فاطمة الزهراء: درة للقلوب تجملت.. خير نساء العالمين

السبت، 15 أبريل 2023 09:36 م
فاطمة الزهراء: درة للقلوب تجملت.. خير نساء العالمين
محمد الشرقاوي

أصغر بنات رسول الله وريحانته حملت إلى الدنيا سبطي الأمة "الحسن والحسين" ونشر نسلها العبير إلى أن يرث الله الأرض
قالت عنها السيدة عائشة: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة
 
 
"قد جئتُ أدنو من حمى الزهراءِ.. بالحب أرجو في السنا إعلائي، يا حاجب الأنوار أبلغ زهرةً.. للحسن أني هاهنا برجائي، هل تسمحين بمدحةٍ أشفي بها.. قلبي المعلل فالمديح دوائي".. من نحن لنتحدث عن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك التي تعلقت بها القلوب، وحملت إلى الدنيا سبطي الأمة، أناروا العالم نوراً من نور المصطفى، ونشروا العبير ففاح عطره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
 
لله دره الشاعر صبري الصابري، لما تجمل بالحديث عن زهرة بيت النبوة –أبياته الشعرية في صدر الجُمل- حين قال: "روحي تَمَنَّت بالمدائح قُربةً.. فيها أوافي روضةَ الإدناءِ، فأنا المحب لآل بيت كلهم.. أبناء (فاطمة) الهدى الزهراءِ، قد جئت أحمل بالضلوع مودتي.. ومحبتي في لهفتي وثنائي".
أرى "الزهراء" بين بكائين، بكاء طفلة أنارت قلب أبيها، وآخر رحل به قلبها مع أعظم الناس منزلة، صدق فيها قول سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها".
 
"أُمِّ الكرام بحسنها وجمالها.. ونقائها وسنائها الوضاء".. هي فاطمة الزَّهْرَاءُ بنت الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من أول زوجاته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ولدت يوم الجمعة 20 من جمادى الآخرة في السنة الخامسة قبل البعثة النبوية في مكة، والنبي له من العمر خمسة وثلاثين عامًا.
عُرفت "بنت أبيها" بالبلاغة والفصاحة، وأورد أبو الفضل الماروزي "ابن طيفور"، خطبها في كتابه بلاغات النساء ناقلًا عن أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين قوله: "رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم".
 
لقد كان لـ"أُمُّ الحسين وأم أسباط التقى.. من نسل طه أكرم الأبناءِ"، درجات في حياة المصطفى، لم يصل أحد لها، فكان صلّى الله عليه وسلّم يُعلن ويفاخر بحبه لها، ما دخلت عليها مرة إلا وأفاض عليه من فيض حنانه.. تقول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها".
 
روت الزهراء، رضي الله عنها، ثمانية عشر حديثًا عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، حديثٌ واحدٌ منها متّفقٌ عليه عند الإمامين البخاري ومسلم، ووردت الأحاديث الأخرى التي روتها في مصنفاتٍ حديثيّةٍ أخرى، كما روى عنها ابنها الحسين رضي الله عنه، وروت عنها عائشة، وأم سلمة، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- وغيرهم، كما أنّ عددًا من الأحاديث رويت في فضل فاطمة ومناقبها.
 
ما بلغ حنان بنت على أبيها مثل حنان فاطمة، وهو الذي ورد فيه حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان – وهي مشيمة الولد –  فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد، ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة رضي الله عنها ، فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم".
"من عطرت بعطورها صدقاتها.. لما هدتها معشر الفقراء، من دافعت عن حبها طه النبي.. بالبيت بذت أشرس الأعداء، ردت عدوا يعتدي بجهالة.. يؤذي الحبيب بغلظة وجفاء".. كانت فاطمة أشبه الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة".
 
"زهراء سيدة النساء وأمها.. زوج الرسول جليلة الأضواءِ، نعم الحبيبة للحبيب وبنتها.. نعم الزكية في أجل بهاءِ".. ورد في زواجها من علي رضوان الله عليهما، أن رسول كان حريصًا على سلامة قلب فاطمة -رضي الله عنها- من أي ضيق أو أذى، فعندما ذهبت إليه رضي الله عنها- تشكو لها رغبة زوجها علي رضي الله عنه، بالزواج من ابنة أبي جهل وهي على ذمته، فما كان من رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلا أنه قام مباشرة، وقال بعد أن تشهد: "أما بعد، فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني، فصدقني وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني، وإنما أكره أن يفتنوها، وإنها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا قال: فترك علي الخطبة".
 
"ماذا أقول عن البتول وشأنها.. بالفخر حَيَّرَ أحرفَ الإملاءِ؟!".. شمل الرسول فاطمة وزوجها وأبناؤها في كسائه ودعاؤه لهم خصّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فاطمة وزوجها وأبنائها بالدعاء، فعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا، قال: ثم وضع يده عليهم، ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، إنك حميد مجيد).
وفي رواية أخرى عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله قال أنت على مكانك وأنت على خير).
 
حملت فاطمة رضوان الله عليها سر أبيها، يقول الشاعر: "وبسِرِّهِ طه النبي المجتبى= خصَّ البتولَ بقادمِ الأنباءِ، سُرَّتْ وبشَّتْ في سرور بعدما= كانت بحزن جامع وبكاءِ".. وعدّها النبيّ من أفضل نساء أهل الجنة، فقال: (فاطمةُ سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ)، وهو حديث ورد في الصحيحين، فقد روي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة جاءت ذات يوم لأبيها، فأجلسها بجانبه بعد أن رحب بها، ثم اقترب منها صلى الله عليه وسلم وخصها بحديث حتى بكت فاطمة.
 
تقول عائشة، رضي الله عنها، لها: (لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها، فقالت: أسر إلي: إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي. فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة -أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك).
 
"يا أم (حسن) و(الحسين) و(زينب).. إني أتيت بلهفتي وولائي، هل تقبلين قصيدتي بمحبتي.. ضمن الشداة بمدحتي وغنائي".. توفيت رضي الله عنها، ليلة الثلاثاء، في العام الحادي عشر للهجرة، وهي في التاسع والعشرين من عمرها أو نحوه.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق