مصر تحمى الأمن القومي وتضمد جراح غزة.. القاهرة تضغط دولياً وإقليميا لوقف المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ورفض التهجير والبدء في حل عادل للقضية الفلسطينية
السبت، 16 ديسمبر 2023 09:00 ممحمود علي
مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الثالث يخيم على القطاع الحزن والغضب والخوف ورائحة الموت في كل أركانه، جراء استشهاد ما لا يقل عن 18 ألف وإصابة 52 ألف مواطن غالبيتهم من الأطفال وكبار السن والنساء، في الوقت نفسه بات السؤال المطروح الآن إلى متى تستمر هذه الكارثة الإنسانية والمعاناة والحياة المأساوية التي يعيشها نحو 2 مليون و300 ألف فلسطيني يقيمون بالقطاع يسكن في قلوبهم الرعب وينتظرون بفارغ الصبر أي انفراجة تسفر عن وقف إطلاق النار.
هذا السؤال الذي سيحدد بطبيعة الحال مستقبل قطاع غزة، وربما يحدد مصير القضية الفلسطينية على المدى القريب، يأتي في وقت تبذل فيه القيادة المصرية جهوداً مضنية من أجل وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ساعية القاهرة بكل الطرق الدبلوماسية كانت أو غيرها إلى وضع حد لهذه الكارثية الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع.
دور مهم تلعبه مصر الآن؛ لا يمكن اختزاله أو الحديث عنه في عدد من السطور، تستهدف من خلاله الضغط على المجتمع الدولي وبتنسيق مع الدول العربية والإقليمية والكبرى لحث إسرائيل على وقف عدوانها الغاشم، والبدء في حديث واضح وشامل لوضع حل للقضية الفلسطينية بشكل سريع وجدي.
وبقوة السلاح وتحت تهديد الآلة الحربية، تسعى إسرائيل لتمرير مؤامرة تهجير الفلسطينيين من غزة والدفع بهم نحو الأراضى المصرية فى سيناء، رغم الرفض العالمى لهذا المخطط، وهو ما كشفته منظمات دولية، حيث قال مفوض وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازارينى، أن إسرائيل بوضع الأساس للطرد الجماعى للغزاويين إلى مصر.
وقرأت الأونروا المخطط مبكرا وكشفت "أن الدمار الواسع فى شمال قطاع غزة والنزوح الناجم عنه كانا المرحلة الأولى لهذا السيناريو، فى حين أن المرحلة القادمة هى تهجير المدنيين من مدينة خان يونس الجنوبية إلى الحدود المصرية".
وكشفت القاهرة الخيوط الأولى لمخطط التهجير القسرى للفلسطينيين، وتمتلك أدوات عديدة فى لإجهاضه، حيث وضعت القاهرة الخطوط الحمراء أمام غطرسة وتبجح صريح للاحتلال الإسرائيلى فى التخطيط لتوسيع دائرة الصراع الاقليمية، ودفع مصر نحوها، من بين هذه الأدوات هى اكتساب تأييد دولى عريض رافض للمخطط.
والأسبوع الماضى، ثمنت فلسطين على لسان رئيس وزرائها الجهود المصرية، لافتا إلى أن الاحتلال لايزال يدفع بالفلسطينيين نحو التهجير من أراضيهم نحو مصر، وأكد رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتية على أن العمل جارٍ مع الأشقاء في مصر على معبر رفح لتسهيل خروج الجرحى للعلاج، وهناك غرفة عمليات مشتركة مع مصر منذ اليوم الأول للعدوان، وهناك فريق قنصلي من السفارة الفلسطينية في القاهرة متواجد على معبر رفح؛ لتسهيل أي إجراءات رسمية للجرحى ومرافقيهم.
وقال اشتية خلال الاجتماع الأسبوعى لحكومته بمدينة رام الله، إن مخطط التهجير القسرى ما زال على طاولة الاحتلال الإسرائيلى الذى يعمل على تحويل قطاع غزة الآن لمكان غير قابل للحياة، مُثمنًا دور جمهورية مصر العربية الرافض لهذا المُخطط، مؤكداً أن العدوان على قطاع غزة دخل شهره الثالث، وصور العدوان والقتل الجماعي تزداد بشاعة، بعد سقوط أكثر من 18 ألف شهيد، وتجاوز حصيلة الجرحى الـ50 ألفا، مشيرا إلى أن أهل غزة مشردون من بيوتهم، وهناك تجويع مُتعمد في كل مكان بالقطاع، خاصة في الشمال، ومن ينجو من القصف يموت من الجوع، ومن ينجو من الجوع، يموت جريحا بلا علاج.
وطالب اشتية، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بإنشاء قاعدة بيانات بأسماء المستوطنين، لأن وجودهم بالضفة الغربية غير شرعي، وغير قانوني أيضا، لغرض محاكمتهم، مشدداً على ضرورة إيصال كل المساعدات الممكنة إلى قطاع غزة.. قائلا "المطلوب من إسرائيل فتح المعابر القائمة والمؤدية إلى قطاع غزة، وعدم حصرها بمعبر رفح فقط، وبواخر لنقل الطعام والدواء تكون عبر الموانئ الموجودة وليس بعرض البحر".
ويبدو من التصريحات المصرية وبيانات المؤسسات الرسمية حيال ما تشهده غزة من حرب مدمرة قضت على الأخضر واليابس، أن القاهرة حددت خارطة طريق رسمت من خلالها ملامح الحل السريع للقضية الفلسطينية لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وفرض السلام دون تهجير، لتؤكد مصر بما لا يدع مجالاً للشك أنها يوما تلو الآخر قادرة على الريادة برؤية واضحة، مبدأها الأول إرساء السلام في المنطقة، وحقن دماء الأشقاء.
وكانت هذه التحركات المصرية قادرة على التوصل إلى هدنة إنسانية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بقطاع غزة، في أواخر نوفمبر الماضي، أسفرت عن تبادل الأسرى من الجانبين ولكن تفاصيل صغيرة أدت إلى انهيارها لتستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفها المتواصل على القطاع مؤدية إلى نزوح نحو مليون 300 ألف فلسطيني إلى الجنوب ليخلق كارثة إنسانية تضاف إلى الأزمات التي يعيشها سكان القطاع.
ويعيش القطاع فترة صعبة جداً مع استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في التدمير الممنهج له، بقصف محطات المياه وشبكات الكهرباء وخطوط الاتصالات والانترنت، فضلاً عن استهداف مراكز الإيواء ومخيمات النازحين ما يضع العالم بأجمعه في موقف محرج نظير الصمت الدولي وتخاذل مجلس الأمن خاصة مع عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية القرار العربي الأخير في مجلس الأمن الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة.
التخاذل الدولي دفع العالم العربي وكثير من دول العالم إلى المطالبة بانتهاج موقف واضح إزاء ما ترتكبه سلطات الاحتلال من انتهاكات وصلت إلى حد جرائم الحرب، داعين إلى تطبيق القانون الدولي والتعامل بإنسانية مع الوضع في غزة، حيث ترصد عدسات كاميرات وكالات الأنباء الدولية الأوضاع الإنسانية الصعبة وحالة الدمار التي يشهدها القطاع يومياً.
ودائما ما توجه انتقادات عديدة إلى الموقف الغربي المتناقض مع الأحداث في غزة التي أظهرت عن خلل في قيم المجتمع الدولي، فبينما نري هرولة وتنافسا على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد تردداً غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر، وهو ما ظهر في فشل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة خلال الشهرين الماضيين في عدة جلسات حول الوضع في غزة، في تبني مشروع قرار لوقف إطلاق النار في القطاع بسبب الاعتراض الأمريكي.
لكن مع هذا الموقف الصامت والمتخاذل من قبل المجتمع الدولي، تظل القاهرة في الموعد مقدمة كل ما يمكن تقديمه لتحقيق العدالة واتخاذ خطوات جادة في إطار حصول الفلسطينيين على حقوهم المشروعة، ومن هنا كان الرفض المصري الدائم لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم، مع مواصلة التحركات والتنسيقات مع المجتمع الدولي بكافة مؤسساته لتضعه أمام مسؤولياته تجاه غزة.
ومن هنا كانت استضافة مصر لقمة القاهرة للسلام 2023، لمناقشة المستجدات التي يشهدها قطاع غزة لجمع القوى الدولية باختلاف توجهاتها ومواقفها تحت المظلة المصرية تحت هدف رئيسي "حقن دماء المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين"، والمساهمة في تحريك المياه الراكدة فيما يتعلق بالمفاوضات عبر الضغط على أطراف الأزمة وتحقيق حل الدولتين باعتباره يحظى بالشرعية الدولية، وعكست التحركات المصرية مدى رؤية الدولة في التعامل مع القضية الفلسطينية بحكمة، بعد أن وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه غزة والدفاع عن الشرعية الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وتستمر الجهود المصرية الساعية إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري في غزة بالتنسيق مع الدول العربية، حيث قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد "إنه بعدما اصطدم مشروع القرار العربي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بالفيتو الأمريكي لجأ مندوبو الدول العربية والإسلامية إلى سكرتير عام الأمم المتحدة لتفعيل صيغة الاتحاد من أجل السلام"، وهى الصيغة التي تلجأ إليها الدول أعضاء الأمم المتحدة للجمعية العامة في حالة عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار لوقف نزاع معين، على غرار القرار السابق الذى تم إقراره من الأمم المتحدة بأغلبية كبيرة -أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة- للدعوة لهدن إنسانية بقطاع غزة.
وتعتبر قرارات صيغة "الاتحاد من أجل السلام" قوية جداً، حيث أكد أبو زيد "تصوره أن عدداً كبيراً من أعضاء الأمم المتحدة سيدعمون هذا التوجه، لا سيما أن مشروع القرار الأخير الذى تم رفضه بمجلس الأمن تبنته أكثر من 100 دولة من أعضاء الجمعية العامة."، مشيراً أن الدول العربية والإسلامية تتحرك بمجلس الأمن أيضًا لمحاولة إصدار قرار آخر مرتبط بالمساعدات لمعالجة العجز الحالي في إدخال المساعدات الإنسانية لغزة نتيجة استمرار القصف والإجراءات الإسرائيلية المعوقة.
وفي خطوة تشير إلى مدى النجاح المصري في استقطاب المجتمع الدولي من أجل شرح تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، زار وفد ضم مندوبين لعدة دول أعضاء بمجلس الأمن، الاثنين، مدينتي العريش ورفح المصريتين للاطلاع على جهود الإغاثة وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح البري، وكان المندوب الأمريكى أبرز الغائبين، في أعقاب إخفاق المجلس الجمعة قبل الماضية في تبني قرار بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بسبب الفيتو الأمريكي، الأمر الذي أشار متابعون أنه يحمل "دلالات سياسية".
وجرت الزيارة بتنظيم وتنسيق بين بعثتي مصر والإمارات لدى الأمم المتحدة، وفي إطار عضوية دولة الإمارات الحالية بمجلس الأمن، فحسب بيان لـوزارة الخارجية فإن الوفد زار مدينتي العريش ورفح لـ"الاطلاع على سير العمليات الإنسانية والطبية الضخمة المقدَّمة لدعم جهود الإغاثة للأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة»، بما في ذلك تفقد المساعدات والجهود الإنسانية التي ينفّذها الهلال الأحمر المصري، والدعم الطبي المقدَّم للجرحى الفلسطينيين، فضلاً عن الوقوف على «المعوقات المفروضة من الجانب الإسرائيلي" على دخول شاحنات المساعدات وإجلاء الجرحى من معبر رفح، وما تؤدى إليه من تكدس شاحنات المساعدات وتعطيل دخولها إلى القطاع، حسب البيان.
وصف السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، الزيارة بأنها تأتي في توقيت "مهم للغاية"، إذ يقف مجلس الأمن «عاجزاً عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في قطاع غزة ووضع حد للاستهداف المستمر للمدنيين وتوفير الحماية لهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، مؤكداً أن الزيارة تتزامن مع الانخراط الحالي لمجلس الأمن في مناقشة مشروع القرار العربي - الإسلامي، الذي "صاغت مصر نصه الأوَّلي، لتدشين آلية فاعلة تسمح بدخول المساعدات إلى القطاع بشكل سلس وتضع حلولاً للتحديات والمعوقات القائمة المفروضة من جانب إسرائيل"، فيما أوضحت مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، إن الهدف من الزيارة، هو "التعرف بشكل مباشر على ما هو مطلوب فيما يتعلق بتوسيع نطاق العمليات الإنسانية التي تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة".