أسئلة القراءة تتوالى مع بدء «عرس الكتاب» في مصر..إفتتاح معرض الكتاب فى دورته 47 تحت شعار «الثقافة في المواجهة»..850 ناشر مصرى يشاركون و24 دولة أخرى..«هل المصريون لايقرأون حقًا» السؤال الأبرز بالمعرض
الأربعاء، 27 يناير 2016 10:57 ص
مع افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب اليوم الأربعاء، في دورته السابعة والأربعين تحت شعار «الثقافة في المواجهة» يكون أهم حدث ثقافي مصري على مدار العام قد بدأ ويكون «عرس الكتاب» قد انطلق فيما تتوالى أسئلة القراءة التي لا تخلو من سؤال مؤرق يعبر عن أزمة مثل: «هل المصريون لايقرأون حقا»؟!.
ويشارك 850 ناشرا من مصر و24 دولة أخرى في هذا المعرض الذي يستمر حتى العاشر من شهر فبراير المقبل، واختيرت فيه مملكة البحرين ضيف شرف، وأي مثقف مصري يأمل في أن تمتد صفوف الزوار طويلا أمام بوابات الدخول والأجنحة المختلفة بأرض المعارض بمدينة نصر، برهانًا على عدم صحة المقولة التي يرددها البعض حول انقراض عادة القراءة في مصر والادعاء بأن المصريين لايقرأون ولا يحبون القراءة!.
وكان الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب، قد أوضح أن هناك 550 ناشرًا مصريًا قرروا المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الى جانب 250 ناشرا عربيا و50 ناشرا أجنبيا، منوها بأن المعرض هذا العام سيكون مختلفا ويتضمن العديد من الإضافات الجديدة التي تتناسب مع المرحلة الجديدة في الحياة المصرية.
ومن الأنشطة الجديدة في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام «ذاكرة المعرض» أي إعادة عرض ندوات شهيرة لقامات ثقافية مصرية وعربية على مدى نحو 30 عاما خلت فيما يصل عددها لى 30 ندوة بواقع ندوتين يوميا في "قاعة السينما" طوال أيام المعرض،وستكون «الندوات الاسترجاعية» لشخصيات شهيرة مثل الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل والشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي والشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش والشاعر السوري الراحل نزار قباني.
ونوه علي بأن المعرض سيشهد أنشطة ثقافية وفنية تعبر عن كل التيارات والتوجهات الثقافية ويتضمن عرضا لأفلام وثائقية عن بطولات الجندي المصري بمشاركة قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة بـ4 معارض ومهرجان للرسم الجرافيتي فيما تعقد ست ندوات عن أدب نجيب محفوظ في ذكرى مرور عقد كامل على رحيله.
وعند الدخول سيتسلم كل زائر خريطة توضيحية للمعرض ونشرة حول الأنشطة التي تتضمن أفلاما للأطفال وعروضا موسيقية للأوبرا فضلا عن عروض مسرحية لأكاديمية الفنون وندوات ينظمها كل من المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة مع اهتمام خاص بالفعاليات الشبابية.
واختير الكاتب والروائي المصري الراحل جمال الغيطاني شخصية المعرض في دورته لهذا العام ليشهد هذا العرس الثقافي عرضًا لكتبه وندوات متعددة في إبداعاته ومسيرته وتأثيره.
وقال رئيس الهيئة العامة للكتاب، إن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو ثاني أهم وأكبر معرض في العالم بعد معرض «فرانكفورت» الدولي للكتاب فان عدد الدول العربية والإفريقية المشاركة هذا العام يبلغ 21 دولة إلى جانب 13 دولة أخرى تتوزع حول العالم ومن بينها دول تشارك لأول مرة وهما كازاخستان وباراجواي، موضحا أن هناك 300 من الشباب ذكورا وإناثًا يتولون مساعدة جمهور الزائرين والإجابة على أي استفسارات.
وإذا كان من المطلوب والمفيد أن تبقى أسئلة القراءة مطروحة مصريا وعربيا وعالميا مع تحديات تبحث عن حلول وطموحات بإعلاء قيمة الكلمة والكتاب فينبغي ملاحظة ظاهرة دالة في معرض الكتاب في الأعوام الأخيرة وهي الإقبال الكبير على الكتب ذات المحتوى الثقافي الجيد.
ويتجه معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام اتجاها ايجابيا بتخصيص «سرايا للكتب المخفضة الأسعار» إسهاما في مواجهة ظاهرة الارتفاع الكبير في أسعار الكتب فيما تشير دراسات إلى أن العامل الاقتصادي أو القدرة الشرائية تنطوي على أهمية كبيرة في مسألة القراءة.
وحسب دراسة سابقة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فان نسبة قدرها 48 فى المائة من الشباب المصرى فى الفئة العمرية من 15-29 عاما تأتى القراءة في المرتبة الثالثة ضمن هواياتهم كما أظهرت أهمية المكتبات العامة حيث أن نسبة 61 % من بين هذه الفئة تعتبر الاستعارة من المكتبات هي المصدر الأساسي لقراءة الكتب.
وفسر الشباب مسألة عدم الاقبال على القراءة الحرة بشكل عام إلى عدم نشجيع الأسرة وكثرة القنوات التلفزيونية ثم كثرة الأعباء المدرسية وتبين أن 27 % من الشباب الذين يقومون بالقراءة يخصصون جزءا من دخلهم الشهرى لشراء الكتب ويبلغ المتوسط نحو 34 جنيها شهريا.
ولاجدال أن تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات المعيشة أمر يمكن أن يسهم في حل أزمة القراءة وزيادة قاعدة القراء والسؤال هنا:كيف يتأتى للمواطن المحدود الدخل تلبية المتطلبات الأساسية لعائلته والحاجة للقراءة في ظل ارتفاع أسعار الكتب؟!..ويحق التساؤل هل هي أزمة القراءة أم أزمة ارتفاع أسعار القراءة؟!.
وسلم ناشرون بأهمية العامل الاقتصادي، مشيرين إلى أن سوء الوضع الاقتصادي لا يجعل الكتاب من أولويات الحياة فيما تنتج مصر نسبة تتجاوز 85 % من الكتب في العالم العربي واعتبر بعضهم أن السبيل لصنع "مجتمع قاريء" يتمثل في قيام الأسر بتنمية عادة القراءة لدى الأبناء واهتمام مؤسسات التعليم بالمكتبات وتيسير سبل الاستعارة والتوسع في انشاء المكتبات العامة.
وتفرض قضايا وأسئلة القراءة حضورها القوي في الصحافة الثقافية الغربية لعله كان من المناسب أن يخصص معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام ندوة لمناقشة قضايا القراءة من الثقافة المكتوبة الى الثقافة الرقمية بغرض تشخيص الوضع بدقة واقتراح حلول لأي إشكاليات على هذا المضمار.
وحسب كلمات لفرانسين بروس في طرح نشرته صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرا فان من أهم العناصر المحببة في عملية القراءة لكتب وإصدارات ورقية حتى بالنسبة للأطفال ما تنطوي عليه من "خصوصية وحميمية" وهو عنصر تزداد قيمته مع الانتهاكات الحادة والغليظة "للخصوصية" في العصر الرقمي و"التلصص الإلكتروني على عادات الآخرين وميولهم على شبكة الانترنت".
غير أن العصر الرقمي بدفقاته ونبضاته الإلكترونية لن يتوقف تأثيره في شتى المجالات ومناحي الحياة ومن بينها القراءة جراء الحنين للخصوصية والحميمية كما يسلم فرانسين بروس فيما تكشف دراسة حديثة حول ميول وتفضيلات قراء الكتب الرقمية في بريطانيا عن تفوق واضح للقصص الرومانسية تليها قصص الجريمة ثم كتب الغرائب.
ومن الطريف أن مسألة شراء البعض للكتب من قبيل المباهاة أو التظاهر بالاهتمامات الثقافية دون قراءتها حاضرة في بريطانيا شأنها شأن مصر كما يكشف هذا الطرح لفرانسين بروس، حيث يرصد "ظاهرة شراء البعض للكتب كنوع من الزينة داخل المنازل".
وكان الدكتور أحمد مجاهد الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب قد تمنى أن تقوم مؤسسة متخصصة بتقييم إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب أو إجراء استطلاع ثقافي، منوها في الوقت ذاته بأن مركز المعلومات في الهيئة يستطلع أراء رواد معرض الكتاب «عبر استمارات ونحاول تحسين الأوضاع حسب ملاحظاتهم لكن هذا لا يكفي».
وعلى مستوى الكتابة الرقمية فهناك نصائح في الصحافة الثقافية الغربية من أجل جذب المزيد من القراء وهى نصائح موجهة للكتاب مثل ضرورة استغلال جوانب القوة في الوسيط الإلكترونى والبحث عن الأفكار المتفردة والملهمة والاهتمام بجماليات الأسلوب والعرض والسعي لإحداث الانفعال المنشود لدى القاريء بكتابة متقنة ومفعمة بالمشاعر مع اتفاق عام على أن الكاتب هو فى نهاية المطاف «محصلة ما يقرأه».
وثمة ظاهرة لافتة الآن بقوة فى مجال تغير الذائقة القرائية فى الغرب وهى «رواج كتب الكوميكس» او القصص الفكاهية المصورة التى تحظى باقبال كبير من القراء سواء كانوا من الكبار أو الصغار حتى أن كتبا جديدة صدرت لتناول أبعاد هذه الظاهرة كما تحدثت عنها مجلات ثقافية مرموقة مثل "نيويورك ريفيو اوف بوكس".
في زمن مضى، كان جمهور كتب ومطبوعات الكوميكس من الأطفال والمراهقين ويخجل الكبار من مطالعتها علنا إما الآن فهى مقصد الجميع دون اى شعور بالخجل او محاولة التخفى من جانب الكبار ولم تعد هذه النوعية من الكتب لصيقة "بالثقافة الهابطة" او يتأفف منها المثقفون الكبار كما يقول كريس وير فى كتابه "بناء القصص".
فالإنسان المعاصر فى الغرب يشعر بالعزلة والوحشة والضجر وكتب الكوميكس المصورة بجاذبيتها تقوم فكرتها على تقديم حياة مبهجة ولاتألوا جهدا فى امتصاص أحزان هذا الإنسان ومن هنا ليس من الغريب أن تحظى باقبال كبير من القراء فى الغرب والمهم أن القراءة مستمرة والتغيرات الذكية في عالم النشر تحول دون موت الكتاب لأنها تدرس جيدا كل المتغيرات فى ذائقة الجمهور الذي تتوجه اليه.
وأسئلة القراءة متصلة على وجه العموم بقضايا وتساؤلات ثقافية أشمل مثل سؤال كبير يبدو المفكر المصري الدكتور جلال أمين مهموما به وهو:"ماذا حدث للثقافة المصرية؟!"، معتبرا أن التحول إلى سياسة الانفتاح بالصورة التي جرت في منتصف سبعينيات القرن العشرين أثرت تأثيرا سيئا على الثقافة المصرية رغم الانفتاح بالصورة الصحيحة على العالم له أثر إيجابي على الثقافة بما يؤدي إليه من تنشيط الذهن وتوسيع الأفق.
وفي الغرب فثمة ملاحظة ساخرة منذ سنوات لايفور براون حول أحد أسباب أزمة القراءة وهى تلك النزعة الخاطئة من بعض الكتاب أو المؤلفين وهي أنهم يكتبون ما يكتبون وعلى القاريء أن يجد التفسير بنفسه وتوهم انه ليس من العبقرية ان تكون الكتابة واضحة.
ومصر لها أن تفخر بتراثها الثقافي الثري وتأصل القراءة وهي بلد شهد منذ أكثر من قرن كامل تأسيس "لجنة التأليف والترجمة والنشر" التي قامت بأدوار فاعلة في رفد الثقافة المصرية بروائع الكتب، حيث أسسها كوكبة من المثقفين المصريين وكان المفكر أحمد أمين في صدارتها اصدرت حتى عام 1953 مايربو على ال200 كتاب وكانت اصداراتها تحظى باقبال كبير من القراء في مصر والعالم العربي ككل وحققت ارباحا عامئذ بلغت اكثر من 60 ألف جنيه.
لعل هذا النموذج التاريخي بنجاحاته يؤكد أهمية المضمون أو المحتوى الثقافي لجذب القراء بدلا من الركون لمقولة أن احدا لم يعد يقرأ واتهام المصريين بالعداء للكتاب فيما كان مؤسسو "لجنة التأليف والترجمة والنشر" ينتمون إلى مختلف التخصصات والميول والاتجاهات.
ولكن كانت تجمع بينهم سمتان مهمتان: الأولى هي الشعور القوي بالحاجة إلى تقديم أفضل ثمار الفكر الغربي الحديث باللغة العربية سواء بالترجمة أو التأليف والثانية أنهم كانوا يجمعون بين المعرفة الحميمة بالتراث العربي والإسلامي وبين الاطلاع على الثقافة الغربية الحديثة ويحملون تقديرا عميقا لكلتا الثقافتين.
وإذا كان المثقف المصري الكبير جلال أمين يقول: «ما أشد تعاستنا إذا لم نتأمل تجربة ذلك الجيل الرائع من المثقفين المصريين ونكتشف أسباب نجاحهم الباهر فيما فشل فيه جيلنا نحن فشلا مخزيا»، فان تعليقات الرواد بين أجنحة معرض القاهرة الدولى للكتاب وجنباته في دورات سابقة تشير إلى أن أهم أسباب عدم الإقبال على القراءة هي أولويات الحياة" ويلى ذلك "انخفاض مستوى الدخل" و"ارتفاع أسعار الكتب".
وفى بريطانيا التي عرف شعبها بحب القراءة لا تكاد المناقشات تتوقف عن تأثير الإنترنت على القراءة فيما يقول جيمس بريدل، في صحيفة الأوبزرفر إن منتديات القراء تزدهر بالفعل على الشبكة العنكبوتية، حيث تتردد باستمرار أسئلة مثيرة للارتياح بشأن حال القراءة مثل: «ماهو الكتاب التالي الذي تنصحونى بقراءته؟».
ولاستعادة صيحة الكاتب الراحل يوسف إدريس عن «اهمية أن نتثقف يا ناس!»...وإذا كان هناك من يتحدث عن «القاريء الجيد والقاريء السيء» فالكلمة المكتوبة مسئولية الكاتب والقاريء معا..ولعل معرض القاهرة الدولي للكتاب يحمل البشارة هذا العام..نافذة أمل وحلم يرتجى بكتاب لا يشكو الهجر!.