المتحدة ترد على محاولات تشوية تاريخ مصر بإعداد فيلم وثائقى عن ساحرة الشمال

كوميديا سوداء.. كليوباترا سمراء

الأحد، 07 مايو 2023 03:00 م
كوميديا سوداء.. كليوباترا سمراء
فيلم نتفلكس المزيف للتاريخ المصري
السعيد حامد

 

تعد الحضارة المصرية حجز الزاوية في تاريخ الحضارة الإنسانية، لذا لم يكن من المستغرب أن تحاول بعض الأطراف أن تنسب تلك الحضارة لها، خاصة وأن تاريخ مصر هو أطول تاريخ مستمر لدولة في العالم- ما يزيد عن 7000 عام قبل الميلاد، ومؤخرا أثارت منصة نيتفليكس الأمريكية موجة من الغضب المصحوبة بالسخرية بين صفوف المصريين، جراء إعلانها الدعائي لفيلم وثائقي عن الملكة كليوباترا السابعة، يجسد فيه المصريين القدماء باعتبارهم من أصحاب البشرة السمراء، في محاولة لتزييف الحقائق التاريخية.

والملكة كليوباترا السابعة والمعروفة باسم كليوباترا هي أخر ملوك الأسرة المقدونية، التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد، وحتى احتلال مصر من قِبَل روما عام 30 قبل الميلاد. كانت كليوباترا ابنة بطليموس الثاني عشر. وقد خلفته كملكة سنة 51 ق.م مشاطرة العرش أخاها بطليموس الثالث عشر. وقد وصُفـت بأنها كانت جميلة وساحرة. على نقيض ما تبرزها الصور التي وصلت إلينا. أما الرجال الذين وقعوا في غرامها فقد أسرتهم بشخصيتها القوية الظريفة وبذكائها ودهائها.

كانت كليوباترا، دائمة النزاع مع شقيقها الذي انتهى بطردها من مصر، في وقت كانت فيه البلاد في ذلك الوقت مملكة تحت الحماية الرومانية، والمصدر الرئيسي للقمح بالنسبة للشعب الروماني. وأقبل قيصر إلى مصر عقب هزيمة بومبيوس في فارسالوس سنة 48 ق.م، فوجد الحـرب الأهلية ماتزال قائمة فيها. وكانت كليوباترا تحاول العودة إلى مصر، فعمدت إلى الظهور فجأة أمام قيصر ملفوفة في سجادة - كما يزعمون - بحيث تستطيع التوسل إليه لمساعدتها في تحقيق غايتها للعودة إلى الحكم. وقد أسرته، إما بمفاتنها، أو بالمنطق الجلي بأنها ستكون حاكماً أفضل من شقيقها. وساعدها قيصر على التغلب على بطليموس الذي أغرق في نهاية المعركة.

وحكمت كليوباترا بضع سنوات، وفي سنة 40 ق. م كانت مملكتها جزءاً من نصيب الإمبراطوري الذي أصاب ماركوس انطونيوس عندما اقتسـم العالم الروماني مع كل من اوكتافيوس وماركوس ليبيدوس بعد مصـرع يوليوس قيصر. وقد أحب ماركوس أنطونيوس كليوباترا، وكلّفته علاقته الغرامية هذه فقدان حظوته في روما. وانتهى أمر أنطونيوس بالانتحار إثر الهزيمة التي أنزلها به أوكتافيوس في معركة أكتيوم سنة 31 ق.م. فلما سمعت كليوباترا بالنبأ انتحـرت هي الأخرى.

شائعات كثيرة وأكاذيب وحالة من الجدل دارت بشأن الملكة كليوباترا السابعة، كان أخرها محاولة المنصة الأمريكية إنتاج فيلم وثائقي عنها تظهر فيه كليوباترا بملامح أفريقية وبشرة سمراء اللون، الأمر الذي تسبب في غضب المصريين على المستوى الشعبي والرسمي، إذ يرى الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن ظهور البطلة بهذه الهيئة يعد تزييفا للتاريخ المصري ومغالطة تاريخية صارخة لاسيما أن الفيلم مصنف كفيلم وثائقي وليس عمل درامي، الأمر الذي يتعين على القائمين على صناعته ضرورة تحري الدقة والاستناد إلى الحقائق التاريخية والعلمية بما يضمن عدم تزييف تاريخ وحضارات الشعوب.

ويضيف وزيري، أنه كان يجب الرجوع إلى متخصصي علم الآثار والانثروبولوجيا عند صناعة مثل هذه النوعية من الأفلام الوثائقية والتاريخية والتي سوف تظل شاهدة على حضارات وتاريخ الأمم، لافتا إلى أن هناك العديد من الآثار الخاصة بالملكة كليوباترا من تماثيل وتصوير على العملات المعدنية التي تؤكد الشكل والملامح الحقيقية لها، والتي جميعها تظهر الملامح الهلينستية ( اليونانية) للملكة كليوباترا من حيث البشرة فاتحة اللون والأنف المسحوب والشفاه الرقيقة.

 

ويؤكد وزيري، أن حالة الرفض التي شهدها الفيلم قبل عرضه تأتي من منطلق الدفاع عن تاريخ الملكة كليوباترا السابعة، والذي هو جزء مهم وأصيل من تاريخ مصر القديم، وبعيدا عن أي عنصرية عرقية، مؤكدًا على الاحترام الكامل للحضارات الإفريقية ولأشقائنا فى القارة الإفريقية التي تجمعنا جميعا.

فيما يضيف الدكتور ناصر مكاوي، رئيس قسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن ظهور الملكة كليوباترا في هذا الفيلم بهذه الهيئة يتنافي مع أبسط الحقائق التاريخية وكتابات المؤرخين أمثال بلوتارخوس وديوكاسيوس والذين سجلوا أحداث التاريخ الروماني في مصر في عهد الملكة كليوباترا والذين أكدوا أنها كانت ذات بشرة فاتحة اللون وأنها ذات أصول مقدونية خالصة.

ويشير مكاوي، إلى أن الملكة كليوباترا السابعة تنحدر من أسرة مقدونية عَريقة حكمت مصر ما يقارب من 300 عام، أسسها الملك بطليموس الأول وهو أحد القادة المقدونيين بجيش الأسكندر الأكبر، والذي آلت إليه ولاية مصر بعد بوفاة الأسكندر وأسس الأسرة البطلمية. تزوج بطليموس الأول من الملكة برنيكي الأولى ذات الأصول المقدونية أيضا، وأنجبا الملك بطليموس الثاني، حيث استمر من بعده أبنائه وأحفاده الملوك في التزاوج من أخواتهم الإناث طبقا لعادات هذا العصر، وصولا للملكة كليوباترا السابعة وأخيها بطليموس 14 محافظين على نقاء عرقهم المقدوني خلال كل هذه الفترة الزمنية.

بدورها، تؤكد الدكتورة سامية الميرغني، مدير عام مركز البحوث وصيانة الآثار بالمجلس الأعلى للآثار سابقا أن دراسات الإنثروبولوجيا البيولوجية ودراسات الحامض النووي التي أُجريت على المومياوات والعظام البشرية المصرية القديمة أكدت أن المصريين لا يحملون ملامح أفارقة جنوب الصحراء سواء في شكل الجمجمة وعرض الوجنات والأنف واتساعة وتقدم الفك العلوي ولا في الشكل الظاهري للشعر ونسب أعضاء الجسد وطول القامة وتوزيع وكثافة شعر الجسد. وأن مانراه من تنوع كبير بين ملامح المصريين يرجع لقدم إعمار هذه الأرض واستقرار سكانها وإذابتهم لكل غريب داخل بوتقتهم.

 

وتضيف «الميرغني»، أن جميع النقوش والتماثيل التي خلفها لنا قدماء المصريين على المعابد والمقابر صورت المصريين بملامح أقرب ما يكون بالمصريين المعاصرين، من حيث لون العين والشعر والبشرة ودرجة نعومة وكثافة الشعر لدي الرجال والنساء، وحتي لون الجلد ووجود نسبة من العيون الملونة وهي مصورة في بعض تماثيل الدولة القديمة وحتي حين تغيرت بعض تقنيات التحنيط في الأسرة 21 وبدأوا في طلاء جلد المومياء ليبدو كما في حياتها الأولي، قاموا بطلاء جلد الرجل باللون الطوبي وطلاء جلد المرأة باللون الأصفر الفاتح، الأمر الذي يؤكد أن ما تم رسمه وتأكيده علي الجدران هو حقيقة سجلها المصرى القديم عن نفسه.

فيما تقول الدكتورة كاثرينا مارتينيز، رئيس بعثة الدومينيكان والعاملة بمعبد تابوزيريس ماجنا بغرب بمدينة الإسكندرية، إنه على الرغم من وجود أراء متضاربة حول عرقها إلا أنه من المؤكد أنها ولدت في مصر في عام 69 ق.م من أصل مقدوني، لافتة إلى أنه بالرجوع  إلى التماثيل والعملات التي خلفتها لنا الملكة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على ملامحها الهيلينستية وهو ما يظهر جليا في التمثال النصفي المصنوع من الرخام والمحفوظ في متحف برلين من القرن الأول قبل الميلاد وتظهر فيه وهي ترتدي إكليلا ملكيا وعينان لوزيتان والأنف مسحوب والشفاه رقيقه، بالإضافة إلى تمثال نصفي آخر محفوظ في الفاتيكان يظهرها بملامح ناعمة، ورأس من الرخام تظهر فيها وهي ترتدي غطاء الرأس، فضلا عن عدد من العملات التي تظهرها بنفس الهيئة الهيلنستية.

الأمر لم يتوقف عند الرد على ذلك التزييف ودحض تلك الأكاذيب، بل أعلنت قناة «الوثائقية»، بقطاع الإنتاج الوثائقي في شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بدء أعمال التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن الملكة كليوباترا السابعة Cleopatra VII. وكشف أحمد الدريني، رئيس قطاع الإنتاج الوثائقي بالمتحدة، أن فيلم كيلوباترا الذى أعلن عنه رداً على فيلم نيتفليكس الذي يحمل تزيفاً يتم العمل عليه على قدم وساق وبتدقيق معلوماتي، مؤكداً أن الكلام الوارد في فيلم كليوباترا على منصة نيتفلكس لا يصح أن يكون في فيلم وثائقي يعتمد على المعلومات.

ويضيف الدريني: «شغالين في فيلم ولابد أن يتم تشخيص ما حدث، ولدينا مجموعة تصريحات عن صناع الفيلم ونحن نوثق التاريخ، ولسنا في حالة تلاسن مع المنصة التي أنتجت الفيلم.. دائما الخطوة الأولى في أي عمل وثائقي هي خطوة البحث والتدقيق والإعداد، وهذه خطوة مهمة وأساسية لبناء العمل الوثائقي، والرجوع للمتخصصين والخبراء، لافتاً إلى أن كبار علماء المصريات يعملون على تاريخ كليوباترا، فيلم كليوباترا الذي سنقدمه سيكون معتمدا على العلم والتارييخ، حيث إن العمل يتم بدقة ونتواصل مع متخصصين أجانب».

فيما يؤكد شريف سعيد، رئيس القناة الوثائقية، إن الفيلم الوثائقي الذي ستبثه القناة عن كليوباترا هو جهد كل الرفاق لأن مصر لا تزال تتعرض لمحاولات تشويه التاريخ، والموضوع ليس في اللون ولكن الوصول بمرحلة صناعة الكذب إلى مرحلة الكوميديا السوداء. ويضيف: «أصبحنا في عصر مفتوح ولا يوجد إمكانية للاحتكار وأهم شيء في معركة صناعة الوعي أن تنفذ عملك بشكل صحيح  ولدينا إنتاج قطع أصلية للأفلام الوثائقية، والأفلام التي تتناول علم المصريات ساحرة ومثيرة لانتباه كل المشاهدين سواء المصريين أو العرب أو على مستوى العالم.

ويكمل سعيد: «بدأنا عرض السلسلة الوثائقية جذور مصر القديمة التي يقدمها الدكتور زاهي حواس، وهناك جلسات منعقدة وتكوين لجان من الأثار والتاريخ لبث أفلام وثائقية عن الحضارة المصرية القديمة وفيلم كليوباترا هو موضوع من موضوعات المصريات التي نعمل عليها وليست الموضوع الوحيد عن تاريخ مصر القديم».

ورغم أن الملكة كليوباترا كانت من أصول مقدونية، ومن المعروف أن الملكات والأميرات من هذه الأصول شقراوات، إلا أن فيلم نتفليكس الوثائقي عن الملكة كليوباترا، حاول تزييف التاريخ المصري، وعرض الملكة ببشرة سمراء، كما يقول عالم الآثار الدكتور زاهي حواس، وزير الدولة لشؤون الآثار الأسبق، الذي يشير- خلال تصريحات صحفية- إلى أن العملات التي تم العثور عليها داخل معبد تابوزيريس ماجنا غرب مدينة الإسكندرية، في رحلة البحث عن مقبرة الملكة كليوباترا، لم تتضمن أي سمات سمراء، كما أن الرسم الوحيد لكليوباترا مع نجلها قيصرون على واجهة معبد حتحور بدندرة، لا يوجد فيه أية سمات تثبت أنها من أصحاب البشرة السمراء.

ويؤكد حواس، أن الاعتراض على فيلم كليوباترا بسبب ظهورها سمراء اللون، لا يعني وجود عنصرية أو رفض لأصحاب هذه البشرة، لكن الأمر متعلق بتزييف الحقائق، مشيرا إلى أن المصريين القدماء لم يكونوا من أصحاب البشرة السمراء إطلاقًا، بدليل أن الرسومات الموجودة على المعابد، التي تجسد حروب الملوك المصريين القدماء ضد الأعداء من إفريقيا وآسيا، تظهر اختلاف شكل ملوك الحضارة المصرية عن الأفارقة من أصحاب البشرة السمراء.

ويشير وزير الآثار الأسبق، إلى أن مصر لم يحكمها ملوك من أصحاب البشرة السمراء، إلا في العصور المتأخرة، وبالتحديد عندما أسس ملوك كوش الأسرة الخامسة والعشرين، وحكموا مصر لعدة سنوات، وهذه الأسرة ليست لها أي صلة بالحضارة الفرعونية إطلاقًا، بدليل أن المباني التي بنيت خلال هذه الحقبة كانت عبارة عن تلال وليست الأهرامات المصرية، وهو ما ينفي صلة السود في الولايات المتحدة بالحضارة الفرعونية مثلما يعتقدون.

ويرى حواس، أن سبب تقديم الفيلم للملكة كليوباترا على أنها من أصحاب البشرة السمراء إلى أن بعض السود في الولايات المتحدة يريدون ربط أنفسهم بالحضارة المصرية القديمة؛ لأنها حضارة صاحبة تاريخ، إلا أن هذا لا يدفعهم للادعاء على الملكة بأنها كانت سمراء، مضيفًا أن بعض التقارير الإعلامية ذكرت أن زوجة الممثل العالمي ويل سميث هي منتجة الفيلم، وأنها تريد الترويج لهذا الادعاء، رُغم أنه سبق أن التقى سميث في أعوام 2006 و2017، ولم يتحدث معه في هذا الشأن.

ويؤكد وزير الآثار الأسبق، أن هناك خطة موضوعة منذ مدة طويلة جدا من السود في أمريكا وخاصة جنوب أمريكا لتزييف التاريخ، مشيرا إلى أنه في البرازيل على سبيل المثال يروجون لملوك الحضارة الفرعونية على أنهم من أصحاب البشرة السوداء، مشيدا في الوقت ذاته بإعلان الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إنتاج فيلما وثائقيا عن كليوباترا، مطالبا بتقديم الفيلم على مستوى عال حتى يعرض في العالم كله وليس في مصر فقط.

ويضيف حواس: «إنتاج الشركة المتحدة حاجة كويسة وياريت يتعمل على مستوى عالي ليعرض عالميا، ولازم تقنية الفيلم تكون عالية جدا، ويتعمل باللغة الإنجليزية مش بالعربي ويكون الكلام منضبط وتركيز على تاريخ الملكة كليوباترا، ولازم نتعاقد مع قنوات تلفزيونية عالمية للعرض في قنواتها».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق