديد أكثر بشاعة وسّم نفسه بـ«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مروجاً لوهم الخلافة، فلا خلافة بعد الأربعة الراشدين، وجميعها أنظمة ملك، طوعت الدين لمصالحها. 

 

قد نسهل عليك الطريق ونعدد لك أسماء هذه الجماعات، لكن إذا لم نفهم سويًا ونصل لقاعدة عامة نتفق عليها، فلا طائل من هذا الجهد. لنبدأ الآن! ولنتفق أولاً على أن كل انحراف فكري نهايته إرهاب.

 

يقول الدكتور أحمد عبدالتواب مبروك، المتخصص في القانون الجنائي، إن الانحراف الفكري أحد العوامل المؤدية للإرهاب، بل وكلاهما وجهين لعملة واحدة، فعندما يتحول الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة في صورة اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع يصبح إرهاباً.

 

وبحسب ورقة بحثية بعنوان: «المواجهة الوقائية والجنائية للتطرف الفكري» نشرتها مجلة الشريعة والقانون في عددها 35 لعام 2019، فإن الانحراف الفكري وقود للإرهاب، باعتبار أن مرتكب الأعمال الإرهابية يعتنق نمط فكري معين يتسم بالتشدد والتطرف، سواء كان هذا النمط الفكري دينياً أو سياسياً أو غير ذلك.

وتضيف الورقة التي توصلت لها «صوت الأمة»، أن الإرهاب أحد إفرازات الانحراف الفكري الذي يساعد على انتشاره الجهل، بوقوع البسطاء تحت سيطرة الإرهاب لعدم قدرتهم على النقد، والحوار، والتمييز، مما يؤدي إلى تعصبهم لجماعة أو طائفة معينة، والإيمان المطلق بأفكارها المتطرفة دون وعي مما يساعد على انتشار العنف.

 

ولأن أحدهما مقدمة للآخر سواء في الفعل، أو معالجته، فمعالجة الانحراف الفكري مقدمة لمواجهة الإرهاب؛ غير أن هناك اختلاف يجب الالتفات له، هو أن الانحراف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة، وفق أستاذ القانون الجنائي. 

 

يضيف أنه إذا ارتبط الانحراف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف فإن يخرج من دائرة الفكر إلى الإرهاب الذي يعد شكلاً أشكال فرض الرأي المتطرف بالقوة، وذلك لأن الإرهاب يولد ويترعرع في أحضان الفكر المنحرف الذي يقوم على فرض الرأي بالقوة، ومن ثم فإن الانحراف الفكري هو تجاوز حد الاعتدال، أما الإرهاب فيتجاوز إلى مرحلة فرض المعتقدات. 

حشاشين بلا دماء 
تظن الغالبية أن الحشاشين جميعاً «قتلة» و«دواعش»، لكن كل عموم في المطلق خاطئ، فهناك حشاشين مختفين، يظهرون الصلاح، لكن معتقداتهم فاسدة، ويستغلون أن الانحراف الفكري لا يعاقب عليه القانون، ولا يعتبر جريمة في بث سمومهم.

 

يقول أستاذ القانون، إن الانحراف الفكري هو حركة في اتجاه القاعدة الاجتماعية أو القانونية أو الأخلاقية، يتجاوز مداها الحدود التي وصلت إليها القاعدة وارتضاها المجتمع ومن ثم يصعب تجريمه؛ فالقانون لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو خروج عن القواعد الاجتماعية والقانونية باتخاذ أسلوب يتعارض معها ومن ثم يجب تجريمه.

 

وبحسب الدكتور بليغ حمدي إسماعيل، أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية بجامعة المنيا، فإن التيارات والجماعات ذات التوجه الإسلامي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي خاصة في مصر سعت إلى استلاب فهم ونشر النصوص التراثية وتأويلها بما يخدم مصالحها أو يعزز من مواقفها السياسية والاجتماعية بسبب خوضها غمار التعايش السلمي بين فصائل المجتمع المصري لأول مرة بلا استبعاد أو تمييز أو حظر سياسي أو منع ثقافي.

وتابع في مقالة له بعنوان: «الجماعات الإسلامية من الخلافة إلى وَكالة الدين»، نشرت بتاريخ 28 مايو 2020، أنه سرعان ما يتحول هذا الاستقطاب إلى عملية استلاب فكري تستهدف أحيانا تعطيل عمل العقل أو فقد الثقة في الحاضر مما يجعل المواطن يركن دائماً إلى الماضي.

 

واستطرد: "ربما انتهزت التيارات الدينية فرصة اللغط السياسي الذي كان يحيط ببعض الحكومات العربية وقت الانتفاضات الشعبية في مصر وسوريا وليبيا واليمن وتونس بأداء تلك الحكومات فسعت إلى إظهار نفسها في دور حامي الشريعة والمناهض الرسمي لكل المحاولات التي تنتزع الصفة الإسلامية من الأوطان الإسلامية، رغم أن المؤسسات الدينية الرسمية منوطة بهذا الدور، لكن معظم المؤسسات الدينية الرسمية تخلت عن مسئوليتها التنويرية مما سمح لبعض التيارات الدينية التي كانت تعاني الاستبعاد الاجتماعي والإعلامي في وجود رسمي وشعبي لها".

 

وبدأ تصاعد الاستقطاب لمعظم فئات المجتمعات العربية وشيوع التأويلات الفاسدة للنصوص الدينية والتركيز على أفكار دينية تنتمي لما يعرف فقهيا بـ «فقه الحالة»، والاهتمام الاستثنائي بالمظهر دون الجوهر لاسيما في العادات المرتبطة بالملبس والمأكل والمشرب وطرق الحياة الاجتماعية، ولا يمكن إغفال الحقيقة التاريخية بأن بعض الأنظمة العربية سمحت بمساحات من الحرية لوجود وبقاء التيارات الراديكالية القمعية واستخدامها كفزاعة استراتيجية ضد الغرب لاسيما الولايات المتحدة الأميركية. وفي كل مرة تثبت التجربة على محدودية وقدرة هذه الطوائف والجماعات مثل الإخوان المسلمين والتكفير والهجرة والتبليغ والدعوة والسرورية والسلفية الجهادية والعائدين من أفغانستان وغيرها وعدم نضجها السياسي في القيادة بدليل استخدامها للعنف وأعمال القتل وكذلك حجم الانشقاقات بين صفوف قياداتها. وفق بليغ حمدي.

الإنترنت في عقل الحشاشين الجدد 

تؤمن جماعة الإخوان بأستاذية العالم، ويؤمن تنظيم داعش الإرهابي بالخلافة، فالخلافة فكرة أصيلة في عقل الحشاشين الجدد، وبالتالي يتطلب الأمر أمور ثلاثة، هي «الرمز والأيقونة والشعار»، ليلتف حولها الأنصار، فأول خليفة للإخوان كان حسن البنا، وأول خليفة لداعش أبو بكر البغدادي، وبالتالي كانت صناعة الشخص وطلب البيعة له، أول الطريق للاحتشاد، وتأصيل المكانة، بما يضمن تحقيق السمع والطاعة. 

 

وكثيراً ما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي الترويج لهذه الرمزية، تقول الدكتورة فاطمة السالم، أستاذ الإعلام بكلية الآداب جامعة الكويت، إن الجماعات الإرهابية تنشر معتنقات خاطئة ذات صلة بالدين، وتمثل انحرافاً، ومنصات لبث الطائفية، وبالتالي نشر الفرقة بين المجتمعات.

 

وأضافت السالم، في ورقة بحثية بعنوان «مواقع التواصل الاجتماعي والتطرف الفكري»، نشرتها المجلة المصرية لبحوث الإعلام، في عددها رقم 79 (أبريل / يونيو) 2022، أن منصات التواصل الاجتماعي تساهم في نشر مضامين وفتاوى خاطئة ومضللة عن الدين الإسلامي، ونشر الشبهات حول الدين، بهدف جذب الشباب وتضليلهم وتجنيدهم، من خلال التأثير على مدركات الشباب، وبناء توجهات فكرية مضللة. 

 

الأمر أكبر من مجرد منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، فالإرهابيون يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لتحديد أهدافهم والتعرف على المجتمعات ومراقبتها، خاصة في إطار عمليات الاغتيالات التي تطال بعض رموز الأجهزة الأمنية أو السياسية في الدول المستهدفة. تقول الدكتورة سماح عبدالصبور مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن ذلك إما بمراقبة من يمتلك حسابات على تلك المواقع، أو مراقبة دائرة أصدقائهم ومعارفهم للوصول إليهم، وجمع البيانات اللازمة عن تحركاتهم، وتوفير الوقت والجهد اللازمين للقيام بذلك على أرض الواقع، وأيضاً ضمان سرية المراقبة. 

 

وأضافت أستاذ العلوم السياسية في ورقة لها بعنوان: «الإرهاب الرقمي: أنماط استخدام الإرهاب الشبكي» نشرها مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، في 2014، إن وسائل التواصل الاجتماعي مهمة لتلك الجماعات في إطار ما أسماه البعض «شبكات الكوادر»، التي تعد أحد أساليب استخدامها كمساحات افتراضية مغلقة، تعمل على التواصل بين كوادر التنظيم المسلح كأداة عابرة لقيود المكان، وذلك من أجل مهام عدة، منها التدريب على تكوين خلايا تنظيمية، واستقطاب مزيد من الكوادر وتدريبهم على استخدام الأسلحة، والتنسيق للعمليات المسلحة وتوقيتها، والتدريب على صنع القنابل البدائية، ناهيك عن تنفيذ هجمات إرهابية افتراضية على المواقع الإلكترونية المهمة، ولسرقة أرقام بطاقات الائتمان أو استهداف البنية التحتية للدولة التي تعتمد على أجهزة الحاسوب الرقمي بهدف تعطيلها أو مهاجمة أهداف اقتصادية لإيقافها عن العمل.

 

ومنذ الانفتاح العالمي على مواقع التواصل الاجتماعي، وصارت هذه المواقع بمثابة منصات انطلاق ونشر فكر متطرف للجماعات باختلاف انتماءاتها العقائدية، كونها بعيدة عن سيادة الدول، وتوافر الإتاحة، وتطور القدرة على التحايل، ناهيك عن تقديم خدمات الاتصال والتواصل السريع والدعم والتمويل وفق نظام اللجان. وهو ما تتوافق معه عبدالصبور. 

 

إن تلك اللجان بإمكان تغيير السمت العام والهوية في لحظات كونها أداة حرب نفسية ضد خصومها من المنظمات المسلحة الأخرى والحكومات، وذلك من خلال النشر المكثف للمواد الإعلامية التي تدعم الأفكار التي تروج لها. 

 

تقول أستاذ العلوم السياسية، إنه بجانب نشر الأفكار والدعاية للتنظيمات، تستهدف التنظيمات المسلحة تجنيد أعضاء جدد للقتال في صفوفها، وتستهدف هذه لجماعات ثلاث فئات هي: المتعاطفون مع الفكر الجهـادي وغالبيتهـم من الشباب لاستمرار الحصول على دعمهم، والرأي العام في العموم -من أجل تأكيد نفوذ التنظيمات الجهـادية في المجتمع، إما بغرض الحشد والتأييد أو التخويف من مواجهتها- والفئة الثالثة: الخصوم من أجهزة الدولة ومؤسساتهـا، وذلك بهـدف إضعاف موقفهم، والتأثير على هيبتهم، وإظهارهم بمظهـر العاجز في مقابل قوتها.

الأرقام تؤكد صدق المعلومات
في تسجيل لزعيم تنظيم القاعدة السابق، أيمن الظواهري، قال صراحة: «نحن في معركة، وأكثر من نصف المعركة يدور في ساحات الإعلام، نحن في معركة إعلامية لكسب عقول وقلوب أمتنا».

 

الأمر ليس مجرد ادعاء، ففي يناير 2024 أكَّد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن ذاكرة رصد التطرف أنَّ الذاكرة الرصدية للتطرف، رصدت أضخم مكتبة إلكترونية رقمية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، بحجم 3 تيرا بايت، البوابة الأخطر للتطرف العنيف على شبكة الإنترنت، لكونها تشتمل على أرشيف ضخم من إصدارات التنظيم المرئية والمسموعة والمكتوبة، والنتاج الفكري المتطرف لمجرمي الفكر التكفيري القديم والحديث والفتاوى الشاذة والمتطرفة لهم. 

 

وأكَّد الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أنَّ الذاكرة الرصدية للتطرف التابعة لمركز سلام لدراسات التطرف بدار الإفتاء المصرية، رصدت المحتوى المتطرف على منصات التواصل الاجتماعي، وكان من أهم المنصات الواسعة الانتشار لدى المتطرفين، منصة "تليجرام"، حيث رصدت الذاكرة الرصدية المحتوى المتطرف بها من كتب وكتيبات ومطويات وإصدارات مرئية ومسموعة لعدد من التنظيمات الإرهابية، وبلغ عدد المحتوى المتطرف المرصود (846265) محتوى متطرفًا بعدَّة لغات. 

 

الشائعات أيضاً أداة من أدوات «الحشاشين الجدد»، ففي عام 2023 بلغ معدل الشائعات في مصر نحو 18.8%، بالنظر لترتيب السنوات العشر الأخيرة منذ عام 2014 حتى عام 2023 ووفقاً لتوزيع نسبي لإجمالي الفترة بلغ 16.7% عام 2022، و15.2% عام 2021، و14.8% عام 2020، و12.8% عام 2019، و8.4% عام 2018، و6% عام 2017، و4.2% عام 2016، و2% في 2015، و1.1% في 2014.

 

وأظهر التقرير ترتيب القطاعات طبقاً لمعدل انتشار الشائعات عام 2023، حيث بلغت نسبتها فيما يتعلق بقطاع الاقتصاد 24%، والتموين 21.2%، والتعليم 11.6%، والطاقة والوقود 11%، والصحة 8.3%، والحماية الاجتماعية 6.2%، والإصلاح الإداري 6.2%، والزراعة 4.8%، والسياحة والآثار 2.7%، والإسكان 2.1%، وقطاعات أخرى 1.9%..

 

وبإمكان إرهاب الإنترنت، التسلسل لك في منزلك، وتدرك الجماعات المتطرفة ذلك جيداً، مستخدمة التخفي، واختراق منظومات الأمن، وزراعة الفيروسات الضارة «الباتشات»، لذا بإمكانها إكمال عملية التجنيد بكاملها، بداية من إثارة العواطف والاستقطاب، وصولاً إلى التصديق المطلق وتنفيذ العمليات.

إرهاب بنكهة أكثر تطوراً 

 

في ظل التطور التكنولوجيا السريع، استخدمت الجماعات الإرهابية «ألعاب الفيديو» أحد أضخم الصناعات في العالم لنشر أفكارها، وبالتالي يتم تعريض شبان صغار السن لمحتوى خطير، يتضمن إعادة نشر أحداث إرهابية حقيقية عبر منصات الألعاب الإلكترونية.

 

ويمثل المحتوى المتطرف على منصات الألعاب الإلكترونية، «مصدر قلق خطير»، فبحسب تقارير غربية تمكّن اللاعبون فيها من إنشاء سيناريوهات قد تكون دموية، وتسجيلها للآخرين، بحيث تتم مشاركتها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

ونبهت من استغلال المتطرفين للاعبين الشباب من أجل تشجيع العنف والأفكار العنصرية، وهو ما تثبته زيادة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب اليميني المتطرف من 2 % قبل عام 2020 إلى قرابة 15 % سنة 2022. وأشارت تقارير عديدة لاستخدام الإرهابيين والجماعات المسلحة ألعاب الفيديو التعددية عبر الإنترنت Online  Multiplayer Video Games من أجل التخطيط لهجمات مسلحة.

 

وباستخدام هذه الألعاب يستطيع الإرهابيون استعمال خط «دردشة» آمن، والتحدث مع شركائهم من جميع أنحاء العالم حول خطتهم المقبلة، دون وجود أي خوف من كشف هويتهم الحقيقية. وغالبا ما يركز الإرهابيون على ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أو First-person shooter لما توفره من واقعية في هذا الأمر.

 

كذلك فإن منصات الألعاب عند مقارنتها بوسائل التواصل الأخرى، نجد أنها توفر بيئة آمنة للتواصل مقارنة حتى بالمكالمات الهاتفية والنصوص والرسائل المشفرة. ومما يسهّل على الإرهابيين مهامهم الإجرامية، صعوبة تحديد عنوان بروتوكول الإنترنت IP في منصات الألعاب مقارنة بالهواتف المتحركة مثلا.

ومن خلال الاستعانة بألعاب الفيديو، لن يضطر الإرهابيون أثناء تخطيطهم لعمل خطير التحدث أو تبادل الرسائل المكتوبة مما يصعّب من مهمة الجهات الأمنية، إذ يكفي أن يمرروا فيما بينهم رسائل خفية عبر الألعاب التي يمارسونها، ككتابة تفاصيل العملية في مشاهد عدد من الألعاب بطريقة ماكرة، كإطلاق الرصاص على جدار ما مثلا.

 

واليوم تأتي جميع منصات الألعاب تقريبا مجهّزة بقدرات تتيح تسجيل كل شيء، الأمر الذي قد يسهّل من مهمة أجهزة الاستخبارات في تعقب الإرهابيين والمشتبه بهم، بناء على تاريخ المحادثات التي قاموا بإجرائها عبر منصات الألعاب، في حال إقرار قوانين تمكّن هيئات إنفاذ القانون من الوصول لتلك المعلومات.