تعد قمة الرياض العربية ـ الصينية فرصة لتوطيد العلاقات العربية مع الصين وبناء المجتمع العربي الصيني ذي المصير المشترك، وتوقيع العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات لتعميق العلاقات العربية الصينية، وبداية جديدة فى مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين، وقد أكد الرئيس الصينى على دور مصر المهم فى ترسيخ العلاقات العربية الصينية.
وقال الكاتب السعودى محمد الساعد، إن القمة الصينية- السعودية، والصينية- الخليجية، والصينية- العربية، تمثل نقطة محورية تعيد ترتيب التحالفات في الإقليم والعالم وبناء هيكلة جديدة للاقتصاد والأمن في العالم.
ثقل للعلاقات
من جانبه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، أن انعقاد قمة الرياض العربية- الصينية للتعاون والتنمية يُعد ثقلًا كبيرًا للعلاقات، ويعكس الإرادة السياسية من الجانبين العربي والصيني لكي تكون هذه العلاقات على هذا المستوى القيادي، معربًا عن تمنياته بأن تستمر القمم بشكل دوري للمحافظة على زخم هذه العلاقات.
وأوضح أن زيارة الرئيس شي جين بينج للمملكة وعقد قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، يمثل حدثا تاريخيا بكل المقاييس ويعكس ثقل المنطقة العربية في النظام الاقتصادي الدولي، كما يُمثل إدراكًا مشتركًا من الصين والدول العربية لما تقتضيه اللحظة الحالية، التي تشهد أزمات عالمية متوالية وممتدة الأثر، مما يحتم مد جسور التواصل والعمل المشترك لإيجاد مبادرات فعّالة للتعامل مع واقع الأزمات وتخفيف آثارها على الشعوب، فضلًا عن توظيف الإمكانيات المتاحة لدى الطرفين، العربي والصيني، لتحقيق الازدهار المنشود.
وأوضح أن انعقاد القمة يأتي في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، حيث وافق الجانبان خلال الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي في 2020 على عقد قمة عربية صينية من أجل الدفع بالشراكة الاستراتيجية العربية الصينية إلى آفاق أرحب، وبما يخدم المصلحة المشتركة للجانبين، منوهًا بأنه كان هناك ترحيب كبير باستضافة المملكة العربية السعودية لهذه القمة الأولى من نوعها، وذلك بالنظر لما تُمثله المملكة من ثقل سياسي واقتصادي مهم في المنطقة والعالم، معربًا عن تفاؤله بانعقاد القمة والثقة من نجاحها بإذن الله في تحقيق نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين العربي والصيني.
وقال إن العلاقات بين الدول العربية والصين تعود إلى تاريخ بعيد جدًا، ولا ننسى أن طريق الحرير كان هو المسار الذي انتقلت من خلاله الحضارة من الشرق إلى الغرب عبر العالم الإسلامي والصين في العصور الوسطى، والكثير من المنجزات العلمية والتكنولوجية والمعرفية التي صنعت النهضة الأوروبية منذ القرن الخامس عشر لها أصول تعود إلى التبادل الذي جرى على هذا الطريق، والصين تتحدث اليوم عن إحياء جديد لهذا المسار الحضاري الذي أسهم في تغيير العالم من قبل عبر مبادرة "الحزام والطريق".
وهناك علاقات مميزة على الصعيد الثنائي تجمع الصين وكل الدول العربية تقريبًا، ولكن التطور الأهم تمثل في تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني في سبتمبر 2004 بالقاهرة، كإطار للحوار والتعاون الجماعي العربي الصيني ويشمل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشؤون الدولية.
وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين في تصاعد مطرد، موضحًا أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية قد ارتفع من نحو 36 مليار دولار وقت إنشاء المنتدى إلى حوالي 330 مليار دولار عام 2021، وهو رقم قابل للزيادة في ضوء الإرادة السياسية المشتركة لدى الجانبين التي تنعكس في انعقاد هذه القمة.
وتطرق إلى أوجه التعاون بين الجانب العربي والصين في ظل جائحة كورونا وجهودهم في مواجهة هذه الجائحة، قائلًا: جميعنا يعرف أن الأزمات تختبر الصداقة الحقيقية بين الشعوب والدول، وفي اختبار الجائحة أظن أن الصين والدول العربية نجحت بامتياز حيث شهدنا تبادلًا واضحًا للدعم والمساندة بين الجانبين، كلٌ حسب إمكانياته، لمواجهة الوباء العالمي كوفيد-19، وجرى تبادل للأجهزة الطبية والتجهيزات والخبرات بين العديد من الدول العربية والصين منذ انتشار الجائحة وبروز خطرها العالمي.
شراكات استراتيجية
وفى السياق نفسه، وقع العاهل السعودي والرئيس الصيني وقعا، بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وبحث ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، خلال جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، أوجه الشراكة الثنائية، والجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات بما يتلاءم مع رؤيتهما، وبحث فرص استثمار الموارد المتاحة في كلا البلدين بما يحقق المصالح المشتركة، إلى جانب بحث المستجدات الإقليمية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة بشأنها.
وتناولت المباحثات أيضا علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين، وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين في شتى المجالات.
ومن جانبه أكد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودى فيصل بن فاضل الإبراهيم، قوة وعمق العلاقات التي تربط السعودية والصين؛ إذ تضمنت شراكات إستراتيجية قوية بين الجانبين في عدة مجالات؛ تشمل الاقتصاد، ومجالات الطاقة المختلفة، والأمن، والنقل، والبنية التحتية والاستثمار.
وأشار إلى أن المملكة والصين تجمعهما على مدار السنوات الماضية علاقاتٍ وثيقة، أثمرت عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات عدة، وفي أغسطس 2016م، تعززت العلاقات السعودية - الصينية بشكل كبير، بزيارة الأمير محمد بن سلمان ولى العهد رئيسِ مجلس الوزراء، إلى الصين حيث رأس الاجتماع الأول للجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، ووقعا اتفاقية إنشاء اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، ومحضر أعمال الدورة الأولى للجنة.
وأشار أن الصين تعد أكبر مستورد للنفط الخام عالميّاً، وشريكاً إستراتيجياً، إذْ تصدرت قائمة الشركاء التجاريين للمملكة في مجال التجارة السلعية، حيث بلغ إجمالي الصادرات من المملكة إلى الصين نحو 65.5 مليار ريال في الربع الثالث من 2022، فيما زادت صادرات المملكة إلى الصين بنسبة 29.4% مقارنة بنفس المدة من عام 2021م.
وأوضح أن إجمالي قيمة الواردات إلى المملكة من الصين بلغ 37.4 مليار ريال في الربع الثالث من العام الحالى، وزادت الواردات إلى المملكة من الصين بنسبة 22.9% مقارنة بنفس المدة من عام 2021م، وبلغ حجم التجارة للمملكة في علاقتها مع الصين 102.9مليار ريال في الربع الثالث من 2022، حيث إن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ 304 مليارات ريال في عام 2021م، وسجَّل التبادل التجاري في الربع الثالث من 2022م 103 مليارات ريال.
وأضاف أن هذه الزيارة تستعرض أوجه العلاقات الثنائية بين المملكة والصين، وسُبل دعمها وتعزيزها بما يخدم مصالح البلدين الصديقين، إضافة إلى مناقشة التنسيق الثنائي المشترك في عديد القضايا والمجالات المختلفة.
وخلال فعاليات زيارة الرئيس الصينى للمملكة، شهد ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان و رئيس الصين مراسم تبادل عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية بين البلدين، فيما أعرب الرئيس الصينى عن شكره وتقديره لما لقيه والوفد المرافق من كرم الضيافة وحسن الاستقبال.
كما وقعت شركات سعودية وصينية 34 اتفاقية استثمارية، بحضور وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، وممثلى الجهات الحكومية ذات العلاقة بالقطاعات التى تم توقيع الاتفاقيات حولها. وفق "سبق".
وشملت الاتفاقيات بين الجانبين عدة قطاعات فى مجالات الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر والطاقة الكهروضوئية وتقنية المعلومات والخدمات السحابية والنقل والخدمات اللوجستية والصناعات الطبية والإسكان ومصانع البناء.
وأكد وزير الاستثمار، أن الاتفاقيات تزز التعاون الاقتصادى بين البلدين وتعكس حرص المملكة على تنمية وتطوير علاقات المملكة فى جميع المجالات؛ ومنها الاقتصادية والاستثمارية مع جمهورية الصين الصديقة.
وأوضح المهندس الفالح، أن هذه الزيارة تعكس حرص قيادتى البلدين على تنمية وتعزيز العلاقات والشراكة بين البلدين فى جميع المجالات، بما فيها الاقتصادية والاستثمارية، مضيفًا أن الزيارة ستُسهم فى رفع وتيرة التعاون الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين.
وأوضح أن المملكة وجمهورية الصين الشعبية تجمعهما علاقات راسخة وشراكة وثيقة شهدت تطورًا شاملًا خلال السنوات الماضية، خصوصًا بعد الزيارات المتبادلة بين قيادتى البلدين، التى نتج عنها تعاون مثمر شمل مختلف المجالات.
وأوضح أن المملكة فى ظل رؤية 2030 تتيح فرصًا استثمارية غير مسبوقة فى قطاعات متعددة؛ منها الطاقة المتجددة والصناعة والاتصالات وتقنية المعلومات والتقنية الحيوية والسياحة والبناء والتشييد وغيرها، معربًا عن تطلعه لتعزيز الاستثمارات بين المملكة والصين، داعيًا الشركات الصينية والمستثمرين للقدوم إلى المملكة والاستفادة من الفرص الاستثمارية ذات العوائد المجزية.
وأشار إلى أن وزارة الاستثمار، تعمل بالتعاون مع العديد من الشركاء فى القطاعين العام والخاص فى المملكة، للبحث عن الفرص الاستثمارية المتميزة وجذب الاستثمارات إليها، وتوفير بنية تحتية داعمة، وبيئة استثمارية جاذبة ومحفزة وآمنة، استنادًا إلى ما تمتلكه المملكة من مزايا خاصة، يتم تسخيرها لبناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، حيث تحظى المملكة بموقع جغرافى استراتيجى يربط بين ثلاث قارات، ويطل على بعض أكثر المعابر المائية أهمية، وتتوفر فيها موارد الطاقة والكفاءات البشرية الشابة، وهى أكبر اقتصاد فى منطقة الشرق الأوسط، وأقوى الأسواق فى المنطقة، مؤكدًا أن كلَّ هذه العناصر وغيرها تُسهم فى تعزيز فرص نجاح التعاون بين المملكة والصين لما فيه خير البلدين وشعبيهما الصديقين.