«الإفتاء» توضح: ما هو حكم بخار النجاسة ودخانها؟

الإثنين، 27 فبراير 2023 05:00 م
«الإفتاء» توضح: ما هو حكم بخار النجاسة ودخانها؟
منال القاضي

أوضحت دار الإفتاء في معرض ردها (فتوى) حمل رقم 7442 حكم بخار النجاسة ودخانها، ردا على سؤال ورد إليها يقول فيه صاحبه: وقعت نجاسة على ثيابي فقمتُ بغسلها بماءٍ ساخن؛ فهل يُعتبر البخار المتصاعد أثناء الغسيل طاهرًا أو نجسًا؟
 
وقالت الإفتاء: «البخار الناتج عن غسل الثياب المتنجسة بالماء الساخن طاهر، وإذا أصاب شيئًا فلا ينجسه؛ وذلك لتغير عينها، وقياسًا على خروج الريح من الآدمي فإنه لا ينجس ما لاقاه من الثوب مطلقًا، ودفعًا للحرج وتعذُّر التَّحرُّز عنه».
 
حث الشرع على الطهارة
 
حثَّ الشرع الشريف على طهارة الثوب والبدن؛ فقال تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّر﴾ [المدثر: ٤]؛ قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 698، ط. دار إحياء التراث): [﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّر﴾ عن تلك النجاسات والقاذورات] اهـ.
 
وروى الشيخان في "صحيحيهما" -واللفظ للبخاري- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين، فقال: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
 
وأثنى الله تبارك وتعالى على المتطهرين، فقال تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨].
 
مفهوم البخار
 
البخار في اللغة: كل شيء يسطع من ماء حارٍّ أو من الندى، ومنه البخور: وهو دخنة يتبخَّر بها. ينظر: "العين" للخليل بن أحمد (4/ 259، ط. دار الهلال)، و"تهذيب اللغة" لأبي منصور الهروي (7/ 158، ط. دار إحياء التراث).
 
واستعمله الفقهاء في الاصطلاح الشرعي بمعناه اللغوي. ينظر: "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (1/ 22، ط. دار الكتب العلمية)، و"نهاية المحتاج" للإمام الرملي (1/ 247، ط. دار الفكر).

آراء المذاهب الفقهية الأربعة في حكم بخار النجاسة ودخانها
 
وقد جار اراء الفقهاء مختلفون في طهارة البخار المتصاعد من النجاسة؛ وكان خلافهم على النحو الآتي:
 
فذهب إلى طهارته مطلقًا الحنفية في الصحيح، والمالكية في المعتمد (اختاره ابن رشد الجد)، والحنابلة في مقابل ظاهر المذهب (وهو اختيار ابن تيمية)؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 325، ط. دار الفكر): [نقل في "الحلية": ... وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة، قيل: ينجسه، وقيل: لا، وهو الصحيح] اهـ.
 
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (21/ 71، ط. مجمع الملك فهد): [الدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر؛ لأنَّه أجزاء هوائية ونارية ومائية؛ وليس فيه شيء من وصف الخبث] اهـ.
 
وذهب إلى نجاسته الحنابلة في ظاهر المذهب -شريطة أن يتكثف منه ماء، ويُعفى عن اليسير منه-، وهو مقابل الصحيح عند الحنفية، وهو اختيار بعض المالكية، كاللخمي، والتونسي، والمازري، وأبي الحسن، وابن عرفة.
 
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 243، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وما يصيب الثوب من بخارات النجاسات قيل: يتنجَّس الثوب بها] اهـ.
وقال الإمام الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/ 247، ط. دار الفكر): [ومن المحكوم بنجاسته: البخار الخارج من النجاسة المتصاعد عنها بواسطة نار، إذ هو من أجزائها تفصله النار منها لقوتها؛ لأنَّه رماد منتشر، لكن يعفى عن قليله، وشمل ذلك دخان الند المعجون بالخمر وإن جاز التبخر به؛ لأنَّ المتنجس هنا كالنجس، وما لو انفصل دخان من لهب شمعة وقودها نجس، أو من دخان خمر أغليت ولم يبق فيها شدة مطربة لنجاسة عينها، أو من دخان حطب أوقد بعد تنجسه بنحو بول] اهـ.
 
المختار للفتوى في حكم بخار النجاسة ودخانها
 
المختار للفتوى: طهارة البخار المتصاعد من النجاسة لتغير عينها، وقياسًا على خروج الريح من الآدمي فإنه لا ينجس ما لاقاه من الثوب مطلقًا، ودفعًا للحرج وتعذُّر التَّحرُّز عنه، كما أنَّ البخار -كما في واقعة السؤال-: تَولَّد عن ماء غسل به متنجس، فكان مُتولَّدًا من متولِّدٍ، مما خَفَّف النجاسة فيه؛ فكان تدعيمًا للقول بطهارته.
 
الخلاصة
 
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن البخار الناتج عن غسل الثياب المتنجسة بالماء الساخن طاهرٌ، وإذا أصاب شيئًا فلا ينجسه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق