دعوة لـ«الحوار الوطني».. حاربوا ثقافة «المهرجانات»
السبت، 20 مايو 2023 02:08 م
احتاج الأمر لعقود طويلة قبل أن يتم إصدار قانون يمنع التدخين في وسائل المواصلات والجهات الحكومية، قبل أن تتحول إلى ثقافة طوعية من المواطنين في كل الأماكن المغلقة، حتى التي لا تتبع الجهات الحكومية ولا يُلزمها القانون بمنع التدخين، وصار الأمر عرفا أو ذوقا اجتماعيا، لا يحتاج قانون بعد أن فطن الرأي العام بأكمله لأضرار التدخين، فمتى تختفي ظاهرة أغاني المهرجانات في الأماكن العامة، التي لها أضرار أخطر بكثير من التدخين السلبي الذي تم منعه، وتؤثر على الأجيال الجديدة، بل والأخطر أنها تقضي على الهوية المصرية، والفن الجميل، الذي صدرته مصر لجميع الدول العربية؟
في كل حارة وسوق شعبي، توجد مئات التكاتك التي يقودها مراهقون أو حتى بالغين، يطلقون العنان لمكبرات صوت «ساوندات» تصدر ضجيجا وأصواتا صاخبة لا علاقة لها بالفن البتة، وهي ما يطلق عليه المهرجانات، ويشاركهم في نشرها المحلات التجارية وبعض المقاهي، وتصل إلى الشوارع الرئيسية المزدحمة، مثل فيصل وناهيا وغيرهما، فضلا عن مساهمة سائقى الميكروباص في نشر هذا الفن الهابط، لدرجة أنه يمكن القول أن في أي تجمع أو منطقة لن ينجو سمعك من هذا «النشاز» الذي يؤثر على الصحة النفسية ويؤدي لأمراض عصبية بل وعضوية، وفق ما حذر منه العديد من الأطباء وعلماء الاجتماع، والأهم كما ذكرنا أنه يؤثر على الهوية المصرية ومكتسبات الأجيال الماضية التي سلمتنا راية الفن الأصيل مرفوعة، ممثلة في أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، مرورا بجيل هاني شاكر وعمرو دياب وأنغام، وانتهاء بشيرين وحماقي وغيرهم.
ولعل ما ينذر بالخطر الكبير، هو أن هذه الأغاني، ذات الكلمات الركيكة التي تصل إلى الفاحشة، وتعتمد على مفردات المخدرات وجسد المرأة، تسللت خلسة من الأماكن الشعبية إلى كل منطقة في مصر، حتى المناطق الراقية، وصار أهلها لاسيما المراهقون والأطفال، يفضلون سماعها على المطربين الذين درسوا الموسيقى ويقدمون فنا حقيقيا، لتتصدر هذه الأغاني تطبيقات الموسيقى مثل «أنغامي وساوند كلاود»، وأيضا موقع «يوتيوب»، ما يعني أنها لم تعد تقتصر على فئة بعينها، وإذا لم يتم مواجهتها ستصير ثقافة مصرية ستقضي بالضرورة على كل مكتسبات الفنون المصرية الأصيلة، التي نفخر بها جميعا وتعد من أهم أدوات القوى الناعمة.
هنا أناشد المجتمعين على مائدة «الحوار الوطني»، الذي يهتم محوره المجتمعي بـالثقافة والهوية الوطنية التي شكلت إحدى لجانه، إذ يجب طرح هذا الأمر للنقاش بوصفه قضية أمن قومي وليست ظاهرة عابرة، لاسيما وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى في أكثر من مناسبة تحدث عن ضرورة التمسك بالهوية الوطنية، كخيار وحيد للنجاة في عصر العولمة والأفكار الدخيلة على المجتمع، وبالتالي يجب على المتحاورين استدعاء خبراء وأساتذة في علم الاجتماع والنفس وغيرهم، وأيضا وفد من نقابة الموسيقيين لدعمها في خطواتها الجادة نحو محاربة المهرجانات، والتي كان آخرها إيقافهم ومنعهم من الغناء في الحفلات والأماكن العامة إلا بشروط أبرزها عدم وجود مفردات سلبية لا تتفق مع قيم المجتمع، وأيضا يجب الاستعانة بالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، لبيان الحكم الشرعي في هذه الكلمات التي تنهل من ثقافة لا صلة لها البتة بقيم الدين والمجتمع.
أيضا يجب إطلاق حملات إعلامية في قنوات الدولة الرسمية وغيرها، تحذر من خطورة هذه المهرجانات، وتدعو المواطن لإرغام السائقين على عدم تشغيلها وليس التفاعل معها بإيجابية، لحماية جيل الأطفال على الأقل، الذين ربما لم يتعرضوا للفن المصري الأصيل، بعد أن نشأوا في عصر الإنترنت المنفتح على كل شيء، في ظل غياب الأسرة عن مراقبتهم.
الأمر جد خطير، ويحتاج وقفة من الجميع، فنحن في لحظة فارقة بين التمسك بالهوية التي تربينا عليها وبين ضياعها في جيل، ربما تعرض أكثر من غيره لحملات تغريب خارجية وداخلية عديدة، يجب حمايته قبل أن يفقد كل القيم والطبائع التي تربينا عليها. وهنا أخاطب «الحوار الوطني» بوصفه أفضل جهة لديها من المؤهلات والإمكانيات ما يكفي للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تسيء لمصر داخليا وخارجيا، وصولا في النهاية لإقرار قانون يمنع تشغيل هذه الأغاني الهابطة في الأماكن العامة ووسائل المواصلات، حتى يصير الأمر ذوقا اجتماعيا، ونعود لهويتنا الوطنية الأصيلة.