أوضح مجمع البحوث الإسلامية حكم من نذر ولا يستطيع الوفاء به ، خلال جابتها على سؤل ورد لجنة الفتوى يقول ، نذرت منذ فترة طويلة ونسيت النذر فماذا أفعل؟
أجابت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بأنه وفقا لمذهب جمهور الفقهاء فإنه يجتهد في محاولة تذكره وليرى إن كانت هناك قرينة أو علامة تدل عليه أو آخر يذكره فإن لم يوجد شيء من ذلك فالواجب عليه أن يكفر كفارة يمين. وأما إن كان يذكر أنه نذر صلاة أو صياما أو غير ذلك لكنه نسي صفته ما نذره او عدده فإن الواجب عليه ان يفعل أقل ما يصدق عليه ذلك النذر فيصلي ركعتين أو يصوم يومًا أو نحو ذلك.
وعلى جانب آخر اوضحت دار الافتاء المصرية وقع السائل في مشكلة ونذر لله تعالى إن هو نجَّاه منها أن يصوم شهر رجب طول عمره، وظل يصوم هذا الشهر لمدة تسع سنين متصلة، والآن قد تقدمت به السن ويخشى ألَّا يستطيع الوفاء بنذره فيما بعد، فماذا يفعل؟
الجواب
الواجب على السائل الوفاء بالنذر ما دام مستطيعًا، فإن لم يستطع الوفاء به ولو بتفريق أيام الصيام فعليه فدية إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ ترك صومَه إن كان مُوسِرًا، فإن عسر عليه ذلك فيمكنه الخروج من هذا النذر بكفارة يمين واحدة؛ أخذًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ومَن نَذَرَ نَذرًا لا يُطِيقُه فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ» رواه أبو داود، فإن عَسُر عليه ذلك أيضًا فلا شيء عليه على رأي المالكية الذين يقولون بسقوط النذر عند العجز الذي لا يُرجى زوالُه دون كفارة ولا فدية.
وكذلك الحكم فيمن ظن أن للنذر تأثيرًا كما أشار إليه الحديث أو فيمن غلب على ظنه أنه لا يقوم بما التزمه.
أمَّا نذر التبرُّر المطلق أو نذر الابتداء فليس مكروهًا، بل هو قُربة محضة؛ لأن للناذر فيه غرضًا صحيحًا كما قال القاضي حسين من الشافعية، وهو أن يُثاب عليه ثوابَ الواجب، وهو فوق ثواب التطوع.
وقد أخرج الطبري بسند صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": [عن قتادة في قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: 7]، قال: كانُوا يَنذرونَ طاعةَ اللهِ مِن الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افتَرَضَ عليهم، فسَمَّاهم اللهُ أَبرارًا، قال الحافظ: وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة] اهـ.
وعند المالكية أن نذر المكرَّر مكروهٌ، كمن نذر صوم كل يوم خميس أو كل شهر رجب؛ وذلك لثِقَله عند فعله وخوف التفريط في وفائه.
إذا تقرر ذلك فللفقهاء مسلكان فيمن نذر صوم وقتٍ معيَّن: هل يتعين بتعيينه أم لا؟
فعند الحنفية أنه لا يتعين بالتعيين، بل يُجزِئه أن يصوم يومًا عن آخَر وشهرًا عن آخَر، قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح": [وألغينا تعيينَ الزمان وتعيين المكان وتعيين الدرهم وتعيين الفقير؛ لأن النذر إيجاب الفعل في الذمة من حيث هو قربة لا باعتبار وقوعه في زمان ومكان وفقير، وتعيينُه للتقدير به أو التأجيل إليه، فيجزئه صوم شهر رجب عن نذره صوم شعبان؛ لوجود السبب، وهو النذر والقربة لقهر النفس، لا بوقوعه في شهر بعينه، وفي تعجيله نفع له بتحصيل ثواب قد يفوت بموته أو طروء مانع قبل مجيء الوقت، وإن كان بإضافته قصد التخفيف حتى لو مات قبل مجيء ذلك الوقت لا يلزمه شيء فأعطيناه مقصوده] اهـ.
والصحيح عند الشافعية أنه يلزمه الوفاء بهذا النذر على الوجه الذي نذره أبدًا؛ بناءً على أن الوقت المعين للصوم يتعين، ويقع الصوم متتابعًا؛ لتعيُّن أيام الشهر، وليس التتابع مستحَقًّا في نفسه، فلو أفطر من هذا الشهر يومًا لا يلزمه الاستئناف، ولا يلزمه التتابع في قضائه كما في قضاء رمضان؛ بناءً على أن الواجب بالنذر لا يزيد على الواجب بالشرع.
والشافعية لا يوجبون الكفارة إلا في نذر اللَّجاج والغضب، ومِن العلماء مَن يجعل الكفارةَ في النذر المطلَق أو نذر المعصية فقط.
أما المالكية فيُسقِطون عنه وجوبَ أداء النذر عند العجز الذي لا يُرجى زوالُه، ولا يُلزمونه بكفارة ولا فدية.
هذا، وقد حكى الإمام النووي في "شرح مسلم" عند كلامه على حديث «كَفَّارةُ النَّذرِ كَفَّارةُ اليَمِينِ» مذاهب العلماء في كفارة النذر فقال: [اختَلَفَ العُلَماء في المُراد به؛ فحَمَلَه جُمهُور أَصحابنا على نَذر اللَّجاج، وهو أَن يَقُول إنسانٌ يُرِيد الامتِناع مِن كَلام زَيد مَثَلًا: إن كَلَّمتُ زَيدًا -مَثَلًا- فللَّه عليَّ حَجَّة، أَو غَيرها، فيُكَلِّمه، فهو بالخِيارِ بين كَفَّارة يَمِين وبين ما التَزَمَه، هذا هو الصَّحِيح في مَذهَبنا، وحَمَلَه مالِك وكَثِيرُونَ -أو الأَكثَرُونَ- على النَّذر المُطلَق، كقَوله: عليَّ نذر، وحَمَلَه أَحمَد وبَعض أَصحابنا على نَذر المَعصِية، كمَن نَذَرَ أن يَشرَب الخَمر، وحَمَلَه جَماعة مِن فقهاء أَصحاب الحَدِيث على جَمِيع أَنواع النَّذر، وقالُوا: هو مُخَيَّر في جَمِيع النُّذُورات بين الوَفاء بما التَزَمَ، وبين كَفَّارة يَمِين] اهـ.
وإن الناظر في خلاف مجتهدي المذاهب في هذا النوع الشاق من النذر لَيلحظ الرحمةَ التي تقرر أنها تَصحب اختلافَ الفقهاء وتَستَبطِن افتراقَ المجتهدين؛ فإنهم كرهوا هذا النوع من النذر أصلًا -من جهة تعليقه، ومن جهة تكراره كما سبق- لما فيه من المشقة على المكلف؛ فمنهم مَن خيَّره بين الوفاء بما التزمه وبين كفارة يمين، وهم بعض فقهاء أصحاب الحديث، والجمهور أوجب عليه الوفاء بالنذر، ثم منهم مَن وسَّع عليه في أدائه -وهم الحنفية- فأجازوا له أداءه في غير وقته المعيَّن؛ بناءً على أنه لا يتعين بالتعيين، فإذا لم يَصُم وأراد القضاء فالشافعية ومن وافقهم يجيزون له التفريق في قضاء ما أفطره كقضاء رمضان، فإن لم يستطع الصوم أداءً ولا قضاءً فالجمهور يوجبون عليه فديةً إطعامَ مسكينٍ عن كل يوم، والحنابلة في رواية لا يُلزِمونه إلا بالكفارة، والمالكية لا يوجبون عليه شيئًا لا فديةً ولا كفارةً.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا لم تستطع الوفاء بنذرك ولو بالتفريق في الأداء أو القضاء فعليك أن تُخرِج فديةً إطعامَ مسكينٍ عن كل يومٍ تركتَ صومَه إن كنتَ مُوسِرًا، فإن عَسُر عليك ذلك فيمكنك أن تَخرُجَ مِن نذرك هذا بكفارة يمين؛ أخذًا بإحدى الروايتين عند الحنابلة وبعض فقهاء أصحاب الحديث، فإن عَسُر عليك ذلك أيضًا فقلِّدِ المالكية ولا شيء عليك.