الجمهورية الجديدة.. عمران وحضارة وتراث إنساني

السبت، 03 ديسمبر 2022 06:00 م
الجمهورية الجديدة.. عمران وحضارة وتراث إنساني
أمل غريب

- القاهرة التاريخية تستعيد رونقها الحضارى.. وتنفيذ توجيهات رئاسية بإضافة البعد الثقافي والمعرفي للمشروعات الخدمية 
 
منذ إعلان الدولة المصرية عن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ومع قرب الاحتفال بإطلاق "الجمهورية الجديدة"، لم تتوقف ماكينة الشائعات والأكاذيب حول اتجاه الدولة برفع أيدي التطوير عن كافة أحياء ومناطق "القاهرة"، وستكتفى فقط، عملية البناء والتطوير على العاصمة الإدارية الجديدة، وزعم وأن الحكومة ستعيش فى بروج زجاجية داخل العاصمة الجديدة، ولتذهب "القاهرة" إلى مقصلة الإهمال والتدهور، إلا جاءت عجلة التطوير لتدهس كل هذه التكهنات والمزاعم الباطلة، وتثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن القيادة السياسية أطلق عجلة البناء والتطوير في كل ركن من أركان الدولة، وأن تشييد العاصمة الجديدة، لن يتنافى مع تنمية القاهرة بشكل عام، و"القاهرة التاريخية" على وجه الخصوص، بل أن الأيام أثبتت صدق ورؤية رأس الدولة، بأن العاصمة الإدارية الجديدة، هي مرآة تعكس التقدم العمرانى والتنموي الموجود فى قلب القاهرة التاريخية، لكن بثوب حضاري ومعمارى جديد، يتماهى مع متطلبات العصر والتغير الواقع.
 
وتولي القيادة السياسية، اهتماما بالغا، بحتمية عودة إحياء التراث المصري الذي يتنوع بين الفرعوني والقبطي والإسلامى، والحفاظ عليه، إيمانا بأنه يمثل أحد أبرز أذرع قوة مصر الناعمة، وأحد أضلع استراتيجية التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
 
الأسبوع الماضى، وخلال اجتماعه مع اللواء أمير سيد أحمد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء أحمد العزازي مدير المشروعات القومية الكبرى بالقوات المسلحة، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتعزيز الجهود القائمة لاستعادة الوجه الحضاري لمختلف الأحياء السكنية في محافظتي القاهرة والإسكندرية، في إطار نهج الدولة الاستراتيجي في تطوير المدن والأحياء على امتداد رقعة الجمهورية ورفع كفاءة وتحديث الخدمات والمرافق بما يساعد على توفير حياة كريمة للمواطنين وتغيير واقعهم إلى الأفضل استمرارا لتجارب الدولة الناجحة خلال السنوات الماضية في مجال التطوير العمراني المتكامل.
 
وخلال الاجتماع الذى خصص لمتابعة الموقف التنفيذي والإنشائي الخاص بتطوير الأحياء بمحافظتي القاهرة والإسكندرية، تم عرض مستجدات تطوير عدد من الأحياء السكنية بالقاهرة الكبرى، خاصةً أحياء شرق القاهرة المطرية وعين شمس والسلام، إلى جانب جهود رفع كفاءة منطقتي غيط العنب وغرب محافظة الإسكندرية، لاسيما ما يتعلق بمنظومة الخدمات المتكاملة ورفع كفاءة البنية التحتية من مياه شرب وصرف صحي وكهرباء، وكذلك أعمال الرصف والإنارة والتشجير والتنسيق الحضاري.
 
وقبلها وتحديداً خلال الاجتماع الذى عقد يوم 19 نوفمبر، وجه الرئيس السيسي بعدم الاكتفاء بإقامة الأنشطة التجارية والخدمية في عملية التطوير لمرافق وطرق وكباري العاصمة وإضافة البعد الثقافي والمعرفي لتلك الأنشطة، خاصةً إنشاء المكتبات، حيث تابع الرئيس مستجدات تطوير قطاع الخدمات لعدد من المناطق في القاهرة، لاسيما إنشاء الأسواق المركزية الحديثة في عدة مناطق، وكذلك عملية التنسيق الحضاري والحدائق المحيطة بموقع القلعة، وتطوير مدخل العاصمة من الشرق بمنطقة شارع حسين كامل، حيث سيشمل هذا التطوير توفير العديد من الخدمات والمناطق التجارية، إلى جانب إقامة حدائق وكباري للمشاة، وكذلك رفع كفاءة واجهات العمارات والمباني المطلة على الشارع على نحو يليق ويتكامل مع التحديث والتطوير الشامل للقاهرة الكبرى. 
 
وعلى الرغم من الظروف الصعبة والتحديات الداخلية التي مرت بها مصر، على مدار السنوات الـ 7 الماضية، وما نتج عن جائحة فيروس كورونا، الذي أثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المصري والعالمي، لكن المشروعات القومية الثقافية، كانت لها أولوية قصوى لدى القيادة السياسية، واستطاعت مصر، برغم تلك الأزمات، أن تبهر العالم، موكب المومياوات، الذى جرى لنقل المومياوات الملكية، لعرضها بمقرها الدائم داخل متحف الحضارات، لاستقبال ملوك وملكات مصر الـ 22، وأعلن الرئيس السيسي، عن الافتتاح الرسمي للمتحف فى 3 أبريل الماضي، وافتتاح قاعة العرض المركزي للمتحف على مساحة 2570 مترا مربعاً، فقد أحدثت هذه الفعالية أصداء واسعة واهتماما بالغا فى العالم، وتم تغطيتها من قبل 200 إعلامى أجنبى من 30 دولة، ونقلته كبرى القنوات الأجنبية، أشادت به وسائل الإعلام والصحف والمجلات العالمية، ووصفته بأنه احتفالية راقية وغير مسبوقة، مما يعد أحد الدلائل التى تشير إلى اهتمام القيادة السياسية بالتطوير الثقافي في الدولة، والذى ترتب عليه نقلة حضارية ضخمة لمنطقة ميدان التحرير وعين الصيرة والفسطاط، فضلا عن الحرص على الانتهاء من مشروع المتحف المصرى الكبير، بالجيزة.
 
وبين العاصمة الإدارية الجديدة، والمتحف المصري الكبير، تقع مدينة القاهرة القديمة، صاحبة أروع مثال على الحضارة المعمارية الإسلامية الفريدة، من عصور الأمويين والطولونيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، فهي عامرة بالمناطق التاريخية والآثار المهمة الملهمة، والتي تجسد ثراء المدينة كعاصمة للعالم الإسلامي، فشوارعها القديمة مازالت تحتفظ في قلب نسيجها العمراني، بالعديد من الآثار العظيمة، تعد تحفًا أثرية، فتلك البقعة من قلب مصر، من أهم معالمها: الفسطاط، مصر العتيقة، والمنطقة الوسطى التي تشمل القطائع، والمدينة الملكية الطولونية، ومنطقة القلعة، والدرب الأحمر، والنواة الفاطمية، وميناء بولاق، وجامع الجيوشي، والغورية وباب زويلة، وغيرها من الأماكن الهامة، التى تضم 537 مبنى أثريا مسجلا في التراث العالمي ومنظمة اليونسكو، أي أنها كنزا من التراث الحضاري الكبير، إلا أنها صدرت بأنها عدة قرارات خلال العقود السابقة، وتم تنفيذ خطوات كثيرة، تتعلق بترميم بعض المباني الأثرية القائمة بها، وتطوير أجزاء منها كمشروع تطوير شارع المعز، لكن لم يتم النظر إلى هذه المنطقة بصورة متكاملة، لذلك عانت المنطقة كغيرها من المناطق الأخرى، من عدم الرغبة في التدخل والتعامل مع المشكلات التي تعانيها، ما أدى إلى تدهورها بشكل كبير، لدرجة أن المنطقة شهدت انهيارات لأحد المباني الأثرية على مدار الفترات الماضية، وبناء عشوائيا مضطردا، وتغيير نشاط المحال من الأنشطة التجارية التراثية إلى بيع السلع الاستهلاكية، علاوة على أن الأراضي والمباني المهدمة، التي كانت في فترة سابقة، أثر هاما، تم استبدالها بمجموعة أماكن عشوائية، باتت تهدد بحدوث كوارث بها. 
 
بداية، تطوير القاهرة التاريخية، ينقسم لأربع مراحل تشمل 149 أثرًا، متضمنة أعمال الحفظ والترميم والصيانة وإعادة التوظيف بمناطق الجمالية والأزهر والغوري والدرب الأحمر وباب الوزير، وبعض مشروعات الترميم المستقلة، مثل تلك الخاصة بمسجد أحمد بن طولون، وبيت السادات، وقصر الأمير طاز، وقصر محمد علي بشبرا، وسور مجرى العيون، ومشروعات البعثات والمنح الأجنبية للحفاظ والترميم مثلما في قبة شجر الدر، ومشهد السيدة رقية، وقبتى عاتكة والجعفري بشارع الخليفة، ومقعد وحوض قايتباي بجبانة المماليك بشرق القاهرة، ومشروع تطوير شارع المعز وشارع الجمالية، ومشروع إعادة تأهيل حارة الدرب الأصفر، ومشروع إعادة تأهيل مصر القديمة ومجمع الأديان، ومشروع إحياء منطقة السيدة زينب، ومشروع إحياء الدرب الأحمر، بالتنسيق مع منظمة اليونسكو ومركز التراث العالمي بباريس، بتمويل من الحكومة المصرية.
 
واستكمالًا للمرحلتين الأولى والثانية من ذلك المشروع الضخم، نسقت الإدارة العامة للقاهرة التاريخية، مع مركز هندسة الآثار والبيئة، بتدشين المرحلة الثالثة من المشروع، بمشروعات الحفظ والترميم والحفائر وإعادة تأهيل وتوظيف المباني الأثرية مثلما في مشروعات السور الشمالي والشرقي، ووكالة قايتباي وقبة الإمام الشافعي، والبيمارستان المؤيدي، ومقعد ماماي السيفي، والجامع الأزهر، ومشيخة الأزهر، وذلك بالتوازي مع مشروعات التطوير الحضري والحفاظ العمراني لشوارع القاهرة القديمة كشوارع المعز، والجمالية، والغورية، وباب الوزير، وسوق السلاح، والخليفة.
 
أما عن العقارات بالقاهرة الخديوية، التى شيدها معماريون من فرنسا والنمسا وإنجلترا والشام وتمكنوا من بناء العقارات بروح مصرية، وتم إطلاق مشروع تطوير القاهرة الخديوية في 13 نوفمبر 2014، بمناسبة مرور 150 عاما عليها، لإعادة الوجه الحضاري للعاصمة وبدأ المشروع بتحويل شارع الألفي وميدان عرابي وشارع الشواربي للمشاةن ومعالجة الواجهات وشبكة صرف الأمطار وتوسعة الأرصفة بوسط البلد، وإزالة الإعلانات أعلى الواجهات والأسطح، ولم تقتصر عملية التطوير على ترميم ىبعض المبانى التاريخية، كما كان يحدث فى الماضى، إلا أن الأمر تغير تماما، وفقا لتوجيهات الرئيس السيسي، خلال هذه المرحلة، فقد طرحت وزارة الآثار 10 مبان أثرية للترميم في إبريل 2018، بتكلفة 21 مليون جنيه، كتمويل ذاتي، مقسمة بواقع 5 مبان بمنطقة السيدة زينب والخليفة، هم: "سبيل أحمد أفندي سليم، سبيل يوسف بك، قبة الخلفاء العباسيين، قبة سنجر المظفر، قبة وزاوية أيديكن، 4 مبان بمنطقة الدرب الأحمر والسيدة عائشة، هم: سبيل كتاب رقية دودو، سبيل كتاب حسن أغا كوكليان، سبيل مصطفى سنان، واجهة حمام بشتاك"، مبنى واحد بمنطقة الأزهر والغوري، هو منزل جمال الدين الذهبي.
 
وشملت عملية التطوير، مشروع تطوير ربع المانسترلى، وبيت السحيمي، بالدرب الأصفر، وروضة الخليفة "أرض التبة"، ودرب اللبانة، وتطوير الأزهر والغوري، منطقة الدرب الاحمر، منطقة سور مجرى العيون، إحياء قصر الأمير بشتاك، فى شارع المعز لدين الله، ترميم مسجد الظاهر بيبرس، تطوير ميدان التحرير، من خلال توحيد لون المباني المحيطة، وتركيب مسلة "رمسيس الثاني"، التي تم نقلها من صان الحجر، و4  كباش، ليصبح متحف مفتوح أمام المتحف المصري، تطوير قرافة المماليك، وتضم المنطقة الجنوبية من القرافة بها 15 أثرًا يعود للعصر المملوكي، مثل مجموعة ابن برقوق، ومسجد الأشرف برسباي والأمير قرقماس. فهناك مشروعًا للتنسيق الحضاري، لتحويلها لمزار سياحي، وأن يكون لها هوية بصرية خاصة بها، وأن يتم ربطها بالمنطقة المحيطة.
 
كما يشمل التطوير ترميم وإعادة استخدام عدد من المباني الأثرية، وهى قبة الكلشني، وسبيل وساقية السلطان قايتباي، بقايا قصر السلطان قايتباي تربة الأمير منكلي بغا، قبة الكلنشي، تطوير وتطهير بحيرة عين الصيرة "عين الحياة"، مشروع تطوير منطقة الفسطاط، "تلال الفسطاط"، ويحمل أهمية خاصة، نظراً لدوره المحوري في إعادة إحياء أول عاصمة إسلامية في أفريقيا، وتحويل المنطقة إلى متنزه بيئي وسياحي وثقافي أمام الزوار، وشدد مدبولي، على سرعة الانتهاء من كافة مراحل تطوير منطقة الفسطاط، مع مراعاة التصميم الحضاري ذي الطابع المعماري العريق، بما يتناغم مع طبيعة المنطقة التراثية، والقيمة المضافة متعددة الجوانب لمشروع حديقة تلال الفسطاط على جهود تطوير منطقة القاهرة الكبرى، حيث تمثل الحديقة إطلالة على تاريخ مصر الخالد، لتصبح مقصدًا سياحيًا إقليميًا وعالميًا يعكس عراقة الحضارة المصرية.
 
وتعتبر منطقة حديقة تلال الفسطاط، هي الأكبر من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، وتقام على مساحة ٥٠٠ فدان، في موقع مركزي بقلب القاهرة التاريخية، لتحتضن متحف الحضارات وبحيرة عين الصيرة ومجمع الأديان وجامع عمرو بن العاص، لتتكامل الحديقة مع الطبيعة الحضارية للمكان وتحدث نقلة بيئية نوعية، كأكبر متنفس أخضر في قلب القاهرة ، حيث يتضمن المشروع عددا من الأنشطة التي تعتمد على إحياء التراث المصري، ومجموعة من الأنشطة الثقافية والتجارية والخدمات الفندقية والمسارح المكشوفة، ومنطقة آثار وحفريات قديمة، ومنطقة حدائق تراثية، مجموعة من الساحات التي تشمل أنشطة ثقافية ومطاعم، فضلا عن أنها ستتوسطها هضبة كبيرة تتيح التواصل البصري الفريد مع أهرامات الجيزة وقلعة صلاح الدين ومآذن القاهرة.
 
مشروع تطوير جامع عمرو بن العاص والساحة الخاصة به، والتي شملت مناطق القصبة والحفائر والأسواق المتاخمة لساحة الجامع، وتضم مواقف للسيارات والأتوبيسات وتراسات ومجمع سينمات ومدخل رابط مع منطقة الأسواق، وساحة رئيسية ومنطقة للجلوس ومسار مُشاة، وعددا من المباني الخدمية منطقة تجارية بمسطح 60 ألف متر مربع، تضم 19 محلا تجاريا والبحيرات والزراعات، حيث يندرج المشروع ضمن المخطط العام لمشروع تلال الفسطاط، مع إيجاد قطاع فندقي وترفيهي لتعظيم العائد الاقتصادي، وتنشيط السياحة ودعم الاقتصاد وتنشيط الحرف اليدوية، حيث تتضمن أعمال المشروع، إنشاء ساحة جديدة لمسجد عمرو بن العاص، بمساحة 12 ألف متر مربع، تتكون من دار مناسبات ومبنى خدمات المسجد ومكاتب هيئة الآثار وقاعة اجتماعات، ومبنى إدارة المفرقعات، ومركز طبي، وموقفا لهيئة النقل العام، وأسوار المباني ونوافير ونصبا تذكاريا، علاوة على ترميم وتجديد الجامع، وكذلك زراعات متدرجة وأحواض زراعة وأحواض نخيل، وإقامة بوابتين ومحطة رفع للصرف الصحي، ومشايات وجلسات الساحة من الرخام والجرانيت. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق