الفكر العربي
الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023 11:08 ص
الانسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على الخيال وتوليد الأفكار وتحويلها إلى اختراعات، أو مشروعات أو الاستفادة منها في اتخاذ القرارات.
فالفكرة قوة لا يستهان بها، وإعمال العقل ضرورة لابد منها قبل اتخاذ أي قرار وقد يستعين الانسان بمن هم أكثر منه علما ومعرفة لكي يصل إلى القرار الصائب في الوقت المناسب.
ونستطيع أن نرى أهمية التفكر والتدبر من تكرار كلمة يتفكرون في القرآن الكريم، حيث ذكرها الله سبحانه وتعالى "18" مرة ليؤكد على قيمة إعمال العقل والتدبر في الكون والاستفادة من معجزات الخلق واختلاف الليل والنهار، يقول تعالى في الآية رقم 3 في سورة الرعد "وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
فالمتدبر للقرآن يجد أن الله وضع فيه من الحكمة والمعرفة فوق ما يتصوره عقل ويبقى علينا الاختيار بين نور المعرفة وظلمات الجهل.. فالفكر يستحق فعلا أن يكون له مراكز فكرية عملاقة أو حاويات فكر Think Tanks كما يحب أن يطلق عليها الغرب، فقد سبقونا في صناعة الفكر وإنشاء مراكز لها وأخرى للدراسات الاستراتيجية، كما استفادت الحكومات في الدول الأوروبية وأمريكا من "مراكز الفكر" في اتخاذ القرار، على عكس الحادث في الدول العربية.. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه مراكز الفكر في المنطقة العربية إلا أنها استطاعت أن تبني لنفسها قوة التأثير من خلال الأبحاث والدراسات التي تنشرها، ولعل الملتقى الأول لمراكز الفكر والذي عقدته الجامعة العربية تحت إدارة وجهود العالم والمفكر معالي السفير علاء التميمي مدير إدارة البحوث والدراسات بالجامعة العربية قد نجح في أن يعيد تسليط الضوء من جديد على التحديات التي تواجه تلك المراكز، وأهمية دورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية.
وتميز الملتقى بمشاركة العديد من رؤساء المراكز الفكرية من عدة دول عربية، مما ساهم في عرض رؤى مستقبلية تسهم في تفعيل دور مراكز الفكر العربية في دعم العلم البحثي العربي المشترك من خلال تحديد الأدوار المنوطة به، وكذلك العمل على وضع مجموعة من الآليات بهدف محاكاة واقعنا الحالي والتنبؤ بالمستقبل وتعزيز وعي الرأي العام العربي.
كم هو رائع أن تكون هناك منارات فكرية لدراسة القضايا العربية وتأثير العوامل والعلامات الخارجية علي اقتصادات الدول العربية وأمنها واستقرارها.
ولقد أثار موضوع الملتقى في عقلي العديد من التساؤلات حول نشأة مراكز الفكر في المنطقة العربية والموضوعات التي تدرسها وتناقشها وطرق تمويلها، مما دفعني لكتابة مداخلة لخصت من خلالها ما جاء في عشرة أبحاث و١٥ موقع لمراكز الفكر، وثلاث مقالات تناولت واقع مراكز الفكر في المنطقة العربية وعددها حوالي ٦٠٠ مركز ما يمثل 6٪ من المراكز حول العالم، واجتمعت تلك الأبحاث على أن أكبر تحدي يواجه مراكز الفكر العربي هو التمويل، وجود فجوة بين تلك المركز وصناع القرار، عدم الشمولية أي أن كل مركز تتناول موضوعاته تخصص معين، وضعف التشبيك بين المراكز وبعضها وصعوبة الوصول إلى الجمهور واحداث تأثير على صناعة الرأي العام.
وبناء عليه خرجت بمجموعة من المقترحات لتفعيل مراكز الفكر العربي والتي تعتبر نجوم مضيئة في سماء المعرفة، ولكن لكي تزداد تألقا فلابد من إعادة النظر في مكانة وأهمية مراكز الفكر خاصة في الوطن العربي، وذلك لا يتأتى حسب نظرنا إلا بتوفر الإرادة السياسية الحقيقية من قبل صناع القرار، واقتناعهم بضرورة الاعتماد على استخدام الطرق العلمية والتفكير بعمق والاستشراف من اجل مستقبل أفضل.
أما المسألة الثانية تتعلق بوجوب التنويع في المجالات التي تهتم بها مراكز الفكر، مع الاعتماد على المراكز المتخصصة، بالإضافة إلى وضع إطار قانوني يشجع المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية على تأسيس مراكز فكر تعتمد عليها من أجل أن تساهم في بناء قرارات استراتيجية مناسبة
ختاماً لما سبق، لايمكن تفعيل دور مراكز الفكر العربية إلا إذا قمنا بدراسة جادة للبيئة التي تعمل بداخلها تلك المراكز، حتى نتعرف عن كثبٍ على طبيعة وحجم التحديات التي تواجهها واقتراح الأليات المناسبة لإعادة تفعيلها في ضوء التحديات والحاجة إليها، حتى تستطيع أن تؤدي وظائفها على أكمل وجه مقارنة بمثيلاتها من المراكز الفكر في العالم الغربي.