يوسف أيوب يكتب: حديث الأسعار وتكلفة الإنتاج وقرارات الحماية الاجتماعية بتدخلات رئاسية
السبت، 10 ديسمبر 2022 08:00 م
- مصر الدولة الوحيدة التي اتخذت القرار الجريء بعدم رفع أسعار السلع والخدمات رغم ارتفاع الأسعار عالمياً
- الدول الكبرى حملت مواطنيها الزيادات وتخلت عن مفهوم تخفيف الأعباء.. وتوقعات بأكبر موجة من الركود التضخمى في 2023
- عدم وجود زيادات جديدة في الكهرباء حتى 30 يونيو 2023 كلف الموازنة 43 مليار جنية.. وتثبيت ثمن الغاز رغم زيادته دولياً أكثر من 170%
- الدول الكبرى حملت مواطنيها الزيادات وتخلت عن مفهوم تخفيف الأعباء.. وتوقعات بأكبر موجة من الركود التضخمى في 2023
- عدم وجود زيادات جديدة في الكهرباء حتى 30 يونيو 2023 كلف الموازنة 43 مليار جنية.. وتثبيت ثمن الغاز رغم زيادته دولياً أكثر من 170%
لا أحد حتى الآن يملك قدرة التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل، وهل ستستمر الأزمات الدولية التي يستتبعها ارتفاع متتالى في أسعار السلع والخدمات أم لا، لكن المؤكد بالنسبة لنا في مصر تحديداً أن الدولة لن تترك المصريين يواجهون التحدى بمفردهم، بل أن الدولة خلفهم بكل ما تملك من قدرات تستخدمها للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية الدولية على الداخل المصرى، رغم صعوبة الموقف، وتعقيدات المشهد.
وقبل الحديث عن مصر، ما يحدث بها، أرى أنه من الضرورى الإشارة إلى طبيعة الواقع العالمى، وتداعياته.
فعلى مدار ثلاثة أعوام، واجه العالم أزمات وصدمات سياسية ووبائية هي الأكثر تأثيراً، بداية من فيروس كورونا وتحوراته وما استتبع من اغلاق إدى إلى توقف عجلة الإنتاج، وصولاً إلى الأزمات الجيوسياسية وفى مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أزمة الطاقة العالمية، واضطرابات في سلاسل التوريد والإمدادات، ونقص كبير في السلع الاستراتيجية "غذاء وطاقة"، الأمر الذي أسفر عنه ارتفاع كبير في الأسعار، حاولت بعض الدول وتحديداً المتقدمة منه مواجهتها بحزم تحفيزية في بداية الأمر، لمواجهة الاثار السلبية لسياسة الاغلاق وصلت إلى 16 تريليون دولار.
حينما أدرك الجميع خطورة استمرار سياسة الاغلاق، تحولت الدول سريعاً إلى الانفتاح، الذى كان في بدايته متسرعاً، ودون أية دراسة أو إجراءات تخول لهذه الدول السيطرة على حالة التكالب المتوقعة على السلع، فحدث زيادة كبيرة على السلع والخدمات، في وقت كانت فيه القطاعات الإنتاجية غير قادرة أو مستعدة لتلبية الطلب المتزايد، وهو أمر طبيعى ومنطقى، فالمصانع كانت متوقفة عن الانتاج، وعودة العمل في الكثير منها لم يكن بالطاقة الكافية لاستيعاب الطلب المتزايد، مما أدى إلى ارتفاع شديد في الأسعار وموجة تضخمية شديدة ظهرت في أواخر 2021، سرعان ما تم السيطرة عليها بضخ المزيد من السلع، الذى تزامن مع هدوء سيطر على المواطنين الذين كانوا يخشون في بداية الأمر من عدم استمرار سياسة الانفتاح، فعمدوا إلى تخزين السلع.
وما هي الا أشهر قليلة من الاستقرار النسبى، حتى تفاجأ العالم ببدء الأزمة الروسية الأوكرانية، التي لم يعطها العالم قدرها، فحاولوا التهوين منها، والقول أنها لن تستغرق سوى أشهر قليلة وتنتهى، لكن ما حدث كان عكس كل التوقعات. الأزمة طال أمدها، ووصل صداها إلى الجميع، أخذا في الاعتبار الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للبلدين طرفا الصراع، فـ53% من صادرات العالم من بذور زيت عباد الشمس تأتى من أوكرانيا و30% من صادرات العالم من القمح من روسيا وأوكرانيا و14% من صادرات الذرة منهما، كما أن الدولتان يصدران 17% من صادرات الإنتاج العالمي للغاز و12% من إنتاج النفط من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى أن الطاقة تؤثر على عدد كبير من السلع لذلك روسيا وأوكرانيا لهما دور كبير في التأثير على حركة التجارة الدولية واضطراب حركة التجارة والارتفاع الشديد في أسعار السلع.
ومع استمرار الأزمة، زادت حالة الاضطرابات في سلاسل الإمداد في السلع ونقص شديد في السلع وزادت الضغوط التضخمية، حيث كان التضخم على المستوى العالمي في آخر 2019 حوالي 2% وأصبح اليوم يقترب من 9% أي حوالي 8ر6% ارتفاعا في مستوى الأسعار، وأقرب مثال على ذلك أن السلعة الرئيسية كالذرة زادت حوالي 70% في المتوسط والقمح أكثر من 60% والغاز الطبيعي حوالي أكثر من 70%.
وللأسف الشديد فشلت الدول الكبرى في التوصل إلى حلول لهذه الأزمة، واتحدث هنا عن حلول اقتصادية، لان السياسية باتت بعيدة، واكتفت هذه الدول بحلول وقتية، من شاكلة أنه عندما يحدث بها تضخم شديد تقوم بسحب السيولة حتى تقلل من مستوى ارتفاع الأسعار على المواطنين، ولجأت دول أخرى عبر بنوكها المركزية إلى رفع نسبة الفائدة للسيطرة على التضخم وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، وهروب رؤوس الأموال من مناطق إلى المناطق الأكثر جذبا من حيث اسعار الفائدة، وهو ما أثر على ارتفاع أسعار الفائدة في السياسات الإنكماشية وأدي بدورها إلى التباطئ في النمو الاقتصادي.
المحصلة النهائية أن العالم بات اليوم على أعقاب أكبر موجة من الركود التضخمى متمثلة في انخفاض معدلات النمو وارتفاع التضخم، وسط توقعات متشائمة بأن العام القادم 2023 سيكون شديد الصعوبة على الاقتصاد العالمى، وهو ما أشارت إليه قمة العشرين التي عقدت بإندونيسيا الشهر الماضى، حينما أكدت وجود حالة من عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي.
ما سبق كان ضرورياً لتوضيح ما يحدث حولنا، لنعرف أين نحن، وماذا ينتظرنا؟
وسط كل هذه الأزمات استطاعت الدولة المصرية في نهاية 2021 أن تصل إلى وضع نموذجي بالنسبة لهذه المؤشرات، وحققت توازن كبير في مؤشرات السياسة الاقتصادية الكلية، من خلال تحقيق متوسط معدل نمو اقتصادي 7,1%، كما وصل معدل البطالة إلى 7,4%، كما كان متوسط معدل التضخم 5,2%، وتزامن ذلك مع اتخاذ الدولة المصرية اجراءات قصيرة الأجل للتخفيف من حدة الأزمات على المواطنين، إلى جانب وجود خطط متوسطة وطويلة الأجل لتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الصدمات، وتمثلت هذه الإجراءات في رفع الحد الأدنى للأجور، إقرار علاوة استثنائية، مشروع القانون الخاص برفع حد الإعفاء الضريبي من 24 ألف إلى 30 ألف جنيه، إلى جانب الاستمرار في دعم الأسر المستهدفة من بطاقات التموين، وعدم زيادة أية رسوم على المواطنين، علاوة على زيادة الدعم النقدي في وعدد المستفيدين من تكافل وكرامة، من 4.1 مليون أسرة إلى 5 ملايين أسرة، فضلا عن إجراءات ترشيد الإنفاق الحكومي، وضخ مجموعة كبيرة من السلع في الأسواق بأسعار مخفضة.
كما زادت الدولة الاستثمارات الخاصة بالبنية التحتية لتحريك معدلات النمو والتشغيل، وتعويض النقص في هذه الاستثمارات فيما قبل عام 2014، إلى جانب مواجهة تراجع الاستثمارات الخاصة نتيجة عدم الاستقرار السياسي خلال الفترة من 2011 إلى 2014، ووقت أزمة كوفيد 19، لإن الدولة سارت على استراتيجية واضحة، وهى أنه من الصعب توفير متطلبات العملية الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية بدون وجود بنية أساسية، اختارت الدولة لها هدف وهو تحقيق العدالة المكانية، بمعنى أنها تكون موجودة في كل المدن المصرية، واستطاعت هذه الاستراتيجية أن تحقق أرقام مهمة، منها انخفاض معدلات البطالة من 12% إلى 7,2% في 21/2022، وتحسين جودة البنية الأساسية، وجودة حياة للمواطنين، وهو ما انعكس على ترتيب مصر في المؤشرات الدولية مثل مؤشر جودة الطرق، ومؤشر التنافسية العالمية، المؤشرات الخاصة بالابتكار العلمي، الاتصالات.
قد يقول البعض أن كل ما سبق شيء جميل، لكن ما نصيب المواطن منه، أو بمعنى أخرى، هل استفاد المواطن، الذى ينظر إلى الأسعار كمحدد رئيسى لكل ما يدور حوله.
بالتأكيد، الأسعار هي أكبر محدد رئيسى، لكن ما يهم المواطن أيضاً هنا الإجابة على سؤال.. هل تخاذلت الدولة، أم تحملت المسئولية؟
للإجابة على هذا السؤال، إشير هنا إلى ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضى، تحديداً خلال كلمته بالجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي "مصر 2022"، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحكومة بالعمل على عدم تحمل المواطن لأعباء إضافية خلال الفترة القادمة نظرا للظروف الاقتصادية العالمية.
وفى اليوم الثانى مباشرة، أعلنت الحكومة حزمة قرارات أبرزها تثبيت أسعار البنزين، والإعلان عن عدم وجود زيادات جديدة في أسعار الكهرباء حتى 30 يونيو 2023، وزيادة الحد الأدنى للأجور من 2700 إلى 3000 آلاف جنيه، وهى المرة الثانية لزيادة الحد الأدنى للأجور هذا العام، توفير دعم مالي للأسر على بطاقات التموين بشرائح تتراوح بين 100 حتى 300 جنيه حتى 30 يونيو 2023.
ولعل من أهم القرارات التي اتخذت حينها، ولم تأخذ نصيبها من الاهتمام، القرار الخاص بعدم تحميل المواطنين أعباء جديدة، رغم صعوبة القرار خاصة على موازنة الدولة، فمن ينظر إلى قرار عدم وجود زيادات جديدة في أسعار الكهرباء حتى 30 يونيو 2023، سيجد أنه وحده سيكلف الدولة تحمل 43 مليار جنية، لأنه حينتما وضعت الحكومة خطة إعادة هيكلة تسعير الكهرباء عام 2020 كان سعر صرف الدولار متوسطة 16 جنيها، واليوم سعر الدولار حدث به زيادة تخطت نسبتها الـ70% من السعر الذى كان سائداً في 2020، وهو ما يعنى أن الدولة ستتحمل فارق سعر الدولار في خطة تسعير الكهرباء.
والأسبوع الماضى، وتحديداً يوم الاثنين، وخلال افتتاح محور التعمير بالإسكندرية، أكد الرئيس السيسي حرص الدولة على عدم زيادة الأسعار على المواطنين رغم ارتفاعها عالميا، وقال "إن الكميات التي نستوردها من الخارج من سلعتي الذرة والقمح ضخمة على الرغم من زيادة أسعارهما 60-70%، لكننا لم نعكس زيادتها على المواطنين". وأضاف الرئيس السيسى: "قمت بزيادة الحد الأدنى للقطاع الحكومي، لكن بقية الدولة ليست كلها حكومة بل هناك قطاع خاص ولا أستطيع أن أفرض عليه في ظل الظروف التي تحدث واضطراب سلاسل التوريد والمشكلة الموجودة في أسعار مستلزمات الإنتاج القادمة من الخارج"، مشيراً إلى وجود مشكلة طاقة في أوروبا بشكل أو بآخر، سينتج عنها زيادة أسعار المنتجات الأوروبية لكي يعوض في التكلفة.
وأضاف الرئيس السيسى: "أقول لكل المصريين، لم نزود بنسبة كبيرة ثمن الغاز الحقيقي الذي زاد أكثر من 170% في ثمنه عن الأسعار السابقة، واليوم وزارة الكهرباء لا تأخذ الغاز بهذا الثمن وأيضا مصانع الأسمدة في مصر، كما أن الكهرباء إذا تكلمنا عن سعر حقيقي بعد زيادة تكلفة إنتاجها ستكون غالية على المصانع والمواطنين وهذا لم يحدث".
ما سبق، يضع الكثير من النقاط المهمة على الحروف، فالدولة ورئيسها لم يتخلوا أبداً عن المواطنين، بل في كل يوم هناك توجيهات رئاسية واضحة وحاسمة لتخفيف الأعباء على المصريين، وبدون هذه التوجيهات لكان الوضع شديد الصعوبة على الجميع.
ولو نظرنا حولنا، لوجدنا أن مصر الدولة الوحيدة التي اتخذت القرار الجرئ بعدم زيادة الرسوم على المواطنين خلال الفترة المقبلة، رغم ارتفاع أسعار السلع عالمياً، حتى أن الدول الكبرى التي تمتلك أرصدة من الاحتياطي النقدى والسلعى ايضاً لم تعمل بسياسة التخفيف على مواطنيها، بل أنها نقلت تكلفة الارتفاع على المواطن، بحيث يتحمل المواطن الزيادة في أسعار السلع والخدمات، وهو ما نراه يحدث يومياً في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل الكثير من مواطنيهم يعلنوها بكل وضوح انهم أقتربوا من حافة الإفلاس.