يوسف أيوب يكتب: من المسئول عن استمرار الحرب على غزة؟

الأحد، 31 مارس 2024 01:00 ص
يوسف أيوب يكتب: من المسئول عن استمرار الحرب على غزة؟

 

- الفصائل الفلسطينية والاحتلال لم يكن لديهم خطة لما بعد 7 أكتوبر.. ومكاسب أطراف دولية وأقليمية زاد وتيرة الصراع

- لأول مرة الخلاف الإسرائيلي الداخلى يظهر للعلن ويزيد الأعباء على الوسطاء.. والانحياز الأمريكي لتل أبيب أفقدها حيدتها

- المؤشرات تؤكد تجميد الوضع انتظارا لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. وقرار مجلس الأمن الأخير خطوة أولى للحل

 
الإثنين الماضى، وللمرة الأولى، منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضى، نجح مجلس الأمن الدولي وعقب تكرار عجزه عن التوصل لقرار يطالب بوقف دائم لإطلاق النار، نجح في إعتماد قراراً يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان.
 
واعتبرت مصر أن صدور هذا القرار بعد أكثر من خمسة أشهر من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي ألحقت أضراراً بالغة بالمدنيين في قطاع غزة، ورغم ما يشوبه من عدم توازن نتيجة إطاره الزمني المحدود والإلتزامات الواردة به، إلا أنه يمثل خطوة أولى هامة وضرورية لوقف نزيف الدماء ووضع حد لسقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وإتاحة الفرصة لدخول المساعدات الإنسانية.
 
وطالبت مصر بضرورة التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار، وبما يفتح المجال للتعامل مع كافة عناصر الأزمة، مؤكدةً على أنها ستواصل جهودها الحثيثة مع الأطراف الدولية والإقليمية من أجل احتواء أزمة قطاع غزة في أسرع وقت.
 
وهنا يظهر السؤال.. هل نحن على أعتاب وضع نهاية لهذه الحرب؟
 
الإجابة بكل تأكيد لا.
 
والـ «لا» هنا مرتبطة بمجموعة من الأسباب والمعطيات التي أوجدتنا في قلب صراع وفق أوصاف كثيرة هو «الأسوأ» على الإطلاق، لأن الكراسى فيه متقلبة ومتبدلة على مدار اللحظة وليس الساعة، فالصراع كما وضح منذ أنطلاقه في السابع من أكتوبر الماضى، لم يقتصر على حماس وبقية الفصائل الفلسطينية وإسرائيل فقط، وإنما تداخلت فيه أطراف وقوى أقليمية ودولية، كل منها يبحث لنفسه عن تحقيق أهداف، سواء وقتية أو على المدى البعيد، لدرجة أن مراقبين أشاروا عن حق إلى أن ما يحدث في غزة يحقق مكاسب أخرى لأطراف خارج الأقليم، كون هذه الحرب أصبحت «كارت» تفاوض لدى دولاً لتفاوض به أطراف دولية كبرى في أزماتها الداخلية، كما لا يخفى على أحد أنه منذ إندلاع الحرب في غزة، هدأت الضغوط الدولية على روسيا في أزمتها مع أوكرانيا، مما مكن موسكو من تحقيق أنتصارات عسكرية متتالية في أوكرانيا، والامثلة هنا كثيرة عن الأطراف المستفيدة من مد أمد الحرب.
 
ولا ينكر أحد أيضاً أن إسرائيل هي الأخرى مستفيدة من مد الأمد، وإسرائيل هنا المعنية بالمد مقصود بها الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً رئيس وزراءها بنيامين نتانياهو، الذى كان قبل 7 أكتوبر وسط مأزق داخلى، كاد أن يكلفه الكرسى ويدفعه إلى السجن بسبب قضايا الفساد التي تلاحقه، فود ضالته في الحرب، ويعمل كل يوم على مد زمنها، على أمل الوصول إلى صيغة اتفاق داخل إسرائيل يجنبه السجن، ويبقيه بعض الوقت في الحكومة.
 
وبالعودة إلى السؤال السابق، هل نحن على أعتاب نهاية واضحة للحرب في غزة؟.. كل المؤشرات تقول أن الوضع شديد الصعوبة، في ظل تعقيدات إسرائيلية وأقليمية، تجعل من الصعوبة الحديث عن أفق للحل، حتى في ظل الجهود المكثفة التي تقوم بها مصر ومعها شركاء دوليين وأقليمين خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وقطر للتوصل إلى هدنة مؤقتة تكون بابا لهدنة دائمة، على أمل الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية بما يضمن دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل 5 يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية، لكن الاحلام والأطماع من جانب الأطراف الرئيسية في الحرب تعرقل كل هذه الأمور، بالإضافة إلى الوضعية التي تتواجد فيها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن، فمن المعروف أن واشنطن ظلت لعقود طرفاً وسيطا في الحل، نعم كانت أقرب دوماً إلى تل أبيب، لكن في لحظات بعينها كانت تتدخل برأى وقرار يحرك الأمور، لكن في الوضع الراهن تماهت المواقف الأمريكية مع الإسرائيلية، بل عملت الحكومة الإسرائيلية ربما عن عمد على تهميش الدور الأمريكي، مما أضعف موقف واشنطن، وبدأ الحديث يدور عن أطراف دولية وأقليمية أخرى يكون لديها القدرة على التواجد بصيغ مقبولة وقادرة على فرض رؤيتها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلى وخاصة الإسرائيلي، في أنتظار ما ستسفر عنه نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، لذلك فإن كل التوقعات تؤكد أن الوضع سيبقى مجمداً حتى نهاية هذا العام اذا لم يستجد جديد.
ولنكن صراحاء مع أنفسنا، ونحن في صدد قراءة الموقف الحالي، على أمل وضع تصور للمستقبل.
 
القراءة الحالية تتطلب العودة إلى أحداث 7 أكتوبر، لنعرف منها أين نقف، وكيف سنتحرك.
 
وقائع 7 أكتوبر وما بعدها تؤكد لنا مجموعة من الحقائق المهمة التي لا يجب أن تغيب عن بالنا جميعاً، وهذه الحقائق هي:
 
- حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية حينما أطلقوا «طوفان الأقصى» لم يكن لديهم خطة للتحرك المستقبلي، ولا توقيت للعملية أو مداها، لدرجة أن الارتباك كان المسيطر تجاه مواقف كثيرة، فلم يكن لدى الفصائل حتى خطة للتفاوض، ولا متى يتساهلون ومتى يتشددون.
 
- لم يكن لدى حماس خطة واضحة لما بعد 7 أكتوبر، ولا قياس لردة الفعل الإسرائيلية أو القوى الإقليمية والدولية المنحازة للموقف الإسرائيلي، كما لم يكن لديهم خطط بديلة للمناورة.
 
- إسرائيل لم يكن لديها هي الأخرى خطة واضحة للتعامل، وظهرت عارية تماماً، وغير قادرة على مجابهة الصمود الفلسطيني.
 
- الخلاف الفلسطيني لازال موجوداً، ويحتاج لعمل وجهد كثير لتجاوزه.
 
- للمرة الأولى يظهر للعلن الخلاف الإسرائيلي الداخلى، والقضاء على أسطورة الموقف الإسرائيلي الموحد، ورغم أن هذا الخلاف كشف عن الوهن الذى يسيطر داخل إسرائيل، لكنه في المقابل أوجد عبء كبير على المفاوضين في مسألة الهدنة، لأنهم وجدوا أنفسهم أمام مواقف إسرائيلية مختلفة ومتباينة، ولم يكن هذا التباين كما كان في السابق توزيع للأدوار بين المؤسسات الإسرائيلية، لكنه خلاف حقيقى وصراع داخلى.
 
- الحقيقة الأكيدة أن الموقف المصرى المساند للقضية الفلسطينية كان له الدور الأكبر في دعم الاشقاء، واستمرار صمودهم، بل كانت المواقف المصرية فاعلة في تغيير التفاعل الغربى مع الحرب على غزة، وفضخ كل الممارسات الإسرائيلية في القطاع، وأيضاً بناء جدار رفض دولى للإحلام الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين من غزة بما يقضى على القضية الفلسطينية.
 
هذه بعض الحقائق المهمة، التي يجب أن تكون ماثلة أمامنا ونحن نتحدث عن مستقبل ما يحدث في القطاع.
 
وبالعودة إلى قرار مجلس الأمن الأخير. نعم القرار حمل تغيرات مهمة، أبرزها أن امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت على القرار بعد كل أنواع الدعم التي قدمتها منذ بداية الحرب لحكومة تل أبيب- يشير إلى تغير موقفها المؤيد لإسرائيل ورغبتها في وضع حد لتلك الأزمة، إذ إن عدم استخدام واشنطن لحق النقض «الفيتو» هذه المرة يثبت عدم رضاها عن إدارة الاحتلال للحرب خاصة لعدم اكتراثه بحياة المدنيين الأبرياء، كما أن قرارات مجلس الأمن ملزمة، وعلى إسرائيل العضو بالأمم المتحدة تنفيذ وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، وكذلك فإن إعلان حركة حماس عن استعداد لإنهاء صفقة تبادل المحتجزين، يعد خطوة مهمة تدفع نحو استكمال المفاوضات التي تقودها مصر وقطر بالتعاون مع واشنطن للوصول إلى هدنة تفضي بالنهاية لوقف دائم لإطلاق النار في القطاع.
 
لكن الحقيقة الأن أن الوضع كما سبق القول شديد التعقيد، وبالنظر إلى قرار مجلس الأمن سنجد أنه لم يتضمن النص على كلمة «دائم» ارتباطاً بوقف القتال، بما يعنى أن وقف إطلاق النار سيكون بصفة مؤقتة فقط، بجانب النص على المطالبة أيضاً بالإفراج الفورى وغير المشروط عن جميع الرهائن، أى أن وقف إطلاق النار مقترن أيضاً بالإفراج عن الرهائن الموجودين بحوزة فصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما يشير إلى أن مجلس الأمن اعتبر القرار مجرد مرحلة مؤقتة يمكن أن تقود إلى مرحلة وقف دائم للقتال، علاوة على المطالبة بوصول كافة المساعدات الإنسانية للقطاع وتوسيع نطاق تدفق المساعدات إلى القطاع بأكمله وتعزيز حمايتهم، وبالتالى فإن القرار يعنى ضرورة وصول المساعدات إلى جميع أنحاء غزة دون استثناء.
 
القرار في مجمله يمكن اعتباره بداية، لكنها بداية صعبة ومحفوفة بالمحاذير والمخاطر أيضاً، اتصالا بالمواقف الدولية والإقليمية المختلفة، فضلاً عن نظرة طرفى الأزمة للحلول الموضوعة.
 
لكن في ظل هذه الأجواء لا ننسى أن مصر مستمرة في العمل مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية المعنية لإنهاء الحرب، ودفع العالم نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، والمعلوم للجميع أن مصر لم تهدأ دبلوماسيتها منذ اللحظة الاولى للحرب وتحركت من أجل إنقاذ أهل غزة وحرصت على عدم إغلاق معبر رفح البري لتدفق المساعدات الإغاثية إلى داخل القطاع.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق