معرض القاهرة للكتاب.. من أرض الكنانة إلى كل ثقافات العالم
السبت، 27 يناير 2024 09:00 مالسعيد حامد
- تظاهرة ثقافية على أرض المحروسة بمشاركة 1200 ناشر و70 دولة
- مدبولي: المعرض أحد أهم الجُسور التي تربط الثقافة المصرية بغيرها من الروافد العربية والعالمية وامتداد للدور والتأثير التنويري الذي دائما ما تسهم به مصر
- مدبولي: المعرض أحد أهم الجُسور التي تربط الثقافة المصرية بغيرها من الروافد العربية والعالمية وامتداد للدور والتأثير التنويري الذي دائما ما تسهم به مصر
بينما كان العالم يغط في ثباته العميق وبدائيته المظلمة، كانت مصر القديمة تواصل إيقاد شعلة الثقافة المتوهجة، عبر النقوش والرسوم الخالدة على جدران معابدها وتماثيلها، لتهدي للإنسانية مبادئ الكتابة الأولى وإرث ثقافي أسهم في تمدن العالم ورسخ ريادتها عبر التاريخ، ليأتي بالأخير معرض القاهرة الدولي للكتاب، كدليل حي وشاهد على السجل الحافل بالتنوع الثقافي الذي يمزج حاضر القاهرة الواعد، بماضيها العتيد، ويصبح الحدث الثقافي والمعرفي الأبرز في العالم العربي، ويثبت أيضا أن الثقافة المصرية باتت إحدى أولويات الجمهورية الجديدة.
والأربعاء الماضى، افتتح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ55 بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "نصنع المعرفة.. نصون الكلمة"، بمشاركة 1200 ناشر، و70 دولة، بينها فلسطين والعراق واليمن وليبيا والسودان، حيث رافقته وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني، وبحضور عدد من الوزراء، وتفقد "مدبولى" عدد من أجنحة المعرض منها الدفاع والداخلية والهيئة العامة للكتاب، وغيرها من الأجنحة الأخرى.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن هذا الحدث أحد أهم الجُسور التي تربط الثقافة المصرية بغيرها من الروافد العربية والعالمية، كما يُمثلُ امتداداً للدور والتأثير التنويري الذي دائما ما تسهم به مصر في مختلف العلوم والمعارف، ولذا تحرص الدولة على رعاية المعرض وتوفير كل السبل التي تضمن التنظيم الجيد له، لأداء رسالته في ترسيخ ريادة مصر الثقافية.
وتوجهت الدكتورة نيفين الكيلاني، بالشكر للرئيس السيسي، على رعايته الكريمة للمعرض، وكذا التقدير لرئيس الوزراء، على افتتاح نسخة هذا العام، بما يعكس دعم الدولة لتكريس مكانة مصر الثقافية والحضارية، مؤكدة أن مملكة النرويج تحلُ كضيف شَرَف لهذه الدورة، بما يتيح آفاقًا رحبة للتبادل الثقافي والإبداعي.
وأوضح الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن البرنامج الثقافي للدورة الـ 55 سيكون مُعبرًا عن مكانة مصر الثقافية في الحضارة الإنسانية، حيث يضم البرنامج ما يقرب من 550 فعالية، تقام على مدار أيام المعرض، في 7 قاعات، وصالة كاملة لكتب وأنشطة الطفل، وأماكن للفنون الحرة، لافتاً إلى استمرار التعاون مع المؤسسات القومية التي تدعم المشروع الثقافي المصري، كما سيعلن المعرض عن جوائزه، والتي تأتي برعاية البنك الأهلي، لافتا إلى أن البرنامج الثقافي لمملكة النرويج يمتد على مدار 13 يومًا، حيث تشارك ببرنامج ثقافي كبير، يضم مجموعة من الكتاب والمبدعين في النرويج، لتعريف العالم العربي، بالثقافة النرويجية، إلى جانب أدب الطفل في النرويج، كما يحتفي بأديب نوبل النرويجي "يون فوسه"؛ حيث يخصص يومًا كاملًا له في المعرض لتناول أعماله ومؤلفاته وأشعاره المختلفة، ويحتفي أيضاً بهنريك إبسن، المعروف بـ "أبو المسرح النرويجي"، وسيتم التركيز على أدب الطفل من خلال مشاركة عدد من المؤلفين ورسامي كتب الأطفال النرويجيين في الفعاليات، لما يلعبه أدب الطفل من دور محوري في تشكيل العقول وغرس القيم.
ويقام معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي انطلق لأول مرة في عام 1969 بمناسبة الاحتفال بعيد القاهرة الألفي، على مساحة 80 ألف متر مربع، بإجمالي مساحة تضم (5) صالات للعرض، وتحل مملكة النرويج ضيف شرف النسخة الحالية، كما اختارت اللجنة الاستشارية العليا للمعرض، عالم المصريات الدكتور سليم حسن، ليكون شخصية المعرض ورائد أدب الطفل، ويعقوب الشاروني ليكون شخصية معرض الطفل.
وتعود قصة انطلاق النسخة الأولى لمعرض الكتاب إلى عام 1969، حين اقترح الفنان عبدالسلام الشريف فكرة إنشاء المعرض على الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة آنذاك، مؤكدا على ضرورة وأهمية إنشاء ملتقى ثقافى كمعرض الكتاب، ليتواصل الأخير مع سوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزيج بألمانيا، قبل أن يرسل إسلام شلبي بصفته مندوب وزارة الثقافة، وذلك للتمهيد لإنشاء معرض على غرار سوق الكتاب في ليبزيج، بنسخة عربية، ليتم تكليف الدكتورة سهير القلماوى، للإشراف على الدورة الأولى للمعرض. وجرى افتتاح الدورة الأولى للمعرض فى مساء 22 من يناير عام 1969، على أرض المعارض بالجزيرة، وذلك فى إطار الاحتفال بمرور 1000 عام على مدينة القاهرة، واستمر المعرض لثمانية أيام.
لم يكتفِ المعرض خلال دوراته التسع الأولى، بأن يكون منفذا لبيع الكتب فحسب، ففي عام 1978، تحول إلى ملتقى أدبي، حيث عُقِدت حلقات دراسية على هامش المعرض، تميزت بمناقشات موضوعية، حول عدة قضايا، كالأطفال والأسرة. واستمر انعقاد معرض الكتاب في أرض المعارض بالجزيرة حتى عام 1983، ليجري نقله بعد ذلك إلى أرض المعارض بمدينة نصر، وتنطلق دورته الجديدة هناك في عام 1984 ويستقبل الأعداد المتزايدة، وتنعقد الأمسيات واللقاءات بشكل أوسع، واستمر انعقاده في مدينة نصر حتى عام 2018، ليجري نقله مرة أخرى، إلى مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس.
واستمر انعقاد المعرض فى يناير من كل عام، ولم يتوقف إلا في عام 2011؛ بسبب أحداث ثورة الـ25 من يناير، كما جرى تأجيله مرة واحدة عام 2021، ليقام فى يوليو بدلا من يناير، بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا، والتي ضربت العالم.
وأكد مفكرون ومثقفون- خلال تصريحات صحفية- أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يبقى الحدث الثقافي والمعرفي الأبرز في العالم العربي مخلدا لجهود قافلة من رواد ساهموا في نهضة مصر الثقافية وتجلياتها على العالم على مدى حقب من الزمان، مشيدين بما تشهده مصر حاليا من زخم ثقافيّ كبير، باعتبار أن الثقافة المصرية أصبحت إحدى أولويات الجمهورية الجديدة من خلال تحقيق العدالة الثقافية المتمثلة بإقامة عديد من الأنشطة الثقافية في مختلف المحافظات واستهداف الأجيال الجديدة.
ويرى المفكرون، أن أهمية معرض القاهرة الدولي للكتاب تأتي استمرارا لريادة مصر الثقافية عبر التاريخ الإنساني، وأنه يعد اﻟﺤﺪث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻷﺑﺮز، بما يشكله كجسر للحوار الفكري في مختلف أطياف المعرفة، وبما يليق بقيمة ومكانة مصر في العالم، معتبرين المعرض يعد بالأساس واجهة لعرض الكتب الصادرة حديثا، فهو سوق واسع للعرض والطلب، كما توجد منصات بغرض مناقشة الأعمال الصادرة حديثا، وهناك أيضا حفلات التوقيع التي أثبتت جدواها في دورات سابقة.
ويشير المفكرون، إلى أن حرص الدولة المصرية على إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 55 ووضعه تحت رعاية الرئيس السيسي، تمثل رسالة للعالم كله مفاداها أن مصر حاضنة لأهم صناعة معرفية تصون الكلمة وتحمل لواء التراث من أرض الكنانة إلى كل ثقافات العالم، مؤكدين أن المعرض يعد التظاهرة الثقافية الأكثر نفاذية وقبولا في المجتمع المصري؛ لما تضمه من فعاليات وأنشطة ثقافية مفيدة للجميع، كما أنه يعد فرصة للالتقاء بالكتاب العرب القادمين من مختلف الأقطار.
من ناحية أخرى، استحدث معرض القاهرة الدولي الكتاب، في دورته الجديدة، مجموعة من المحاور تطرح خلال فعالياته الثقافية، من بينها محاور «مؤتمر اليوم الواحد»، الذي يضم 6 مؤتمرات، وهي «مؤتمر تقنيات الذكاء الاصطناعي» بالتعاون مع جامعة مصر المعلوماتية، ومؤتمر «الترجمة عن العربية جسر للحضارة» بمشاركة وزارات الثقافة والأوقاف، ويشارك فيه عدد من المؤسسات المصرية والعربية، ومؤتمر «الملكية الفكرية.. حماية الإبداع في الجمهورية الجديدة»، ومؤتمر طه حسين، ومؤتمر نازك الملائكة. كما يحتفى المعرض هذا العام بالعديد من المشروعات الثقافية الجديدة التى أطلقتها الهيئة، مثل «ديوان الشعر المصري»، «استعادة طه حسين».
ويقدم المعرض هذا العام فى إطار رؤية مصر 2030 التي تركز على التحول نحو اقتصاد رقمي، ولدمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المالي تعاقدت الهيئة مع شركة «إيزي كاش» للدفع الإلكتروني، لتحصيل المستحقات المالية الخاصة بدور النشر والناشرين المصريين والأجانب بماكينات الدفع الإلكتروني، وتطبيق التجار باستخدام رمز الاستجابة السريع (QR Code) وإصدار وتفعيل وشحن محفظة «إيزي كاش» الإلكترونية للأفراد، وكارت «إيزي كاش» مسبق الدفع للزائرين والمشاركين.
وبمناسبة اختياره شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، تستعرض مكتبة الإسكندرية من خلال مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لقطاع التواصل الثقافي بالمكتبة أرشيف سليم بك حسن رائد علم المصريات، وأحد فرسان الجيل الأول من المصريين الذين عملوا في علم المصريات والحفائر وتلميذ فارس علم المصريات أحمد باشا كمال وأول مدرس في جامعة فؤاد الأول يدرس علم المصريات من تاريخ وآثار وفنون ولغات مصرية قديمة، ويرجع إليه الفضل في وضع أسس علم الحفائر وإدارة المواقع التراثية، وقد ترك لنا علم ينتفع به لأجيال قادمة.
ويتكون الأرشيف من 3120 وثيقة متنوعة من مخطوطات كتبت بخط يد دكتور سليم حسن بالعربية والإنجليزية والفرنسية وصور فوتوغرافية وخرائط تتناول عدد من الموضوعات الرئيسية منها: حفائره في هضبة الجيزة من عام 1929 – 1939 ولمدة عشر مواسم حفائر كشف خلالها عما يزيد عن 100 مصطبة في الجبانة الشرقية بالجيزة من بينها الباب الوهمي لباسششت، وهي طبيبة من الدولة القديمة والمجموعة الجنائزية للملكة خنتاكوس، وحفائره في سقارة خلال موسم حفائر 1937-1938.
ويحتوي الأرشيف، أيضاً، على مخطوطة سليم حسن الخاصة بنشر حفائره لكشفة الطريق الصاعد لهرم ونيس. ومن الموضوعات الرئيسية التي يضمها الأرشيف أيضاً ذات قيمة علمية وثقافية وربط بدور المصريين في إنقاذ التراث الإنساني والمصري بالنوبة وهو تقرير سليم بك حسن عن إنقاذ آثار النوبة والذي يعد وثيقة المشروع الرئيسية التي اعتمدت عليه اليونسكو في حملتها الكبرى والرائدة لإنقاذ آثار النوبة.
ويضم الأرشيف مجموعة نادرة من توزيع الموارد البشرية وفرق العمل وأساليب التوثيق المستخدمة، والتي خطها سليم حسن باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، واضعًا منهجًا مصريًا يحتذى به في التخطيط للمشروعات التراثية الكبرى، بالإضافة إلى عدد من الأبحاث الخاصة بدكتور سليم حسن كتلك التي تتناول نصوص معركة قادش وقاموس لأسماء المدن المصرية القديمة.