حمدي عبد الرحيم يكتب: العيد الذهبي لتدمير الحاج «كنتينج»
السبت، 06 أبريل 2024 10:00 م
الحفار تم بيعه بوصفه روبابكيا في أسواق أبيدجان بعد تدميره من القوات المصرية.. والثابت أن مصر أنعمت على أبطالنا بأوسمة ونياشين
ينسب لصاحب الجلالة ملك المغرب السابق، الحسن الثاني، أنه قال: المصريون شعب متحضر، إنهم مثل القط، لو ألقيت بهم من الطابق العاشر فسيهبطون على أقدامهم ثم سرعان ما يسابقون الريح!
هذه المقولة صحيحة مئة بالمئة بغض النظر عن تحديد شخص قائلها.
المصريون، الشعب المتحضر لم يُقذف بهم من الطابق العاشر بل سقطوا من الطابق المئة، وهذا كان وقع هزيمة يونيو 1967 عليهم جميعًا من رأس القيادة إلى أصغر أفراد الشعب، ولكنهم وقفوا على أقدامهم ثم سرعان ما سابقوا الريح فسبقوها وحققوا انتصارهم الخالد يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر من العام 1973.
بدأ المصريون في إعادة بناء جيشهم على أسس علمية، فبدأت حرب الاستنزاف التي مهدت لاقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف الحصين.
حرب الاستنزاف كانت مثل الدراما من منظور أرسطو، فكانت لها بداية وذروة ثم خاتمة.
والبداية كانت جولات ناجحة أذلت العدو وأذهبت عنه سكرة انتصاره المباغت.
كان للبداية هدف استراتيجي في غاية الأهمية، وهو، تدمير صورة العدو الذي لبس صورة القوة التي لا تقهر، فبعد أيام قلائل من الهزيمة، انتفض الجيش المصري، واشتبك وجهًا لوجه مع قوات العدو في معركة رأس العش، التي كانت في يوليو من العام 1967.
فعندما تقدمت قوة من قوات العدو كاملة التسليح نحو مواقعنا تصدى لها مقاتلون الذين تشبثوا بمواقعهم في رسوخ وقاموا بتدمير ثلاث دبابات معادية، فتقهقر العدو، ثم حاول ثانية اقتحام مواقعنا، فتصدى له مقاتلونا، مرة ثانية وكانت النتيجة تدمير بعض العربات بالإضافة لخسائر بشرية من جانب القوات المعادية.
بعد نجاحنا في معركة رأس العش وتوابعها، بدأ طيراننا يقصف تجمعات العدو، وبدأت مدافعنا تصليهم بجحيمها، ثم تدخلت بحريتنا بثقلها، فكان نصر إغراق المدمرة البحرية «إيلات»، وكان نصرنا في تلك المعركة حديث العالم لأشهر، فمن كان يجرؤ على تخيل قوة الانتفاضة المصرية بعد هزيمة ثقيلة.
بعد تلك المقدمات أو البدايات حان وقت الذروة.
أعني الحدث الأبرز والأخطر والجولة الاستراتيجية من جولات حرب الاستنزاف المجيدة، إنها تدمير الحفار «كنتين».
تلك العملية البطولة الفذة التي نحتفل بالذكرى الرابعة والخمسين على وقوعها.
عن الكاتب الأستاذ سعيد الشحات أنقل: "نشرت جريدة «الأهرام»: «كانت الأنباء تسربت في نوفمبر من العام 1969 حول منح إسرائيل للشركة الكندية كينتنج للبترول عقدًا بنصف مليون دولار للتنقيب عن البترول في خليج السويس، وعلم بعد ذلك أن شركتين أخريين دخلتا في العملية، وهما شركة كينتنج الأمريكية وميدبار أحد فروع كينتنج المسجلة في بريطانيا.
واضافت «الأهرام» أن مصر أبلغت حكومات هذه الدول بأنها تحملها مسؤولية قانونية وسياسية لسماحها بالقيام بأعمال تنقيب عن البترول في خليج السويس.
طبعًا لم يستجب أحد للتحذير المصري ولم يأخذه أحد على محمل الجد، وعلى ذلك أمر الرئيس جمال عبد الناصر قواتنا بتدمير الحفار بأي طريقة كانت وليكون ما يكون.
اجتمع الرئيس عبد الناصر بأبطال المخابرات العامة المصرية التي كان يرأسها اللواء أمين هويدي وتم الاتفاق على تتبع خط سير الحفار الذي أطلق عليه اسمًا كوديًا وهو «الحاج».
عرف أبطال مخابراتنا أن الحفار سيمر بالساحل الإفريقي حتى يصل إلى خليج السويس عبر مضيق باب المندب مرورًا بالبحر الأحمر.
هنا بدأ دور أحد أبطالنا الخالدين، أعني اللواء محمد نسيم، المشهور لدينا بلقبه «نديم قلب الأسد».
كان أبطالنا يدركون أن أدنى خطأ معناه فشل العملية، مع ما يتبع الفشل من فضيحة دولية مدوية، ولذا لم يتركون شيئًا للظروف، فكل خطوة كانت بحساب دقيق.
وضع رجال مخابراتنا الأفذاذ ثلاث خطط لتدمير الحفار، الخطة الأولى تقضي بتدميره في العاصمة السنغالية دكار، فإن أفلت منهم دمروه في أبيدجان عاصمة كوت ديفوار، فإن أفلت دمروه في بورت هاركوت بنيجيريا.
أفلت الحفار من الخطة الأولى، ولكنه وقع في أيدي أبطالنا في الخطة الثانية، فقد قام سيادة اللواء محمد نسيم بتحديد ساعة الصفر يوم 8 مارس من العام 1970 مستغلًا زيارة بعثة الفضاء الأمريكية بقيادة نيل أرمسترونج لأبيدجان، وانشغال الوسائل الإعلامية والجهات الأمنية بتلك الزيارة لمصافحة الذين صعدوا للقمر في العام 1969.
بعد تهيئة مسرح العمليات، تقدم ثلاثة من أبطالنا الأفذاذ ملازم أول حسني الشراكي ملازم أول محمود سعد وضابط الصف أحمد المصري وقائدهم خليفة جودت، ووصلوا إلى جسم الحفار وتمكنوا من تفخيخه، كان مهندس العملية ومخططها اللواء محمد نسيم، ينتظر في قلق بشرفة الفندق الذي نزل به، وقرب الفجر وصلت إلى مسامعه أصوات الانفجارات المدوية التي وقعت على قلبه كأنها نغمات أعظم الألحان.
لقد ربحنا ذروة المعركة ودمرنا الحفار الذي كان العدو سيستخدمه في إذلالنا وسرقة بترولنا.
نظرًا لخطورة العملية وحساسيتها لم يتناولها الإعلام المصري، إلا بعد أيام وأسابيع من وقوعها، وتناولها بحذر شديد ناقلًا المعلومات من وسائل الإعلام العالمية، التي سارع بعضها مثل وسائل الإعلام البريطانية متهمًا قوات النخبة المصرية بتدمير الحفار.
قيل إن الحفار تم بيعه بوصفه روبابكيا، في أسواق أبيدجان، ولكن الثابت أن مصر ممثلة في أعلى قياداتها قد أنعمت على أبطالنا بأوسمة ونياشين، والأكيد أنهم جميعًا قد تبوأ المكانة التي يستحقونها في ضمير مصر وقلبها، فكل عام وابطالنا الأحياء منهم والراحلين بكل خير.