وفقًا للأولويات والمحددات التنموية الوطنية.. رحلة تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية

السبت، 16 مارس 2024 11:11 م
وفقًا للأولويات والمحددات التنموية الوطنية.. رحلة تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية

رصد «المركز المصري» للفكر والدراسات الاستراتيجية كيف تطورت العلاقات المصرية الأوروبية في إطار من التكامل والشراكة التي تلبي متطلبات التنمية وفقًا للأولويات والمحددات التنموية الوطنية، فالتعاون مع الاتحاد الأوروبي مثالًا للشراكات البناءة التي تمتد على مدار عقود، التي تقوم على التكامل وتلبية الأولويات الوطنية، والاستجابة في أوقات الأزمات، وهو ما ظهر جليًا في وقت جائحة كورونا، وتم إطلاق إطار الشراكة الثنائية 2021-2027، التي تعمل على دفع جهود التنمية الخضراء والمستدامة، ودفع الاستثمار في رأس المال البشري، وتحقيق المرونة الاقتصادية والتحول الرقمي.

استراتيجيات الدبلوماسية الاقتصادية

تركزت سياسة مصر الخارجية في السنوات الماضية على دعم استقرار المنطقة في محيطها الإقليمي والدولي، وتعزيز مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول، والالتزام بالقانون الدولي والعهود والمواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول. وقد أدت هذه المبادئ إلى تعزيز مكانة مصر كقوة إقليمية مهمة لضمان استقرار المنطقة. فقد نظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر كدولة محورية للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة للتجارة مع أفريقيا وفق «المركز المصري».

ومن الناحية الاقتصادية والسياسية، يعزز استقرار مصر الاستقرار في المنطقة ويسهم في منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها مصر تتزايد، حيث تضطر للتعامل مع تداعيات النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة، وتكبد تكاليف إضافية لتأمين حدودها ومواجهة التحديات الناجمة عن الهجرة غير الشرعية.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يدرك تلك التحديات، ويقدم مساعدات إنمائية لمصر بقيمة تتراوح بين 1.7 إلى 2.0 مليار دولار أمريكي سنويًا، بالإضافة إلى مبادرات مبادلة الديون التي تعفي مصر من سداد بعض ديونها للاتحاد الأوروبي مقابل استخدام تلك الأموال في تنفيذ مشروعات تنموية. كما تم توقيع اتفاقية بين مصر والاتحاد الأوروبي لتعزيز إدارة الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، وتتطلب جهودًا مستمرة لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز التنمية الاقتصادية في مصر. وتعتبر هذه الجهود ضرورية للسيطرة على التدفقات غير الشرعية من المهاجرين وتجنب الأزمات الإنسانية والاقتصادية في أوروبا. ويحتل الدور المصري مكانة بارزة في مجال الطاقة وتحديدًا في إطار منتدى غاز شرق المتوسط الذي يُعَدُّ من قِبل أوروبا كمصدر رئيسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وذلك لسد الفجوة التي نشأت نتيجة تقليل الاعتماد على روسيا كمورد للطاقة. وقد لعبت مصر دورًا حيويًا في توفير جزء من احتياجات أوروبا من الغاز من خلال محطتي إسالة ادكو ودمياط، حيث تم استخدامهما بشكل رئيسي لمعالجة الغاز القادم عبر الأنابيب من حقل تمار الإسرائيلي، ومن ثم شحنه عبر السفن إلى أوروبا بعد إسالته.هذه الجهود دفعت مصر إلى تحقيق أرقام قياسية في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، حيث وصل إجمالي الشحنات المصدرة إلى حوالي 8 ملايين طن عام 2022، مقارنة بنحو 7 ملايين طن في العام السابق، وبلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال خلال عام 2022 حوالي 8.4 مليارات دولار. وتعتبر صادرات الطاقة المتجددة أحد أهم مجالات التعاون بين مصر وأوروبا، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة “جان دي نال” البلجيكية الرائدة في مجال إنشاء البنية التحتية للكابلات البحرية وخدمات سوق الطاقة البحرية. وبموجب هذه الاتفاقية، ستقوم الشركة بدراسة مشروع تصدير الطاقة المتجددة بين مصر وأوروبا، من خلال إنشاء خط ربط بحري بسعة لا تقل عن 2 جيجاوات، وهو مشروع سيسهم بشكل كبير في تعزيز التعاون بين البلدين وتنويع صادرات الاقتصاد المصري إلى أوروبا بما يشمل السلع والغاز الطبيعي وخدمات السياحة والطاقة المتجددة.

شراكة اقتصادية مصرية أوروبية

في خطوة جديدة لتعميق الشراكة الاقتصادية المصرية- الأوروبية، يُعد الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات حجمها 7.4 مليار يورو (8.08 مليار دولار) لمصر تهدف إلى دعم اقتصادها وسط مخاوف من أن يؤدي الصراع في غزة والسودان إلى تفاقم المشاكل المالية في البلاد وذلك في ضوء خطة رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” لزيارة القاهرة قريبًا بهدف إجراء مباحثات حول دعم التنمية الاقتصادية في مصر وتخفيف تأثير الأزمة الاقتصادية الراهنة.

تُعد خطة الاستثمارات الأوروبية خطوة مكملة لسلسلة التعاون الاقتصادي بين الجانبين؛ إذ تُعد مصر الشريك التجاري التاسع والعشرون للاتحاد الأوروبي، وتمثل 0.7% من إجمالي تجارة السلع للاتحاد الأوروبي مع العالم، فيما يمثل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، ويغطي 24.5% من حجم تجارة مصر، وجاءت 25.8% من واردات مصر من الاتحاد الأوروبي وذهبت 21.8% من صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي.

 بلغت الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبي نحو 16.17 مليار دولار خلال عام 2022 مقارنة بنحو 1.98 مليار دولار خلال عام 2003 فيما سجلت الواردات المصرية منه حوالي 17.97 مليار دولار مقابل 2.93 مليار دولار في عام 2003، وهو ما يوضحه الشكل أدناه:

الشكل 1- الصادرات والواردات بين مصر والاتحاد الأوروبي (مليار دولار)

Source: Trade Map, Bilateral Trade between Egypt, and European Union.

وترتكز واردات الاتحاد الأوروبي من مصر في الوقود ومنتجات التعدين، والمواد الكيمائية، والزراعة والمواد الخام، والمنسوجات والملابس والأسمدة، فيما تتمثل صادراته في الآلات ومعدات النقل والمواد الكيمائية وكذلك الوقود ومنتجات التعدين.

ويُعد الاتحاد الأوروبي أحد المستثمرين الرئيسين في مصر عقب الدول العربية، حيث تعتبر البلاد ثاني أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما استحوذ الاتحاد الأوروبي على أكثر من 30% من إجمالي الاستثمارات الوافدة إلى مصر خلال العام المالي 2021/2022 بقيمة تبلغ 6.7 مليار دولار، مقابل استحواذ الدول العربية على نحو 37% بقيمة تبلغ 8.2 مليار دولار. وخلال الفترة التي تتراوح بين 2003/2004 إلى 2021/2022، ارتفع الاستثمار الأوروبي الوافد إلى الاقتصاد المصري من 812.9 مليون دولار إلى 6.7 مليار دولار بنسبة نمو تبلغ 720%، كما يُبين الشكل التالي:

الشكل 2- حجم الاستثمارات الأوروبية الوافدة لمصر (مليار دولار)

C:\Users\aya.hamdy\AppData\Local\Packages\5319275A.WhatsAppDesktop_cv1g1gvanyjgm\TempState\2E92962C0B6996ADD9517E4242EA9BDC\WhatsApp Image 2024-03-14 at 11.11.31_2a7d754c.jpg

المصدر- البنك المركزي المصري، السلاسل الزمنية- صافي الاستثمار الأجنبي المباشر.

ولم تقتصر الشراكة على التبادلات التجارية والاستثمارية فحسب، بل امتدت لتشمل تقديم منح ومساعدات وقروض ميسرة للدولة المصرية في مجالات التنمية الخضراء والمستدامة، والتنمية البشرية ودعم التحول الأخضر والرقمي، وتطوير الدولة الحديثة والديمقراطية. بالإضافة إلى استحواذ أكبر خمس دول أوروبية مستثمرة بمصر (هولندا- إيطاليا- ألمانيا- فرنسا- بلجيكا) على نسبة تتجاوز 87% من إجمالي الاستثمارات الأوروبية الوافدة وإلى جانب ذلك، تُعد مصر شريك أساسي لأوروبا في أمن الطاقة، حيث حاولت تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة من خلال تعويض أوروبا عن تراجع إمدادات الغاز الروسية عقب الحرب الأوكرانية، وفي عام 2022 وحده، عززت البلاد صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا لتصل نسبتها إلى 71% من إجمالي الصادرات المصرية من الغاز المسال مقارنة بنسبة 31% خلال عام 2021. وإلى جانب الغاز المُسال، يتعاون الطرفين في مجال الطاقة المتجددة، وتمثلت أبرز محطة في مسيرة التعاون في قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ؛ إذ قرر الجانبان إقامة شراكة استراتيجية بشأن الهيدروجين الأخضر من أجل تعزيز مرحلة انتقال الطاقة. وفي مايو 2023، وقعت مصر مذكرة تفاهم مع شركة “سكاتك إيه إس إيه” النرويجية لبدء دراسات مشروع تصدير الطاقة المتجددة من مصر إلى أوروبا عبر إيطاليا، وتتضمن مذكرة التفاهم بدء الدراسات تمهيدًا لتنفيذ مشروع تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا باستخدام خط ربط بحري بقدرة لا تقل عن 3 جيجاوات.

في الختام، تعد زيادة الاستثمارات الأوروبية الوافدة لمصر أمرًا هامًا في الوقت الحالي نظرًا لعدد من العوامل المتمثلة في الحاجة الماسة للاقتصاد المصري للمزيد من العملات الأجنبية لخلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة النشاط الاقتصادي المصري.

 
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق