كيف نجحت مصر في العبور الآمن من الفوضى إلى الاستقرار؟ (5)
السبت، 30 سبتمبر 2023 09:00 م السعيد حامد
- المصريون واجهوا أكبر مؤامرة إخوانية لتركيع الدولة وخنقها بالفوضى
- بناء الدولة من الصفر ببنية تحتية جديدة ومشروعات متكاملة
- إبطال قنبلة العشوائيات الموقوتة بتوفير حياة كريمة أدمية
- القضاء على الإرهاب وتعزيز الأمن ورفع شعار الخوف مالوش مكان بينا
- بناء الدولة من الصفر ببنية تحتية جديدة ومشروعات متكاملة
- إبطال قنبلة العشوائيات الموقوتة بتوفير حياة كريمة أدمية
- القضاء على الإرهاب وتعزيز الأمن ورفع شعار الخوف مالوش مكان بينا
كانت صافرات الإنذار تدوي في كل مكان صباحا ومساء، والشوارع تعبأ بدخان ألسنة النيران التي أحرقت الأخضر واليابس.. السياحة تنهار والاحتياطي الأجنبي يوشك على النفاذ.. وحناجر الآلاف تصدح في سماء المحروسة.. كان كل شيء ينذر بقدوم فوضى عارمة، لكن لم يعبأ ويهتم أحد حينها بما قد يحدث لتلك البلاد صاحبة الحضارة، وفي الخلف تقف جماعة الإخوان الإرهابية- لأكثر من ثمانين عام، منتظرة ساعة الصفر للإجهاز على مؤسسات الدولة وأعمدتها، مستغلة أحلام وأوجاع الشباب للوصول إلى سدة حكم أعرق وأقدم بلد عرفها التاريخ، قبل أن يفطن المصريون لمخطط الجماعة الإرهابية، ويجهز هو عليها ويعيدها إلى سيرتها الأولى، لكن كانت التكلفة باهظة والثمن غال جدا.. فكيف نجحت مصر في العبور الأمن من الفوضى إلى الاستقرار؟
حين تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي، حكم البلاد في يونيو عام 2014، كانت الفوضى تضرب كل شبر في البلاد، فالعناصر الإرهابية والتكفيرية تنشط في ربوع المحروسة، الاقتصاد يتهاوى بعد هروب الاستثمارات الأجنبية، والعجز الشديد يضرب قطاع الطاقة والعملة المحلية تتراجع ومعدلات التضخم تتسارع بشدة، بعد أن تراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى أدنى مستوياته، ليس هذا وحسب بل تطورات سريعة وخطيرة تشهدها الساحة الإقليمية والدولية، ودول جوار تضربها الحروب الأهلية والصراعات المسلحة، ومخططات ومؤمرات تحاك في الظلام، لتركيع الدولة المصرية وخنقها بالفوضى، بعد أن لفظ شعبها تنظيم الإخوان الإرهابي.
ويقول مراقبون، إن الفترة التي سبقت تولي الرئيس السيسي الحكم، كانت مليئة بالفوضى وعدم الاستقرار، آلاف الاعتصمات والتظاهرات التي تشل مناحي الحياة، وانفلات إعلامي وصل إلى حد التحريض على مؤسسات الدولة، كذلك تصاعد المطالب الفئوية الذي بدوره أثر على الإنتاج وعطل الحياة، أضف إلى ذلك فراع أمني تمثل في تصاعد الفوضى وانتشار أعمال البلجة والخروج على القانون، ومحاولات مستمرة لاستنزاف جهود القوات المسلحة في تحمل مسؤوليات الحفاظ على الأمن الداخلي، وتضخيم بعض القضايا الاجتماعية لإحداث فتنة طائفية، حيث كانت الشواهد كلها تقول إن هناك محاولة لإفشال الدولة من خلال إضعافها أو تحطيم ركائزها الأساسية، عبر تحطيم القدرة الأمنية من خلال إفشال جهاز الشرطة، وإضعاف القدرة الاقتصادية للدولة بالتحريض على مواصلة التظاهرات والمطالب الفئوية والتوقف عن الإنتاج، كذلك التشكيك في السلطة القضائية ومنعها من ممارسة مهامها باقتحام المحاكم أو التظاهر أمامها من أجل إرهاب القضاة ورفض أي أحكام لا تساير هواهم والمطالبة بتغييرها.
معركة الإصلاح الاقتصادى
معركة الإصلاح الاقتصادي، كانت أولى المعارك التي قرر الرئيس السيسي خوضها بشجاعة، فبين اقتصاد هش ودولة عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، ومصانع تعجز عن توفير مستلزمات ومدخلات الإنتاج، واحتجاجات وإضرابات عمالية وفئوية تعطل الإنتاج، كان يمضي الاقتصاد المصري، ليقرر الرئيس بالأخير إطلاق عملية شاملة للإصلاح المالي والنقدي شهدت صدور قرارات صعبة وبالغة الحساسية، نظرا لما قد تتسبب فيه من تأثير في شعبية الرئيس بالشارع، لكن أصرت الدولة على المضى قدما في عملية الإصلاح الاقتصادي واستكمال المسيرة وبناء الدولة ومؤسساتها بشكل صحيح، دون الالتفات إلى حملات التشكيك والأكاذيب والشائعات التي قادها إعلام تنظيم الإخوان الإرهابي، ونال برنامج الإصلاح الاقتصادي للدولة المصرية، إشادات عديدة من المؤسسات الاقتصادية الدولية كافة، ظهرت أثاره جليا في ارتفاع التصنيف الائتماني لمصر وارتفاع الاحتياطي من النقد الأجنبي، وانعكاس ذلك على قدرة الدولة على تلبية احتياجاتها من السلع الأساسية والاستراتيجية كافة، كما افتتحت الدولة المصرية مئات المصانع والمجمعات الصناعية في مختلف المحافظات، وبدأت في خطة توطين بعض الصناعات في مصر، لكن كان للقدر شيء أخر إذ وفي أوج توهج الاقتصاد المصري، ضرب فيروس كورونا العالم ليؤثر على مسيرة الاقتصاد، وقبل أن يتعافى الاقتصاد المصري من تداعيات أزمة كورونا، ضرب العالم أزمة أخرى وهي الحرب الروسية الأوكرانية، وما تركاه من تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادى المصرى، وابرزها ارتفاع الفاتورة الاستيرادية من السلع الغذائيّة والزيت الخام ومشتقاته إزاء عدم انتظام سلاسل الإمداد الدولية، وارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، والتي تتصاعد معها تكلفة تمويل هذه الاحتياجات الاستيرادية حال اشتداد العجز التجاري واللجوء إلى الاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة مرتفعة، كذلك تزايد عبء الاقتراض الدولي لتمويل المُكوّن الأجنبي للمشروعات التنموية التي يجري تنفيذها في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتزداد هذه الأعباء مع ارتفاع أسعار الفائدة، ولاسيما بالنسبة للتعاقدات التي تتم على أساس أسعار فائدة متغيرة تشهد اتجاها تصاعديا.
وبالطبع كان لوجود تنظيم الإخوان الإرهابي في سدة الحكم تداعيات خطيرة على المستويات كافة، لكن كان أخطر تحد يواجه الدولة المصرية، بعد جلائهم عن الحكم، هو اتساع رقعة الإرهاب وانتشار عناصر التنظيمات والحركات المسلحة في ربوع مصر المحروسة، وهو الأمر الذي حمل القيادة السياسية عبئا جديدا، لتخوض على الفور القوات المسلحة وقوات الشرطة حرب ضروس ضد تلك التنظيمات من أجل فرض الأمن وحماية الأمن القومي الداخلي والخارجي، دفعت فيه مصر أثمانا باهظة من دماء أبناءها، ناهيك عن الآثار الاقتصادية المدمرة التي خلفتها العمليات الإرهابية.
ومن تابع وعايش أوضاع ما بعد 30 يونيو 2013، سيجد أن الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان، لم تجد حلا لتهديد أمن واستقرار الوطن بعد ثورة الشعب المصري على الإخوان، سوى إطلاق العنان للعمليات الإرهابية وبث الفوضى وإشعال الفتنة بين أطياف المجتمع واستهداف رجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة، ووقتها دعا الرئيس السيسي إلى ضرورة مكافحة الإرهاب بفكر جديد، عبر رفع الوعي وتجديد الخطاب الديني ونشر قيم التسامح والسلام، بل حمل على عاتقه أيضا أن تقود مصر حربا دوليا على الإرهاب على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والأممية كافة.
ونجح الرئيس السيسي باقتدار في اقتلاع جذور الإرهاب من سيناء ومختلف المحافظات، وأعاد الأمن والسكينة لأهالي المناطق التي انكوت بنار الإرهاب، وفي الوقت ذاته أطلق عملية تنمية مستدامة في تلك المناطق، شهدت بناء مصانع وأحياء سكنية وشبكات طرق، لافتين أن الإرهاب كان يريد فرض الفوضى وعدم الاستقرار وعقاب الشعب المصري على ثورته ضد تنظيم الإخوان الإرهابي، لكن تحمل الرئيس السيسي المسئولية بشجاعة وإصرار كما المعتاد، ونجح في نهاية الأمر في فرض الأمن، وإعادة الاستقرار، حتى لو كانت التكلفة هي آلاف الشهداء من أطهر ما أنجبت الأرض المصرية.
العشوائيات.. قنبلة كانت موقوتة وتم إبطالها
ومن بين القنابل الموقوتة التي كانت تهدد أمن واستقرار البلاد وتحرض على الفوضى، كانت المناطق العشوائية والبناء على الأراضي الزراعية، وهي الظاهرة التي استفحلت بشكل خطير عقب أحداث 25 يناير، ليولي لها الرئيس السيسي أهمية كبيرة، بعد وصوله إلى سدة الحكم، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق حياة كريمة لسكان تلك المناطق، وبالفعل في خلال سنوات قليلة باتت مصر على أعتاب الإعلان عن خلوها من المناطق العشوائية، بعد أن حققت ما عجزت الحكومات السابقة في أكثر من عهد على تحقيقه، إذ ظل هذا الملف الشائك يمثل عقبة حقيقية لأي نظام أو حكومة تتولى مسئولية حكم البلاد.
الأمر اللافت في ملف العشوائيات، إنه لم يكتف ببناء أبنية خرسانية فقط، بل جرى الاهتمام بكل ما يتعلق بسكان تلك المناطق من فكر وسلوك، لأنه من السهل أن تنقل الإنسان من العشوائيات، لكن من الصعب أن تخرج العشوائية من سلوكهم وفكرهم، ومنذ تولي الرئيس السيسي تقاليد الحكم في مصر، وتغيرت النظرة تمامًا إلى ملف العشوائيات، الذي أهملته الحكومات السابقة على مدار 30 عامًا، وجرى إنشاء آلاف الوحدات السكنية بمختلف المحافظات في فترة وجيزة.
وكان لقطاع الطرق نصيب الأسد من التطوير والاهتمام الذي أولاه الرئيس السيسي لمختلف القطاعات في مصر، إذ تمثل الطرق أحد العوامل المهمة في الاستقرار وفرض الأمن، نظرا لتأثيرها الهائل على كل مساعي التنمية والتطوير، لتشهد البلاد انطلاق المشروع القومي للطرق بجهد غير مسبوق في 9 سنوات، شمل 55 ألفا و900 كيلومتر طرق و2500 كوبري ونفق.
وبحسب مركز معلومات الوزراء، فإن المشروع القومي للطرق يستهدف خفض أزمنة الرحلات، بما له من مردود إيجابي في تكلفة التشغيل، بالإضافة إلى توفير مبلغ 8 مليارات دولار سنويًا ثمن المحروقات والوقود الذي تتحمله الدولة نتيجة الاختناقات المرورية والحد من الآثار البيئية السلبية، بجانب ربط شبكة الطرق بخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وتعزيز فرص التكامل الاقتصادي مع الدول المجاورة على طول المحاور الرئيسية بين الشرق والغرب.
وتضمن المشروع 36 ألف كم طرق داخلية بالمحافظات، جرى الانتهاء من تطويرها، من بينها 5000 كم تم تنفيذها باستخدام تقنيات إعادة تدوير طبقات الرصف لأول مرة في مصر، كذلك 934 كوبري ونفقًا، جرى إنجازها من بين 1000 كوبري ونفق تم التخطيط لإنشائها ليصبح الإجمالي 2500 كوبري ونفق، وأيضا 7000 كم طرق جديدة، من المخطط إنشاؤها، بينها 5800 كم جرى تنفيذها و1200 كم جارٍ العمل بها، و 10 آلاف كم طرق قديمة، من المخطط تطويرها، بينها 7800 كم جرى تنفيذها و2200 كم جارٍ العمل بها، إضافة إلى 2900 كم جرى التخطيط لتطويرها ضمن مبادرة حياة كريمة، بينها 350 كم جرى تنفيذه، بينها 220 كم في الصعيد، و130 كم في الدلتا.
ويؤكد خبراء، أن رؤية الدولة تخطت فكرة مجرد نقل الركاب والبضائع، إلى المشاركة الفاعلة في ترسيخ مفهوم التنمية المستدامة للدولة لتحقيق التوازن المطلوب بين المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وهو ما أسهم في تحقيق السلم الاجتماعي وفرض الأمن، مشيرين إلى أنه لتنفيذ هذه الرؤية جرى اتباع سياسة مرنة ومتطورة شاملة تشمل التوسع في وسائل النقل لربط مصر بمحيطها الإقليمي والدولي من خلال تطوير الموانئ البحرية وطرق الربط البري والسككي والنهري مع الدول العربية والإفريقية المجاورة، ولعل لغة الأرقام هي خير دليل على حجم الإنجازات التي تحققت في قطاع النقل.
ومن بين القطاعات التي مثلت هاجسا كبيرا أمام الرئيس السيسي، نظرا لتأثيره المباشر على السلم المجتمعي وحياة المواطنين واستقرارهم، كان قطاع الطاقة، خاصة بعد أن ظل الشعب المصري يعاني من انقطاع دائم ومستمر للتيار الكهربائي عن المنازل والمصانع، وكان سببا في توقف خطوط إنتاج عن العمل وتأثر الإنتاج بتلك المصانع، فضلا عن تسببه في زيادة الاحتقان والغضب داخل المجتمع المصري.
ويقول مراقبون، إن وجود التيار الكهربائي في كل منزل، كان قبل قدوم الرئيس السيسي حلم لأبناء شعب مصر، ليقرر الرئيس على الفور مواجهة الأزمة وينشأ محطات الطاقة ذات القدرات العالية، لتتحول مصر في فترة وجيزة من الظلام إلى النور، بل وأصبحت مصدرا للطاقة في المنطقة وبدأت في إطلاق مشروعات الربط الكهربائى مع دول أفريقية وأوروبية لتصدير الطاقة الكهربية لتلك الدول.
وبحسب المراقبين، فإن أزمة الطاقة تفاقمت خلال السنوات التي تلت أحداث 25 يناير، نظرا لنقص الوقود بأنواعه واصطفاف طوابير السيارات أمام محطات البنزين لساعات طويلة، إذ كان يجري تهريب الوقود من مصر عبر الحدود التي استباحتها التنظيمات الإرهابية والمسلحة، قبل أن يجرى إحكام السيطرة على الحدود وهزم ودحر تلك التنظيمات، مشيرين إلى أن نجاح الدولة في ترسيم حدودها في البحرين الأبيض والأحمر، مكنها من بدء حملات التنقيب عن الثروات الطبيعية بالتعاون مع شركاء عالميين، لتسفر تلك الحملات بالأخير عن أكثر من كشف ضخم لآبار النفط والغاز الطبيعي، والتي كانت سببا في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر وتحويلها إلى مصدر للطاقة بالمنطقة.