التفاحة الفاسدة

الإثنين، 21 أغسطس 2023 05:20 م
التفاحة الفاسدة
أمل محمد أمين

 
محزن أن تتعب ويدمر غيرك حصاد ومجهود سنوات في لحظات، وينطبق هذا على رفيق السوء الذي يدمر انسان صالح اجتهدت عائلته في تربيته، لكن وجود رفيق فاسد قد يحرق جهود أبوين صالحين في العناية والرعاية والسهر والاهتمام بأبنائهم.
 
كم هو مؤسف أن نرى الوالدين يبذلان كل نفيس وينفقون الكثير من الوقت على رعاية أولادهم، ثم تأتي الشلة الفاسدة لتحمل فلذة أكبادهم في طريق الانحراف والشذوذ عن أعراف المجتمع وتعاليم الأديان السماوية السمحة.
 
الأمر الأشد عجبا أن بعض الأطفال والمراهقين يمتثلون  لآراء أصدقائهم أكثر من ابويهما أو معلميهم، ويكونون مسحورون بهذا الصديق إلى درجة كبيرة ويعتبرونه قدوة في كل شيء.
 
وبالطبع إذا كان هذا الخليل الفاسد يتعاطى المخدرات أو يدمن ألعاب العنف ومشاهدة المواقع الاباحية أو يحرضهم على التطرف واعتناق أفكار هدامة، فهو ينقل تلك العادات إلى باقي أصدقائه خاصة إذا كانوا أصغر منه في السن أو أقل خبرة في الحياة أو خجولين و منعزلين عن الحياة الاجتماعية.
 
وفي تلك الحالات تتوفر البيئة المثالية لأصدقاء السوء لصنع اتباع لهم يسهل قيادتهم وتشكيل أفكارهم.
 
ولا يحتاج الأمر إلى توضيح مدى خطورة رفيق الشر على النشء وعلى المجتمع، وهذا هو ما اتبعته داعش لتجنيد آلاف من الشباب وتغذيتهم بأفكارها المسمومة، وحيث انتفت معظم أتباعها من الشباب وغسل عقولهم بالتدريج حتى طمست هويتهم تماما.
 
وسهلت وسائل التواصل الاجتماعي فتح قنوات التواصل بين كافة أطياف المجتمع والاعمار المختلفة فتحولت تلك الوسائل إلى نوافذ على أرواح خبيثة ومؤذية تحرك عقول الأطفال والمراهقين، وتبث سموم فكرية بالتدريج كثعبان يزحف ببطء حتى ينتشر السم في العقل والروح بهدوء دون ان تشعر العائلة، وربما نذكر جميعا لعبة الحوت الأزرق التي كان يلعبها الشباب والأطفال وينفذون التعليمات حتى يرتقون في اللعبة ويقبلون التحديات حتى الموت، لقد كانت هذه اللعبة صديقهم الذي يضع أمامهم التحديات ويثير فيهم الشغف حتى الموت، فليس بالضرورة أن يكون رفيق السوء من لحم ودم، فالآن ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي أصبح من يكلمك ربما روبوت صناعي له القدرة على محاكاة أفعال البشر، بل وتغيير اخلاقه وكلماته لتتوافق مع نفسية ورغبات الشخص الذي يتحدث معه.
 
وإذا كان في الماضي يأتي الخطر من بعض الأصدقاء المحيطين بأبنائنا في المدرسة أو الحديقة والنادي أو الجيران، أصبح الخطر يطل عليهم من كل مكان ومن الأجهزة التي يستخدمونها!!
 
ويكمن حل تلك المشكلة في وضع رقابة منظمة ودورية على الأبناء، وملاحظة اي تغير في سلوكهم وطريقة تعاملهم مع الغير وقد يظهر هذا في بعض الأحيان في ألفاظ قد يتحدثون بها أو حركات أو وشوم يضعونها.
 
وهذه الرقابة لا تعني وضع قيود أشبه بمراقبة سجين بل التقرب من الطفل وصداقته واكتساب ثقته هو الأفضل ليتحدث بحرية ودون خوف من العقاب، وإذا كانت هناك مشكلة في صديق الطفل فسيكون استبداله أمر صعب في البداية لكن بالتدريج يمكن إبعاد الطفل عن هذا الرفيق بشغل وقته باهتمامات أخرى ومحاولة إيجاد مجموعة أخرى من الأصدقاء تساعد في إبعاده عن الشلة القديمة وهو ليس بالأمر السهل لأن الأطفال والمراهقين يكونون في بداية حياتهم في غاية التعلق بأصدقائهم ويتأثرون بهم كثيرا في أفعالهم.
 
وهنا تبرز أهمية التربية على التعاليم الدينية الصحيحة والتي تضع أساسات وقواعد في نفوس أبنائنا لا يسهل التلاعب بها، ومعها يصبح الطفل أو المراهق قادر بالفطرة على التمييز بين الصواب والخطأ وتعف نفسه عن فعل الحرام.
 
أخيرا لا يمكن الاستهانة بالرفيق الطالح ولنتذكر قول الله تعالي في كتابه الكريم يصف بها ندم وألم المنحرفين عن طريقه بسبب رفيق السوء "(يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا) ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم رفيق السوء بنافخ الكير أي الحطب والصديق الطيب بحامل المسك، عن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ : أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً ".
 
فلا بد من الحرص على انتقاء من يصاحب أبنائنا فهم يتعلمون منهم أكثر مما نعلمهم ويغرسون فيهم أعمق مما نفعل ولنتذكر دائما أن تفاحة فاسدة واحدة في سلة كبيرة من التفاح السليم قادرة على إفساد السلة كلها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق