مصر رسمت خارطة طريق لمواجهة تحديات المناخ بالتمويل الدولي وتعويض خسائر البلدان الفقيرة

السبت، 12 نوفمبر 2022 09:00 م
مصر رسمت خارطة طريق لمواجهة تحديات المناخ بالتمويل الدولي وتعويض خسائر البلدان الفقيرة
محمد فزاع

Cop27 تتحول إلى ملعب مفتوح للاستثمار.. كبرى مؤسسات التمويل الدولية تنشط تحت مظلة مصرية 
 
 
"المرء ابن بيئته".. جملة قالها رائد علم الاجتماع ابن خلدون، ذات مرة واستشعر العالم معناها بخطر يهدد عصره الحديث كبشر وكائنات حية مختلف متمثلة في التغيرات المناخية، الذي بات يهدد مئات الملايين بارتفاع موجات الحر، ومستقبل مظلم يهدد باختفاء مدن بأكملها لارتفاع معدل ذوبان الجليد وتآكل الشواطئ، ناهيك عن أزمات الغذاء والزراعة والطاقة والمياه، مع فيضانات وحرائق.
 
أخذت مصر على عاتقها من رحم التحديات التي تحيط بالكوكب، مهمة استضافة قادة وزعماء العالم في قمة "إنقاذ الأرض"، متخذة طريقها لتحويل التعهدات الدولية إلى أجندة عمل لكي تتنفس الأرض، بتوفير التمويل اللازم لمواجهة آثار التغيرات المناخية ودعم إفريقيا على الصمود أمامها،  كونها الأكثر تضرراً، من تأثيرات التغيرات المناخية والتلوث والانبعاث الحرارى، التي تسببت فيها الدول الصناعية.
 
باتت شرم الشيخ عاصمة للعالم ويعول عليها 8 مليارات من البشر لتنقذهم من مستقبل غامض باستضافتها قمة المناخ "cop27"، لتثبت للعالم أن مصر لها ماضٍ وحاضر وقادم أعظم، فجاء 40 ألف شخص من بقاع الأرض، حاملين أعباء الكوكب ليتخلصوا منها في مدينة السلام، ويعودوا لأوطانهم آمنين آملين في غد أفضل، خالٍ من الملوثات الضارة والانبعاثات الحرارية السامة، مع تطلعات بنسمة هواء نظيف تعيد الحياة من جديد إلى رئة العالم. 

الدول الفقيرة الخاسر الأكبر
ترتفع فاتورة تكلفة التغير المناخي وباتت تقدر بعشرات مليارات الدولارات ويتوقع أن تصل إلى مبالغ خرافية، وتوضح الخسائر والأضرار التي أدرجت بجدول أعمال مؤتمر الأطراف حول المناخ في شرم الشيخ "كوب 27"، أن الدول الفقيرة هي الأكثر عرضة لتداعيات التغيّر المناخي رغم أن مسؤوليتها محدودة جدا في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحترار.
 
اتفاق باريس المبرم في 2015 والذي يشكل الوثيقة الرئيسية لمكافحة الاحترار المناخي، ركز على عنصرين رئيسيين هما "تخفيف" أو تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة و"تكيّف" الدول مع الآثار المادية والاجتماعية المتوقّعة مثل ارتفاع مستوى البحار أو تغيّر المنظومات الزراعية.
 
ويشير في المادة الثامنة من الاتفاق إلى "ضرورة تجنّب الخسائر والأضرار المرتبطة بالتأثير الضارّ للتغيّرات المناخية، وخفضها إلى الحد الأدنى ومعالجتها"، وكان الاتفاق يحيل خصوصا إلى ما يعرف بـ"آلية وارسو" التي استحدثت العام 2013 خلال كوب 19 في بولندا لدعم اعتماد مقاربات لمواجهة الخسائر والأضرار، لكن منذ ذلك الحين، استمرّ عددها وحجمها في الارتفاع كما تظهر الكوارث المتكرّرة في 2022 عبر العالم، من فيضانات وحرائق هائلة وموجات قيظ وجفاف.

58 بلدًا ضحية التغير المناخي
وقدّرت دراسة حديثة أعدّتها مجموعة "في 20" التي تضم 58 بلدا "ضعيفا" أمام تداعيات التغيّر المناخي، كلفة الكوارث المناخية على اقتصاداتها بـ525 مليار دولار منذ 20 عامًا، ومع تواتر الكوارث والاحترار الآخذ في الارتفاع، يحذر معهد غرانثام حول التغيّر المناخي من كلية لندن للاقتصاد، من أنه يتوقّع أن ترتفع بشكل كبير كلفة الأضرار التي يعجز التكيّف عن لجمها، وقد تراوح هذه المبالغ بين 290 و580 مليار دولار في السنة في 2030 وبين ألف و1800 مليار في 2050.
 
وتقول مجلة "ساينس أدفانسز"، أن موجات الحر الشديد في الفترة ما بين 1992 و2013 كلّفت الاقتصاد العالمي نحو 16 تريليون دولار، والدول الغنية على سبيل المثال خسرت نحو 1.5% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي للفرد خلال تعاملها مع موجات الحر، أما البلدان الفقيرة فخسرت نحو 6.7% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي للفرد.
 
وتظهر الدول الغنية تحفّظا منذ البداية، فهي تخشى العواقب المالية و"اعتراف" بالخسائر والأضرار، وتفيد بأن التمويل المناخي يتمتع من الآن بقنوات عدة وأن استحداث آلية جديدة ستزيد من التعقيدات من دون طائل، لكن عجزها المتواصل في الإيفاء بوعد سابق برفع مساعداتها للدول النامية لتخفيف التداعيات والتكيّف مع التّبدل المناخي إلى 100 مليار سنويا في 2020، أضعف موقفها، وبلغت هذه المساعدة حتى الآن 83 مليار دولار للعام 2020 وفق آخر الأرقام الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والتي تطعن بها الدول الهشة.

مصر ترعى مصالح إفريقيا
وينظر العالم إلى مصر بعد تسلم رئاسة قمة المناخ، كونها الدولة المستقرة سياسياً ولديها خطط تطوير اقتصادي واجتماعي وتسعى لتفعيل نموذج عالمي للاهتمام بالاقتصاد الأخضر والتعاون من أجل عالم أكثر استقراراً وأمناً من خلال التعاون ونشر ثقافة السلام بين دول العالم.
 
يقول عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة القاهرة، الدكتور محمود السعيد، إن المؤسسات الدولية تثق في قدرة الدولة المصرية على إدارة ملف المناخ خلال الفترة المقبلة، وتنسيق الجهود الدولية، وجرى اختيارها كممثل لقارة إفريقيا، موضحاً أنه مصر تسعى لتحقيق المصالح الإفريقية في هذا الملف كون أن القارة السمراء تعد الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية والأقل في التسبب بها بنسبة 4% فقط في العالم، وتركز الدولة على أن تحصل القارة على مخصصات تمكنها من القدرة على التكيف ومواجهة تغير المناخ.
 
وينتظر من مصر جهوداً كبيرة هذا العام، وعلى رأسها التحول للاقتصاد الأخضر، كونه المستقبل الذي يتجه له العالم، وتسعى مصر لزيادة حجم الاستثمارات المخصصة بالاقتصاد النظيف والطاقة المتجددة لأكثر من 50% الفترة المقبلة، مع التحرك الدولي للوصول إلى معدل الصفر في الغلاف الجوي من الانبعاثات.
 
يقول السفير محمد نصر، مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة، كبير مفاوضي الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ، إن "المؤتمر يعتبر أكبر مؤتمر أممي، ومصر حشدت لاستضافته من فترة ليست قليلة، لضمان التوافق العالمي لتكون ممثلةً للقارة، حيث تبحث الأمم المتحدة قدرة الدولة على تنظيم المؤتمر وإمكانياتها وقدرتها على حشد العمل الدولي والتعامل مع مختلف التوجهات، وهو ما أدته مصر".
 
وما يبرز مكاسب مصر في الفترة القادمة تجمع كبرى مؤسسات التمويل بالعالم في "يوم التمويل"، إذ حضر وزراء مالية، ورؤساء مؤسسات تمويل إقليمية ودولية ومديرو بنوك عالمية، وعلى رأسهم ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي، وكريستالينا جورجيفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، وغيرهم من المعنيين بقضايا تمويل المناخ.
 
واهتمت بآليات تيسير "التعافي الاقتصادي الأخضر"، بطرح مبادرات تحفيزية تُسهم في تشجيع القطاع الخاص على التوسع في المشروعات التنموية المستدامة، بشراكات متعددة الأطراف تُراعي البعد البيئي، لتحقيق النمو المستدام.

خفض ديون البلدان النامية
 
وتتطلع مصر لتفعيل دور أكبر للبنوك الإقليمية والدولية والتجارية ومتعددة الأطراف ومؤسسات التمويل الدولية، وشركاء التنمية الدوليين، في تحفيز الاستثمارات الصديقة للبيئة، وتعبئة تمويل البنية التحتية الأساسية الذكية من أجل التكيف مع المناخ.
 
وحرصت مصر على التوصل لمبادرات جادة لخفض أعباء الديون بالبلدان النامية والإفريقية من خلال تعزيز الفرص التمويلية المحفزة للتحول الأخضر عبر آليات ميسرة، خاصة في ظل أزمة عالمية تتشابك فيها الآثار السلبية لجائحة كورونا مع تداعيات الحرب بأوروبا، والتغيرات المناخية، على نحو يُسهم في جعل القارة السمراء أكثر قدرة على التوسع في المشروعات الخضراء، وتحقيق التنمية المستدامة، ويتسق مع قيام الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها، حيث تدخل التعهدات الدولية حيز التنفيذ.
 
وشدد الدكتور محمد معيط وزير المالية، على أهمية التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية للعمل على دمج البعد البيئي والمناخي في السياسات الاقتصادية لمختلف دول العالم، وكذلك إيجاد حلول قابلة للتطبيق لتقليل أعباء الديون بالاقتصادات الناشئة، بما يُمكنها من الوفاء بمتطلبات التكيف المناخي، وتقليل الانبعاثات الضارة والاعتماد على الطاقة النظيفة، ويسهم في إرساء دعائم نظام بيئي آمن ومستدام أكثر قدرة على تجنب الأزمات البيئية والصحية والاقتصادية في المستقبل، لافتاً إلى ضرورة بلورة رؤية عالمية موحدة للحد من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية على العديد من القطاعات الحيوية، منها الزراعة والأمن الغذائي، ترتكز على إيجاد تمويلات ميسرة ومحفزة للتحول للاقتصاد الأخضر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق