جيل 30 يونيو.. أنقذ الأمة العربية من براثن الإرهاب الإخواني
السبت، 08 يوليو 2023 10:30 ممحمود على
كان اللافت بعد 30 يونيو أن حدود مصر ملتهبة ومشتعلة، لكن استطاع جيل 30 يونيو أن يحافظ على تماسك الدولة، فقد كانت ثورة المصريين البداية لإسقاط مشاريع الفوضى والإرهاب ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي بأكمله، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان كم التحديات والظروف الإقليمية المتسارعة التي أحاطت بالدولة المصرية خلال تلك الفترة، من حدود ملتهبة في كل الاتجاهات، في وقت استطاع خلاله جيل ثورة يونيو أن يحافظ على تماسك الدولة المصرية وهويتها الوطنية بالوعي والإرادة والتماسك والوقوف خلف قياداته التي صنعت الحدث.
في كلمته خلال أعمال الدورة العادية الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مدينة جدة بالسعودية، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: "لقد مرت منطقتنا، خلال السنوات الأخيرة، بظروف استثنائية قاسية هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية وأثارت في نفوس ملايين العرب، القلق الشديد، على الحاضر ومن المستقبل".
وأضاف "لقد تأكد لكل ذي بصيرة، أن الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، فرض عين وضرورة حياة، لمسـتقبل الشـعوب ومقدراتـها فلا يستقيم أبدا، أن تظل آمال شعوبنا، رهينة للفوضى، والتدخلات الخارجية، التي تفاقم من الاضطرابات، وتصيب جهود تسوية الأزمات بالجمود".
حديث الرئيس السيسي، قبل أسابيع قليلة كشف كواليس ما عانته الدول العربية من فوضى، وبث للفتن وتحريض على الإرهاب، وعدم استقرار، واستغلال التدهور الأمني لتقسيم وتفتيت الدول والمجتمعات؛ حيث أظهرت الأيام التي تلت ثورة يونيو وحتي يومنا هذا؛ أن مصير العالم العربي كان السقوط في فخ السقوط تحت يد قوى التطرف، قبل أن تنقذه الثورة من براثن حكم الميليشيات.
في الداخل المحلي، رأينا ما حققته ثورة 30 يونيو، بنجاحها في الحفاظ على مفهوم "الدولة الوطنية" عبر نشر الوعي بين مواطنيها مرسخة الكثير من المبادئ التي كانت من ضمن أولوياتها الحفاظ على الدولة واستقرار أركانها ومؤسساتها، ومواجهة كافة المخططات التي تسعى إلى بث الفتنة بداخلها، والنيل من إنجازاتها، التقليل من حجمها، لتصبح التجربة المصرية ملهمة للكثير من التجارب المشابهة في الدول العربية والتي عانت هي الأخرى من انتشار الفوضى وعدم الاستقرار.
على مستوى المنطقة العربية أيضاً، كانت ثورة يونيو نقطة انطلاق لكثير من دول الجوار العربي، التي انتفضت أيضاً ضد المشروع الإخواني، الذي كان قد كشف ملامحه وتحدث عنه قيادات الجماعة التاريخية بتجاهله لحدود الدول، وأن كانت بعض الدول العربية اتخذت الخطوة متأخرة، في إدراك ما تشهده المنطقة من محاولات إقليمية بذرع جماعات التطرف على رأس الأنظمة العربية، لكن في النهاية كانت في الموعد بعدما تيقنت أن ثورة يونيو ما هي إلا إنقاذ للمنطقة العربية التي كانت ستتحول إلى فوهة من البركان تسيطر عليها الميليشيات والجماعات الإرهابية في حال استمرت جماعة الإخوان في حكم مصر وتوغلت أكثر في عمق المجتمع العربي.
المبادرة كانت من جانب الشعب المصري، الذي قرر بيده أن ينهي حكم جماعة الإخوان الإرهابية بعد عام فقط من جلوسهم على كرسي الحكم، حيث استجاب الرئيس السيسي وزير الدفاع حينذاك لنداء ملايين المصريين في الشوارع الذين طالبوا بعودة الاستقرار والإطاحة بالجماعة، ثائرين على كل المواقف والقرارات الفادحة التي ارتكبت بأوامر من مكتب الإرشاد في المقطم، وأدت إلى إضاعة جميع فرص البناء والتقدم والاستقرار للدولة، وانخفاض معدل النمو وارتفاع في البطالة وانخفاض في الاحتياطي الأجنبي.
فمصر الدولة الإقليمية الكبرى التي يحسب لتاريخها وحاضرها ألف حساب، أصبحت في سنة من حكم الجماعة تابعة بعيدة كل البعد عن القيادة التي تعودت عليها، لاسيما وأن قرارها كان يتخذ من عواصم بعض الدول، ليس من القاهرة، متدهورة علاقتها بدول كبرى في المنطقة لها روابط تاريخية وجغرافية بمصر.
وعلى مستوى علاقات مصر بالخارج، فالجماعة التي ثار ضدها الشعب المصري، عملت على الاستفادة من حكمها خلال تلك الفترة القصيرة، بعقد صفقات واتفاقيات تجارية باسم قياداتها مستنزفة المليارات من الاحتياطي الأجنبي للدولة، وحتى ملف سد النهضة كانت لفترة حكم الجماعة أثرا سلبيا عليه فرغم أن الملف متوارث من نظام حسني مبارك، إلا أن ضعف الإدارة المصرية في تلك الفترة مكن الدولة الإثيوبية من عقد اتفاقيات مع الدول الكبرى من أجل البدء في إنشاء السد، فضلاً عن ذلك فأن هناك اجتماعا إدارته قيادات الجماعة على الهواء مباشرة مع القوى السياسية حينذاك؛ أدى بشكل مباشر إلى توتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا، ما كشف عن سوء إدارة هذا الملف وافتقاد الجماعة لأسس التعاطي مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة.
كما أن المحيط الملتهب، واستغلال الجماعة للفوضى الإقليمية أدى إلى انتشار نفوذها في الكثير من الدول العربية التي تقع على حدود الدولة المصرية وحتى ولو بشكل تدريجي، ما دفع إلى ظهور الكثير من التحديات لدى القيادة السياسية المصرية، إلا أن الدولة الوطنية ومؤسساتها تعاملت بجدية مع مثل هذه المواقف، مكتسبة الخبرة من التعامل المميز مع الداخل المحلي، فبخلاف نشر الوعي لدى المجتمع المصري ومعرفته بخطورة المرحلة في معركة "الفهم"، تحركت القاهرة على كل المحاور من أجل إفشال كافة المخططات الساعية إلى تحويل المناطق الحدودية إلى نقطة تمركز للإرهابيين.
جاءت هذه التحركات بالتوازي مع التحرك خارجياً لمنع تدفق الجماعات المسلحة والإرهابية إلى ساحات القتال بالمنطقة العربية، سواء كان الأمر في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
كل ذلك، ساهم بشكل مباشر في قطع أواصر الإرهاب، وتجفيف منابعه، حيث ساعدت التحركات المصرية الهادفة بالأساس إلى الحفاظ على "الدول الوطنية" إلى حرمان جماعات الإرهاب من التعاون فيما بينها، وذلك بضرب خطوط اتصالها من المنبع عن طريق الأجهزة المعنية، وكانت لدى مصر الكثير من العمليات الناجحة التي قبضت من خلالها على قادة تلك الجماعات وبعض أفرادها ومموليها السريين، مما حرمها من تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تقسيم المنطقة، بالإضافة إلى ذلك كانت الدولة ملهمة في نشر الوعي لدى المجتمع بخطورة تلك الجماعات، خاصة وأن مثل هذه الكيانات تستغل الحماسة الشبابية المغيبة في جذب أكبر عدد من المخزون البشري لاستخدامهم في عملياتهم.
وكانت هناك محاولات عديدة من جماعة الإخوان لاختطاف الدولة المصرية بالتخلي عن ثوابتها ومبادئها بترسيخ مفهوم الدولة الوطنية وحماية الحدود، لكن الشعب كان داعما بكل قوة للدولة المصرية وأجهزته ومؤسساته الوطنية وعلى رأسها الجيش والشرطة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الدولة واستقرار أركانها ومؤسساتها، لتصبح الدولة من أكثر النماذج الديمقراطية والحضارية.
ودفعت كل هذه التحركات المصرية النشطة، شعوب دول الوطن العربي، وتحديداً في دول الأزمات سوريا وليبيا والعراق أن تنظر إلى التجربة المصرية باستلهام مستطيعة هي الأخرى أن تواجه الإرهاب في دولها وأن تحقق الأمل بطرد جماعات التطرف للحفاظ على الهوية العربية وتثبيت أركان الدول الوطنية، كما نجح الأمر في مصر.
حتى أن نجاح الثورة المصرية في 30 يونيو، كان دافع قوي لكل الدول العربية للتصدي لكل المشروعات الدولية والإقليمية في المنطقة، ونجحت ليبيا ثم سوريا والعراق أيضاً في التصدي لتنظيم داعش وجميع الكيانات الإرهابية المنضمة تحت رايته، التي تلقت لطمة قوية جراء تأكدها بأن مخططاتها ومساعيها لن يكتب لها النجاح بعد ما شهدته مصر من سقوط لجماعة الإخوان الإرهابية.
لم تقف مصر هنا، فبعد نجاحها في معركة الحرب على الإرهاب وتثبيت أركان الدولة الوطنية، أصبحت جراء تحركاتها ومواقفها الثابتة تجاه تطورات الأحداث في المنطقة؛ الواجهة الرئيسية التي من خلالها تحل جميع القضايا والملفات العالقة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث دأبت القاهرة على جمع الأشقاء من فلسطين وليبيا وسوريا والعراق بمختلف توجهاتهم من أجل السعي إلى التوافق في الرؤى ووضع صوب أعينهم مصلحة دولهم في المقام الأول.
وكانت مواقف الجماعة خلال عام من حكمها مصر، خاصة داخل سوريا وليبيا وكافة الصراعات والأزمات بالمنطقة، سببا في إشعالها وبدلا من أن تكون مصر في هذه الفترة جانحة للسلام كانت متداخلة في بعض الأزمات بالنظر إلى طبيعة علاقات الجماعة مع شركائها في بعض الدول الأخرى، ففي الملف السوري أظهرت الجماعة أن مستقبل المنطقة في ظل حكم الإخوان كان سيتجه إلى مصير مجهول، بعد دعوتها صراحة المؤيدين للجهاد في سوريا لتحريرها من ما وصفتهم بـ"الطواغيت والديكتاتورين".
وعلى الرغم من ما شهدته علاقات مصر من تدهور مع دول كبرى في عهد الإخوان، خاصة روسيا والصين؛ نتيجة ارتباط إيديولوجية الجماعة بشكل واضح مع الجماعات التي تمثل تهديدا كبيرا على أنظمة هذه الدول، نجحت القاهرة بفضل قيادتها وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بتغيير مسار السياسة الخارجية كلياً، حيث استطاعت الدولة تُحقيق المعادلة بنجاحها في تحقيق التوازن الإقليمي والدولي، ومواجهة تحديات الداخل والبدء في آلية جديدة وواضحة لإعادة توازنها وعلاقتها بالعالم الخارجي.
وكانت رؤية الرئيس السيسي الخارجية كشفها منذ توليه المسؤولية، مؤكدا على أهمية ملف السياسة الخارجية لمصر باعتباره يمثل ظهير قوي لعودة الدولة لدورها الإقليمي، حيث كانت للإدارة المصرية تحركات نشطة وذلك من خلال الاهتمام الكبير بالبعد العربي والإفريقي في المقام الأول ومن ثم البعد الدولي، مولية كل تركيزها على صياغة العلاقات المصرية على أساس متوازن مع جميع دول العالم.
وحدد الرئيس السيسي الكثير أوليات سياساته الخارجية بالتأكيد على أن الدولة لديها الكثير من المقومات التي بموجبها يجب أن تكون أكثر انفتاحا على علاقاتها الدولية.
وبدأت سياسة مصر الخارجية في الاتضاح والشفافية أكثر بتبنيها التعاون مع الدول الصديقة وفتح مجال لتعزيز العلاقات مع الأخرى بناء على تحقيق مصالح الشعب المصري، لتحصل بعدها على عضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي لعامي 2016 – 2017، ويتم اختيارها لتكون رئيسة للاتحاد الإفريقي في عام 2019، إلى جانب مشاركتها الفاعلة والفعالة في عمليات حفظ السلام الأمن والسلم الدوليين وتحقيق استقرار شعوب العالم، إضافة إلى تحقيقها نجاح باهر خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف الـ27 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ COP27 ، والذي عقد نوفمبر الماضي في شرم الشيخ، وتحقيقه مكاسب كبيرة على مختلف النواحي اللوجيستية والفنية ومخرجات المنطقة الخضراء، ومكاسب على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وفيما يخص القضايا الإقليمية كانت لمصر رؤية ثاقبة أعادت للمنطقة العربية توازنها بعد أعوام من الانحراف، وأثبتت أن الدولة المصرية تتعافي بنجاحها في عدد من الملفات الدولية، وكان من أبرزها ملف مكافحة الإرهاب وقضايا المناخ وحقوق الإنسان وملف أزمة اللاجئين والحد من انتشار السلاح النووي، حيث كانت لها الكثير من المداخلات إذا كان في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو مجلس التعاون الإسلامي التي كشفت عن رؤيتها الثاقبة في هذه الملفات.