بعد حكم العدل الدولية..

متى تتدخل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمى الحرب في إسرائيل؟

السبت، 03 فبراير 2024 08:00 م
متى تتدخل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمى الحرب في إسرائيل؟
محمود علي

- خبراء دوليين: الحكم مشجع لمدعى الجنائية الدولية لمحاسبة المجرمين الإسرائيليين بتهمة الإبادة الجماعية 

- أستاذ القانون الدولي بجامعة القدس: العدل الدولية وضعت الاحتلال في عزلة.. وموقف القاهرة القوى منع التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة

- مفيد شهاب: الحكم أنصف فلسطين وسندا قويا للمطالبة الشرعية في إقامة الدولة المستقلة ويساهم في تحقيق العدالة لشعبها
 
قرار تاريخي أصدرته محكمة العدل الدولية، الأسبوع الماضي، عكس حجم المجازر المرتكبة خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، والمستمر منذ 7 أكتوبر الماضي، والذي خلف ما لا يقل عن 27 ألف شهيداً، و66 ألف مصاباً؛ غالبيتهم من الأطفال والسيدات وكبار السن، وصفه الخبراء والمراقبون بأنه كارثي على الاحتلال وقاداته، بعدما وضعهم على قائمة المتهمين في جرائم حرب.
 
حكم محكمة العدل الدولية في تفاصيله تضمن اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، مع ضمان عدم قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، ومنع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، واتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، وعدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، وتقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام.
 
ويعتبر القرار انتصارا لجنوب أفريقيا، وكافة الدول الداعمة لقرار وقف الحرب؛ خاصة القاهرة التي لطالما نادت خلال الأربع أشهر الماضية، ومنذ بدء العدوان بضمان حق فلسطين في استعادة استقراره، ورفض كل محاولات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين، مع التمسك بحل الدولتين في إطار تسوية القضية الفلسطينية.
 
القاهرة قادت البوصلة منذ اليوم الأول 
 
كانت مصر أول دولة تحركت في اتجاه وقف المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، واعتبار ما يرتكب في غزة بأنه جرائم يندى لها الجبين، بتخطيها مبدأ الدفاع عن النفس، وهو ما ظهر بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث استضافت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذين أعلنها صراحة من أمام معبر رفح الدولي إن: "جرائم إسرائيل في غزة قيد التحقيق.. وأن ما يحدث في القطاع يشبه إلى حد كبير معاناة أوكرانيا وأفغانستان وميانمار"، ووقتها أشار خان إلى أن "منع وصول المساعدات الإنسانية" إلى قطاع غزة يمكن أن يشكل "جريمة".
 
واعتبر أساتذة قانون دولي ومراقبون لـ"صوت الأمة" أن التحركات المصرية كانت نقطة انطلاق أولى في إطار وضع حد للممارسات الإسرائيلية، وللضغط الدولي على الاحتلال لوقف جرائمه المستفزة في قطاع غزة.
 
وقال الدكتور منير نسيبة أستاذ القانون الدولي بجامعة القدس إن مصر دوما تدعو إلى نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، مشيراً إلى أن "القاهرة لها موقف دبلوماسي دؤوب أكد على منع التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، ويطالب بمحاسبة كل الدول التي تقنع الشعب الفلسطيني بالخروج من أراضيه المحتلة".
 
وأضاف نسيبة لـ"صوت الأمة" "أن مصر في المرحلة الحالية وخاصة في محكمة العدل الدولية سيكون لها دور عظيم جداً، خاصة أنها على حدود مشتركة مع غزة، فمعبر رفح تدخل من خلاله المساعدات الإنسانية جميعها إلى القطاع موفرة كل ما يتطلب لاستمرار ذلك"، مؤكداً أن "مصر تناضل بشكل مستمر لاستمرار دخول هذه المساعدات".
 
وقال أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس "عندما تضع الحرب أوزارها سيكون لمصر دور كبير في إدخال المحققين والتعاون معهم، وتسهيل مهماتهم سواء كانوا من الأمم المتحدة أو من المحكمة الجنائية الدولية التي زار رئيسها معبر رفح تأكيداً على دور مصر المحوري في هذا الملف"، متوقعاً أن "يكون لمصر دور كبير وقوي في المرحلة المقبلة أيضاً في التعريف بالقضية المرفوعة ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية".
 
وأشار نسيبة إلى أن تحرك جنوب أفريقيا التاريخي لا يمكن تجاهله، حيث عبر عن عدالة القضية الفلسطينية وأن ضمير العالم لا يزال حياً ولم يمت بشكل كامل، حيث كان قرار محكمة العدل الدولية له الكثير من المعاني، فبعد تعدد الدعاوي التي تطالب بوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني وتدويل القضية لمحاكمة قادة الاحتلال، كان لبريتوريا الفضل في رفع إظهار السلوك الإجرامي لإسرائيل خلال العدوان على غزة، واصفاً موقف جنوب إفريقيا بـ"الممتاز" وربما يتجه بالقضية الفلسطينية إلى محطات أخرى قد تساعد إلى وضعها دائماً على الطاولة الدولية.
 
وأبرزت صحف، ووكالات أجنبية، تأثير قرار محكمة العدل الدولية على العدوان المستمر على قطاع غزة، وعلى قادة الاحتلال ووصفته بالكارثي على الداخل الإسرائيلي، لما له من تداعيات ستكون مؤثرة على مسار الحرب، حيث رأت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الحُكم المؤقت الذي أصدرته المحكمة ضد إسرائيل يعتبر - بشكل موضوعي - كارثيا على إسرائيل أياً كانت وجهة النظر في موضوعية الاتهامات التي وردت بالدعوى، موضحة أن "إسرائيل أُخطِرتْ بالفعل بأن لديها قضية إبادة جماعية – تلك التي تعتبر جريمة الجرائم. وقد جاء هذا الإخطار عشية اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست، بما يلطّخ سمعة إسرائيل رغم اعتراضها على الدعوى"، مشيرة أنه "بات على كل مسؤول إسرائيلي عندما يظهر للعلن أو في اجتماع مع نظير له من دولة أخرى أن يدفع عن بلاده تهمة الإبادة الجماعية؛ ذلك أن الاتهام لم يأتِ من فصيل إسلامي متطرف أو من سياسي غربي معادٍ للسامية، وإنما جاء من أعلى محكمة في المجتمع الدولي، وقد صدر بناء على إجراءات رصينة ومدروسة، واستند إلى أدلة ذات صلة، وعليه، لا يمكن الاستخفاف به".
 
ولاقى قرار المحكمة ضد إسرائيل ترحيب عربي ودولي واسع، لكن هناك بعض الدول الغربية التي دافعت عن إجرام تل أبيب، فبريطانيا علقت على الحكم بإن "إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها ضد حماس بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني"، لكن وسائل الإعلام البريطانية وعلى رأسها الإندبندنت رأت أن "منطوق الحُكم الذي جرى على لسان رئيسة محكمة العدل الدولية، القاضية دونوغو، من شأنه أن يُضعف استعداد حلفاء إسرائيل فيما يتعلق بتقديم الدعم لها، وأن يُقصي دولاً في الشرق الأوسط تحاول إسرائيل أن تدشن معها علاقات طبيعية".
 
فبحسب الإندبندنت، خسرت إسرائيل بهذا الحكم مزيدا من حُجّتها الأخلاقية في الحرب، مؤكدة أنّ "على إسرائيل، إنْ كانت تريد أن تعيش في سلام واستقرار، أن تحافظ على دعم حلفائها القريبين والبعيدين، وأن تبقى في حظيرة القانون الدولي ومن هنا تكمن أهمية قرار محكمة العدل الدولية".
 
قرارا كارثى على إسرائيل
 
وعلق الدكتور منير نسيبة على اعتبار البعض أن الحكم كارثي على إسرائيل كون الاتهام لم يأت من أي فصيل سياسي أو إسلامي بل جاء من أعلى محكمة في المجتمع الدولي، حيث قال إنه "يتفق مع هذا الرأي، فربما الأغلب كانوا يأملون أن يؤدي القرار إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي فوراً على قطاع وهو ما لا نتوقعه، لأن الاحتلال تعود على الإفلات من العقاب على مدى العقود الماضية منذ النكبة وحتى اليوم ولا نتوقع أن يلتزم الآن بالقانون"، موضحاً أن "المهم في القرار أنه نظر في احتمالية ارتكاب الاحتلال الإبادة الجماعية، والأهم من ذلك أنه وافق على الاختصاص في القضية التي قد تستمر بطبيعة الحال لسنوات"، متوقعاً أن تكون النتيجة في النهاية اقتناع المحكمة بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية، لكن في تلك اللحظة ستكون هناك قرارات تنفيذية من المحكمة تأمر الاحتلال بتغيير الكثير من الأشياء لجبر الضرر، وهذا سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في التعاطي مع القضية الفلسطينية سواء فلسطينياً أو عربياً أو دولياً وسيعزل الاحتلال الإسرائيلي طالما لا يحترم القانون الدولي".
 
وقال نسيبه إن "المشروع الاستعماري الصهيوني وضع نفسه في لحظة صعبة، بعدما قرر أن يرتكب إبادة جماعية ويهجر أهل سكان غزة، واعتقد نفسه سيفلت من العقاب إلى الأبد لكن هذا ليس حقيقياً سيحاسب كما تم محاسبة غيره من المجرمين ومن المستعمرين"، واعتبر قرار محكمة العدل الدولية انتصار للحق، وهو عبارة عن أوامر احترازية جاءت تلبية لطلب حكومة جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى طالبت فيها المحكمة باتخاذ ما يلزم على وجه السرعة تجاه إسرائيل لوقف الدمار والجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، موضحاً أن الهدف من هذه المرحلة هام جداً وهو "إصدار أوامر احترازية تكون ملزمة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل التوجه إلى رفع قضية ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية"، معتبراً أن هذه الخطوة الجنوب إفريقية هي الأولى في مراحل المحاكمة وتعني وجود مخاوف من أضرار لا يمكن درؤها أو استعادتها، تتمثل في إنهاء حياة مئات آلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، وصحتهم وصلابتهم النفسية، مشيراً إلى أن تهديدات الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني بشكل مستمر رأت فيها جنوب إفريقيا فرصة فريدة بتقديم هذا الطلب الاحترازي الذي يدعو إلى تدخل محكمة العدل سريعاً بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية. 
 
قرار محكمة العدل الدولية رادع لداعمي إجرام الاحتلال
 
وقال نسيبة "اعتقد أن القرار يشكل رادع ليس فقط للاحتلال الإسرائيلي ولكن أيضاً لمن يدعمه كأمريكا وبريطانيا"، لافتاً إلى "أنه على الرغم من أننا لم نرى حتى الآن انعكاساً لهذا الردع، فالاحتلال الإسرائيلي لا يزال يرتكب المجازر بشكل يومي والأمريكيون لا يزالوا يدعمون الاحتلال الإسرائيلي بل توجهوا أبعد من ذلك بعقابهم وانتقامهم من الفلسطينيين بتوجههم للامتناع عن تمويل وإعطاء التبرعات لوكالة الآونروا، لكن على المدى الأطول سيكون هناك تأثير مهم لقرار محكمة العدل الدولية على العدوان على قطاع غزة والقضية الفلسطينية برمتها بصفة عامة"، واعتبر قرار المحكمة "بأنه خطوة أولى في إطار محاكمة قادة الاحتلال ما دام رأت المحكمة بأنه هنالك معقولية في الاعتقاد بأن إسرائيل قد تكون ارتكبت الإبادة الجماعية".
 
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن "المحكمة حتى الآن لم تذهب إلى مراجعة الأدلة الدقيقة التي قد تأخذ سنوات وسنوات، ولكن في هذه المرحلة بدت أنها ترى أن هنالك أساس بالاعتقاد أنه قد يكون ارتكب الاحتلال إبادة جماعية أو حتى هناك خطر من ارتكابها"، مؤكدا أن قرار المحكمة مشجع للمدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بأن يبدأ في اتخاذ تصرفات وقرارات سريعة وحاسمة لمحاسبة المجرمين الإسرائيليين الذين يرتكبون الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الإنسانية، فسواء الأمر عاجلاً أم أجلا سيكون للمحكمة دوراً كبيراً ليس فقط في محاسبة دولة الاحتلال بل بمحاكمة المجرمين بأسمائهم المنفردة على جرائمهم وممارساتهم وانتهاكاتهم".
 
وحول ماهية القرار وهل يصبح نهائي وواجب التنفيذ، وما الخطوات التي يمكن أن تتخذ لنقله إلى مجلس الأمن للنظر فيه، قال الدكتور منير إن الأوامر الاحترازية التي صدرت عن محكمة العدل الدولية ملزمة وواجبة التنفيذ فوراً، فهي ليست توصيات أو اقتراحات هي أوامر ملزمة من محكمة دولية لها اختصاص وولاية قضائية، وبالتالي ما يجب علينا النظر إليه مراقبة مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بما تنص عليه الأوامر الاحترازية التي أصدرتها المحكمة، والاحتلال قانونياً عليه واجب الالتزام الكامل" لكن عمليا نرى أنه لا يلتزم مستمرا في ارتكاب الجرائم، وواجبنا الآن توثيق الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية وهو ما ستقدم عليه جنوب أفريقيا في الفترة المقبلة، لأنه بعد شهر من صدور القرار سيقدم الاحتلال الإسرائيلي تقريراً للمحكمة يدعي فيها أنه التزم بأوامرها ويجب على بريتوريا أن ترد على هذا التقرير وتطلب من المحكمة إجراءات إضافية".
 
وحول موقف مجلس الأمن، قال نسيبه "إنه يستطيع من الآن متابعة مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي حيث لم يكون مضطراً للانتظار لنهاية الشهر للمراقبة"، مؤكداً أن "لحظة تقديم إسرائيل التقرير ورد جنوب أفريقيا ستكون لحظة حاسمة".

قرارًا تاريخيًا وخطوة إيجابية

في سياق متصل، أكد الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي الأسبق وأستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، أن القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن التدابير التي يتعين على إسرائيل اتخاذها منعا للإبادة الجماعية، يعد قرارًا تاريخيًا وخطوة إيجابية، لاستناده الصحيح والقوي والحاسم على قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.وقال إن هذا القرار يعد الأول الذي يصدر عن المحكمة في دعوى مرفوعة ضد إسرائيل وتحضرها إسرائيل؛ التي فشلت في إقناع المحكمة برفض دعوى جنوب إفريقيا خلال الالتفاف على الأسباب الحقيقية، وإدخال قضايا جانبية، مشيرًا إلى أن القرار يدين الممارسات الإسرائيلية في وضوح، ويطالب دولة الاحتلال باتخاذ تدابير محددة، ويكلفها كذلك بتقديم تقرير خلال شهر عن مدى التزامها بتنفيذ ما طلبته المحكمة.
 
وحول تأثير القرار، أكد شهاب إن القرار سيكون له تأثير ملموس على مجرى ما يتم في قطاع غزة منذ ما يقرب من 4 أشهر، سواء بالنسبة لممارسات الجيش الإسرائيلي في القطاع، أو في مسيرة المفاوضات الدائرة حاليا لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وكذا دخول المساعدات الإنسانية بل والتحرك الإيجابي لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، لافتا إلى وجود فتاوى قانونية سابقة صادرة عن المحكمة ضد إسرائيل مثل فتوى قانونية الجدار العازل، غير أن ذلك كان في شكل آراء استشارية قانونية غير ملزمة لإسرائيل، وإن كانت تتمتع بقيمة أدبية كبيرة، موضحاً أن قرار المحكمة يستجيب لطلب جنوب إفريقيا بإقرار أن هناك ممارسات إسرائيلية تمثل جريمة الإبادة الجماعية التي يجب أن تتوقف ويطالب إسرائيل كذلك أن توفر وسائل الحماية المدنية لسكان غزة. مما يعني رفض كل عمليات التهجير القسري والقتل العشوائي وتدمير المستشفيات والمباني والبنية الأساسية للقطاع.
 
واعتبر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة أن "قرار محكمة العدل الدولية ينصف فلسطين ويساهم في تحقيق العدالة لشعبها، ويأتي سندا قويا للمطالبة الشرعية في إقامة دولته المستقلة، فيما يدين إسرائيل، وتصرفاتها ويسهم في عزلها عن المجتمع الدولي ويفضح ممارساتها اللا إنسانية، واعتمادها على القوة، وتجاهلها للقانون الدولي وأحكامه وقرارات المنظمات الدولية".
 
المحكمة تنظر بالدعاوى القضائية وأحكامها ملزمة
 
وفيما يتعلق بعدم وجود تصريح في قرار المحكمة يوقف فوري لإطلاق النار، أكد شهاب، أن قرار المحكمة باستنكار ممارسات الإبادة الجماعية، وضرورة توفير الحماية والمساعدات الإنسانية، لا يمكن أن يتم تنفيذه إلا من خلال وقف إطلاق النار، لأن كل ما تريد المحكمة تحقيقه لا يمكن أن يتم في ظل استمرار العمليات العسكرية، بل وأن تكون هذه العمليات قد توقفت، حتى يتحقق للفلسطينيين الحماية الحقيقية من أعمال الإبادة الجماعية ولذا فإن المحكمة طالبت "ضمنا" دون أن تذكر ذلك صراحة وقفا لإطلاق النار، موضحاً أنه لما كان البت في طلب جنوب إفريقيا بما يضمه من دراسة المذكرات، والمرافعات الشفهية، وسماع الشهود، و المعاينات، و تحليل الوثائق والمستندات، وتقارير الخبراء، قد يستغرق شهورا بل سنوات، كان من الطبيعي أن تطلب جنوب إفريقيا على وجه الاستعجال أن تتخذ المحكمة تدابير مؤقتة احترازية بالوقف الفوري للممارسات الإسرائيلية الوحشية وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية الفورية للقطاع؛ تجنبا لحدوث مضاعفات ونتائج سلبية، يكون من الصعب تداركها مستقبلا إذا انتظرنا حتى صدور الحكم في الشق الموضوعي.
 
وذكر الدكتور مفيد شهاب أن البت النهائي في طلب جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية، سيكون في ضوء المستندات التي يتم تقديمها والمرافعات التي سيتم تقديمها، أما ما صدر اليوم فهو قرار مؤقت احترازي يقضي "على إسرائيل اتخاذ كافة التدابير لمنع الإبادة الجماعية"، ويؤكد ضرورة توفير الحماية المدنية لشعب غزة"، وأوضح، أن محكمة العدل الدولية تعد جهازا رئيسيا من أجهزة الأمم المتحدة؛ أي أنها جزء من المنظمة العالمية، ولكنها تتمتع باستقلال تام في ممارسة مهامها وقضاتها المستقلين على أعلى مستوى من الكفاءة والخبرة والحيدة، ولا يحكمها إلا القانون ولا دخل لأي اعتبارات سياسية في عملها بعكس بقية الأجهزة خاصة مجلس الأمن الذي تتحكم فيه المصالح والاعتبارات السياسية.
 
وتابع، أن المحكمة تختص بالمنازعات التي توافق الدول على عرضها عليها، أي عند موافقة كل المتنازعين، أي أن اختصاصها اختياري للدول وليس إجباريا فهي لا يمكن أن تنظر في أي نزاع إلا إذا تأكد من موافقة أطراف النزاع على ذلك، هذا إلى جانب اختصاص استشاري أي افتاء بإبداء الرأي القانون لأجهزة الأمم المتحدة ومنظماتها.
 
وأضاف شهاب أن المحكمة تختص بنظر دعاوى قضائية وتصدر فيها أحكاما ملزمة، في حالة وجود اتفاقية دولية تحيل لها هذا الاختصاص بغض النظر عن موقف الطرف الآخر في النزاع؛ مشيرًا إلى أن دعوى جنوب إفريقيا استندت في لجوئها للمحكمة على نص المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 التي تقرر حق أي طرف في الاتفاقية أن يطلب بمفرده من المحكمة أن تنظر شكواه مع طرف آخر في الاتفاقية بشأن تفسير أو تنفيذ هذه الاتفاقية.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق