حافظ مش فاهم

منذ عهد وزير التعليم السابق، الدكتور طارق شوقي، وثمة شبه إجماع من الأسر المصرية على رفض مخطط تطوير التعليم، الذي هو ببساطة استبدال الحفظ بالفهم، والتلقين بالتحليل، والإجبار بالاختيار لكن للأسف حتى اليوم، لا تزال جميع الأسر تسير على خطى أبنائها في رفض التطوير، وهو ما تمثل في الهجوم المتكرر على الدكتور طارق شوقي، ورحيله عن الوزارة، وحتى بعد أن حل مكانه الدكتور رضا حجازي، الوزير الجديد، لا تزال الأسرة المصرية مصرة على عدم جدوى خطة التعليم في مصر؟

 

حقا لا أفهم سبب إصرار أولياء الأمور على تحمل تكاليف وأعباء الدروس الخصوصية كل عام، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع، ورغم تحذيرات كل المسؤولين عن منظومة التعليم في مصر، وحتى خبراء التعليم، من أن الدروس الخصوصية، التي تعتمد على أسلوب الحفظ، هي أكثر ما يضر الطالب في التوجه الجديد لوزارة التعليم، لكن لا أحد يتفاعل مع هذا التوجه، وتستمر مافيا الدروس الخصوصية، وفي المقابل أيضا تستمر شكاوى الأهالي من ميزانية التعليم المرهقة!

 

استمرار الدروس الخصوصية، يدل على الأهالي يسيرون على خطى أبنائهم، الذين تنقصهم الخبرة اللازمة في فهم التغيرات المعاصرة، وبدلا من نصح أبنائهم وإشعارهم بخطورة الدروس الخصوصية، على مستقبلهم العلمي، وأنها لن تفيدهم في شيء، نرى أن الأهالي أصبحوا يتحدثون بلسان حال أبنائهم ويؤكدون ضرورة وأهمية الدروس الخصوصية، وكأنها هي من ستجعل من أبنائهم أطباء ومهندسين وأدباء وعلماء، في تجاهل صريح لجميع نصائح خبراء التعليم.

 

وهنا أوجه سؤالا للأهالي المتمسكين بالقديم، فمتى كان التعليم في العصور السابقة مفيدا حتى تتمسكون بطرقه القديمة؟ وكم خريجا التقيتموه كان على قدر شهادته التي حصل عليها، ويفهم كل ما يتعلق بتخصصه؟ هل كان المجتمع متعلما للدرجة التي ننافس بها خريجي العالم؟ هل كان الخريج المصري محط إعجاب منكم؟ هل قادته شهادته الجامعية للعمل بسهولة؟

 

إذا كانت الإجابة لا، فلماذا لا تعطون الفرصة للنظام الجديد ليأخذ مكان القديم، فمهما كانت سوءاته بالنسبة لكم الآن فربما سيكون في المستقبل أفضل من التعليم بالتلقين والحفظ، وهل نسيتم المثل الشعبي الرائج الذي يقول «فلان حافظ مش فاهم»؟ لماذا تريدون العودة للماضي وكأن العالم لم يتغير ويسبق عصرنا بالعديد من السنوات الضوئية؟

 

إلى كل أولياء الأمور.. اجلسوا مع أبنائكم قبل بداية العام، واعقدوا اتفاقا.. أخبروهم بأنكم لن تنظروا لأرقامهم نهاية العام، وانسوا الدرجات الكاملة أو التي تقترب من الـ100% فلم يعد هذا عصرها، فالوزير نفسه أكد أن من يحصل على 80% هو طالب متفوق، ومن سيحصل على 60% سيجد كلية تقبله.. دعموا أبناءكم بهذه الأفكار الجديدة، ولا تدعوهم ينظرون لزملائهم الذي يخضعون للدرس الخصوصية، فهم ليسوا قدوة لهم، بل ربما كانوا يؤخرون من أنفسهم مع تأخرهم عن الفهم والتحليل والتجربة التي يعتمد عليها نظام التعليم الجديد.

 

حدثوا أبناءكم عن النماذج المتفوقة في السنوات الأخيرة، واعرضوا لهم قصص الطلاب والطالبات الذين اكتفوا بكتاب المدرسة فحققوا التفوق والنجاح بل وتصدروا مدارسهم ومحافظاتهم.. وأخيرا لا تجعلوا من أبنائكم «حافظين مش فاهمين».