يوسف أيوب: خطاب الفوز وصورة الاتحادية.. المستقبل يبدأ من هنا
السبت، 23 ديسمبر 2023 10:00 م
نقلا عن النسخة الورقية:
- مصر بأبنائها.. دولة تستوعب الجميع ولا إقصاء لأحد
- الانتخابات منحت الأحزاب زخم شعبى عليها التفكير فيه مستقبلاً وتجاهل الرسائل المتشائمة ممن منيوا بهزيمة كبيرة من التوافد الشعبى على صناديق الانتخاب
خطاب الفوز، وصورة الاتحادية، مشهدان لن يغيبا أبداً عن ذهن المصريين وكل مهتم بالشأن المصرى، كونهما يعيدان صياغة مستقبل الدولة الأهم والأقوى في الشرق الأوسط.. الدولة المصرية التي استفاقت من محنتها وعادت إلى الواجهة مرة أخرى، بأكبر تحالف فى التاريخ، تحالف الشعب مع القائد أو الرئيس، الذى أنتج نموذج لدولة قوية، تحظى بتقدير دولى رسمى، واحتفاء شعبى عالمى. نموذج لدولة سطرت ما يشبه "المعجزة"، بعدما تحولت في 10 سنوات 360 درجة، وأصبحت المواطنة والوطنية هي الطريق الذى اختارته لنفسها.
أما خطاب الفوز، فذلك الذى القاه الرئيس عبد الفتاح السيسى، عصر الاثنين الماضى، 18 ديسمبر، بعد ساعة واحدة من إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات، نتيجة الانتخابات الرئاسية 2024، والتي نال خلالها الرئيس السيسى التفويض الشعبى مجدداً، في انتخابات وصفت عالمياً بالتاريخية، لسببين.
السبب الأول، أنها جاءت في توقيت شديد الحساسية إقليميا ودولياً.
والسبب الثانى، لحجم المشاركة الكبيرة التي تعد الأكبر في تاريخ مصر.
في الخطاب، أكد الرئيس السيسي أن اصطفاف المصريين وتصويتهم في الانتخابات الرئاسية رسالة رفض للحرب اللاإنسانية على الحدود الشرقية لمصر وليس مجرد تصويت لانتخاب رئيس جديد، مشيداً بمشاركة المجتمع المصري بمختلف فئاته بفعالية في الاستحقاق الرئاسي الذي تضافرت فيه جهود الدولة المصرية حكومةً وشعبًا ليظهر بشكل مشرف، موجهاً في الوقت نفسه الشكر لكل "المصريين المشاركين في هذا الحدث المهم في ظل الظروف والتحديات الراهنة وفي مقدمتها الحرب الدائرة على حدودنا الشرقية والتي نبذل كل الجهود من أجل وقفها".
في هذا الخطاب، حدد الرئيس السيسى ملامح الاستراتيجية المصرية المستقبلية، لكن قبلها أشار إلى مدلولات المشاركة الشعبية التاريخية في الانتخابات الرئاسية، بقوله إنها "دلالة واضحة لكل متابع في الداخل أو في الخارج عن حيوية وفاعلية المجتمع المصري بكافة أطيافه وفئاته ويؤكد على أن إرادة المصريين نافذة بصوت كل مصري ومصرية".
الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس السيسى في خطاب، عمادها الرئيسى هو الاستمرار "في بناء الجمهورية الجديدة التي نسعى لإقامتها، وفق رؤية مشتركة تجمعنا دولة ديمقراطية تجمع أبناءها في إطار من احترام الدستور والقانون وتسير بخطوات ثابتة نحو الحداثة والتنمية قائمة على العلم والتكنولوجيا، محافظة على هويتها وثقافتها وتراثها تضع بناء الإنسان في مقدمة أولوياتها وتسعى لتوفيـر الحياة الكريمة له تمتلك القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية، التي تحافظ على أمنها القومي، ومكتسبات شعبها هذه مصر، التي نحلم بها جميعا".
وأكمل الرئيس السيسى بقوله: "هؤلاء هم المصريون، الذين يحدوهم الأمل في بناء وطن عظيم وسأكون صوتهم جميعا، مدافعا عن حلمهم لمصر وسنستكمل حوارنا الوطني، بشكل أكثر فاعلية وعملية مستفيدين من تلك الحالة الثرية، التي شهدتها العملية الانتخابية وهو ما أفرز تنوعا في الأفكار والرؤى، ناتجا عـن تنوع المرشحين واتجاهـاتهم السياسية".
وأنهى الرئيس السيسى خطابه بكلمة بقوله للمصريين: "أؤكد أنني كما عاهدتكم رجل مصري نشأ في أصالة الحارة المصرية العريقة، وأنتمي إلى المؤسسة العسكرية ولا أملك في مهمتي التي كلفتموني بها سوى العمل بكم ومن أجلكم لا أدخر جهدًا، ولا أسعى سوى لإرضاء الله تعالى، وتحقيق آمالكم وتطلعاتكم، إن اختياركم لي لقيادة الوطن إنما هو أمانة أدعو الله أن يوفقني في حملها بنجاح وتسليمها بتجرد، فلنعمل معا لأجل مصرنا العزيزة وبقوة شعبها واصطفافه الوطني".
المرشحين الأربعة في صورة واحدة
أما صورة الاتحادية، فكانت تلك التي ظهر خلالها الرئيس السيسى وهو يستقبل "الثلاثاء الماضى"، ثان أيام إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وهو يستقبل بقصر الاتحادية، المرشحين الذين خاضوا انتخابات رئاسة الجمهورية 2024، وهم رئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، وبحضور رئيس الحملة الانتخابية للرئيس السيسي المستشار محمود فوزي.
فكم كانت هذه الصورة معبرة عن "الجمهورية الجديدة" التي بنى أركانها الرئيس السيسى، وأيضاً موجهة للعديد من الرسائل المهمة، بأنه اذا كان شعار الحوار الوطنى ان الاختلاف فى الرأي لا يفسد للوطن قضية، فإن المرحلة المقبلة تعتبر هذا الشعار هو منهج عمل لكافة مؤسسات الدولة، وهو ما أكده الرئيس السيسى للمرشحين الذين خاضوا الانتخابات الرئاسية، ففضلاً عن تقديره للأداء السياسي للمرشحين على النحو الذي يثري التعددية والتنوع في المشهد السياسي والديمقراطي المصري، فإنه شدد على أن النجاح الحقيقي لمصر كلها تمثل في مستويات المشاركة العالية وغير المسبوقة من المواطنين في الانتخابات، بما عكس وعي الشعب المصري العظيم بمسئوليته الوطنية.
فالمستقبل سيتم بناءه بكل سواعد المصريين، لا اقصاء لأحد، طالما أن الوطن هو الهدف الذى نسعى إليه جمعاً.
وكان المشهد معبراً عن المستقبل، بعدما حرص المرشحون الرئاسيون على توجيه التهنئة للرئيس السيسي، مشيدين بنجاح العملية الانتخابية وبالإقبال الهائل من المواطنين على المشاركة في الانتخابات بما يتفق والمصلحة الوطنية العليا، ومعربين عن خالص تمنياتهم للرئيس السيسي بالتوفيق والسداد لما يحقق مصالح الوطن، التي تعد الهدف الأسمى لكافة الأطياف السياسية الوطنية، خاصة في هذا التوقيت الدقيق الذي تمر فيه المنطقة بتحديات جسيمة، فضلاً عن عرض رؤساء الأحزاب لرؤاهم السياسية حول كيفية تعزيز جهود التنمية الوطنية خلال المرحلة المقبلة، مؤكدين استمرارهم في العمل بما يخدم مصلحة مصر والمواطنين، حيث ثمن الرئيس السيسي من جانبه الرؤى المطروحة، مؤكداً أن الحوار بين مختلف الأطياف السياسية في المجتمع يعد مكوناً جوهرياً لتطور المجتمع، وسمة أساسية للجمهورية الجديدة.
فهذه الصورة، فهى أعادة تأكيد على الدور المنتظر من الأحزاب السياسية في الجمهورية الجديدة، وهو ما نلمسه من تصريحات المرشحين وحملاتهم وأحزابهم عقب اللقاء، حيث أكد باسم كامل، المتحدث باسم حملة فريد زهران، أن اللقاء يأتي لأول مرة ويمثل بادرة لخطوة تفتح المجال بين الأحزاب والسلطة الحاكمة "الرئيس والحكومة والجهات التنفيذية"، بما يضمن وجود مسار حقيقي وتواصل مع الأحزاب السياسية، حيث قدم "زهران" مجموعة من الطلبات لما يمكن البناء عليه لدعم التحول الديمقراطى في مصر، كما سيتم تقديم البرنامج الانتخابي للحزب والذي به رؤية متكاملة للقطاعات المختلفة، مشددا أن كل ذلك خطوة في اتجاه التحول الديمقراطى لأن مصر تستحق أن تكون دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
كما قال الدكتور عبد السند يمامة، رئيس الوفد، أن الحزب سوف يعود إلي دوره الفاعل في المعارضة الوطنية وسيكون أحد الأعمدة الرئيسية في دعائم الجمهورية الجديدة، فيما قال الدكتور زاهر الشقنقيري، المتحدث باسم حملة حازم عمر، أن لقاء الرئيس السيسي بمرشحي الرئاسة يستكمل التعبير عن الشكل الحضاري الذي صدره المصريون خلال فترة الانتخابات الرئاسية والتصويت بنسبة غير مسبوقة في صناديق الانتخاب، ويعبر بشكل كبير عن أن هذه الانتخابات كانت منافسة على خدمة الوطن، ويمثل بداية لتنمية سياسية ودور أكبر لفاعلية الأحزاب في ظل مناخ سياسي منضبط يتم فيه عرض الرؤى والأفكار من خلال حوار سياسي راقي ورصين للوصول للأفضل.
الأحزاب ودورها المستقبلى
وتلقت الأحزاب الرسالة الرئاسية جيداً، مؤكدين أنهم سيشاركوا بقوة في حالة الانفتاح والزخم السياسي الذى اعلنه الرئيس السيسى، ولفت انتباهى هنا تصريح لرئيس حزب الإصلاح والنهضة، هشام عبد العزيز، الذى أكد فيه أن الدعم الرئاسي للأحزاب فرصة تاريخية لابد لجميع القوى السياسية الفاعلة البناء عليها، وهو نموذج لطالما حلمنا به من "التنافس" وليس "الصراع".
فقد لخص هذا التصريح الدور المنوط بالاحزاب أن يقوموا به خلال الفترة المقبلة.
الشاهد الآن، أننا أمام تطور ديمقراطي مهم ينبغي البناء عليه وتطويره وتدعيم أركانه، من خلال استمرار الحوار المبني على التعددية وتنوع الآراء، باعتباره أساس العمل والفكر والبوصلة التي يجب الاهتداء بها، فكما كانت العملية الانتخابية بداية من حملات المرشحين وجوالاتهم انتهاء بالإعلان عن النتيجة، وظهور المرشحين الأربعة في صورة واحدة من داخل الاتحادية، عملية انتخابية راقية، ركزت على الأفكار والرؤى، وأن الاختلاف في الآراء ليس عداوة، وأن هناك متنافسين سياسيين، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك أحزاب تسعى للحكم، فقد بنى المرشحين الرئاسيين خاصة الثلاثة المنتمين لأحزاب تحركاتهم على قاعدة واحدة وهى الاستفادة من الاختلاف وليس الخلاف، فقد استطاع المرشحين اللاثة وأحزابهم، وايضاً الأحزاب التي كانت داعمة لهم تصدير فكرة ستظل سائدة في الثقافة السياسية المصرية، وهى أن المجتمع القوي هو الذي يستطيع تحمل الخلافات ويناقشها بشكل حضاري وسلمي ومشروع واختيار أفضلها للتنفيذ.
ومن هنا ننطلق إلى المستقبل، فالمؤكد أن مصر ستبدأ عصر الجمهورية الجديدة، تستوعب التعددية الكبيرة التي يتميز بها المجتمع المصرى، واستغلالها لوضع خارطة طريق جديدة، تستفيد من الحالة الحوارية التي انتجها الحوار الوطنى، بالاستماع إلى كافة الآراء والتعبير عنها، والبناء عليها مستقبلاً، لكن ذلك يتطلب أن تعيد الأحزاب هيكلة نفسها داخلياً، وتفعيل دورها بشكل أكبر.
مواجهة المرجفون في الأرض
وحتى يكون حديثنا عن المستقبل واقعياً، على الأحزاب المصرية ان تنتبه جيداً لمحاولات البعض أفساد الحالة الخاصة التي تعيشها مصر حالياً، فكلنا يعلم أن شأن أي انتخابات في مصر، بمجرد انتهائها تعلق المشانق لكل من خاضها ولم يحالفه التوفيق، دون نظرة موضوعية وفاحصة لكل ما حدث، وكيف يمكن الاستفادة منها مستقبلاً، فبدلا من دراسة ما جرى في الانتخابات وما دار بها، ونقاط القوة للبناء عليها، والضعف لتلافيها، يتسابق البعض لاستخدام النتيحة لتصفية حسابات سياسية وحزبية وأيضاً شخصية، في حملات كثير منها معدة سلفاً، ممن كانوا يعتبرون أنفسهم المحتفظين بالحق الحصرى في تحديد المستقبل، أو من يخوض هذه الانتخابات أو لا يخوضها.
واذا ما ركزنا على الانتخابات الرئاسية المصرية، وخاضها بجانب الرئيس السيسى، ثلاثة مرشحين، ينتمون لأحزاب كبيرة، سنجد أنها بالحضور الشعبى التاريخى أمام صناديق الانتخاب، كانت شاهدة على مشهد حزبى وسياسى مصري مبشر بالمستقبل، بل أقول للحق أنها أثبتت أن لدى مصر حياة سياسية وحزبية قوية يمكن البناء عليها مستقبلاً بشكل كبير جداً، كونها شهدت ربما للمرة الأولى هذا التنافس الحزبى البعيد عن الشخصنة، وهو ما منح الأحزاب زخم كبير، بعدما صدر المرشحين الثلاثة "فريد زهران وحازم عمر وعبد السند يمامه" أحزابهم في دعايتهم الانتخابية وجوالاتهم، فصار الحديث في الشارع المصرى عن برامج أحزاب، وليس برنامج مرشح معين، فالحديث حتى في الإعلام، امتداداً لحملات المرشحين أنفسهم، دار حول رؤية أحزاب المصرى الديمقراطى والوفد والشعب الجمهورى عن هذه القضية أو تلك، في سابقة لم تحدث في مصر لسنوات طويلة، وهو ما منح هذه الأحزاب وغيرها من الأحزاب الأخرى التي أعلنت تأييدها للمرشح الرئاسي السيسى، فرصة للتواجد الشعبى والالتحام مع الشارع في قضاياه، واستطاعت هذه الانتخابات بحق أن تجعل الأحزاب هي نبض الشارع.
فالانتخابات الرئاسية منحت الأحزاب، كل الأحزاب، حالة من الزخم الشعبى الشديد التي من المفترض على الأحزاب أن تبنى عليها، بنظرة للمستقبل، دون الوقوف أمام الرسائل المتشائمة المتوقع صدورها ممن منيوا بهزيمة كبيرة من التوافد الشعبى التاريخى على صناديق الانتخاب، فكلنا يعلم أن هناك بعض ممن كانوا لا يتمنون رؤية هذا المشهد، حتى يتسنى لهم التشكيك في العملية الانتخابية.
الحقيقة أن كل المرشحين للانتخابات الرئاسية يستحقون التقدير والاحترام من كل الشعب المصرى، لأنهم أولاً أداروا العملية الانتخابية باحترام شديد وقدموا خطاب انتخابى وسياسى محترم، يعبر بحق عن الحضارة المصرية، فلم نرى مرشحاً أو عضوا بحملة أيا من المرشحين يخرج عن النسق المحترم الذى ساد الانتخابات منذ بدايتها حتى الإعلان عن نتيجتها، وهو نسق لم يفرضه أحد على أيا من المرشحين وحملاتهم، بل أستطيع القول أن المرشحين هم من الزموا أنفسهم بهذا النسق، لأنهم رأءوا التغيير الذى تشهده الدولة المصرية، وأيضاً المزاج العام للشعب المصرى، الذى بات لافظاً لكل خطاب تحريضى ورافضاً لاى اتهامات مرسلة، بل داعياً للاحترام وطرح الرؤى والأفكار والحلول دون تجريح. لذلك خرجت الانتخابات الرئاسية بهذا الشكل الذى يتناسب مع قيمة وقدر الدولة المصرية.
أعود لأقول أن هذا المشهد التاريخى الذى سجله المصريين في الانتخابات الرئاسية لن يعجب البعض، ممن لن يجدوا أمامهم من فرصة الا تعليق المشانق لهذا المرشح أو ذلك، بأدعاءات ومزاعم كثيرة، لكن للحق أيضاً فإننى على يقين بأن المخلصين في الحياة السياسية المصرية لن يترددوا أبداً عن رد الهجوم او الاساءات في حق أيا من المرشحين، لأنهم يدركون جيداً حقيقة نوايا هؤلاء المشككين، وأنهم لا يستهدفون مرشح بعينه، بقدر استهدافهم لمصر بشكل عام، والعملية الانتخابية بشكل خاص، فقد منيوا بهزيمة ساحقة لا يريدون للأسف الاعتراف بها، فنراهم يحاولون العودة مرة أخرى من أبواب ضيقة، على شاكلة أن هذا المرشح لم يكن مناسباً، او أن ذلك المرشح خيب آمال حزبه.
لا يريد هؤلاء أن يروا الأحزاب وهى تثبت أركانها في الشارع، والخروج من حالة الركود إلى الانخراط مع الشارع المصري والتواجد بقوة وسط الجمهور وهو ما ينعكس على الحياة الحزبية بشكل إيجابي، لأن كل آمال وطموحات هؤلاء المرجفين أن تبقى الأحزاب ضعيفة، لأنه في ضعفها يتسلق المرجفين المشهد.