فاينانشال تايمز: مصر تحمي أمنها القومي وتقف "صامدة" أمام ضغوط مكثفة لتصفية القضية الفلسطينية
الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023 09:08 ممحمد الشرقاوي
اعترف تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، عن موجة عنيفة من الضغوط الغربية على الدولة المصرية، واستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة، في تمرير مخططات من شأنها تغيير وجه المنطقة ككل، وهو الأمر الذي ترفضه القيادة السياسية بشدة.
وتؤكد القيادة السياسية على رفضها أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وعدم سماحها بأي تهديد للأمن القومي المصري، فكلا الأمرين وجهان لعملة واحدة، في ظل الثوابت المصرية تجاه القضايا العربية.
يقول التقرير، الذي اطلعت عليه صوت الأمة، إنه مع هجر مئات الآلاف من الفلسطينيين منازلهم في شمال غزة وفرارهم إلى جنوب القطاع الساحلي، يتصاعد القلق في مصر من أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة سوف تنتقل عبر حدودها.
وأوضحت الصحيفة أن ذلك القلق من تصاعد الأزمة تستغله الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بالضغط على القاهرة للسماح للفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية بالخروج عبر معبر رفح مع القطاع، والاستقرار في سيناء، مضيفة: "خوف القاهرة الرئيسي يتلخص في أنه كلما طال أمد الهجوم الإسرائيلي على غزة، فإنه سيتم تعميق معاناة الفلسطينيين، وأيضاً كلما واجهت مصر ضغوطاً لحملها على قبول تدفق اللاجئين إلى سيناء".
وبحسب الصحيفة، فإن الرد المصري كان عنيفاً للغاية في وجه الدبلوماسية الغربية، حيث قالت إنها ستسلم المساعدات إلى غزة ولكنها ستقاوم أي ضغط يدفعها لقبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين، وهو ما توافق مع تحذيرات وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الإثنين، من أن "التهجير القسري" ليس حلاً للأزمة الفلسطينية.
لغة القاهرة كانت أكثر وضوحاً، فوفق الصحفية، فإن مسؤول مصري رفيع المستوى أبلغ نظيره الأوروبي: "هل تريد منا أن نأخذ مليون شخص؟ حسنًا، سأرسلهم إلى أوروبا. أنت تهتم بحقوق الإنسان كثيرًا، حسنًا، خذها". وهو ما رد عليه المسؤول الأوروبي – لم تسمه- مستذكراً المحادثة التي دارت بينهما: "المصريون غاضبون جداً جداً" من الضغوط التي يتعرضون لها لاستقبال اللاجئين.
ولفتت الصحيفة إلى أن من المرجح تصاعد الضغط على مصر كلما طال أمد الهجوم الإسرائيلي على غزة، وذلك في ظل توقعات بأن يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعملية برية في القطاع، المكتظ بالسكان، ويضم 2.3 مليون نسمة.
تقول الصحيفة إن قوات الاحتلال فرضت حصارًا على غزة بعد هجوم شنته حركة حماس وأدى إلى مقتل أكثر من 1400 شخص، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين. وأدى القصف إلى مقتل أكثر من 2750 شخصًا في غزة، وهو ما يتجاوز عدد الضحايا المسجلين خلال الحرب التي استمرت 50 يومًا بين إسرائيل وغزة عام 2014، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين. تقول تقارير حتى كتابة السطور إلى ارتفاع الشهداء إلى نحو 3500 قتيل وآلاف الإصابات.
ومنعت دولة الاحتلال عن القطاع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود والسلع، وأمرت ما يقرب من نصف سكان غزة بالتحرك جنوبًا من الشمال المكتظ بالسكان. وهو ما حذرت منه الأمم المتحدة بوقوع كارثة إنسانية يصعب احتوائها.
وتشير الصحيفة إلى أن تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية الأزمة من أن سكان غزة يجب أن "يغادروا" إلى تعميق الشكوك حول رغبته في إجلائهم إلى مصر، على الرغم من نفي حكومته، وهو ما روجت له دول أوربية علناً بضرورة فتح معبر رفح الحدودي للسماح للمدنيين الفلسطينيين بالفرار، حيث دعا وزير إيطالي مصر إلى "إظهار قيادتها للعالم العربي"، وهو ما ردت عليه وسائل الإعلام المصرية بأن إفراغ غزة من شعبها "سينهي حلم الدولة الفلسطينية". وقالت وسائل إعلام رسمية إن ذلك سيعفي إسرائيل أيضا من مسؤولياتها القانونية باعتبارها "محتلا".
ونقلت الصحيفة البريطانية، عن مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن هناك أسئلة بلا إجابة حول ما هو العدد المناسب من الفلسطينيين لمصر خلال الأزمة، "كم العدد وإلى متى؟ وحتى لو كان الأمر يتعلق بالحماية الإنسانية المؤقتة، بعد الهجوم الإسرائيلي ربما لن يكون هناك شيء يعود إليه الفلسطينيون. أو ربما لن تسمح لهم إسرائيل بالعودة".
ولفت حنا إلى أن عمليات التهجير الفلسطينية السابقة أصبحت دائمة، لقد أمضى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن عقودًا في هذين البلدين دون أي أمل في العودة إلى قراهم وبلداتهم. يوجد خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في أنحاء الشرق الأوسط، بحسب الأمم المتحدة. وكان حق العودة نقطة شائكة رئيسية في المفاوضات السابقة مع إسرائيل بشأن تسوية القضية الفلسطينية.
الصحيفة تحدثت أيضاً عن موقف دخول المساعدات، فقالت: "بينما تستمر المفاوضات بشأن المعبر، تسمح مصر للشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية بالتجمع على الطريق المؤدي إلى الحدود في شمال سيناء. لكن لم يتحرك شيء، بحسب مسؤولين مصريين كبار، لأن إسرائيل رفضت دخولهم".
ونقلت فايننشال تايمز أيضاً عن مارتن غريفيث، منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، قوله: إن مصر كانت "بناءة منذ البداية" فيما يتعلق بالمساعدات. لكن القاهرة وضعت حداً للسماح بتدفق الفلسطينيين عبر المعبر.
وقال دبلوماسي غربي: "يقول المصريون: سنكون مستعدين في ظل ظروف معينة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكننا لن نسمح تحت أي ظرف من الظروف لأي شخص لا يحمل جنسية مزدوجة من غزة بالدخول إلى مصر". "يقول الإسرائيليون عكس ذلك تماما: يقولون إنهم مستعدون للسماح بخروج الناس من غزة، والكثير منهم، لكنهم غير مستعدين للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. ونحن عالقون الآن بسبب هذا".